Skip to main content

Full text of "الشعرية في ديوان بدر شاكر السياب"

See other formats




ع 59 50 ' 
18 20) دن برط نامير م أطودممط كاناءع3.ع01» 31 3615م 36اتأللأة 30 6121100 ,120213ع7 نناع ألا 





ام أأوممع8 5ذع5ع1 هكاذا8 أ0 /اأأواع /اتدنا برط 0ع 01/10 1م 





وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 
جامعة محمد خيضر بسكرة - 
كلية الآداب واللغات 
قسم الأدب العربي 


الشدرد به في دب وان 
بدر شاكر السياب 


مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير 
في الأدب العربي تخصص نفد أدبي 


إعداد الطالب:- إشراف 5 
سعدون محمد أ.الدكتور 3 صالح مفقودة 


أعضاء لجنة المناقشة:- 














الإسم واللقب الرتبة الجامعة الصفة 
امحمد بن لخضر فورار أأستاذ محاضر أ | بسكرة رئيسا 
صالح مفقودة أستاد بسكرة مشرفا ومقررا 
عباس بن يحي أستاذ محاضر - أ | مسيلة عضوا مناقشا 
بشير تاوريريت أستاذ محاضر ‏ أ | بسكرة عضوا مناقشا 





السنة الجامعية: 2010/2009 


























وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 
جامعة محمد خيضر- بسكرة - 
كلية الآداب واللغات 
قسم الأدب العربي 


الشدرد به ن دبوا ١‏ 
بدر شاكر السياب 


مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير 
في الأدب العربي تخصص نفد أدبي 
إعداد الطالب:- إشراف :- 
سعدون محمد أ.الدكتور :- صالح مفقودة 





أعضاء لجنة المناقشة:- 











الإسم واللقب الرتبة الجامعة الصفة 
امحمد بن لخضر فورار | أستاذ محاضر أ | بسكرة رئيسا 
صالح مفقودة أستاد بسكرة مشرفا ومقررا 
عباس بن يحي أستاذ محاضر - أ | مسيلة عضوا مناقشا 
بشير تاوريريت أستاذ محاضر ‏ أ | بسكرة عضوا مناقشا 


السنة الجامعية: 2010/2009 























مقدم4 


4 0 


و 


- مقدمة: 
يعالج البحث موضوع الشعرية في ديوان بدر شاكر السياب» وهو موضوع يعتريه 

النقص البين في الممارسات النقدية التطبيقية وكان ذلك من دواعي اختيار الكتابة فيه 
فالنصوص المدروسة من النقاد والباحثين ضئيلة جدا مقارنة بالكتابات النظرية» وربما يعود 
النقص إلى عدم تحديد منهج مكتمل وشامل للشعرية» حيث لا تزال الدراسات تتقصى مبادئ 
الشعرية» لتضع لها قوانين ثابتة في ظل هيمنة الموجة العلمية الحديثة المتسلطة؛ لذلك قل 
الخوض في المجال التطبيقي مما جعل البحث يشق طريقه مع تلك البدايات التجريبية للنقاد؛ 
وهي في معظمها أعمال تجزيئية تفتقر في كثير من الأحيان إلى آليات التحليل المتكاملة التي 
تشمل كل مستويات الشعرية. 

وهذا لا يعني أن المجهودات المبذولة من علماء الشعرية المعاصرة ليست معتبرة» بل إنها 
تمثل منطلقات أساسية نحو الكشف الصعب عن ماهية الشعرية التي تتفلت وتتمنع عن الأطر 
والقوانين العلمية الصارمة» بطبيعتها الزئبقية وسرها الغامضء وقد شكلت مرتقى صعبا للعلماء 
والدارسين. 

أما اختيار ديوان بدر شاكر السياب أنموذجا للدراسة» فلأنه يشمل البداية الأولى لنمو 
الشعرية العربية المعاصرة وتطورها عبر مراحل متعددة» فالسياب كان يضع النماذج الحرة 
المختلفة ليحتذيها الشعراء» فضلا على كون قصائده تمثل بوابات واسعة نحو مطلق من الفن 
الحداثي المتجذر في الأصالة؛ والمكشثف بصور الدهشة والغرابة والانبعاث» وتتجلى فيها 
فضاءات أخرى جديدة مذهلة ومميزة» فهي نصوص خصبة رائدة مفعمة بالرؤية الجمالية» تتسم 
بالجدة والفرادة الإبداعية والصدق الفنيء والانزياحات البائنة عن فضاءات الشعرية البلاغية 
القديمة على الرغم من تمسك السياب بالأصول والتراث. 

فالبحث يتطلب أدوات فنية خاصة:. تتلاءم مع شفافية الشعرية التي هي روح يتماهى في 
جسد اللغة» سيما وأن للشعرية علاقة وشيجة بالجمال الذي لا مقاييس له: وقد حاول البحث 
تلمس الأبعاد الهاربة المتأبية لهذا الموضوع القديم الجديد "الشعرية" من خلال أشعار السياب 
الموسومة بالغموض القاتم» والانحراف اللغوي المفارق في كثير من قصائد الديوان» ويكاد يكون 
الاستناد على عمل تطبيقي متكامل معدوماء أو في شبه المعدوم فالدراسات التطبيقية عبارة عن 
مزع مفرقة ونثارات مشتتة هنا وهناك. 


1 (0 


مقدمه 

ومهما كان الموضوع مطروقا منذ العهد اليوناني» ومطروقا أيضا في التراث العربي. 
وفضلا عما حظيت به الشعرية من اهتمام كبير في العصر الحديث؛ء ابتداء من المدرسة 
الشكلانية في روسيا التي كان لها فضل التأسيس للشعرية الحداثية» مرورا بالمناهج النقدية 
المنبتقة عن علم اللسانيات» كالألسنية البنيوية والأسلوبية والسيميائية ..إلخ» فإن تلك الدراسات» 
لم تتوصل لتحديد مفهوم الشعرية بدقة» وهي تسعى لتجعل منها علما مستقلا له أحكامه وقوانينه 
العلمية» في خضم الأبحاث الحداثية التي هيمنت فيها سلطة العلم. 

وتبقى طبيعة الموضوع نافرة متأبية عن الأبحاث النقدية» لأن إكسير الشعرية لا يخضع 
للتجزئة والتجربة والأحادية التي يتوصل إليها العلم في نهاية المطاف. 

وقد تأكد بعض النقاد من أن الشعرية لا تحد بالقياس والمعيارية» ومنهم كمال أبو ديب 
الذي فتح للشعرية مجالات أخرى (معطيات نفسية» واجتماعية» وايديولوجية)» وهو من أشد 
النقاد تمسكا بالمنهجء بينما نفى نقاد كبار كل العلاقات الخارجية للشعرية» مركزين على 
العلاقات الداخلية للنصء لاستنباط فضاءات الشعرية انطلاقا من اللغة فحسبء أمثال (كوهين» 
وجاكبسون» وتودوروف) إذ عالجوا الموضوع من منظور محايث (معالجة اللغة باللغة). 

وقد تناول موضوع الشعرية فلاسفة كبارء كآرسطو في كتابه (فن الشعر أو الشعرية) وابن 
سيناء في ترجمته لهذا الكتاب بنفس العنوان» وحازم القرطاجني في القرن السابع الهجري من 
خلال مؤلفه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء)» وتناوله البلاغيون أيضا كعبد القاهر الجرجاني في 
( دلائل الإعجاز ) تحت مصطلح "النظم'". كما تطرق إليه النقاد والشعراء المعاصرون العرب 
مثل: عبد الله محمد الغذامي» وكمال أبو ديبء» ومحمد بنيسء ونازك الملائكة» وأدونيس» 
والبياتي» وصلاح عبد الصبورء ونزار قباني» وتناوله شعراء غربيون كبار مثل: بودلير» رامبوء 
إليوت» أراغون ...وغيرهم. 

وتطرق البحث إلى مفهوم الشاعرية التي تختلف عن مفهوم الشعرية» تحسبا للخلط الذي 
وقعت فيه كثير من الدراسات النقدية. 

إن البحث يغوص في نيار اللغة السيابية الانزياحية الخارجة عن "الكتابة في درجة 
الصفر" (الكتابة العادية) في معظم قصائد الديوان» يغوص في لغة إبداعية في فضاء 'شعرية 
الميتالغة" أو معنى المعنى أو اللامعنى في بعض الأحيان لما يسيطر على تفكير الشاعر لغز 
الحياة والموت أو الوجود والعدم. 

وقد تشكل البحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة. 


2 (0 


مقدمه 
واشتملت المقدمة على إبراز الخطوط العريضة للبحث بما فيه من إشكالات تتعلق بالبحث 
والموضوع والمنهج. 
أما التمهيد فقد ركز على أهم مفاتيح الموضوع "الشعرية" وهي:- 
» المفهوم العام للشعرية 
« الشعرية والشاعرية 
٠‏ الشعرية والجمالية 
» الشعرية في التراث العربي 
» تأثر الشعرية العربية بالشعرية الغربية الحداثية 
أما الفصل الأول: فقدعالج البحث فيه العناصر التالية:- 
1 - الشعرية الحداثية الغربية وقسمت إلى ثلاثة عناصر فرعية:- 
أ - الشعرية في المدارس النقديةالغربية الحداثية:كالشعرية الشكلانية والشعرية البنيوية 
والشعرية السيميائية وشعرية التلقي والقراءة. 
ب- الشعرية لدى النقاد الغربين الحداثيين مثل: رومان جاكبسون» جان كوهينء تزفيتان 
تودوروف 
ج- الشعرية لدى الشعراء الغربين الحداثيين مثل: شارل بودليرء أرتور رامبوء بول فرلين» 
إليوت. 
2- الشعرية الحداثية العربية وقسمت إلى عنصرين:- 
أ - الشعرية لدى النقاد العرب المحدثين مثل:عز الدين إسماعيلء كمال أبو ديب» عبد 
الله محمد الغذامي. 
ب- الشعرية لدى الشعراء العرب المحدثين مثل:نازك الملائكة» أدونيس» سعدي يوسفء» 
نزار قباني» أمل دنقل. 
3- فضاءات الشعرية الحداثية: واشتملت على النقاط التالية:- 
البيياضء التكرارء الغموضء التأويلء المفارقة» الانقطاع. الانزياح» الفجوة: مسافة التوترء 
الحضور والغياب, التوازي. 
أما الفصل الثاني: فقد اشتمل على عنصرين:- 
أ - التجربة الشعرية عند بدر شاكر السياب: تطرق فيها البحث إلى اللغة» الخارج 
والداخلء الموسيقا الخارجية والإيقاع الداخليء المجازء التقابل/ تنافر الأضداد. 


7 (0 


مقدمه 

ب- الأسس الفنية للتركيب الشعري في قصائد بدر شاكر السياب وهي: الصورة الشعرية: 
الأسطورة» الرمز الشعري» شعرية التناص. 

أما الفصل الثالث: فقد تناول الجانب التطبيقي فاتضحت من خلاله فضاءات الشعرية في 
ديوان بدر شاكر السياب» وقسمت تلك الفضاءات إلى:- 

أ - عناصر الفضاء الخارجي:- وتناول عناصر الشعرية المتعلقة بالفضاء الخارجي أو 
ما يسمى بالشكل: كالتكرارء البياضء التقابل» التوازي ..إلخ. 

ب- عناصر الفضاء الداخلي:- وتناول فيها البحث عناصر الفضاء الداخلي أو ما 
يسمى بالمضمونء, كالصورة الشعرية» والتناصء والمفارقة» والانقطاع, والانزياح» والغموض 
..إلخ. 

ونظرا لقلة المصادر باللغة العربية فقد اعتمد البحث على مجموعة من المصادر الأجنبية 
وترجمت من طرف الباحث ترجمة شخصية» ومراعاة للدقة والأمانة العلمية فقد أتبتت في 
الهامش النصوص المترجمة بلغتها الأصلية من أجل المقارنة. 

وأخيرا فإني مدين بالشكر لأستاذي الفاضل المشرف: الأستاذ صالح مفقودة الذي أضاء 
لي جوانب البحث؛ وكانت ملاحظاته هامة جدا لإرساء أسسه وعدم التيه في مسارب الموضوع 
المتشعبة» ومدين لكل الأساتذة الأفاضل الذين استفدت من آرائهم القيمة» شاكرا للمشرفين على 
المكتبات الجامعية - الذين سهلوا لي عملية الحصول على المصادر والمراجع- بمكتبة كلية 
الآداب واللغات في كل من جامعة بسكرة وجامعة باتنة وجامعة المسيلة. 
فالله أسأل أن يحظى عملي بالقبول إنه نعم المولى ونعم النصير. 


تمهيد 
مفهوم الشعرية 


2/ الشعرية والشاعرية. 

3/ الشعرية والجمالية. 

4 الشعرية في التراث العربي. 

5/ تأثر الشعرية العربية بالشعرية الغربية 
الحداثية. 





تناول تعريف هذا المصطلح كثير من النقاد المهتمين بموضوع الشعرية» مثل: 
تودوروفء جاكبسون» وكوهين ...وغيرهم» وفي محاضرة ألقاها رابح بوحوش في ندوة حول 
السيميائيات؛ الموسومة ب"البدائل اللسانية في الأبحاث السيميائية الحديثة" بجامعة عنابة عام 
4م تطرق إلى تحديد المصطلح [..والشعرية بوصفها علما لدراسة الوظيفة الشعرية 
"0111/6" يمكن ترجمتها إلى الإنجليزية بمصطلح "206:05" وهو المصطلح الأكثر وضوحا 
وتميزاء وذلك بأنه يمكن تقطيعه إلى جزئين» عملا بتوصيات ندوة اللسانية التي عقدت بتونس 
عام 1978م القاضية بطريقة عبد الرحمن الحاج صالح.ء بتقسيم المصطلح إلى جزئين» الأول 
20611" وتعني 'شعري". والثاني "5" وهي علامة الجمع في اللغة الإنجليزية على الوجه 
القياسي» فيصير المصطلح 'شعري". في صيغة جمع الإناث 'شعريات" على صيغة سيميائيات» 
لسانيات» ودلاليات ...إلخ].! 

وهناك من النقاد من يرى أن هذا المصطلح مأخوذ من أصل الموضوع المدروس وهو 
الشعر "0616م 24"؛ وقد تعدد مصطلح الشعرية وتعددت استعملاته في الكتابات النقدية : 
الشعرية» الشاعرية» الجمالية» الإنشائية» الأدبية» اللغة العلياء الميتالغة أو اللغة الواصفة» علم 
الأذب» فن النظمء فن الشعر...إلخ» مع اختلاف النقاد في تبني هذه المصطلحات حسب 
قناعاتهم العلمية» كما اختلفوا في تحديد مفهوم دقيق للشعرية [..إن الشعرية إذن» علم غير واثق 
من موضوعه إلى حد بعيد» ومعايير تعريفها هي إلى حد ما غير متجانسة» وأحيانا غير 
يقينية...]2» وورد المصطلح عند النقاد العرب القدماء بألفاظ متنوعة كالتخييلء والانزياح: 
والانحراف والتوسع أو الاتساعء؛ والعدول؛ والنظم؛ ومعنى المعنى ...وغير ذلك من الألفاظ 
المعبرة عنها. 

وينبغي أن ندرك مبدئياء أن الحديث عن الشعرية» لا يتم إلا عن طريق صيغ وتعابير 
فنية» وحينئذ تتراءى أطيافها بصورة أثيرية ملائمة لهاء لا تتجسم بالكلمات القاموسية أو 
1 - الطاض بومؤير: لتواصل لاني :والشعرية مقارية"تخليليُة لنظرية رومن جاصنبوق: متشورات الاختلاف: الدال الغريية للطوم: تاشرون» طلا 
7 5 3 نقلا عن رابح بوحوشء البدائل اللسانية في الأبحاث السيميائية الحديثة» محاضرة ألقاها في ندوة حول السيميائيات بجامعة 


2 - سامح الرواشدة: فضاءات الشعرية دراسة في ديوان أمل دنقل» المركل القومي للدنشرء أربد, 09ص 45. نقلا عن جنيت جيرار» مدخل لجامع 
النصء ترجمة عبد الرحمن أيوب. دار توبقال للنشرء المغرب. ص 20. 


د 


5-7 


تمهيد 
المصطلحات العلمية؛ لأن أصل الشعرية نتاج تخيلي يقترب كثيرا من التصورات الفلسفية 
التجريدية» لا يخضع إلا للفن والذوق والخيال» فالشعرية صور تشبه (الحلم) حسب وصف 
بعض العلماء لهاء تصطنعه الألفاظ أو الألوان أو الأنغام الموسيقية أو تناسق الأشياء 
والموجودات البصرية أو الرؤى التجريدية [..فالشعر ليس عملا ولكنه شعرء والتعامل معه لا بد 
أن يكون شعرياء ولن يكون بوسع القارئ إلا أن يتحول إلى شاعر كي يستطيع النفاذ إلى عالم 
النص الشعري...]!؛ ويرى محمد الغذامي أيضا أن الشعرية مشروع طموح ويستعمل في 
تسميتها مصطلح 'لغة اللغة" [..وما ذاك إلا مشروع طموح لابتكار لغة اللغة وهو قمة العطاء 
الأدبي الجمالي...]2» وقد دأب معظم نقاد الشعريات على تجريد الشعرية من الجمالية» وهو 
عنصر مهم سوف يعرض لاحقا في البحث. 

وكلمة 'شعرية" لا يختص بها الشعر وحده [..على الرغم من تسميتهاء فإن الوظيفة 
الشعرية لا تنتحصر في الشعرء ولكنها تظهر في كل أشكال اللغة...]3, بل إن المشهودات 
الواقعية الملموسة أيضا تتولد عنها أنواع من الشعرية المتباينة» من خلال الرؤى الذهنية 
والتخيلية المختلفة»؛ حسب عوامل كثيرة متعددة ومتداخلة» كاللون والشكل والتناسق والصوت 
واختلاف تصورات الأشخاص والثقافات والبيئات والأزمنة والظروف والملابسات الاجتماعية 
وعون ذلك :هن الغرامتل” الأخوي: 'فلوين: للشهوية تعطينة تايكة أن أنفاظ محددة متستركة دين 
الأفراد»ء وهذه الطبيعة في عدم الثبات للشعرية جعلت منها موضوعا مستعصيا على الباحثين 
والنقاد [..وحسب شكلوفسكي فإن اللغة الشعرية ينبغي أن تبدو غريبة وصعبة» بل غامضة 
لجذب الانتباه» ولإنشاء إدراك حسي خاص بالشيء...].4 وتبقى تلك البحوث العلمية والتجريبية 
التي يعتمدها علماء الشعريات قاصرة دون الوصول إلى نتائج نهائية» وتظل الشعرية نائية عن 
القياسات والقوانين العلمية» ومن ثمة [..فاللفظة (الشعرية) لا تمتلك مقومات الاصطلاح؛ وهي 





غير مشبعة بمفهوم معين...].7 وهكذا فقد تأبت الشعرية على الدراسات الإبستمولوجية 
الميدانية والعلمية). 


1 عبد الله محمد الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج معاصرء الهيئة المصرية العامة للكتاب. ط1؛ء 2006» 

ص 262. 

2 -المرجع السابق نفسه» ص 87. 

006100 «متاعدم0؟ 12 تمص مد 6تدع312[1) :13 2 رععصة"1 ,2005 ,م8016 *25 روعاورء) 5و0 عد 061 :311117 سوعل - 3 
. ترجمة شخصية للباحث .(... ع8و282ه1 06 د5عمطحده؟ 165 0015 عطقل 212166 رصة كتهمط عتدهمم 312 2766ء65 كوم أوء' 2 

,2005 ,رصم ننل2 “25 رعسنه ةنا دعصددم؟ 5ع علهممقع عتامفط) 1ق «امتاعس 00ص رعسوناممم 15 تعستفاسة1 لتحكو© - 4 

20101 ,05131 ع011؟ ,رع1ل 0113 أء 661218 ع221:2161م2 00116 00610116 عتاعصة[ 12 كلد مكلط') صماء5) :81 2 يععصوسك1 

. ترجمة شخصية للباحث .(اءز1'0 ع0 عندغنادء1):هم «متامعء عم عصنا ععنتن أء ماصع عغه'1 جتمعاءم 
5 - حسن ناظم: مفاهيم الشعرية دراسة مقارنة في الأصول والمنهجء المؤسسة العربية للدراسات والنشرء بيروت. ط3» 2003؛: ص 23. 


5 





3-7 


تمهيد 

وهي مؤثرة فعالة تحرك مشاعر الآخرين» وتداعب مخيلاتهم» وتلامس أذواقهم أو باهتة لا 
تحرك حسا أو شعورا [..إن الفكرة الشعرية حرونء إنها ما تزال تجيء وتمضي بين التافه 
والسامي بين المفهومين المتناقضين...].! 
2/ الشعرية والشاعرية: 

اهتم النقاد بهذا المصطلح "الشعرية" في العصر الحديث اهتماما خاصاء وان كانت 

التسمية موجودة منذ أرسطو انطلاقا من عنوان كتابه 'فن الشعر أو الشعرية" الذي ورد فيه بأن 
الإلهام هو مصدر الشعر ومبعث الشاعرية» ويتفق العرب مع اليونان في فهمهم لمصدر الشعر 
الذي هو القريحة والإلهام. 

وتظل التفسيرات أسطورية غيبية في العصور الأولى [..وظل الشعر في القديم ذا صلة 
وثيقة بالإلهام الإلهي؛ وكان رمز هذا الإلهام ما تبين عنه صلة الشاعر بآلهة الفنون 1415175 
فيما تحكيه أساطير اليونان...]2» ثم يوضح غنيمي هلال ما عرف عن العرب في تفسيرهم 
لمصدر الشعر قديما قائلا:- [..ونظيره ما شهر عن العرب في عهدها الأسطوري من أن لكل 
شاعر شيطانا يقول الشعر على لسانه» فمن ذلك قول الراجز:- 

إني وان كنت صغير السن *** وكان في العين نبو مني 
فإن شيطاني أمير الجن ١‏ *** يذهب بيء في الشعر كل فن 

بل جعلوا الشياطين قبائل كقبائل العرب...].3 

ولا يزال عدد من المعاصرين يعتقدون بأن الشعر إلهام [..ومن كتاب العصور الحديثة من 
لا يزالون ينادون بجوانب مستترة في الشعر لا تفسرها سوى الموهبة أو العبقرية» وكلاهما مما 
يعجز الإنسان عن شرحه؛ فهما من أمور السماء...].* ومن ثمة فإن الشعرية لاتزال مجهولة 
الحدود ومستعصية على الدرس [..وأصبحت الشعرية من أشكل المسطلحات وأكثرها زئبقية 
وأشدها اعتياصا].” ويتساءل يوسف وغليسي [..فما هي الشعرية وما موضوعها وأي إطار 
منهجي ينتظمهاء أهي مرادف للأدبية؟ أم هي أشمل منها أم أخص؟ أهي علم الشعر أم علم 
النثر أم هي علمهما معا؟ وإذن أهي اسم آخر لعلم الأدب؟ أم هي نظرية الأدب في شكل 
1 - جريجوري جوزدانيس: شعرية كفافيء ترجمة رفعت سلام؛ طبعة الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية. مصرء 2000؛: ص 219. 
2 - محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث, دار العودة» بيروت: 1986,. ص 365. نقلا عن: 
ا ل 11 .09 2 ,1982 ,:11 111612[ 12 مدهل دعتتصعع 05 605نن601' بآ تعن اع مسسرظ ."1 
4 المرجع السابق نفسه.» ص 368. 


5 يوسف وغليسي: الشعريات والسرديات قراءة اصطلاحية في الحدود والمفاهيم» منشورات مخبر السرد العربي. جامعة منتوريء قسنطينة. 
7: ص 09. 


- 4- 





5-7 


تمهيد 
جديد؟! أم هي علم الجمال؟]!» ويمكن القول بأن الشعرية قد تلتقي فيها مجموعة من المناهج: 
[..والظاهر لنا هو أن الشعريات يمكن أن تتعاون مع غيرها من المعارف كالأسلوبيات 
واللكدانيات: والسوميا تتا بن ]2 

ومهما تحدث القدماء عن الشعرية ومصدرهاء إلا أن بروز نظريات الشعرية كان له سبب 
وجيهء لأن تطور الأفراد والمجتمعات أدى إلى تطور الثقافات والرؤى والتصورات» ومن ثمة 
تطور العناصر الفنية والإبداعية [..ومن المبررات القوية التي مهدت لنظريات الشعرية عدم 
كفاية البلاغة من جهة» ومنطق النقود الحدسية والانطباعية غير الموضوعية من جهة أخرى 
في ظن النقاد المتأخرين...].3 

وقد ترجمت الكلمة الأجنبية "206/06" إلى الشعرية؛ أي ترجمة مباشرة» وهناك من 
[..يرى أن السمات الخاصة بالأدب يمكن التعبير عنها بلفظة الشعرية»ء أو الشاعرية أو 
الإنشائية أو الأدبية أو السردية...].4 

وترد كلمة " الشعرية " و "الشاعرية " بمعنى واحد في العديد من الكتابات النقدية» على 
الرغم من أن اللفظتين لا تصلحان لمعنى واحد ولا هما مترادفتان» فالشعرية تتعلق بالنص دون 
المبدع ولها عناصر متعددة أو وسائل معينة كالرمز والمجاز والانزياح وغير ذلك من الوسائل 
التي سوف يتطرق إليها الباحث لاحقاء وتتميز بالثبات والحدية والانتهاء حسب ,أي الناقد أيمن 
اللبدي [..هو أن الشعرية في نهاية الأمرء تتعلق بالنص كما أسلفناء وتحتكم لهذا النص الثابت 
المنتهي والمحدد» ومعه تصبح حاملة لذات الثبات» ولو أنها أدخلت المتلقي» فهي قد اشترطت 
حياده المطلق لتبقى موضوعية» وإذا كانت الشعرية المتعلقة بالنص على هذا النحو من الثبات 
والحدية والانتهاء» فهي لا تصلح إلا لما يتعلق بها فقط...].7 

ومن وجهة نظر خاصة:؛ يمكن اعتبار الشعرية فضاء غير محدود -خلافا لما ذكره أيمن 
اللبدي- مهما كانت تنطلق من نص محدود وثابتء ولا يمكن أن يكون القارئ حياديا بأية 
صفة» لأن علماء الشعرية لحد الآن لم يتوصلوا إلى وضع أسس وقوانين للشعرية» علمية 
تجريبية» يمكن معها أن يكون المتلقي حيادياء فيرى كل المتلقين شعرية برؤية واحدة والمقولة 
السابقة لأيمن اللبدي هي رؤية نظرية فحسب, إذ من يثبت وجود النص إن لم يكن هناك قارئ؟ 


- المرجع السابق نفسه. ص 09» 10. 

رابح بوحوش: اللسانيات وتحليل النصوص. عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيعء الأردن» ط1؛» 2007: ص 82. 
- أيمن اللبدي: الشعرية والشاعرية؛ دار الشروقء عمان؛ 2006, ص 19. 

- المرجع السابق نفسهء ص 20. 

- المرجع السابق نفسه. ص 24. 


سم ايحم برا اكد إن 


5 


3-7 


تمهيد 
فالكاتب نفسه بعد إنهاء كتابة نصه يكون خارجا عنه» ويصبح قارًا له كسائر القراءالآخرين» 
فالنص عندما تتم ولادته يغدو كيانا مستقلاء والمتلقي (المتعدد) وحده هو الذي يبرهن على 
كينونته» ثم يمنحه تلك الدلالات الذوقية والرؤيوية» يقول رولان بارث 871765 101070 صاحب 
الإعلان عن موت المؤلفء. وهو في العبارة التالية يمكن لسلطة النص ولذته ويمهد لنظرية 
التلقي:- [أحب النصء إذ هو بالنسبة لي هذا الفضاء النادر للغة...]!» ويتجاوز القارئ بالنص 
اللغة من وضعها في درجة الصفر (اللغة النثرية المباشرة)» إلى الميتالغة» أو معنى المعنى؛ 
واللسانيات البنيوية التي تناولت موضوع الشعرية لم تقدم لحد الآن أنموذجا نقديا محددا لدراسة 
الشعريات. 

ولكي تتعدد شعرية النص الإبداعي» ينبغي حتما أن يتدخل المتلقي بشكل ضروري وملح: 
ولا يمكن تهميشه أو حياده بأية صورة» وإلا انحصرت شعرية النص في ذهن صاحبه قبل ولادة 
النصء فإذا ولد لم يصبح ملكا له [ العمل الشعري لا يكتمل إلا (بالآخرين) وبغير (الآخرين) 
تبقى التجربة الشعرية في جبين الشاعر كالعطر المحبوس في أحشاء البرعم» لا ينتفع به حقل» 
ولا تفرح به رابية...].7 

ولن تتحقق مقولة أيمن اللبدي الآنفة الذكرء إلا بعد فراغ النقاد من وضع أسس علمية 
ثابتة للشعرية» وهو ما لم يتحقق لحد الآن. 

وتتفق معظم المدارس النقدية الحداثية على المراحل التي يتم فيها إنجاز النص الإبداعي 
الذي تتوفر فيه الشعرية» وهذه المراحل - وإن كانت تركز على المبدع وشاعريته أكثر من 
التركيز على النص -هي التي تساعد على إخراج النص الإبداعي» وتطبعه بقيمة جمالية معينة 
تحمل سمات تلك المراحل التي تولدت عنهاء وتبدأ المراحل [..بالحافز أولاء ثم التأمل» والتمثيل» 
ثم المخاض الذي يسبق الكتابة» ثم مرحلة الكتابة ذاتهاء وتليها أخيرا مرحلة التنقيح 
والتهذيب».. ]+7 

هذه المراحل تمثل فترات تكوين النص الإبداعي الذي تتجلى فيه الشعرية الموسومة بتلك 
المراحل من حيث القوة والضعفء. والجمال والرداءة» وإذا كانت ملامح الشعرية تتجلى في 
النصء وكانت الشاعرية هي الطاقة الكامنة في المبدع, تلك الطاقة التي كونتها عوامل أخرى 
خارجية ونفسية فإن التواشج بينهما يكون قويا ومتينا. 
2/1111 :3 © ركتيوط ,1994 بلتناعى نلك صماتل:1 رعاععا بل عممتقاط :معطسدظ لسقامع - 1١‏ 

. ترجمة شخصية للباحث .(... 1292826 ع0 22" ععدري أء» 


2 - نزار قباني: الشعر قنديل أخضرء منشورات نزار قباني. بيروت. ط 16: 2000: ص 114. 
3 - أيمن اللبدي: المرجع السابق نفسه. ص 26. 


-6- 


5-7 


تمهيد 

أما العوامل الأساسية التي تسهم في نمو الشاعرية [هي: البيئة - العوامل الاجتماعية - 
الجنس والنوازع النفسية - الثقافة - الفكر والإيديولوجيا - التجربة والمعاناة - النقد والتبادل 
المعرفي]. ! 

وحين تتشكل الشاعرية» وتكون طاقة أو ملكة لدى المبدعء فإنها إما أن تكون نمطية 
كالنمطية التي لدى شعراء النص العموديء أو غير نمطية كشعراء النص الحر[..كانت 
الشاعرية في النظم القديم تتحلى بجمالات شكلية وبصورة حسية حرفية» أما اليوم فالشاعرية هي 
حالة نفسية منوطة بدرجة الانفعال واتساع نطاقه» وأسمى درجات الشاعرية وأفعلها في النفوس 
ما كان منها واسع الانفتاح على أعماق الحياة وصادرا عن النشوة الداخلية واللذة 
الوجدانية...]7» ويعزى هذا الفرق بين الشاعريتين (النمطية وغير النمطية) إلى الثقافة والتكوين 
والإيديولوجيا والممارسة الشعرية؛ وإذا تشكلت هذه النمطية في ملكة الشاعر فإنه يصعب إعادة 
بنائها وتشكيلها من جديد كي تكون غير نمطية لديه ليتخلص الشاعر من أحادية الرؤية 
والتصور في صياغة النص الشعريء فالشعرية حين يبنى نمطها المعماري بعد لأي في كيان 
الشاعر أو المبدع عبر زمن تكويني طويل» وبعد ين ومثابرة» يصبح من العسير أو من غير 
الممكن أن تنتج تلك الشعرية نوعا آخر خارجا عن النمطية المعتادة التي بلغت مرحلة التصلب 
في كيان المبدع؛ غير أن قلة من الشعراء المتميزين يستطيعون كسر الحاجز بشكل ثوري» وهم 
المجددون» كما فعل ذلك قديما أبو نواس وبشار بن برد وأبو تمام» أو ما فعله بدر شاكر 
السياب» ونازك الملائكة من خلال الشعر الحر في أواخر الأربعينات من القرن الماضيء ولو 
أن الإرهاصات الأولى للشعر الحر قد بدأت تظهر منذ العشرينات في أشعار علي باكثير أثناء 
ترجمته 'لروميو وجولييت" وقبله لويس عوض في كتابته للشعر المرسل المتحرر من وحدة 
البحر العروضي. 
3/ الشعرية والجمالية: 

إن سياق الحديث عن الشعرية يقود بالضرورة إلى التطرق لموضوع الجمال الذي 

أخرجه الفلاسفة الألمان من السياق اللاهوتي والأخلاقي» لتكون له فلسفة خاصة:؛ وأول مجال 
له هو الشعرية» وإن كان النقد الجمالي لا يعتترف ببعض العناصر المذكورة آنفاء كالبيئة 
والعصر وشخصية المبدع [..هو نقد للفن بني على أصول (الاستاطيقي) * أو على (علم 


1 المرجع السابق نفسه.ء ص 28. 
2 - ريمون طحان: الألسنية العربية. دار الكتاب اللبناني» بيروت. ط1ء 1972؛» ص 128. 
* - الاستاطيقي: لفظة تعني علم الوجدان والشعور. 


7 


5-7 


تمهيد 
الجمال) يعنى بدرس الأثر الفني من حيث مزاياه الذاتية ومواطن الحسن فيه» بقطع النظر عن 
البيئة والعصر والتاريخ» وعلاقة هذا الأثر بشخصية صاحبه...].! 

وقد تهافت النقاد والدارسون في العصر الحديث على وضع الأطر والقوانين التي تشكل 
الشعرية» ولم تتطرق تلك الدراسات والأبحاث في الشعرية إلى الجمالية التي تكمن في العمل 
الأدبي [..إن الشعريات» لم تقدم إلا أوصافا على مستوى الخطاب الشعريء وهدفها البحث عن 
القوانين العامة للشعرء ملغية القوانين الجمالية ذات الأهمية القصوى, كونها لا تتصف بصفة 
العلمية تلك الدعوة التي سوغت بها الدراسات البحتة للخطاب الشعري...]2» وقد قال أناتول 
فرانس:- (أعتقد أننا لن نعرف بالضبط أبدا لم كان الشيء جميلا). 

هؤلاء النقاد الذين ألغوا الجمالية نائين بالشعرية عن صفات الجمالء ريما كانوا متأثرين 
ببعض العلماء الذين أنكروا تحديد قوانين الجمال والذين نفوا وجود أصول لهء لذلك كان هدف 
النقاد وضع قوانين نقدية مستقلة للشعرية [..كما ينكر كثير من العلماء إمكان تحديد الجمال» 
ينكر أيضا كثير منهم وجود أصول له...].3 

أما النقاد الذين يرون بأن الشعرية لا تقيدها القوانين أو القواعدء فهم يرون بأن المبدعين 
قد أنتجوا فنهم على غير قاعدة أو مثال» ومع ذلك فإن آثارهم الفنية تنال الإعجاب [..إن 
عباقرة الفن الذين ينتجون الآثار الفنية التي تنال إعجاب الجميع على غير قاعدة أو مثال 
يقتفونه...].4 

إن نقاد الشعريات لم يستطيعوا لحد الآن إزالة القناعة المتأصلة في الأذهان» التي كرستها 
الدراسات؛ بكون الفن تعبيرا حرا على الرغم من مساعيهم الحثيثة والجادة في وضع أطر وقواعد 
نقدية للشعرية لجعلها علما قائما بذاته [..نستخلص مما مر تحديدا للفن الجميلء أقرته أكثرية 
الآراء:- الفن تعبير حر أي غير مقيد بمثال» ذو قيمة ذاتية منفصلة عن غايته؛ وهو أكمل 
حسنا من الطبيعة» وأكثر اتصالا بالنفسء لما يثيره من حاسة المشاركة الشعورية» لأنه صنع 
إنسان لآخر...].5 

إن الفن بشكل عام لا ينفصم عن الجمالء والشعرية نتاج الفن» فمن البديهي إذا أن ترتبط 
الشعرية بالجمال» مهما حاول نقاد الشعرية التفرقة بينهماء حتى لو وصف الفن الموضوعات 


- روز غريب: النقد الجمالي وأثره في النقد العربيء دار العلم للملايين» ط1؛ بيروت» 1952؛ ص 05. 
- حسن ناظم: المرجع السابق نفسه. ص 70. 
- روز غريب: المرجع السابق نفسهء ص 07. 
- المرجع السابق نفسهء ص 07. 
53 المرجع السابق نفسه, ص 12. 


سم يحم انيرا اكد إن 


5-7 


تمهيد 
القبيحة» فإن سمة الجمالية تظل لصيقة به (فالفن يستمد من القبح جمالا) كما قيل» ويرد 
وصف دقيق للشعرية وعلاقتها بالجمال في تعريف الشعر لبشير تاوريريت حين يربط بين 
الشعر والجمال والإيقاع والنفس البشرية [..والشعر بهذا المعنى هو ممارسة جمالية تفرضها 
طبيعة النفس البشرية بحكم كونه محققا للانسجام والتوافق عبر الإيقاع فكأن معايير الجمال في 
الفن هي نفسها قوانين كامنة في عمق النفس ويحدث الانسجام من جراء التماثل بين 
السخالية]! 

إن الفلسفة حين تناولت موضوع الجمال» وصار فرعا منهاء قد مهد ذلك - دون شك- 
للشعرية [..ومع نشأة علم الجمال بوصفه فرعا من الفلسفة في القرن الثامن عشر قوي المدخل 
الموضوعي للشعرية].7 

إنه لا يمكن فصل التجربة الشعرية عن الجمالية» لأن التفسير الخارجي أو الوصف 
الشكلي الظاهري الذي تعنى به الشعريات الحداثية» لا يحدد ماهيتها بدقة» باعتبار أنهما 
متمازجان كلياء ولا يصح عزلهما عن بعضهما بعضاء فالأوصاف التي تقدمها الدراسات 
للشعريات بهدف البحث عن القوانين العامة للشعرية» والغاؤها للجمالية كونها لا تتصف بصفة 
العلمية» لا يمكن من تمييز النصوص الجميلة [..لا ينبغي أن نقدم الوصف -حتى وإن كان 
صحيحا- على أنه تفسير للجمالء فلا توجد طرائق أدبية ينتج عن استعمالها تجربة جمالية 
وكوي 

وتودوروف يقصد بالوصف في المقولة السالفة الوصف الهادف إلى التقنين الذي تعتمده 
الشعريات» ويقصد بالطرائق القواعد العلمية» فهو يبعد الجمالية عن المنهج الوصفي. 

وهناك من يتوسع بالرؤية في المنهج الوصفيء فينظر إليه بصورة أشمل مما يرى 
تودوروفء فيسوغ دخول الجمالية إلى فضاءاته [..إن هذا لا يدفع لليأسء ما دامت الشعرية في 
بدايتهاء وما دمنا نستطيع أن نحكم بأننا في الطريق الصحيح للتحليل الأدبي» أعني الانطلاق 
من النص (الانبثاق)» فالوصف يعتمد على النص (حسب). ما دامت الجمالية كامنة في العمل 
الأدبي وحدهء فإن الوصف كخطرة أولى هو الطريق الصحيح. أي ربط بنية العمل الأدبي 
بقيمته» وربط الشعرية بالجمالية...].4 


- بشير تاوريريت: رحيق الشعرية في كتابات النقاد المحترفين والشعراء والنقاد المعاصرينء: مطبعة مزوارء الجزائرء 2006» ص 18. 
- حسن البنا عز الدين: الشعرية والثقافة» المركز الثقافي العربي. المغرب؛ ط1؛ 2003؛: ص 28. 
- تزفيتان تودوروف: الشعرية؛ ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة:؛ دار توبقال للنشرء المغرب. ط2» 1990» ص 83. 
- حسن ناظم: المرجع السابق نفسه.» ص 71. 


اسم يم يرا احقل 


-9- 


3-7 


تمهيد 

ومن خلال هذا القول لحسن ناظم الذي يربط فيه بوضوح بين الشعرية والجمالية» نراه 
يعود ليرى رؤية أخرى مناقضة تماما [..ويبدو لي أنه من الصعب وضع مطابقة بين الجمالية 
والشعرية» فالشعرية قادرة على أن تبرهن على وجودها من خلال عناصر تحققهاء بينما لا 
نستطيع» كما وعى ذلك ياكبسون» أن نحدد الجمالية من خلال عناصرها غير الثابتة. والحكم 
بالجمال على نص معينء هو حكم بدئي وحدسي.ء وان الدراسة التي تكشف عن شعرية نص 
معين» لا يمكنها أن تكشف عن سر جماليته» نظرا لاستحالة المطابقة بينهما...].! 

ويبقى علماء الشعريات في بحث مستمرء لكي يربطوا بين الشعرية والجمال» ويصوغوا 
أحيانا أدلة منقوصة ثم يقحمونها بشكل قسري للبرهنة على نظرياتهم بخصوص الشعرية 
وعلاقتها بالجمال» وتظل رؤاهم النقدية مضطربة وغير واضحة. ولا يزال البحث في الشعرية 
تعترضه العوائق والإشكالات» نظرا لاختلاف المقاربات والأدوات المقاربية للنص من منهج 
نقدي لآخرء ومن ناقد إلى ناقد آخر في المنهج الواحد [..ورغم المجهودات النظرية المعتبرة في 
حقل "الشعرية": فإنها ما تزال لحد الآن» تثير الكثير من الإشكالات والعوائق» وذلك لاختلاف 
المقاربات والأدوات المقاربية للنص وللشعرية كحقل معرفي ونظري...].2 

أما تودوروف فإنه ينتقد تلك الدراسات التي تفصل بين الشعرية والجمال قائلا:- [..إن 
مجيء الشعرية طرح من جديد المسألة المحتومة: قيمة العمل وما أن نسعى مستلهمين مقولاتها 
لوصف بنية عمل معين وصفا دقيقاء حتى نواجه الاحتراز نفسه المتعلق بإمكانية تفسير 
الجمال» إننا نصف البنى النحوية» والانتظام الصوتي لقصيدة ماء ولكن ما الجدوى من ذلك؟ 
هل يسمح لنا هذا الوصف بفهم علة الحكم على هذه القصيدة وبالجمال؟ وهكذا يوضع مشروع 
إقامة شعرية صارمة موضع شك...].3 

إن الأدلة النقدية الناقصة المقحمة» تتجلى في فصل النحوء والانتظام الصوتي عن بنية 
العمل الأدبيء لأن النظرة الفنية المثلى لا تفصل الأجزاءء فالنحو والانتظام الصوتي واللغوي 
والبعد البلاغيء. كل ذلك يرد في سياق كليء ليتوفر لهذا العمل المتكامل الروح الشعري» 
والجمال الذي يسري في جميع أجزائه دون بتر لأدوات النص وأجزائه المكونة له (اللغوية 
والنحوية والبلاغية والصوتية)» ويعود سبب الوقوع في حيرة الفهم وصعوبة القراءة والتفسير - 
كما هو وارد في تساؤلات تودوروف- إلى استعمال المنهج العلمي» ومحاولة عقلنة عنصر فني 


1 المرجع السابق نفسه» ص 71. 
2 - مشري بن خليفة: القصيدة الحديثة في النقد العربي المعاصرء منشورات الاختلاف. سلسلة كريتيكا. ط1» 2006؛» ص 72. 
3 تزفيتان تودوروف: المرجع السابق نفسه. ص 80. 


- 10 - 


5-7 


تمهيد 
"الشعرية" أو "الجمال" بوضعه على طاولة التشريحء ولا يتأتى ذلك أبداء نظرا لطبيعة عنصر 
"الشعرية" أو "الجمال" المختلف عن طبيعة المادة» وبذلك تبقى شعرية تودوروف ناقصة هي 
الأخرى [..وكذلك شعرية تودوروف (1968م) لم تستكمل...].! 

ومن أهم المقومات الجمالية المتكاملة للبنية الشعرية» ما اهتدى إليه الطاهر بومزبر من 
خلال دراسته لنظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعريء وهي: [..اختيار المواد 
اللفظية» حسن تركيب العلامات اللسانية؛» التسهيل في العبارات» ترك التكلفء, إيثار حسن 
الموضع والمبنى» التناسب بين حجم البنية ومقتضيات التخاطب والإبلاغ...].7 

إن البحث عن العلاقة بين الشعرية والجمالية أمر ملح لا مناص منه؛ غير أن علماء 
الشعرية -كما سلف الذكر- لم يتطرقوا إلى هذه العلاقة إلا لماماء مما حدا ببعضهم إلى 
التركيز عليهاء عندما رأوا أن معظم التحاليل لا تولي أهمية لتلك العلاقة الضرورية 
اللازمة:[..إن الشرط التالي غالبا ما يصاغء: فيطالب به كل تحليل أدبيء» سواء أكان بنيويا أم 
لاء لكي نعتبر التحليل مرضياء فإن عليه أن يكون قادرا على تفسير القيمة الجمالية لعمل ماء 
أي بعبارة أخرى, له من القدرة ما يفسر علة حكمنا على هذا العمل أو ذاك بالجمال دون غيره 
من الأعمال» وإذا لم يتوصل إلى تقديم إجابة مرضية على هذا السؤال» يذهب الاعتقاد إلى أنه 
قد برهن على فشل التحليل...].3 

على الرغم من توجيه الانتقادات للسانيات البنيوية في كونها لا تلائم الدراسات الأدبية 
حيث تخرج كل ما هو جمالي ونفسي من مجالهاء إلا أن الناقد حسن ناظم يرى أنه [..من 
الممكن أن نستثني مقاربة ياكبسون وليفي شتراوس لقصيدة "القطط" لبودلير ©77هاءل/ه8 إذ 
حاولا أن يقيما علاقة بين القصيدة وجمالية بودلير ونفسيته...].4 

إننا لا نستطيع أن نحكم على جمالية نص إلا من خلال معرفة بنيته وتحليلهاء وادراك 
خلفيته وقواعده [..إذ من التعرف على البنية وتحليلهاء واستنتاج البنى الخلفية للقواعد الكلية 
للخطاب؛ يمكن الحكم على جمالية هذا الخطاب وتصنيفه ضمن أنواع الخطابات اللفظية 


ع0 0601م 15 )غ18 ...) :12 2 ركتنيوط ,1983 ملتنع5 دل صه1]0166 ,اعةم ع0 وتتنامع 15ل تلدع كتاواة تعأاعصء © لنرونن © - 1 
. ترجمة شخصية للباحث .([16592© 3 2001© أعند1ة (1968) 1000109 

2 الطاهر بومزبر: أصول الشعرية العربية نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري. منشورات الاختلافء الدار العربية للعلوم؛ ناشسرون» 

بيروتء. ط1ء 2007. ص 98.؛ 99. 

3 تزفيتان تودوروف: المرجع السابق نفسه. ص 79. 

4 حسن ناظم: المرجع السابق نفسه» ص 68. 


- 11 - 


5-7 


تمهيد 
المتعالية» غير أن هذا لا يعني إطلاقا تنصيب 'لجان تحكيم أدبية” لتجلية قيمة العمل الأدبي» 
وإنما تبقى عملية استنطاق النص عملا حرا يختلف باختلاف رؤى القراء الواعين].! 

ربما يكون السر الذي جعل معظم نقاد الشعرية يعزفون عن المزج بين الشعرية والجمالية. 
هو الصعوبة الشديدة في القبض على ملامح الجمالية بصورة أشد مما يعانونه في التقنين 
للشعرية [ أصعب ما في الكون خلق الجمال].7 لصعوبة تلمس أصوله ومصادر منطلقاته [..إلا 
أن صعوبة البحث لا تعني إلغاء مكون أساسي لعمل ماء لذلك اضطرت البحوث في الشعرية 
إلى إدخال النظريات التي تعنى بالجمال...].3 

حقيقة أن ثقافة الدارس أو القارئ وعمق التجربة لديه» يمكنه من الكشف عن شفرات 
الجمالية المتعددة من داخل الأبنية الشعرية» بالإضافة إلى كثافة الصور الجمالية التي يتضمنها 
النص [..إلا أنه بقدر ما يتضمن النص ذاته من أبنية شعرية ذات شفرات جمالية متعددة؛ فإنها 
لن تكشف عن دلالتها إلا لمن يمتلك المعرفة بنظمها الشعرية...].4 

كثير من الآراء تذهب إلى أن الجمالية لا تخضع لأي منهجء فالجمال عند الصوفية لا 
منهج له لأنه إحساس وشعور قلبي [..والجمال عند المتصوفة هو حقيقة لا معقولة» تسمو فوق 
نظام الحسء ويبلغ بها المتصوف قمة معرفته بحيث لا يستطيع بلوغها...].7 

وقد انقسم الدارسون إلى أصحاب الموقف اللامنهجيء وأتباع الموقف المنهجيء ويختلف 
كل اتجاه في تفسيره للجمالية عن الآخر [..الحق أن الآراء والمذاهب قد اختلفت حول تطبيق 
المنهج في دراسة الجماليات؛ فمن بين الآراء من ذهب إلى استحالة تحديد التذوق الجماليء أو 
قيام منهج لدراسته في طلاقته مع الظاهرة الجمالية» وقد عرف هؤلاء بأتباع الموقف 
اللامنهجيء وهم ينقسمون بدورهم إلى الصوفية والتأثريين» ثم أتباع الموقف المنهجيء؛ وهم 
التجريبيون...وأتباع المناهج الوضعية والوصفية والدوغماتيقية والمعيارية والتكاملية...].© 

ومهما كان هذا التقسيم منطقياء إلا أن كلمة الجمالية كما انطبقت على غير المحسوس 
فهي تنطبق كذلك على المحسوس [..ولهذا فإن التعبير "جمالي" لا ينطبق هنا إذن "على 


* - تيزفيتان تودوروف: المرجع السابق نفسه. ص 79. 

1 الطاهر بومزبر: المرجع السابق نفسه» ص 65. 

2 - جورج غريب: لحظات جمالية» دار الثقافة» بيروت. ط2؛ 1983 ص 127. 

3 صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النصء المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنونء الكويت؛ ط1ء 1992: ص 70. 

4 صلاح فضل: أساليب الشعرية المعاصرة, دار الآداب» بيروت. ط1ء 1995: ص 16. 

5 علي عبد المعطي محمد وراوية عبد المنعم عباس: الحس الجمالي وتاريخ التذوق الفني عبر العصورء دار المعرفة الجامعية للطبع والنشر 
والتوزيع. مصرء (د.ت). ص 224. 

6 - المرجع السابق نفسه» ص 223. 


12: 


5-7 


تمهيد 
الجميل فقط" ولكن على الواقعي والمحسوس أيضاء وهذه قيمة اشتقاقية يحييها " فاليري " عندما 
يحدد كلمة "الجمالية"...].! 

وتتجلى الجمالية في المذاهب والمناهج المختلفة التي تتحدث عن المفاهيم الشعرية 
[..وعلى تضافر الأفكار الجمالية المنبتقة عن التجربة الخصبة للمذاهب الأدبية» والمناهج 
البحثية الحديثة من ناحية أخرىء وبهذا يبدو سياق الحديث عن الشعرية وعلم الجمال موصولا 
لا يكاد ينقطع...].2 

حتى الدراسات الأسلوبية تتضمن بشكل أساسي ألوانا للشعرية» انطلاقا من دلالات اللغة 
وخصائصها [..وشعرية الأسلوب مثل شعرية ليوسبنزرء تعالج أدبية النصء باعتبارها مجموعة 
من الخصائص الملازمة للغة الجمالية» وهكذا فالأسلوبيات والشعريات تمتلكان دلالة أساسية 
بالنسبة إلى نظرية الأدب أي أنهما يكونان إمكانين لمقاربة الأدب...].3 

أما المتتبع لأبحاث القدماء في اللغة» فإنه يجدها قد تعمقت سر الجمال المنبثق من عدد 
الحروف وتناسقها وسهولة مخارجها [..واهتم القدماء من علماء النقد والبلاغة بالجمال حين 
الأداء الصوتيء والدليل على ذلك ما أشاروا إليه من قلة عدد الحروفء؛ وسهولة المخرج؛ 
والسلامة من التكلفء والطلاقة حين التعبيرء وكلها تتصل بالأداء اللغوي المتصل 
بالأضبواة: ]ده 

كل هذه الأدلة والإشارات تدخل ضمن الشعر والنثر»ء لإنشاء الشعرية والبلاغة والجمال» 
وربطوا لذة النصء بجمال الصوت الناجم من التركيب النحويء وبناء الجملة» وانتقاء الحروف. 
وغيرها من المواصفات الخاصة بالتشكيل اللغوي [..ويؤدي هذا الجمال الصوتي إلى سرعة 
دخول المعنى للقلب والعقلء لأن الأذن تلذه وترتاح إليه...].” 

لقد ذهب القدماء مذاهب شتى في تعريف فلسفة الجمال الذي يراه افلاطون مرتبطا بالخير 
المطلق» والأخلاقء والمثالية» والتركيز على العقلء والمنطقء والشجاعة:؛ والتسامي بالروح إلى 
الحقائق المثالية العلياء بعيدا عن العاطفة المشبوبة؛ والخيال الجامح؛ وقد أثر افلاطون في 
الكثير من الفنانين لقرون عديدة في فلسفته الجمالية» من أمثال: بوتشيللي» ومايكل أنجلوء 


وادموند سبنسر ...وغيرهم. 


- بيير جيرو: علم الإشارة السيميولوجياء ترجمة منذر عياشي. طلاس للدراسات والترجمة والنشرء دمشق. ط1ء 1988, ص 114. 
- صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النص,ء المرجع السابق نفسه. ص 53. 
- رابح بوحوش: المرجع السابق نفسه» ص 53.: 54. 
- محمد سليمان ياقوت: علم الجمال اللغوي (المعاني والبيان والبديع)» دار المعرفة الجامعية» ج1. ط1ء 1995» ص 217. 
- المرجع السابق نفسه» ص 217. 


سم يحم برا اكد إن 


1 


5-7 


تمهيد 

أما هيغل فإنه يرى بأن الجمال ينطلق أساسا من الذوق» وينمو بالتكوين والدربة [..وأن 
يكون عند المرء ذوق» فهذا معناه أن يكون عنده شعور الجمال» حسن الجمال» وهو ضرب من 
الإدراك» لا يتجاوز حالة الشعورء وبالتكوين والتدريب» يغدو قادرا على التقاط الجمال حالا 
ومباشرة» أينما كان» وكيفما كان...].! 


4/ الشعرية في التراث العربي: 
ورد مصطلح الشعرية في كتابات القدماء بألفاظ عديدة» كصناعة الشعرء وأرسطو 

أول من أطلق هذا المفهوم على الشعرية [..إنا متكلمون الآن في صناعة الشعر وأنواعها]2؛ 
وكذلك الجاحظ في كتابه الحيوان [..والمعاني مطروحة في الطريق [...] فإن الشعر 
ضبتاعة: :]1ر3 

وتناول المصطلح أبو هلال العسكري في كتابه "الصناعتين". ويقصد صناعة الشعرء 
وصناعة النثرء وتكلم ابن سلام الجمحي عن صناعة الشعر [..وللشعر صناعة وثقافة يعرفها 
أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات...].* وورد أيضا بمعنى [..نظم الكلام وعمود 
الشبعو 5 

والقارئ لما يتتبع الدراسات النقدية القديمة» يجدها تنطلق من معايير فوقية متعالية» بحيث 
أن الشاعر ملزم حتما أن ينسج على منوال السابقين» حتى يكون شعره جيداء ويكون قد برهن 
على شاعريته» بتحقيق تلك الأصول المنيعة المستنبطة من النماذج الشعرية لفحول الشعراء؛ 
وكل شاعر حاد عنهاء يكون عرضة للحط من قيمة شعره وشاعريته. 

وجاء عبد القاهر الجرجانيء ليحرر الشعر من تلك القواعد المكرسة الضاغطة على 
الشاعر التي تحد من إبداعه؛ محاولا في نفس الوقت إنهاء الجدل القائم على اللفظ والمعنى؛ 
وابطال الأسس التي قام عليها الشعر [..لقد نقض عبد القاهر الجرجاني بنظريته الكثير من 
الأسس التي قام عليها عمود الشعرء وحرر الشعرية العربية من قيده» ورفض في الشعر تنائية 
اللفظ والمعنى» ووحد بين اللغة والشعر...].6 


1 - هيغل: المدخل إلى علم الجمال» ترجمة جورج طرابيشيء دار الطليعة» بيروت. ط2؛ 1980؛» ص 271 72. 
2 - مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسهء ص 56:57. نقلا عن أرسطو طاليسء. فن الشعرء ترجمة عبد الرحمان بدويء دار الثقافة» بيروت, 


ص 55. 
3 المصدر السابق نفسه, ص56 7» نقلا عن الجاحظ, الحيوان» تحقيق عبد السلام هارونء دار إحياء التراث العربي». بيروت. طق 219 
ص ١2131‏ 132. 


4 محمد بن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراءء. ج3: مطبعة المدني» المؤسسة السعودية» (دت)؛ مصر.ء ص 05. 

5 مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه. ص 51. نقلا عن يوسف بكارء بناء القصيدة في النقد العربي القديم والأندلسي. ط22» 1982»: بيروت» 
ص 45. 

- مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه» ص62. 


- 14 - 


5-7 


تمهيد 

لقد كانت نظرة القدماء شكلية في فهم شعرية النصء حيث لم تتجاوز حدود اللفظ ومفاهيم 
البلاغة القديمة» وأحدث عبد القاهر الجرجاني بآرائه نقلة في الكتابة التي تتوفر على الشعرية؛ 
وذلك حين دعا إلى تجاوز المعنى الظاهري للفظ [..وإذا قد عرفت هذه الجملة» فهاهنا عبارة 
مختصرة» وهي أن تقول المعنى ومعنى المعنى: أن تعقل من اللفظ معنى» ثم يفضي بك ذلك 
إلى معنى آخرء كالذي فسرت لك...].! 

وانطلاقا من نظرية النظم لعبد القاهر الجرجانيء يتبين أنه أدرك في وقت مبكرء بأن 
النص هو عبارة عن بنية لغوية تتشكل من العلاقات النظمية البنائية» فهو مجموعة من البنى 
المتصلة بعضها ببعضء كما أنه استخدم مصطلحات متعددة» تعبر عن رؤيته المتقدمة في فهم 
النص الشعريء منها: النظمء الدال» المدلولء الدلالة» التناسقء الملاءمة؛ معنى المعنىء 
التأليف ...إلخ. 

وبهذا يكون قد سبق بآرائه النظريات البنيوية الحديثة» إذ لا يعدو مفهوم الشعرية الحديثة 
الآراء والتلميحات الصادرة عن تلك المصطلحات والمفاهيم الواردة في نظرية النظمء بالإضافة 
إلى كون الشعرية عنده تشمل الشعر والنثرء وهي نظرة ثاقبة في إدراك مفهوم الشعر. 

نلاحظ أن النقاد القدماء قد ضربوا بسهم وافر في تحديد مفاهيم الشعرية التي تقترب كثيرا 
من المفاهيم الحديثة للشعرء ومن هؤلاء الذين قدموا بحوثا متقدمة أيضا في مجال الشعرية 
حازم القرطاجني في كتابه منهاج البلغاء وسراج الأدباء»ء حيث يرى أن طريقة تشكيل الدلالة 
الشعرية تقوم على ثلاثة أسس لا يستغني الواحد منها عن الآخر في قوله:- [..لما كانت 
المعاني إنما تتحصل في الأذهان عن الأمور الموجودة في الأعيان»وكانت تلك المعاني إنما 
تتحصل في الذهن بأعلام من العبارة...].” 

ويمكن تحديد الأسس من خلال المقولة الآنفة بالشكل التالي :- 

1 - المعاني 2- الموجودات الخارجية 3- الألفاظ. 

وقبل حازم القرطاجني كان قدامة بن جعفر قد تنبه إلى مسألة مهمة في تعريف الشعر 
تشترك في رؤية واحدة مع نظرية النظم وقضية العلاقات الداخلية والخارجية بين الشكل 
والمضمون يقول : [..قول موزون مقفى يدل على معنى].* ثم يؤلف من هذا التعريف ائتلافات 


1 - المرجع السابق نفسه.» ص 62. نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء دلائل الإعجازء ص 203. 
2 - الطاهر بو مزبر: المرجع السابق نفسهء ص 29» نقلا عن حازم القرطاجنيء منهاج البلغاء وسراج الأدباءء ص 09. 
3 مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه. ص 58. نقلا عن قدامة بن جعفرء نقد الشعرء. ص 70. 


3 


5-7 


تمهيد 
منطقية أربعة هي : [..اتتلاف اللفظ مع المعنىء وائتلاف اللفظ مع الوزن» وائتلاف المعنى مع 
الوزن» وائتلاف المعنى مع القافية...].! 

وقد أولتكه القزانيات: اللغويثة واللمائية المعاضئزة لهدده الفتعادلات والفلاقنات اللغومة 
والإيقاعية» اهتماما كبيراء ودارت حولها معظم المحاولات في استنباط قواعد الشعرية» فنظرية 
الاتصال لدى جاكبسون لا تخرج في جل أسسها عن قول عبد القاهر الجرجاني:- [..ينبغي أن 
ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليفء وقبل أن تصير إلى الصورة التي يكون بها الكلم؛ 
إخباراء وأمراء ونهياء واستخباراء وتعجباء وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى 
إفادتها إلا بضم كلمة إلى كلمة» وبناء لفظة على لفظة» وهل يتصور أن يكون بين اللفظتين 
تفاضل في الدلالة حتى تكون هذه أدل على معناها الذي وضعت له من صاحبتها على ما هي 
موسوعة يهن ]2 

فنحن لو استخرجنا من مقولة عبد القاهر الجرجاني السابقة عوامل الاتصالء لوجدناها 
نفس العوامل الستة التي وضعها رومان جاكبسون أسسا لنظريته» بغض النظر عن الوظيفة 
السابعة التي أضافها عبد الله الغذامي إلى مخطط جاكوبسون [..وهي قراءة مشروعة دفعت 
بعبد الله الغذامي إلى اقتراح إضافة وظيفة سابعة إلى مخطط نموذج ياكوبسون الاتصالي هي 
الوظيفة النسقية...]3. والمخططان الآتيان يبينان بوضوح شدة ذلك التقارب:- 


1 - المرجع السابق نفسه.» ص58. نقلا عن قدامة بن جعفرء نقد الشعرء ص 70. 

2 - المرجع السابق نفسه»ء ص»61 نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء دلائل الإعجازء ص 35. 

3 حسن البنا عز الدين: المرجع السابق نفسه. ص 26» نقلا عن عبد الله محمد الغذامي. قراءة في الأنساق الثقافية العربية» بيروت. ٠2000‏ ص 
3 67. 


116 


السياق 
(الصورة التي يكون بها الكلم) 


القناة (مساحة الكتابة أو 
مسافة الصوت) 
المرسل إليه(الكلمة 


ين إن الضبورة التي 
يكون بها الكلم) 


المرسل (الكلمة قبل 
دخولها في التأليف) 





(2) شكل تخطيطي لعوامل التواصل في (نظرية التواصل) لرومان جاكبسون 


5-7 


تمهيد 

يلاحظ أنه لا يكاد يكون هناك اختلاف بين المخططينء وتتضح المقارنة بالصورة 
التالية:- عندما نحلل مقولة عبد القاهر الجرجاني» ونضع حيالها عوامل نظرية التواصل: 
(الكلمة قبل أن تدخل في التأليف) تعني أن الكلام لم يصدر بعد عن المرسل فهو عنده أي عند 
المرسل؛ ثم تصير بعد إصدارها إلى المرسل إليه وهي (الصورة التي يكون بها الكلم إخبارا 
ونهيا واستخبارا) ولا تكون الكلمة على هذه الصورة الكاملة إلا إذا تلقاها المرسل إليه من 
المرسلء» وتتمثل الرسالة في (الجملة) التي تشكلها الكلمات وهي ذات معنىء ويتمثل السنن في 
(السمة التي اتسمت بها الكلمة) ثم القناة وتظهر في (المساحة التي تحوزها الجملة أو في 
مسافة الصوت: إن كانت الرسالة شفاهية)» وأخيرا فإن (الكلم له صورة) تأخذ الكلمة أو الجملة 
منه المفهوم المقصود وذلك هو السياق. 

أما الشعراء في التراث العربي القديم» فقد ظلوا ينظمون وفق مقولة "عمود الشعر" التي 
جعلت مساحة الشعرية فيه محدودة الأفق» وذات طقوس متقاربة رتيبة» تولدت عن الأوزان 
المسطورة المتبعة» والقافية الموحدة» ولا يخرج النظم عن الزحافات والعلل والأعاريض المحددة 
إلى آفاق إبداعية أخرى جديدة: ولو أن بعض الشعراء الجددء كأبي نواس وبشار بن برد وأبي 
تمام؛ قد ضاقت شاعريتهم ذرعا بتلك القيود المفروضة» فثاروا على بعض المضامين والأشكال» 
فأبو نواس دعا صراحة إلى التخلي عن ذكر الأطلال والدمن» وبشار ابن برد كان له رأي في 
التصرف في اللفظء حسب ما تقتضيه مستويات العقول» وأبو تمام كان يعاضل في معانيه» وقد 
أجاب عن سؤال طرح عليه [ لم لا تقول من الشعر ما يعرف؟ بقوله: لم لا تعرف من الشعر ما 
يقال؟].! 

أما البحتري فقد كان شاعر الديباجة والجمال والألق [..فقد كان مطبوعا على الشعرء 
مولعا بالجمال» واسع الخيال [...] ولعل أهم ميزات شعر البحتري حلاوة موسيقاه وانسجامها مع 
العواطف والمعاني وخصب الخيال والإبداع في تصوير الألوان والصورة الفنية الرائعة...].7 

وقد ظلت النماذج الشعرية تتكرر لقرون عديدة إلى وقت متأخرء لما اكتسحت الثقافة 
الغربية ذات الفعل القوي الساحة العربية» لتفتح ثغرات في محيط واسع., بدأ يتلاشى من أثر 
القدم [..ثم في الجغرافية العالمية للشعرء حيث تتقاطع أسئلة الإمبراطوريات الشعرية القديمة 
الباذخة» مع أسئلة الشعر الحديث» من خلال الترسخ المعرفي للفاعليات الفردية» وقد أعلنت 


1- أبو بكر الصولي: أخبار أبي تمامء تحقيق خليل محمود عساكر ومحمد عبدو عزام ونظير الإسلام الهندي. المكتب التجاري للطباعة والنشرء 
بيروت. (دت)ء» ص 72. 
2 - البحتري: ديوان البحتري؛. شرح يوسف الشيخ محمد. ج1. دار الكتب العلمية» بيروت. 2000» ص 50. 


-18- 


اختياراتها الشعرية في مواجهتها للتقليدية التي ما فتئت تحصن مواقعهاء وتدفع بالمساءلة 
والاقتحام لحدودها نحو جهات المنفى...].! 
5/ تأثر الشعرية العربية بالمذاهب الغربية الحديثة: 
وقد تأثرت الشعرية العربية في العصر الحديث بالاتجاهات النقدية الغربية الحديثة 

التي تحمل في طيها فكرا وفلسفة [خلف كل مذهب هناك فلسفة]2» ومن بينها الكلاسيكية 
"61045716" وهي مشتقة من اللاتينية» وتعني الطبقة العليا [..مصطلح الكلاسيكية نفسه لم 
يستعمل أثناء القرن السابع عشر الميلاديء إن فولتير 1/01/4176 في عهد لويس الرابع عشر هو 
الذي استعمله لأول مرة إلى كورناي وموليير وراسين ومن ثمة أعطي له معناه اللاتيني 
"5115م" التي تعني الطبقة العليا...].7 ثم أطلقت على طبقة الكتاب» وتعني بشكل عام كل 
عمل بلغ درجة من الجودة والإتقان» وذلك بالعودة إلى الآداب اليونانية» ومحاكاتها في قيمها 
الفنية وخصائصها الإنسانية» وهي باختصارء كل عمل أجمعت الأمم عبر العصور على 
جماليته» وقد ظل كتاب أرسطو 'فن الشعر" إلى عصر النهضة مرجعا أساسيا في فهم الشعرية 
الأوروبية» وانطلاقا لقواعد نظرياتهم الشعرية. 

والشعرية الكلاسيكية لا تجنح للمبالغة والتطرف في ابتكار الصورء ولا تنساق مع الأخيلة 
الجامحة والعاطفة المفرطة» فهي شعرية لا تتجاوز حدود العقل المتزن وأفق الاعتدال. 

ثم ظهرت الرومانسية 20180703015506 وانتشرت في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن 
التاسع عشرء وقد حدث صدام عنيف بين الكلاسيكية والرومانسية» وهي ترفض التقليد» وتسعى 
للتحرر من النماذج القديمة (اليونانية والرومانية)» والشاعر في هذا الاتجاه يجسد شاعريته في 
إبراز أحاسيسه وعواطفه وتصوراته الذاتية وانفعالاته» ويروم الحب والطهارة» والأولوية لديه 
للقلب على العقلء. والسعي إلى تحقيق العدالة والمساواة وقد اعتبر غوته وشيلر وليسنغ 
رومانسيين» والشعرية عند هؤلاء تقوم على الإلهام والموهبة. 


1 - محمد بنيس: الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها في الشعر المعاصرء دار توبقال للنشرء المغرب. ط1؛ء 1990. ص 05. 
1988 ,ومتاءغ 1ل 1016101 رع“لأمأامتط ده؟ ,27200211665 د5ع؟5 ,221016 52 :16)]61:2101[ 12 عتتامم 0165) :1الاعستططدم1 ع0 يوان - 2 
. ترجمة شخصية للباحث .(عنطم1050نطم عدن ه 9 1أ وعستاء00 عسومط عسغتحعل) :162 م كسنق1 متروم 
أووكء رعاعقوو “175 ع1 أاسمسعم 6كتلتات قهم أدع "م عسكتدمدك ع0 عتطغمم عصصن) عآ) :169 2 رأسعلمء6م عتكداعه عدمة3]6 - 3 
ناآ ص رعسصاعه18] اء ععة 381011 يعللتعصسدع 3 وزه] عخاغ تمدع نرم 2 :انام عتانتامرمة'! تن ,14 كتناه! عل عاعغزه ع1 مسقل عتة01؟ 
. ترجمة شخصية للباحث .(عدوقككء عزةتتدع:م ع0 ''كدن 1ودوة1')'' صتاها قدعد دود أسمصصمل 


- 19 - 


5-7 


تمهيد 

إن الشعرية في هذا الاتجاهء تقوم على عناصر ومبادئ تلائم الشفافية» كالتمادي في 
الخيال والتصورات العاطفية الحالمة» إلى أن وصل الشعراء الرومانسيون إلى التصرف في 
قوانين الشعرء بالتحرر بعض الشيء من الوزن والقافية. 

كما تأثر الشعر العربي الحديثء بالاتجاه الرمزي الذي ينزع فيه أصحابه نزعة صوفية 
روحية خالصة:» ويتبرمون من المظاهر الخارجية» معتبرين إياها ستارا يغطي الحقائق والأسرارء 
وهي تغوص من خلال العالم الحسي إلى الوجود النفسي المفعم بالدلالات» فالرمزية استبطان 
للنفس الإنسانية بالغوص والولوج عبر عالم الحسء للوصول إلى الصفاء وبراءة الروح» 
والرمزيون يرومون شفافية النفسء والخطفة الذاهلة للروح اللامعة المندسة وراء المظاهر والتقاليد 
والأعرافء وقد قيل (إن الفنان أي فنان لا يكون إلا رمزيا) كما قيل أيضا (الفن لغة من 
الرموز)؛ وأهم عنصر تقوم عليه شعرية هؤلاء هو الغموض ويتجلى ذلك في أشعار رامبو 
14 ومالارمي 1101107716: وفاليري 17016» وقد عرف هؤلاء بالأدباء الغامضينء إذ 
يطغى أحيانا لديهم الإيغال في الرمز على حساب الشعرية الجمالية» فالرمزية تبحث عن شعرية 
جمالية لم تتشوه بالمظاهر الترابية الزائفة» فهي تجنح للخيال الذي هو وسيلة هامة لإنشاء 
الشعرية» وتبتعد عن عالم الواقع والمشكلات الاجتماعية والسياسية التي تقضي على روح الفن 
والشعر. 

وقد دعا الرمزيون إلى الشعر المطلق رافضين الأوزان التقليدية» مع الالتزام بالقافية؛ 
والرمزية تدعو إلى الموسيقا اللفظية» حيث تسيل الروح الشاعرة عبرها مترجمة الأحاسيس 
اللاواعية العميقة» يقول بول فيرلان 1771416 2»1:1: [..الموسيقا قبل كل شيء/ لذلك اختر 
الوزن المنفرد/ الأكثر غموضا وانحلالا في الهواء...].! 

إذا فإن الرمز لدى هؤلاء بموسيقاهء هو الذي يوحي بالفن الحقيقيء والشعرية الرمزية هي 
حرية ميتافيزيقية روحية» يرود فيها الشاعر عوالم الغيب» ويسبح في المطلق اللامحدود [..لذلك 
كانت الرمزية حالة من التفوق النفسيء لا تفي بغرضها الموهبة الفطرية والدربة والثقافة وإنما 
تقتضي حلولية روحية عميقة شاملة» بحيث يتعرى الوجود من طينته» وتضيء روحه كالسرج 
الداخلية» ويشاهد الإنسان ما لا يشاهد» ويسمع ما لا يسمع» ويشتم ما لا يشمء بذوق باطني» 


رع2ة"1 رنأتوتاء اتطنا أتامطه د81 ,1940 3 كمعستوتده دع0 عمتدعصة"1 عتدكمم 19 عل عده'ل ععكتا ع1 :وتعطوء5 عمترعزم - 1 
. (تة'! عطقل ع1طنآ[ه50 كتطآم أء عناع2؟ عاط /تتتفصطا'! عندغ61"ام 13عء عتنامم )ا /عومطء ع0101) )252:2 011 أكتادم 15 ©12) .226 12 
ترجمة شخصية للباحث 


- 20 - 


3-7 


تمهيد 
متى تمت شروطه وفعاليته» فالرمزي الكبير هو الصوفي الكبير بل إنه القديس الذي قام 
بمعجزة الغيب...].! 

والاتجاه النقدي الآخر الذي أثر في الشعر العربي هو الاتجاه السريالي» والسرياليون 
ينكرون كل شيء في الواقع» وهذا الاتجاه امتداد للدادية التي هي مذهب يسعى للتخلص من 
الحياة الواقعية» ويروم عالما أكثر رحابة واتساعاء إنه عالم اللاشعورء ويرنو إلى واقع آخرء هو 
اللاوعيء عالم ما فوق الواقع» وهو يستكن في أعماق النفس البشرية» عالم ينبغي أن يتحرر 
ويسجل أدبا وفنا أروع. 

فالشعرية السريالية مستمدة من صور الأحلام» ومن أحلام اليقظة والكوابيس» إنها شعرية 
تنثال من تداعي الخواطر بعيدا عن رقابة العقل» وتدعو إلى العودة إلى البدايات الأولى» إلى 
التصوير الميتافيزيقي» فهي ساخطة ثائرة على الواقع من أجل تشكيل عالم جديد» وصنع لغة 
جديدة» ترصد المصادفة والمفاجأة والغرابة والغموض المبهمء إنها دعوة إلى تشكيل فن ينبع من 
طقس بين الحلم والواقع» دعوة إلى تشكيل الصور الفنية الساحرة» فالسريالي حين يرسم صوره. 
يركب الخيال الطفوليء ويبعد العقل الواعي الناقد» ليصل إلى تلقائية من التعبير الفني الهادف 
إلى ملامسة الإشراق الروحي. 

إن الشعر العربي الحداثي قد تأثر بالشعر الغربي فنحا نحوه مستعملا أدواته الفنية في 
الشكل والمضمونء وكان لأولئك الشعراء الكبار الغربيين مثل: إليوتء بودليرء رامبوء ومالارمي 
وفاليري ...وغيرهم حضور وتأثير في الشعر العربي الحداثي» فالتحرر من الوزن والقافية: 
وتعدد أشكال النص التي أخذها الشعراء العرب عن الغربء. كل ذلك غير في المفاهيم 
والأساليب العربية التي كانت متبعة منذ قرون» إلا أن بعض الشعراء العرب المحدثين لم يتخلوا 
كلية عن الأصول القديمة للشعرية العربية» حيث ظلوا ينظمون الشعر على الأوزان الخليلية» مع 
شحن القصيدة بروح العصرء مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ونزار قباني وغيرهم» وربما 
أحدثوا في تلك القصائد بعض التغيرات الطفيفة التي لا تشكل القطيعة مع التراث» كما أنهم 
قطعوا أشواطا كبيرة في قصائدهم الأخرى الحرة والمطلقة في الاقتراب من فضاءات الشعر 
الغربي» لما اطلعوا على ابتكاراته ومناهجه واتجاهاته» فتفتحت أعينهم على آفاق جديدة فنية 
وفلسفية لم يعهدوها في المنظومة الشعرية العربية منذ القديم. 


1 - إيليا الحاوي: الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربيء نشر دار الثقافة» بيروت» 1980. ص 109» 110. 
-21- 


الفصل الأول 


الشعرية الحداثية الغربية والعربية وفضاءاتها 


1/ الشعرية الحداثية الغربية. 
2 الشعرية الحداثية العربية. 
3/ فضاءات الشعرية الحداثية. 





الفصل الاول 
5 4# ميق ٠‏ 4 4# "0 
الشعرية الحداثية الغربية والعربية وفضاءاتها 
1/ الشعرية الحداثية الغربية: 
1 -1 الشعرية في المدارس النقدية الغربية الحدائية: 
1-1-1 الشعرية الشكلانية: 
يعود فضل الأسبقية في الاهتمام بالشعرية الحداثية إلى المدرسة الشكلية أو 
الشكلانية» حيث أن أقطابها هم من حاولوا أن يضعوا علما للأدب بالبحث عن قوانين مستمدة 
من الأدب ذاته» وتخص هذه القوانين أدبية الأدب وتتماشى مع طبيعته» وهي التي تميز النص 
الأدبي» ويكون الارتكاز أساسا على التركيب اللغويء ويرون بأن لغة الشعر هي الأنسب في 
إنشاء ما أسموه ب"الأدبية" وهي الفكرة الجوهرية المرتبطة بالأدب التي نادى بها 'جاكبسون"'”, ثم 
تركزت دراساتهم في البحث عن العناصر التي تجعل من أثر ما عملا أدبياء ولا علاقة لذلك 
بالشاعر أو الموضوع وإنما بالأشكال الفنية للغة» فوضع جاكبسون نظرية الاتصال التي تشتمل 
على الرسالة» ولكي تكون الرسالة عملا أدبيا ينبغي أن تهيمن الوظيفة الشعرية على البنية 
اللغوية للرسالة؛ وكما اهتم الشكلانيون بالجملة اهتموا أيضا بالنص ولا أهمية للكلمة إلا 
بالانسجام والاتساق بينها وبين ما يسبقها وما يليها من كلمات. 
ركز الشكلانيون بالدرجة الأولى على أدبية الأدب [..وبهذا يكون البحث منصبا على 
أدبية الأدب بوصفه لغة من دون التأمل في التجليات الفلسفية والنفسية والجمالية والإيديولوجية 
المنبتقة عنه وقد دعموا وجهة نظرهم هذه باللسانيات الحديثشة التي عاصرت النتاج 
الشكلانئ.:.].! 
وقد ورد في البحث أنه لا يمكن فصل الشعرية عن الجمالية في معرض الحديث عن 
علاقة الشعرية بالجمالية» إلا أن الشكلانيين -كما هو ملاحظ في المقولة السابقة- يبعدون 
الاتجاهات الفلسفية والنفسية والإيديولوجية والجمالية عن الأدب» حيث يرونه مجموعة من 
خصائص الفن القولي» وبذلك ينبغي إقصاء هذه الاتجاهات عنه؛ وعلى الرغم من نزوعهم إلى 


1 حسن ناظم: المرجع السابق نفسه. ص 118. 


5000 


الفصل الاول 
علمنة الأدب إلا أنهم لم يقفوا موقفا جامدا في تفسيرهم للأدب [..ومع ذلك لم يفت جاكبسون أن 
يعبر عن تحرجه إزاء تحديد جامد للشعرء لا توجد أسوار صينية بين الشعر والحياة» وبين 
الشعر والمرجعء؛ وبين الشعر والمبدعء وبين الشعر والمتلقي» وبين الشعر وباقي الفنون» وبين 
الشعر والهموم الإنسانية» كل ذلك يخترق الرسالة الشعرية ويتقاطع داخلها...].! 

وقد ظلت اللسانيات غارقة في دراسة الحقول الأربعة (التركيب» الصرفء الأصوات 
والدلالة): كذلك الحقل الأدبي لم يخرج عن الأحكام الذاتية والتأثرية والانطباعية» ولكن 
جاكبسون الذي كان شكلانيا ثم لسانيا -وربما بدافع من هوايته الأولى في اشتغاله بالأدب وميله 
إلى التخصص في تاريخ الأدب- قد أسهم في المحاولات العلمية الهادفة إلى ربط الأسلوبية 
والخطاب الأدبي باللسانيات [..كانت الشعرية هي التي قادت جاكبسون إلى اللسانيات].2 

إن الشكلانيين يفصلون بين الشكل والمضمون تماما ويرفضون تحميل الشكل مضموناء 
حيث يمكن الاستمتاع بالكلمة العقلية» الكلمة التي لا معنى لهاء إنما الصيغة النطقية هي التي 
تجلب المتعة [..وهي التعارض الجذري بين مبادئ الشكلية الروسية التي تحولت إلى دراسة 
الشكل الفني والتركيز عليه مع تجاهل شبه كامل للمضمون الذي كانوا يرفضون الاعتراف 
بأهميته في المقام الأول...].3 

إذا فهم يرون بأن دينامية النص وحركيته تبدأ من المصدر الأساس وهو اللغة» والوظيفة 
اللغوية هي التي تمنح النص أدبيته [..وخير وسيلة للنظر في حركة النص الأدبي»؛ وسبل 
تحرره هي الانطلاق من مصدره اللغوي. حيث كان مقولة لغوية أسقطت في نظام الاتصال 
اللفظي البشري كما يشخصها رومان جاكبسون في نظرية الاتصال وعناصرها الستة التي 
تعطي كافة وظائف اللغة بما فيها الوظيفة الأدبية...].4 

وقد تعارضت مبادئ الشكلانية تعارضا حادا مع الأدب الماركسي على الرغم من أن 
الشكلانية قد ظهرت في روسياء ولم تؤثر في النقد الغربي الجديد[..ولا يوجد ما يؤكد أن إليوت 
وحوارييه تأثروا ولو بطريقة غير مباشرة بتلك المدرسة الروسية الجديدة التي ازدهرت في كل من 
موسكو وبراج في نفس الفترة التي بدأ فيها النقد الجديد يشكل قوة تأثير واضحة في النقد الأدبي 


1 رومان جاكبسون: قضايا الشعرية» ترجمة محمد الولي ومبارك حنونء دار توبقال للنشرء المغرب؛ ط1ء 1988» ص 08. 
2 المرجع السابق نفسه. ص 06. 

3 عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة» مجلة عالم المعرفة؛ العدد 232» أفريل 1998» الكويت.ء ص 120. 

4 - عبد الله محمد الغذامي: المرجع السابق نفسه. ص 08؛ 09. 


- 24 - 


الفصل الاول 
الغربي...]!ء غير أنها أثرت في البنيوية الغربية وحدث نوع من التزاوج فيما بعد بين الشكلية 
والفكر الماركسي مما جعلها تقترب من البنيوية» ومن أبرز الشكلانيين الذين أسهموا في هذا 
الاتجاه باختين» ميدفيديف؛ وجاكبسون. 

وهناك من حاول أن يجد نقطة التقاء بين الشكلانية الروسية وبين الرومانسية الغربية: 


ويأتي التساؤل الذي يعارض هذا المفهوم: [..كيف تتفق مدرسة تنبهر بإنجازات العقل البشري 
مع مدرسة ترى أن العقل عاجز عن تقديم المعرفة الكاملة؟...].7 


ومهما كان الشكلانيون قد اجتهدوا في إيجاد قوانين للأدب لتحديد الأدبية أو الشعرية فيه 
إلا أنهم لم يتوصلوا إلى وضع قواعد شاملة أو مبادئ للشعرية كاملة غير منقوصة. 
2-1-1 الشعرية البنيوية: 

كانت محاضرات فيرديناند دوسوسير "5011551176 1.102" العالم اللغوي النمساوي 

التي ألقاها على تلاميذه منطلقا للدراسات البنيوية فظهرت في العشرينات ولكنها لم تجد صداها 
في الساحة النقدية وظلت أفكار فرديناند دو سوسير وليفي شتراوس لا تجذب الانتباه بالإضافة 
إلى أن أفكار سارتر الحرة كان لها تأثير أكبر من البنيوية التي هي جبرية تعمل على سجن 
اللغة وتجعلها في دائرة مغلقة. 

ومن هذه المحدودية للبنيوية» فإن الشعرية التي تشترط الفضاءات اللامحدودة لاتجد 
أجواءها الحقيقية في هذه المدرسة التي لاتتسع لهاء فالبنيويون لم يفسحوا المجال للوظيفة 
الشعرية للغة كما دعا لذلك جاكبسون على الرغم من كونه لسانياء فالمشروع البنيوي يركز على 
الأنساق الداخلية للنص» ويرفض أصحاب هذا المنهج دور المؤلف وينادون بموته كما يرى 
بارث "8071765" الذي هو من أقطاب البنيوية. 

إن البنيويين في استخدامهم أثناء بحوثهم ودراساتهم ل "البنية" قد أدى إلى رسم حدود بينهم 
وبين الشعرية إلا على مستوى محصورء وأول من استخدم كلمة بنية هو "تينيانوف" وتبعه 
رومان جاكوبسون مستخدما كلمة البنيوية في إحدى محاضراته» وتبنى هؤلاء المنهج العلمي 
الصرف منذ تأسيس البنيوية» ويرون بأنه يمكن التعامل مع اللغة بصورة علمية محضة؛ ويمكن 


1 - عبد العزيز حمودة: المرجع السابق» ص 121. 
2 - المرجع السابق» ص 2126 127. 


0 


الفصل الاول 
قياسها بالمعايير التجريبية» ولم تفرض البنيوية نفسها في الساحة النقدية إلا بشكل ضئيل ولم 
تمض سنوات حتى قام جاك دريدا "10677700 7001/65" بمحاضرة فاتحا الباب أمام التفكيك 
وهدفه الشك في كل شيء وكسر كل البنى بحثا عن الحقيقة. 

وتعنى البنيوية بالنظرة الكلية للنص الأدبي [..ونعني به الاهتمام بالنظرة الكلية للأدب 
"871011511" أي أن الشيء في كليته أكبر وأعظم من مجموع أجزائه...].! 

والبنيوية الأدبية ترفض عملية الربط بين النظام الداخلي للغة وكل نظام خارجي ومع ذلك 
فقد تأثرت فيما بعد بالنقد الجديد عن طريق رتشاردز واليوت وبروكس وكذلك نورثروب فراي 
الذي تحول إلى البنيوية ويعتبر كتابه "'تشريح النقد" دراسة بنيوية وعلى الرغم من هذا الانتقال 
إلا أنه لم ينفصل في كتابه كل الانفصال عن النقد الجديد بل إن كتابه يعد نقطة التقاء بين 
النقد الجديد والبنيوية. 

وقد أتاح اقتراب البنيوية من النقد الجديد لهذا المنهج الاقتراب من الشعرية أو هي عملية 
محاولة من البنيوية لاصطناع الشعرية الناجمة عن الوظيفة الشعرية للغة. 

والإشكالية التي تقع فيها البنيوية تتمثل في الثنائيات: الداخل والخارج؛ الذات والموضوع: 
الأنا والآخرء غير أن معظم البنيويين مثل بارثء لاكان» فوكوء يتفقون على إبعاد كل ما هو 
خارج عن النص واللغة» كالمجتمع وعلم النفسء والذات والأنا ...وغير ذلك من المؤثرات 
الخارجية لتبقى "البنية" وحدها أي اللغة كجسد هي الموضوع. 

إلا أن أخطر ماتقع فيه البنيوية هي مشكلة المعنى وعدم القدرة على استنطاق دلالة 
النصء وهم يرون بأن المعنى يشتق من النسق اللغوي وليس العكسء وتقع التفكيكية هي 
الأخرى في نفس المأزق وتبقى الدلالة غائبة عن المدرستين [..فقد فشلوا في تحقيق المعنى 
لأنهم يتعاملون مع وحدات مفرغة من الدلالة...].2 أي استنطاق الوحدات والأنساق اللغوية 
المجردة الصماء. 

ويصطنع البنيويون وسيلة للهروب من هذه الإشكالات التي وقعوا فيها كإرجاع النص إلى 
الأجناس الأخرى غير الأدبية التي تؤثر في تكوينه وإنتاجه تماما كما فعل كمال أبو ديب في 


1 عبد العزيز حمودة: المرجع السابق نفسه» ص 181. 
2 المرجع السابق نفسه» ص 241. 


- 26 - 


الفصل الاول 
معرض دراسته للقصيدة الجاهلية دراسة على شكل بنية مستقلة منفردة» ثم لم ينكفئ حتى ردها 
إلى الأنساق الأدبية وغير الأدبية الأخرى وهنا يتجلى الهروب من المنهج بشكل واضح على 
الرغم من دعوته لتغليب المنهج في الدراسات الأدبية وغيرها. 

ويلاحظ أن إحدى وظائف اللغة الستة التي حددها جاكبسون في نظرية التواصل هي 
الوظيفة الشعرية [..هي المقابل لأدبية الأدب وهي التي يدعو إليها والعناية بها النقاد 
البفيو ]1 

ويركز البنيويون على العمل الأدبي في ذاته دون النظر إلى علاقة النص بما هو خارج 
عنه [..لم يتعرض البنيويون بشكل مباشر لتحليل طبيعة علاقة الأدب - كأعمال إبداعية- 
بالحياة لأنهم منذ البداية حددوا مجال عملهم أنه ليس لغويا ولكنه ميتالغوي بمعنى أن -المبدع 
شاعراء قصاصاء روائياء كاتبا مسرحيا- يرى العالم ويكتب عنه لكن الناقد ليس له علاقة 
مباشرة بهذا العالم» يرى العمل الإبداعي ويكتب عنه. فإذا بلغة النقد تسبح فوق لغة النصء» 
وتحاول أن تقبض عليها وتمسك بها وتحلل علاقاتها...].2 

يمكن الاستناد على هذا المنهج في مجال الشعرية من جانب محدود جدا يتمثل في 
جرسية اللفظ الحاصل من العلاقات البنائية بين أنساق اللغة ومجاورة الألفاظ لبعضها بعضا 
عن طريق المجانسة والاتساق والانسجام والأصوات الناجمة عن تناغم الحروف في الكلمات 
المشكلة لنظام لغوي ما ويحصل ذلك في دراسة البنى الأسلوبية للنص. 
3-1-1 الشعرية السيميائية: 

يسعى علم العلامات (السيميائية) إلى استقطاب المعرفة الأدبية بإدخالها في نظام 

العلامات فالألفاظ ليست لأغراض اتصالية فحسب خالية من الإبداع والجمالية بل هي علامات 
جمالية وشعرية حين يكون لها مدلول معينء وتريد السيميائية أن تظهر كعلم متكامل يشمل 
الأدب والفعل الشعري [..ومن الاختصاصات المقترنة باللسانيات مما هيأ للنقد مقومات التجديد 
والحداثة» علم العلامات -السيميائية- وهو علم تصوره رائد المعرفة اللغوية الحديثة في مطلع 
هذا القرن محددا إياه بالعلم الذي يعكف على دراسة أنظمة العلامات مما يفهم به البشر بعضهم 


1 صلاح فضل: مناهج النقد المعاصرء دار الآفاق العربية القاهرة. 1996؛» ص 88: 89. 
2 - المرجع السابق نفسه» ص 89. 


207 


الفصل الاول 
عن بعضء والذي أداه إلى هذا التصور اعتباره اللغة نظاما من العلامات قبل كل شيء»؛ 
والعلامية الأدبية تسعى اليوم إلى إقامة نظرية في نوعية الخطاب الأدبي باعتباره حدثا علاميا 





أي نظاما من العلامات الجمالية» وميزة العلامة الجمالية أنها قائمة بنفسها وليست فحسب 
وسيطا دلاليا كما هو الشأن في الألفاظ عندما نستعملها في أغراضنا الكلامية الأخرى غير 
الابداعية» فعلى هذا التفاعل بين علوم اللسان والنقد الأدبي يعلق اليوم كل الأمل في بروز 
المنهج الاختباري المتكامل الذي يسمح بتجديد أدبية الخطاب الفني؛ وهذا معناه أن تضافر 
جهود عالم اللسان وعالم الأدب هو الذي سيعين على تحديد بؤرة الفعل الشعري في كل نص 
إبداعي...].! فالسيميائية تعمل على إبراز وظيفة الأدب التي تتجاوز الإبلاغ إلى الإثارة 
والجمالية» وتجعل للخطاب الأدبي وظيفة مزدوجة[..فإن غاية الحدث الأدبي تكمن في تجاوز 
الإبلاغ إلى الإثارة وتأتي النظرية النقدية في هذا المقام لتعكف على دراسة الخصائص اللغوية 
التي بها يتحول الخطاب عن سياقه الاخباري إلى وظيفته التأثيرية والجمالية [...] ألا وهو: ما 
الذي يجعل الخطاب الأدبي الفني مزدوج الوظيفة والغاية» يؤدي مايؤديه الكلام عادة وهو إبلاغ 
المحتوى الدلالي ويسلط مع ذلك على المتقبل تأثيرا ضاغطا به ينفعل للرسالة المبلغة انفعالا 
ما...].” إن السيميائية تهتم بتحليل الخطابات المختلفة وتتباين مع هدف الألسنية البنيوية التي 
لا تخرج عن دراسة الجملة كأطول وحدة للدراسة لديها [..أخيرا فإن التحليل السيميائي هو 
تحليل للخطابات يميز السيميائية "النصية" عن الألسنية البنيوية "الجملية" في الوقت الذي تهتم 
فيه الألسنية البنيوية بإنتاج الجمل أو الكفاءة الجملية تأتي السيميائية كموضوع لبناء النظام 
وانتاج الخطابات والنصوص والكفاءة المقالية...].3 
إن علم العلامات ينظر إلى الشعرية أو الأدبية أو الإنشائية من زاوية كونها وليدة تراكيب 
لغوية لها نسيج معين» فالشعرية طاقة كامنة في صميم اللغة تصدر من البناء النصي الكلي 
وليس من الجزئي [..في أن سمة الأدبية في النص لم تعد محصورة في بعض أجزائه دون 
1 - عبد السلام المسدي: النقد والحداثة» دار الطليعة للطباعة والنشرء بيروت. ط1ء 1983؛» ص 235 36. 
2 - المرجع السابق نفسه. ص 36. 
علته اوناع لطن معووع21 ,ر1ا]0 هام -ع1زمفط) ممناعن00 ص1 معارع) دع عدان ا متمةد عكولفصكة ندع صترء رع “طدء'0 عمناه© - 3 
222155 '! مستكمك8.)1 2 ,رععصوع1 1979 ,تاعتصدم كتناه1 أء 110110 رلتتقلكء -طوعء ل سمناع 602 أء مامتا “دمط13ئآ مسمجى.] عل 
عن تاكمتتاعطة! 9[ عل ''5ع1[عتاعة)'" عناوتامتصةد ه1 عتعصدءة كلتل داع اء وتتنامعكتل تيل عكتزو[قصة عصن أو عناوتامتصمد 
وعمفتتطم دع0 «متاع لهام 1 عل أء ممتاعتتعصق 15 ع0 عمدءه6م عد عناوتاأكتتاعصه! 12 مسمس ''عتانأممعطم"' علدستأعسوو 


12 أء ده نا دعتصدع:1'01 :)كم 2 أء زط0 0111م 0022 ع5 10112 م0تددةد 12 وعدا )سف تطم ععسمماءم صرق 15 ع0 تده 
ترجمة شخصية للباحث (.1519دا015 ع02076]22» 19 ناه جعادء) دوع أء كتتامعءكتل دع دامتاعسل00:دم 


- 28 - 





الفصل الاول 
أخرى, ولا فيما يتولد عن بعضها من صورة أو انزياحات وإنما هي ثمرة لكل بناء النص حتى 
ولو تجلت ظاهريا في شكل مقطع محدد منه [...] فأدبية الخطاب الفني ليست ملكا عينيا 
لمفاصل منه دون أخرى وانما هي ملك مشاع بين جميع أجزائه...]. !1 

إننا نضطر أن نأخذ من كل منهج بطرف لفهم شعرية نص من النصوص.ء والسيميائية 
أحد هذه المناهج» لأن علم البيوطيقا الذي يعنى بكل الأدوات والوسائل والآليات التي تدرس 
الأدبية أو الشعرية لم يبين كل القوانين والمبادئ التي توصلت إليها الدراسات الإبستمولوجية 
فيخوصيل فقيوها اما للشعرية. 

إن الشعرية هي دراسة الانزياحات والمجاز أو بعبارة أشمل الإيحاءات النصية في المجال 
الخطي (الكتابي) وكل الدراسات التي تدرس وتحلل الرمز والمجاز والإيحاء تدخل في مجال 
السيمياءء وهذه الإيحاءات تتميز بالانفلات والسرابية واللانهائية [..فإذا كانت السيميولوجية التي 
أتحدث عنها قد عادت إلى النص [...] فالنص يحمل في طياته قوة الانفلات اللانهائي من 
الكلام [...] إن النص لا يفتأ يرمي بك بعيدا وهذه الحركة السرابية هي ما حاولت منذ حين 
وصفه وتعليله عندما تحدثت عن الأدبء إنه يلقي خارجا نحو مكان لا موقع له نحو 
اللامكان: .]2 

إن الاعتماد على المنهج السيميائي في إيجاد فضاء الشعرية يبقى محدودا جدا وغامضا 
سيما في الدراسات النقدية العربية [..إن وضع المصطلحية السيميائية في العالم العربي يختلف 
تماما عما هو عليه في أوروباء ولم يرق بحكم التضارب الموجود في المصطلحات المستعملة 
إلى بلورة نموذج مؤسس لخطاب علمي دقيق يضبط مفاهيمه وأدواته الخاصة به [...] يكفي أن 
نقرأ بتعض الدراسات السيميائية لنتأكد من الاختلافات الموجودة بين الباحثين والتي تؤثر سلبا 
في تبليغ الرسالة العلمية وتفسر جانبا من جوانب الفشل في الاتصال القائم بين القارئ العربي 
والمعرفة السيميائية...].3 


4-1-1 شعرية التلقي / القراءة: 


1 عبد السلام المسدي: المرجع السابق نفسه» ص 38. 

2 بلوهم محمد: سلطة القارئء مجلة السيميائية والنص الأدبيء, أعمال ملتقى معهد اللغة العربية وآدابهاء جامعة عنابة باجي مختار 17/12 ماي 
75 ص 55. 

3 - رشيد بن مالك: مقدمة في السيميائية السردية» دار القصبة للنشرء الجزائرء 2000» ص 70. 


- 29 - 


الفصل الاول 
إن البحث في الشعرية يتطلب أخذ قبس أو جذوة من نظرية التلقي لما لها من إسهام 

قوي في الموضوع.ء فإذا كان البنيويون والشكلانيون قد ألغوا سلطة المؤلف وكرسوا سلطة النص 
فإن التفكيكيين قد أبعدوا سلطة النص وركزوا بشكل كبير على القارئ ثم ظهرت نظرية التلقي 
التي منحت القارئ كل الاهتمام ملغية تماما المؤلف والنص معاء وجعل أقطاب هذا الاتجاه 
الأوا لوية لجماليات التلقي مثل هانس روبرت جويس :70115 107671 8475 وولف فانغ إيزر 
15617 و1ره1 117017 وغيرهما. 

إن أهم ما يعتمد عليه القارئ عند أصحاب هذا الاتجاه هو ثقافته وتجاربه وأذواقه الخاصة 
[..يختزل أفق القارئ التجارب الشخصية والثقافية والاجتماعية التي من شأنها أن تمارس سلطة 
من نوع ما أثناء عملية التلقي...].! 

إن الشعرية بين النص والمتلقي أو الشاعر والمتلقي لا ينبغي أن تبنى على تقنيات 
وقوانين منهجية علمية لأنه لا مناص للخطاب الشعري حينئذ أن [..يسير في خط واحد دقيق 
وينمو في اتجاه وحيد ومنظور دقيق لأنه يقوم على معطيات منطقية [...] يخلو من الطابع 
الإبحائئت ]2 

يكفي أن يكون المبدعون عند هؤلاء موهوبين ليجدوا الاهتمام من القراء (فالخلاقون لهم 
قراء) كما قيلء ولا يكون القراء وسطا موحدا أو أصحاب طقس واحد تتشابه فيه رؤاهم 
ومفاهيمهم [..لكل منهم آلياته الخاصة في القراءة أو التلقي وله ذخيرة من الخبرة والمعرفة التي 

إن الشاعر عندما ينتج نصه الإبداعي يكون قد بثه رؤاه وتجاربه ومشاربه جميعا الذاتية 
والمكتسبة» أما المتلقي حين يتعاطى النص فإنه يكون معه شراكة وشبه علاقة تقوم على 
موافقات دقيقة نابعة من النص ومن المتلقي فكلاهما يغذي الآخر بطريقة معقدة جداء وتكون 
هناك علاقة مبادلة انتقائية بحيث لا يتأثر المتلقي بكل ما يحمله النص وفي نفس الوقت لا 
يستجيب النص لكل اهتمامات القارئ أو المتلقي» فالمتلقي ترد إليه كل معطيات النص ولكنه لا 
يتقبل كل ما يرد إليه بل يختار وينتقي ما يناسبه. 


1 - عبد الوهاب شعلان: القراءة المحايثة للنص الأدبيء مجلة الموقف الأدبي. دمشقء العدد 383: مارسء. 2003: ص 69. 
2 - الطاهر بومزبر: المرجع السابق نفسه» ص 43. 
3 - علي جعفر العلاق: الشعر والتلقي دراسات نقدية. دار الشروق للنشر والتوزيعء عمان؛ ط1ء 1997؛. ص 64. 


- 30 - 


الفصل الاول 

وتنبه القدماء إلى نوعية المتلقين أو القراء فجعلهم حازم القرطاجني فتئتين: فئة "الخاصة” 
وفئة "الجمهور".** وهم عامة الناس. 

ويري (ولفجانج إيزر) أن الصنف الأول هو القادر على تفكيك الأثر الإبداعي» وهو 
القارئ النموذجي لأنه هو [..القارئ المتجول في النص وهو القارئ المعاصر ذو المطالب 
النفسية [...] وهو القارئ غير العادي الذي يستطيع أن يفكك الشفرات التي تعمد الكاتب أن 
يودعها النص وعندئذ يتحقق الهدف الأساسي بين مرسل ومستقبل...].! 

إن القصيدة العربية على الرغم من حداثتها إلا أنها تخفي في طياتها مؤثرات تقليدية 
والجمهور لم يصل بعد إلى محاورة النص كجسد نابض بالرؤى الإيحائية والفلسفية العميقة» ولا 
يزال التفاعل بين الشاعر والمتلقي مبنيا على التأثير الصوتي والتطريب والإيقاع السمعي» حيث 
يجد الشاعر نفسه ملزما بوضع مغريات للقارئ ظاهرة ومخفية لها علاقة بالأدوات والوسائل 
التقليدية [..إن الجدل في شعرنا العربي لم يكن في الغالب إلا بين الشاعر الصوت/ والجمهور 
الأذن/ أي أنه كان تفاعلا شفاهيا تشكل الأذن والشفة طرفيه الحاسمين...].2 

ويعود السبب في ذلك إلى كون القصيدة العربية الحديثة لم تنشأ بشكل طبيعي كما نشأت 
القصيدة الغربية» حيث أن القصيدة العربية تعكس التحول الطافر الذي وقع في العصر الحديث 
الناجم عن الحروب والاستعمار والفقرء لذلك فإن الشاعر العربي باطلاعه على الأعمال الغربية 
يحاول أن يضاهيها بكد الذهن وفي نفس الوقت لا يجد القارئ الكفء الناضج. فيلجأ إلى قبض 
العصا من الوسط إرضاء للعصر وللقارئ العربي المعزول عن ثقافة العصر [..إضافة إلى ذلك 
فإن القصيدة لم تكن تنهض في بعض الأحيان على تجربة إنسانية ممضة وحقيقية قدر 
اعتمادها على كد ذهني...].3 

إن الشعرية في هذا الاتجاه النقدي تتعدد بتعدد القراء وتنطبع حتما بذاتية المتلقي وتتخللها 
أذواقه ورؤيته للأشياء ويبقى المتلقي في حوار لانهائي مع النص يستنطقه بوسائله الخاصة؛ 
والاختلاف بين القراء هو جوهر هذه النظرية» وتستمد من ذلك ديمومتها واستمراريتهاء فليس 
* .لطا بؤعرير ٠‏ الترجع:السلاق (تفنيا ان 9 نقلا عن حازم القرطاجنيء منهاج البلغاء وسراج الأدباءء ص 19. 
١‏ ةراهم القرئ في نص نقرية الثير وااتصل» مجلا قشو الفهرة. اعد 1 المج ا ص 103 


- علي جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه. ص 67. 
3 المرجع السابق نفسه» ص 67. 


0 


1 


الفصل الاول 
هناك شعرية واحدة مشتركة بين جمهور المتلقين» وانما شعرية متعددة بتعدد عناصر الجمهورء 
وتكون الجمالية هي الجوهر المفقود الذي يسعى إليه القراء على اختلاف مشاربهم. 
1 -2 الشعرية لدى النقاد والشعراء الغربين الحداثيين: 
1-2-1 الشعرية لدى النقاد الغربين الحداثيين: 
1-1-2-1 رومان جاكبسون '' 0212055011 ل 10011:011'" : 
كان منحى جاكبسون الأول أدبيا وقادته الشعرية إلى اللسانيات فوضع نظرية 
التواصل حيث أزالت هذه النظرية التخوم الواسعة بين الأدب الذي كان غارقا في الذاتية 
والأحكام التأثرية وبين اللسانيات التي كانت غارقة هي الأخرى في دراسة الحقول الأربعة 
(التراكيب» الصرفء الأصواتء الدلالة)» وبذلك أصبح اللساني يحمل شعار [ أنا لساني ولا 
وجود لأية مسألة لسانية غريبة عني].! 
يرى جاكبسون بأنه من الصعب إيجاد رسائل تؤدي وظيفة واحدة لا غيرء بل تؤدي 
الرسالة وظائف مختلفة تتفاوت بشكل هرميء ويمكن للساني أن يصنف موضوعه من خلال 
الوظيفة المهيمنة في الرسالة فإذا غلبت الوظيفة الشعرية كانت أدبية أو جمالية. 
وقد بدأ جاكبسون يشرح قصائد مكتوبة تحت تسمية ذلك الشرح ب 'نحو الشعر" و'شعر 
النحو". وقد شهد عليه تلميذه تودوروف بكونه عالما تلتقي فيه صرامة العالم اللساني مع ذلك 
الذي لا يستطيع الحس أن يظفر به "الشعرء والفن» والجمال"» وقد شغلته قضايا لم يتمكن هو 
من حلهاء أو لا يمكن [..حلها خارج منظور لساني فانكب على توضيح موقع اللغة ضمن 
الأنساق السيميائية الأخرى وتحديد العلاقات الوثيقة التي تربط اللسانيات بمختلف العلوم...].2 
ورأى بأن الحقل اللساني يمكنه أن يستوعب كل الأنساق والبنيات اللفظية واللغوية ولا 
يقتصر على الجملة [..اللسانيات هي العلم الذي يشمل كل الأنساق والبنيات اللفظية» ولكي 
تستوعب مختلف البنيات كان لزاما عليها ألا تختزل في الجملة أو أن تكون مرادفة ل: النحو. 
فهي لسانيات الخطاب أو لسانيات فعل القول...].3 
"درون جاعسون: المرجم ليق تقمطة: ضن 0» نقلا عن: 1938 ,ع1:دملا 21687 ,8003 7801:10:5 عط معطم 0.1.ل 


2 - المرجع السابق نفسه» ص 60. 
3 المرجع السابق نفسه» ص 06. 


5 


الفصل الاول 

وقد حدد جاكبسون ست نقاط محورية للرسالة حتى يكون الخطاب تاما ولا يستغنى عن 
واحدة منها [..هذه النقاط تشكل في مجملها دارة التواصلء ولا يمكن استبعاد نقطة منها لأنها 
تشبه الدارة الكهرباتية تماماء والخطاب فيها هو التيارء فلو أسقطنا عنصرا في الدارة انقطع 
التيار أو على الأقل تختل الدارة ويتشوه مخططها البياني: وكذلك الأمر بالنسبة للدارة التواصلية 
الكلامية» فغياب عنصر منها يعرقل السير العادي للرسالة أو يحدث على الأقل خللا في 
المخطط النموذجي...]!» وهذا المخطط للدارة التواصلية أسماه جاكبسون "الوظائف اللغوية". 

إن جاكبسون هو الذي حاول إخراج اللسانيات من ورطة التقوقع على الرموز اللغوية وما 
تؤديه من علامات وإشارات محدودة بين المرسل والمرسل إليه» فحاول أن يضع منهجا لدراسة 
شعرية اللغة "عران:5061 70701101" ولم ينطلق جاكبسون من فراغ؛ بل كان متأثرا بشكل 
مباشر بأعمال فردينان دوسوسير وكارل بوهلر في دراستهما المتعلقة بوظائف اللغة التواصلية 
[..لقد قدمت مبادئ الشعرية عند "جاكبسون" للباحثين أداة تحليلية تقرب نظرية الوظيفة الشعرية 
من استراتيجيات الخطاب الخاصة بالأدبء فالوظيفة الشعرية عنده تتميز كما هو متداول بكثرة 
عن طريق العلاقة التي تقوم بين المحورين الأساسيين في الخطابء وهما محورا الاختيار 
والتركيب "70470018716 7/ 5771/68716" [...] إن عمليات اللغة تتمثل في التداخل بين هذين 
المحورين» فعلى المحور الأول وهو التركيبي تقوم علاقات التجاور» وبالتالي تلك العمليات ذات 
الطابع التأليفي» وعلى المحور الثاني وهو الاستبدالي تنمو العمليات ذات الأساس 
التشبيهي...].7 

ولكنه فشل في نظرية التواصل في حكمه على الشعر من حيث الصدق والكذب» لأن 
النقاط الست لا تحمل سوى القيمة الإبلاغية والالتزام بالواقع من خلال الرسالة» فهو عندما 
يوضح الوظيفة التعبيرية "©«ةد ىوط 70710 1.4" للغة يقول:- [..الشعر هو في جميع 
الأحوال كذب والشاعر الذي لا يقدم على الكذب دون تردد بدءا من الكلمة الأولى لا قيمة 
له...].3 


1 الطاهر بومزبر: المرجع السابق» نفسه » ص 16. 
2 صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النصء المرجع السابق نفسه» ص 59. 
3- رومان جاكبسون: المرجع السابق نفسه. ص 28. 


-33- 


الفصل الاول 

ومن خلال مقولته هذه فلا يوجد لمسألة الصدق والكذب مكان في الدارة التواصلية؛ 
ويذكرنا هذا بمقولة العرب: (أعذب الشعر أكذبه). 

وجاكبسون حين يعرف الشعرية التي هي في نظره علم قائم بذاته في حقل اللسانيات 
[..بوصفها الدراسة اللسانية للوظيفة الشعرية في سياق الرسائل اللفظية عموما وفي الشعر على 
وجه الخصوص...].! 

يركز جاكبسون على الوظيفة الشعرية للغة وخاصة في مجال الشعر حيث يذكر الأدوات 
التي تحقق الشعرية ومنها القافية والسجع والجناس والمقابلة والتصريع بالإضافة إلى الصورة 
الشعرية التي تتضمن التشبيهات والاستعارات والرموز والغموض والموسيقا والأصوات ...إلخ 
إلا أنه قصر الاستعارة على الشعر والكناية على النثر[..ومن الجوانب التي أثارت بعض الجدل 
حول مفهوم الشعرية عند ياكبسون تخصيصه الشعر بالاستعارة (التي تقوم على المشابهة) 
والنثر بالكناية (التي تقوم على المجاورة).].7 
2-1-2-1جان كوهين ''0172©11') 6011ل '' : 

تقوم شعرية جان كوهين على مبدأ المحايثة» هذا المبدأ الذي يقوم على تفسير اللغة 

باللغة» ويستند على التحليل العلمي الوصفي للغة مما يجعله خاليا من صفة الجمالية التي 
يصبح النص من دونها عديم الجدوى حسب الناقد تودوروف [..والشعرية التي تهمل القيمة 
الجمالية تبرهن -كما سبق أن ألمحنا حسب تودوروف- على عدم جدواهاء وأن لغتها الواصفة 
تفضي إلى تسطيح الشعر...].3 

وجان كوهين حسب الناقد حسن ناظم في كتابه 'مفاهيم الشعرية" يبتعد عن الأدب بقدر ما 
يقترب من الشعرء فهو يستند إليه أكثر ويتصل به اتصالا وثيقا في دراساته للشعرية» وهو 
يسعى إلى تأسيس "علم جمال علمي" على الرغم من تجاوزه للقيمة الجمالية في دراساته العلمية 
الوصفية للشعرية [..كما تطمح نظريته إلى الانضواء تحت ما يسمى ب"علم الجمال العلمي" 
على الرغم من أنه يهمل القيمة الجمالية في الشعر...].4 


5 المرجع السابق نفسه, ص 785. 

بحسن البذا ضر اللينء المرجة السنارق تفساراض 33 
حسن ناظم: المرجع السابق نفسهء ص 2163 164. 
5 المرجع السابق» نفسه. ص 168. 


انم يحم نيا احلقل 


ان 


الفصل الاول 

وقد أسس شعرية خاصة تقوم على الانزياح 261407 الذي هو خرق للغة وقابله 
بمصطلحات أخرى: الانعطاف “«ام/26» والمخالفة «7م1:/”0011» والحذف ,17:010/10» وهو لما 
تحدث عن الانزياح الذي بنى عليه نظريته الشعرية» قد اعتمد على بعض العلماء: شارل بالي» 
شارل برونو» ماروزو. 

وهو يرى بأن الانزياح ظاهرة فردية خاصة بالمبدعء والانزياح عنده أيضا هو الانحراف 
عن الكلام المألوف» ويعتبر كوهين أن الشعر منزاح عن النثر بشكل مطلقء ويقوم بموازنة 
تفرق بينهماء جاعلا التماثل في الشعر هو العنصر الذي يكسبه قوة الشعرية» بخلاف النثر 
الذي لا يتوفر فيه هذا العنصر بشكل حضوري واسع, ويتجلى التماثل في: التماثئل الصوتيء 
والتجانسء والمطابقة النحوية والصرفية» بالإضافة إلى القافية» والترادف وغير ذلك من أشكال 
التمائل والتجانس والتلاؤم الشكلي. 

ويقصي جان كوهين كل الأشكال والأجناس التي لا تهيمن فيها وظيفة الشعرية [..بينما 
يلغي جون كوهن 00767 7647 من معادلة ماهية الشعريات العناصر الأخرى عدا الشعرء 
وبالتالي يقصي كل العناصر الثانوية التي تتلون بالوظيفة الشعرية بشكل خافت يهيمن عليه 
لون وظيفة من الوظائف اللغوية الأخرى» ويقصر بذلك مجال الشعريات على فن الشعر 
وح | ! 

وهو في رؤيته هذه يعارض جاكبسون الذي يرى أن كل رسالة تحمل الوظيفة الشعرية ولو 
بصورة غير مهيمنة» وهي توجد في أي شكل من أشكال التعبير اللفظي بالإضافة للرسم 
والموسيقا والسينما التي تحمل هي الأخرى الوظيفة الشعرية أيضا. 

وقد انطلق جان كوهين في شعرية الانزياح من نهاية البلاغة القديمة المعيارية التي تستند 
على الأحكام القيمية التصنيفية» ويرى بأن هناك انزياحات متعددة مستقلة عن بعضها بعضا 
لتشكل من خلالها الشعريات بألوان قزحية موشورية مختلفة» إلا أنه اعتمد في فكرته على 
الانتقاء والتجزئة في استخلاصه لشعرية الانزياح[..فهو يعالج بنية محددة في القصيدة توفر له 
المستوى والوظيفة اللذين اختارهما للتحليل» فيما أهمل النظرة الشمولية للنص نفسه؛ ويرجع هذا 
الإهمال إلى المفهوم النظري لشعريته أي الانزياح الذي يمكن تعيينه بالاقتطاع الضروري 


1 - الطاهر بومزبر: المرجع السابق نفسه» ص 53. 


-35- 


الفصل الاول 
لمقطع من قصيدة ما أو بتوزيع القصيدة إلى مقاطع مصنفة بالاستناد إلى نوعية الصورة التي 
تتضمنها تلك المقاطع...].! 

ومن ثمة فإن جان كوهين لم يستطع أن يبني شعرية تقوم على استنباط قوانين من شمولية 
العو 

إن نظرية جان كوهين في شعرية الانزياح هي منطلق مهم في دراسة الشعرية على الرغم 
من تجزئة النص باختيار مواقع الانزياح فيه» وعلى الرغم أيضا من الوصف الذي يغوص في 
أدبية النص الإبداعي الشعري بصورة معمقة تماشيا مع العلمية التي يتوخاها جان كوهين الذي 
يسعى بأن تكون الشعرية علما قائما على اتجاه لساني. 
3-1-2-1تزفيتان تودوروف ''7.710001701"' : 

يتميز تودوروف بين النقاد بالدقة في اللغة والأسلوب والمنهج التدريجي الصارم» وقد 

اكتست دراساته للشعرية -على وجه الخصوص- قيمة عظمى لكونه نظر بتفحص وشمولية 
ودقة للدراسات الأدبية بشكل عامء وهو لا يكتفي بالوصف الذي يعنى بالتقنين للظاهر بل 
بالنظر المتعمق للنص الأدبيء نظرة تأويلية أو تفسيرية أو نقدية أو تعليقاء ويحاول دائما أن 
يجعل النص يتكلم بنفسه أو كما يقول:- "الوفاء للموضوع أي للآخر": فالوصف في نظره هو 
تكرار للعمل. 

ويرى تودوروف أن الشعرية لا تزال في خطواتها الأولى [..أن الشعرية لا تزال إلى حد 
الآن في بدايتها [...] وما يزال تقطيع الحدث الأدبي الذي نجده فيها إلى الآن غير متقن وغير 
ملائم» فالأمر يتعلق بتقريبات أولية وتبسيطات مفرطة:؛ ولكنها رغم ذلك ضرورية...].7 وهو 
حين يتحدث عن الشعرية كونها في بدايتها الأولى لا يعني أنه ينكر هذا الاتجاه أو يحكم عليه 
بالفشل [..وأتمنى ألا يعتبر تعثر الخطوات في اتجاه جديد حجة على أنه اتجاه خاطئ...].3 

ويعرف الشعرية بقوله: [..فالشعرية إذن مقاربة للأدب 'مجردة" و"'باطنية" في الآن نفسه].4 

ومن ثمة فإن الشعرية تركز في نظره على عنصرين أساسيين هما:- 
! - حسن ناظم: المرجع السابق نفسه. ص 163؛ 164. 
- تزفيتان تودوروف: المرجع السابق نفسه» ص 29. 


- المرجع السابق نفسه. ص 29. 
- المرجع السابق نفسه. ص 23. 


اسم يحم يرا اكقل 


-36- 


الفصل الاول 
1 - التجريد:- وهو صياغة قوانين الشعرية المنطلقة من العمل الأدبي. 
2- الباطنية:- حيث لا أثر للقوانين المجردة على سطح الخطاب الأدبيء لكنها لا تغيب عن 
البنية الداخلية الباطنية للخطاب الأدبي. 

ويستنتج من هذا التعريف المقتضب والشامل في آن واحد» أن تودوروف يرفض الدراسات 
النقدية الأكاديمية التي تعتمد الأطر والقوانين فحسبء بل إنه يتطلع إلى نقد يمكن أن يطلق 
عليه "النقد الإبداعي". 

إنه بعد إلمامه بدراسات الباحثين المتعلقة بالشعرية بدا أكثر انفتاحا من غيره من المنظرين 
للشعرية حيث تعرض لعلاقة التاريخ بالأدب وسلطة القارئ على النصء وتحدث عن القيم 
الجمالية» كما تطرق في كتابه الموسوم ب "الشعرية" إلى إبراز العلاقة بين الشعرية والبنيوية وبين 
الشعرية واللسانيات السيميائية» وتحدث عن الفرق بين الشعرية والتأويل وتطرق أيضا إلى 
الصلة بين الشعرية الحداثية والشعرية الكلاسيكية» وهو لم يفصل الخطاب الأدبي عن 
الخطابات الأخرى الفلسفية والسياسية والدينية والسينما والمسرح ...إلخ» كما فعل المنظرون 
الآخرونء ولا ينساق للدراسات الأسلوبية واللسانية والبنيوية» ولا ينزع إلى التأويل كل النزوع 
[..وعلى هذا النحو فإن المعطيات التي تسمح لنا بالوصف الموضوعي في مجال الدراسات 
الأدبية -أي عدد الكلمات والمقاطع والأصوات- لا تمكننا من استنباط المعنى والعكس بالعكس 
فحيث يستقر المعنى يكون المقياس المادي قليل النفع...].! 

وتحدث في كتابه "الشعرية" عن عدم التلاؤم والانسجام بين الشعرية والعلوم التجريبية 
[..وبالمقابل فإن العلاقة بين الشعرية والعلوم الأخرى التي لها أن تتخذ العمل الأدبي موضوعا 
هي علاقة تنافر (كما يبدو من الوهلة الأولى على الأقل)...].7 

وعلى الرغم من ذلك الانفتاح الذي يتصف به إلا أنه يؤكد فكرة اتخاذ المنهج الواحد في 
أي موضوع ولا يماشى الانتقائيين (رجال الأدب) -كما أسماهم- في قبول التحليل المبني على 
اتجاهات مختلفة: [..فهم على أتم الاستعداد لقبول تحليل أدبي مستلهم من اللسانيات وآخر من 
التحليل النفسي وثالث مقام على علم الاجتماع مع تحليل رابع منبن على تاريخ الأفكار بنفس 


1 المرجع السابق نفسه» ص 21. 
2 - المرجع السابق نفسه» ص 24. 


7 


الفصل الاول 
رحابة الصدرء وتقوم هذه المساعي -كما يقولون- على وحدة موضوعها أي الأدب» ولكن مثل 
هذا التأكيد يتناقض مع المبادئ الأولية للبحث العلمي فوحدة العلم لا تتكون من وحدانية 
موضوعه؛ فلا وجود 'لعلم بالأجسام" رغم أن الأجسام موضوع واحد بل توجد فيزياء وكيمياء 
وهندسة ولا أحد يطالب بمنح حقوق متساوية في 'علم الأجسام' 'للتحليل الكيميائي" و"التحليل 
الفيزيائي" و"التحليل الهندسي"].! 

ويرى الباحث بأن تأكيد تودوروف على اتخاذ المنهج الواحد في أي موضوع لا ينطبق 
على موضوع الشعرية خاصة» وربما لا ينجح أي منهج يستعمل وحده في هذا الموضوع من 
أجل الوصول إلى نتيجة أو تحقيق غاية مكتملة» إذ لا تمكن وسائل المنهج الواحد من الإلمام 
بالشعرية التي تتداخل في تشكيلها عوامل كثيرة متباينة(خارجية وداخلية) أما حجة استشهاد 
تودوروف بعلم الأجسام - وهو موضوع علمي مادي بحت- فإن الأمر يختلف عنه في العمل 
الأدبي الذي يتأبى أن ينحصر في بوتقة التحليل الكيميائي أو يخضع لتجربة قياسية فيزيائية أو 
علمية» نظرا لطبيعة التباين بين الموضوعين. 

إن تودوروف على الرغم من كونه ينزع إلى الفكر العلمي في رؤاه النقدية إلا أن آراءه 
تفسح للنظر أن يجول في فضاءات متعددة: [..ولكن القول بأن "كل شيء تأويل" لا يعني أن 
كل التآويل متساوية» فالقراءة مسار في فضاء النصء مسار لا ينحصر في وصل الأحرف 
بعضها ببعض من اليسار إلى اليمين * [...] وانما هو يفصل المتلاحم ويجمع المتباعد» وهو 
على وجه التدقيق يشكل النص في فضائه لا في خطيته...].7 

وهو في هذه المقولة الأخيرة يميل إلى نظرية التأويل التي تبنى تطويرها في القرن التاسع 
عشر 'فيلهيلم ديلشاي" : [..توصل ديلثاي أثناء شرحه لنظرية التأويل إلى ما أسماه 
"الهيرمنيوطيقية" ومفادها: كي نفهم أجزاء أية وحدة لغوية لا بد أن نتعامل مع هذه الأجزاء 
وعندنا حس مسبق بالمعنى الكليء لكننا لا نستطيع معرفة المعنى الكلي إلا من خلال معرفة 
معاني مكونات أجزائه» هذه الدائرية في الإجراء التأويلي تتسحب على العلاقات بين معاني 


1 المرجع السابق نفسه» ص 25. 

* - أبقى البحث على صيغة (اليسار إلى اليمين) في ترتيب الكلمتين كما هو في الأصل في كتاب تودوروف"الشعرية", دون التصرف في التقديم 
والتأخير (اليمين إلى اليسار) كما فعل المترجمان بحجة التماشي مع الخط العربي. 

2 المرجع السابق نفسه» ص 22. 


-38 


الفصل الاول 
الكلمات المفردة ضمن أية جملة وبين معنى الجملة الكلي» كما تنطبق على العلاقات بين 
معاني الجمل المفردة في العمل الأدبي والعمل الأدبي ككل...].! 

ويستنتج تودوروف أخيرا بعد تردده في تسليط المناهج العلمية على الشعرية حين تطرق 
للبحث في العلاقات بين الشعرية والبنيوية والشعرية واللسانيات أن الشعرية تستطيع [..أن تجد 
في كل علم من هذه العلوم عونا كبيرا ما دامت اللغة جزءا من موضوعها...].7 

إن تودوروف وهو يتحدث عن الشعرية ينتقد اللسانيات التي لا تتجاوز أبحاثها الجانب 
الدلالي ولا تتعداه إلى الجوانب الإيحائية للنص: [..إن السؤال الأول يوجد في مركز اهتمامات 
الدلالية اللسانية لكننا نجد مع ذلك المقاربة اللسانية تشكو من نقصين: فهي تكتفي من جهة 
'بالدلالة" وحدها بالمعنى الحصري للكلمة تاركة جانبا قضايا الإيحاء والاستعمال اللعبي للغة 
واعتماد الاستعارة» وهي من جهة أخرى لا تتجاوز حدود الجملة أبداء والجملة عندهم هي 
الوكدة اللسانية الأحاسية...] 3 

إن هذا العرض لرؤية تودوروف للشعرية يجعل البحث يستنفيد - سيما في جانبه 
التطبيقي- من زاوية أخرى للرؤية تتجلى في الأبعاد المختلفة للموضوع العلمية والتأويلية. 
2-2-1 الشعرية لدى الشعراء الغربين الحداثيين: 

إن مفاهيم الشعرية والنظريات والمدارس الغربية النقدية التي قامت من أجل إيجاد 

قوانين تحكم أدبية النص وشعريته؛ انطلقت جميعها من قصائد الشعراء واستقراء شعرهمء لذلك 
فإنه لا مناص للبحث من تتبع أصول الشعرية الغربية في المصدر الأساس وهو قصائد هؤلاء 
الشعراء الذين كانت قصائدهم رفدا للنقاد الغربيين وللشعرية العربية الحداثية التي اغتذت من 
التراث العربي الأصيل ومن التفتح على الشعرية الغربية» ومن أبرز الشعراء الغربيين الذين كان 
لهم تأثير قوي في إحداث التغير:- 
1-2-2-1 شارل بودلير'' :195011061017 10171©5')"" : 


1 ميجان الرويلي وسعد البازغي: دليل الناقد الأدبي» المركز الثقافي العربي. المغرب. ط4. 2005, ص 89. 
2 - ترفيتان تودوروف: المرجع السابق نفسه» ص 27» 28. 
3 المرجع السابق نفسه» ص 33. 


- 39 - 


سسسب 777000000 فصل لال 
شارل بودلير وأرتور رامبو وإدجار ألان بو هم من فتحوا للشعر عهدا جديداء 
وطرحت مسألة اللغة الشعرية ليصبح الغموض في الشعر عنصرا جماليا أساسيا خارجا عن 
الذوق السائدء وقد ثار بودلير على الشكل والنماذج الشعرية التقليدية محاولا تخطي الواقع؛ 
فالشعر عنده هو اللحظة الهاربة» والحداثئة عملية هدم وبناء مستمرين» وبذلك فقد أحدث بودلير 
ثورة في الشعر بتجاوزه الطافر لكل ما هو تقليدي وموروث وقلب موازين الرؤى الشعرية في 
إطار الرمزء فالقصيدة البودليرية تقوم على شعرية تنطلق من مبدأ الإنسانية فهي لا تختص 
ببيئة أو عرق أو جنس معين. 
وقد عاش بودلير متذمرا برما بالحياة» أحدث ديوانه "أزهار الشر" ضجة في فرنسا وقد 
تضمن الثورة والغضب والمرارة والحنين» وربما كان لحياته المضطربة أثر في رؤاه الشعرية» قال 
عن نفسه [ لي تعطش وحشي للمتعة والمجد والسلطان.].! 
درس بودلير الشعر الرومانسي وخاصة شعر تيوفيل غوتيي "001/1112 1207/1116" 
والتقى بكتاب وأدباء كبار مثل بالزاك ونيرفال وغيرهما من الكتاب والشعراء والمثقفين في 
المنتديات والمقاهي الأدبية» وهذان المقطعان يبينان ملامح شعرية بودلير النابعة من أتون 
الرفض والثورة والغضب والدمار يقول:- 
[..شبابي لايثير إلا زوبعة معتمة 
تعبر هنا وهناك 
بشموس بارقة 
الرعد والبرق يخلفان ما يشبه الدمار 
ما تبقى في حديقتي 
قليل فقط من فاكهة قرمزية... 


من يعلم أن الورود الجديدة 
التي أحلم بها 


نه'[) :13 2 بتتععلخ ,1994 سمننل6 “7 2روتصة-151 رلقصد نل كعسدع1؟ دعرارء تداع0نه180 يسمتأمامصءو6ط :2ع سوناده80 طعنوج1 - 1 
ترجمة شخصية للباحث. (ع22 هووندام ع0 عتتزماع ع0 ,عع صددكتناهز ع0 عناوتاهطقتل غزهد عصن 


- 40 - 


الفصل الاول 
توجد في هذه الأرض الملونة 
كساحل رملي...].! 
إن شعرية بودلير تخترق الواقع ذلك القناع الضيق الذي يغطي وجه الحقائق ويستر 
العوالم الجميلة؛ فالإنسان في الحياة كالعابر على غابات من الرموز العميقة المتحدة كالليل 
فيحاول الشاعر أن يكشف ما وراء الأشياء باستعمال الرمز السريالي للنفاذ إلى قلب الحقائق 
المحجوبة فتختلط الحواس وتتوحدء ومن ثمة فإن الألوان والعطور والأنغام تتحد وتتماوج وراء 
المادة» يقول في قصيدة المراسلات:- 
[ثمة عطور ندية كجسد الأطفال 
عذبة كآلة موسيقية» خضراء كالمروج...].7 
فشعرية بودلير والشعرية الرمزية بشكل عام تشبه الذهول الصوفي فالرمزية حلم بجنة 
تغيب وراء هذا الكون المليء بالشهوات والماديات (والشاعرية) الحقة هو أن يكون للشاعر 
القدرة على العودة بمشاعره ورؤاه إلى عوالم الطفولة والبراءة [..فإنك تجد أن بودلير كان 
يستغرق ويذهل في قلب المادة وأنه كان ينفذ منها إلى أبعاد لا تتيسر للإنسان العادي الأليف 
المتهرول إثر الرزق اليومي والواقع في قبضة الأعراف والواقع أو المدجن على مفاهيمه 
وانفعا لاته...].3 
إن شعريته تقوم على حالة من التداعي النفسي حيث تمر الرؤى الشعرية عبر الخيال 
والروح والفناء الصوفيء فالرمزية تخترق جدار الواقع والحس لتلم شتات الوجود الحقيقي المبعثر 
عبر المظاهرء يقول بودلير في قصيدة "التسامي":- 
[..ذاك الذي أفكاره كالقبرة 
تطير في الغداة وتحلق نحو السماء 
ذاك الذي يحلق فوق الحياة 


9 112591556 /ع01:28 ناناء161261 012 '11]) انا عد عودعطتاعل 712 ) :205 2 رأدع71:660 ع"1كناع0 علطعطد :ستتعطعء5 ع«درعزم ‏ 1 
نا ع1 210313[ 22012 داع عأوع" 11ا0) /عع1:2528 أعا صن أتد] غدره عتسام 12 أء عتتتعصمه) عل /كلتء501 مأسقللصط عل عدم 18 أء 
112 0121© 12596 501 ع2 12135 1101051021" /65" عل عدال) /وع11ء20111 كتدتتاع1؟ دع1 أو أتدد تان )ك1 [...] كلتعصت؟ كأاتسحظ عل 
ترجمة شخصية للباحث .(1896م 
2 - إيليا الحاوي: المرجع السابق نفسه.» ص 36. 
3 المرجع السابق نفسه» ص 39. 


- 41 - 


الفصل الاول 
ويفهم» دون عناء لغة الأزهار والأشياء الخرساء...].! 

وأهم ماتقوم عليه الشعرية لدى الرمزيين هي الموسيقا إذ هي الفن الذي يعلو على كل 
الفنون فالنغمة تشخص الرؤية الشعرية تلك النغمة المنحلة في جسد النص عبر ألفاظه 
وعباراته. 

والمتمعن في شعرية بودلير يجدها مزيجا بين شعرية الرمزية وشعرية تيوفيل غوتيي وغيره 
من شعراء الرومانسية. 

وغاية الفن لديه هي الجمال فالشاعر يسعى أن يبحث ويتفانى في البحث عنه؛ فشعرية 
بودلير تجعل الجمال غاية في ذاته تأثرا بالمذهب البرناسيء فأشعار بودلير الأولى -خاصة- 
تستمد شعريتها منه» فهي شعرية حالمة شفافة تزخر بالجمال والألوان والتحليق في طقوس 
المستحيل؛ إن الشعراء العرب الحداثيين لم يتأثروا كثيرا بشعر بودليرء ولكنه - بمنهجه ومقدرته 


الفنية في استخدام الرمز خاصة- استطاع أن يؤثر فيهم ولكن بشكل محدود. 


2-2-2-1 أرتور رامبو '' 1011:0110 1[:111لى'' : 

كاه كزق شاعرية رميق أمرا امتخانيا حيت وضل إلى قم الشدر بون لازال جدذا 
في بكرن الرايعة عتترة) زنقة الى حدق الأقياء. يتكرح من اعطاق الشبن القامضية انراز 
الكامنة في طقوس شعرية ذاهلة باستعمال الرموز والدلالات الغنية المكثفة؛» له فن متفرد 
بأنماطه وأشكاله وصوره. فشعريته تصدر عن سريالية محضة؛ صورة شعرية لا تكاد ثحدس 
تظزا لالفعكات القن هري السموزة ماق خلال لافطا فناك والتووق الركتويلة الفلقة والفاستفية 
العميقة» إن المخيلة وحدها هي عماد الشعرية في نظر الشاعر السريالي فهي التي تكيف العالم 
وتحرره من محدودية المنطق والعقل» والحالات الشعرية الحقيقية هي التي تتجسد في أعماق 
النفس» فالتعبير عن اللاواقع عن طريق المخيلة هو الشعر المعبر عن المطلق الأجمل؛ ذلك 
المطلق الذي يصنع الدهشة والمفاجأة الأولى» فأندري بريتون يرى بأن القصيدة ليس من 


1 المرجع السابق نفسه» ص 2.42 43. 
- 42 - 


الفصل الاول 
الضروري أن تفصح عن ذاتها من شكلها الخارجي وعن طريق الألفاظ والألوان والأشكال 
والأحجام؛ ونحن لما نتصفح كتاب فصل في الجحيم أو الإشراقات لرامبو نجد حشدا من 
الألفاظء غابة مظلمة من الرموز لا تسمح باختراقها للوصول إلى رؤية شعرية لا تفسرها إلا تلك 
الذات التي أنشأتها فالغموض القاتم هو الأداة الفنية الفاعلة في نصوصه الشعرية وحتى في 
قصائده النثرية حيث لا نكاد نستجلي بصيصا ولو خافتا أو وميضا باهتا من تلقاء ذلك التآلف 
المستحيل بين الألفاظ؛ يقول في مقطوعة بعنوان "السرية أو الصوفية" [..على منحدر الأرض 
الهاوية يرقص الملائكة بأثوابهم الصوفية وفي العشب الفولاذي والزمردي؛ مروج من اللهب تنجم 
وتنبري من التلة إلى اليسار...].! إن شعرية رامبو هي وصف باطني منبت عن الواقع عن 
طريق خلط الحواس» شعرية مفعمة بالدهشة والحلم الذي يدعو إليه جيرار دونيرفال» والجنون 
الذي يحرر من قيود هذا العالم كما يرى سلفادور دالي. 
وقد تأتر الشعراء العرب الحداثيون -إلى حد ما- بسريالية بودلير ورامبو كالسياب 
وصلاح عبد الصبور وأدونيس وعبد الوهاب البياتي وغيرهم من الشعراء الحداثيين. 
وقد دعا رامبو بصراحة إلى المعاصرة بصورة مطلقة في مؤلفه "فصل في الجحيم' حيث 
قال:- [ ينبغي أن نكون معاصرين مطلقا].”7 
وهذه ترجمة لمقطع من قصيدة "جوع لرامبو تتكشف عن شعرية قاتمة مفعمة بالغموض 
واللامنطق وهوس الحلم عبر ألفاظ تجاوزت المعنى المعقول وغير مؤتلفة فيما بينهاء إذ شكل 
عنصر الفجوة أو مسافة التوتر مستوى أقصى من المفارقة والانقطاع يقول :- 
[ لو كان لي شهية 
فليس سوى للتراب والحجر 
أفطر دائما بالريح 
بالصخرء بالفحمء بالحديد...].3 
1 -3-2-2 بول فرلين '' 7761101726 111نم" : 
1 - المرجع السابق نفسه» ص 238 
ركلنة8 رععطودكتهدع" ع0 دعووعلام أطوقع طتلتك رعنا )06م 020915 متا مستسسلل بتعكصء د «مكتدد عصنآ تلط طصصوعع] - 2 
ترجمة شخصية للباحث (ع27200612 25011224 60 غ12 11) :91 ٌّ 


5 اء عنالاء) 12 “اتامم 0112) اعتغمع أو '2 ع ,5001 1 ته'[ 51) :242 2 ,رأدع01660 001171 206106 :وتتعطاعء5 عترترعزط - 
ترجمة شخصية للباحث (... +1 06 ركوط نفك ع0 ,عمد ع2 ته" كتناوزناه) عصقء ز06 عل /وعء "عام 


1 


الفصل الاول 
كان في بداية حياته ينتسب إلى البرناسية المعاصرة فهو ينزع في كتاباته للجمالية 

والرؤية الإشراقية» لم يكن مثل بودلير في نظرته السوداوية القاتمة بل كان شعره شفافا أقرب ما 
يكون إلى الأغنية اللطيفة» التقى مع بانفيل» بودليرء فيكتور هيجوء ولما أذهلته قصائد رامبو 
اتصل به ورافقه زمنا وأخذ عنه وأوغل في الرمزية وعلى الرغم من هذا الإيغال في هذا الاتجاه 
إلا أن التجربة الرومانسية ظلت تطبع شعره كما في 'أغنية الخريف". وقد تهذبت قصائده في 
المرحلة الرمزية إلا أن النغمة الموسيقية الطاغية لم تفارقه» فقناعته بأن الشعرية الحقة تصنعها 
الموسيقا باعتبارها الأداة الأهم في تشكيل النص حيث تنعكس عليها كل خلجات النفس 
الغامضة [..الألفاظ هي وسيلة للعالم الخارجي وللأرقام والمعاني الجاثئمة والمحددة [...] لذلك 
علينا أن نهرب من اللفظة النثرية الواقعية التي عيرت لها معايير المعنى وحددت في الأوصاف 
والأعراف وأن نعمد إلى روح الموسيقا وندعها كوتر تهيل النغم أكثر منها حرفا يبذل 
ع ]1 

إن شعرية بول فرلين شعرية تنطبع باللون الرمادي المموه الناجم عن تمازج الغموض 
بالدقة والشفافية وهي بعيدة عن البلاغة التقليدية المتسمة بصفاقة الأسلوب وتنأى عن أنغام 
النفس العميقة» بل جاء شعره نسيجا يحمل المبادئ الجمالية والأطياف والحالات النفسية 
المشرقة» وقد التزم الشاعر بمبادئ الرمزية واستطاع أن يجسدها بشكل كبير في شعره المكثف 
بالضون المتتاقضية: 

وخلاصة ما يقال في شعرية بول فرلين أنها أنغام تصعد من أعماق نفسه وأخيلة تطفو 
فوق الألفاظ والعبارات والرموزء وهذا أنموذج حي لتلك الشعرية يتجلى في مقطعين من قصيدة 
"أغنية الخريف": 

[..الجهشات الطويلة على كمان الخريف 


1 إيليا الحاوي: المرجع السابق نفسه» ص 88)» 89. 


- 44 - 


الفصل الاول 
وهأنا أعبر 
فين ريحه الأثيمة 
تدقع هي 
من ها هناء هناك 
أصارع الهلاك 
كورقة ميتة» عقيمة...].! 
4-2-2-1 ت.س .إليوت ''11101'': 
أشهر شاعر في القرن العشرين رائد للشعر الحديث, اتهم بالغموض والخروج عن 
المؤلوف, تأثر بالشعر الفرنسي حيث كان يتقن اللغة الفرنسية اتصل بالفلاسفة هائري برغسون 
وبير تراند رسل في باريس في العشرينات» وتعرف على كبار الشعراء والفنانين في فرنسا مثل 
أندري بريتون زعيم السريالية وبيكاسو وغيرهما. 
تتجلى شاعريته الحداثية في أشهر قصيدة أحدثت ثورة شعرية منقطعة النظير وهي 
"الأرض الخراب". انعكست أحداث حياته الشخصية على شعره سيما أحداث الحرب العالمية 
الأولى حين خرج ذلك الجيل محطما إثر الحرب فكان شعره متشائما فالقصيدة "الأرض الخراب" 
أو "الأرض اليباب" تحمل جو العبث والضياع والعدم وأصبحت هذه القصيدة مثلا أعلى للحداثة 
وأهم قصيدة قيلت في القرن العشرينء ولكنه تجاوزها فيما بعد إلى شكل جديد من الشعر 
ولاتخلو شعريته من المسحة الدينية فقد انطبعت قصائده بالمعاني الدينية بعد اعتناقه للمذهب 
الكاثوليكي. 
كان إليوت أكثر جرأة وابداعا من غيره في الكتابة الشعرية في القرن العشرين» والشعر 
عنده ينبغي أن يمثل تعقيدات الحضارة الحديثة وهذا يؤدي إلى صعوبة الشعر فقصيدته 
السابقة» شعر غامض قاتم تشاؤمي ولكن شاعريته تصبح أكثر إشراقا ووضوحا في "'أربعاء 
الرمادء والرباعيات". 


1 المرجع السابق نفسه» ص 80. 
- 45 - 


الفصل الاول 

وقد ساهم في النقد الحداثي» ودعا إلى مدرسة للنقد الحديث وأصبحت قصيدته تلك 
أنموذجا ومثالا يحتذى حيث تأثر بها معظم الشعراء العرب المحدثين واستلهمها الكثير من جيل 
رواد القصيدة الحديثة ومنهم أدونيس والبياتي وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وبدر شاكر 
السياب وغيرهم. 

والخلاصة أن شعرية إليوت ذوبان في عالم صوفي روحي يستعمل الرمز من أجل 
الانزياحات الغامضة والأساطير التراثية لوصف حالة شعورية ما أو مشهد معين» وتوسم 
شعريته بالغموض المبهم والاغتراب الشديد والاستبطان الصوفي العميق. 
2/ الشعرية الحداثية العربية: 

تغيرت الشعرية العربية الحداثية عن مفهومها القديم في النصوص الحدائية بشكل 

يكاد يكون جذرياء وهذا التغيير كان حتميا ومنطقيا في آن واحدء حيث كانت الشعرية محدودة 
الأفق ومتشابهة في معظم الإبداعات التقليدية لاتخاذها وسائل فنية متوارثة عبر فترة تاريخية 
طلؤيلة المذئ: 

أما الشعرية العربية الحداثية بعد تأثرها بتيارات الغرب فقد أصبحت ذات أبعاد مختلفة 
ومتعددة» فصار لكل نص شعريته الانفرادية» ويرجع ذلك إلى تضافر عوامل شتى أدت إلى هذا 
التطور الطافر للشعرية العربية (خارجية وداخلية) غيٍ غير أن البحث لا يعنى بصورة مركزة 
بالعوامل الخارجية إلا حين يعرض وجهة نظر بعض النقاد المهتمين بذلك؛ بل يعنى 
بالاستنتاجات النصية. 
1-2 الشعرية لدى النقاد والشعراء العرب المحدثين: 

إن الاستناد على فهم النقاد والشعراء العرب للشعرية يتيح للبحث وسيلة الغوص في 

نصوص بدر شاكر السياب للكشف عن أبعاد شعريته وعناصرها وملامحها وتناصها مع 
شعريات أخرى عبر النصوص المهاجرة من الغرب إلى الشرق. 
1-1-2 الشعرية لدى النقاد العرب المحدثين: 
1-1-1-2 عز الدين إسماعيل: 


- 46 - 


الفصل الاول 
لهذا الناقد رؤية للشعر خاصة تنطلق من مفاهيم المدرسة النفسية المعاصرة التي 
تدرس الشعر المعاصر بأبعاده ومفاهيمه الفنية المواكبة للتطور الفكري والحضاري كما تنظر 
للتراث بعيون أو برؤية حداثية أيضا فتدرسه بمنهجية جديدة مخالفة للمناهج التقليدية المعروفة. 
إن عز الدين إسماعيل لا يلغي التراث ولا يتصور أن يكون الشاعر إلا عصريا 72 - 
حسب تعبيره- ولا بد أن يبقى الشاعر مشدودا إلى عصور سابقة [..فالشاعر قد يعيش حقا في 
عصرنا ومع ذلك قد يكون مشدودا بحبال عصور غبرت...].! 
والعصرنة عنده تتمثل في الرؤية الجديدة للعصر بعمق ودون سطحية؛ وهو ضد الدعوة 
المغالية للعصرنة التي تحاول الانفصال بصورة نهائية عن التراث بمعنى أنه لا يتفق مع أولئك 
الذين ينتهجون نهج الشاعر الفرنسي (رامبو) الذي أطلق تلك العبارة المشهورة التي صارت نيارا 
شعريا امتد أثره من الغرب إلى الشرق 'ينبغي أن نكون عصريين مطلقا". فالشعرية عند عز 
الدين إسماعيل تكون جديدة ومعاصرة حتى لو تحدث الشاعر عن الناقة والجمل. 
والشعرية أو الجمالية المعاصرة عنده تنبع من صميم وطبيعة العمل الفني ولا تفرض عليه 
من الخارج وفق مبادئ معينة ومحددة مسبقاء [..فالشعر المعاصر يصنع لنفسه جمالياته 
الخاصة سواء في ذلك ما يتعلق بالشكل والمضمون...].7 
وقد تحدث عز الدين إسماعيل عن معظم العناصر التي تشكل الشعر الجديد كالموسيقاء 
ودرسها بصورة جد متقدمة حين رأى أن اللغة تشكل بعدا زمنيا ومكانيا من خلال الأصوات 
والمساحات» وهو لما يتحدث عن الصورة الموسيقية التي يشكلها الشاعر يقارب برؤيته هذه 
بعض الرمزيين الذين يعبرون بموسيقا الكلمات عن رؤاهم وتصوراتهم دون إعطاء أية قيمة 
تذكر للمضمونء؛ كما تحدث عن الموسيقا الداخلية التي تحدد النفسُش عروضها وأنغامهاء ويرى 
بأن الصورة الشعرية المعاصرة تتشكل من فلسفة جمالية جديدة وأن الغموض خاصية في طبيعة 
التفكير الشعريء وهو أشد ارتباطا بالشعر من العناصر الأخرى المكونة له. وتحدث عن 
استخدام الرمز والأسطورة كأداتين للشعرية ويختلف عن أدونيس في رؤيته للشعر المعاصر 
الذي يركز بشكل قوي على فكرة التجاوز التي تلغي كل علاقة بالماضي فأدونيس يسعى من 


1 - عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية» دار العودة بيروت, ط2» 1972: ص 10. 
2 - عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه.» ص 13. 


47 - 


الفصل الاول 
خلال هذا العنصر الذي يصنع الجمالية الشعرية إلى تحطيم كل السائد من التراث بأشكاله 
ومضامينه بل إلى كسر الواقع ماضيا وحاضرا وتجاوزه إلى آفاق وطقوس ما أن تتحقق حتى 
تصير هي الأخرى ماضيا أو حاضرا ينبغي أن يزول. 

أما خالدة سعيد فهي تتجاوز رؤية عز الدين إسماعيل الذي هو أقرب مسافة منها إلى 
التراث» فدفاعها عن الشعرية التي دعا إليها أدونيس يبين تأييدها المطلق لرؤيته [..فلا عجب 
أن نقرأ شاعرا حديثا مأخوذا بالتجاوز والإبداع والتغيير يريد للغة الشعرية أن تكون تأسيسا 
لحقائق جديدة وكشفا متصلا لوجه الإنسان البهي متجها بذلك الطموح العربي الجارف الذي ما 
يزال يتلعثم بحثا عن النهج والطريق لاستئناف الإبداعية والخرق والتخطي» يعارض في شعره 
ذهنية الثبات ويرسخ ديناميكية الحركة والصيرورة» لا عجب أن نقرأ هذا الشاعر ونحن نحمل 
قاموسنا الصغيرء نبحث في عواصفه عن شعار نعرفه أو نغم نألفه أو موضوع تعلماه...].! 

إن عز الدين إسماعيل لم يخرج في تفسيره للشعرية إلى فضاء تودوروف أو كوهين أو 
جاكبسون بل ظل يستلهم التراث والنقد الرومانسي ليشكل رؤية نقدية حميمة مع الموروث 
والمعاصر في أن واحد. 
2-1-1-2 كمال أبو ديب: 

تقوم دراسات هذا الناقد على منهج بنيوي شكلاني وذلك منذ أواخر السبعينات داعيا 

إلى إثراء الفكر النقدي العالمي عن طريق المنهج البنيوي ولكن المتتبع لتحليلاته البنيوية يجدها 
عبارة عن أعمال مجهدة للقارئ تقوم على الإحصاء والحساب والرموز الكثيرة المتداخلة 
والأشكال الهندسية المتعددة مما يجعل المتتبع للتحليل يتيه بين الرسوم والرموز والإحصاءات 
وخير عمل له يجسد هذا الفعل هو تحليله لقصيدة امرئ القيسء وقد طبق عليها المنهج البنيوي 
ويعلق عبد العزيز حمودة عن تحليل تلك القصيدة بقوله:- [..إن القارئ يجهد نفسه كثيرا في 
متابعة الجداول الإحصائية [...] لكن ذلك الإجهاد لا يقارن بالحيرة الكاملة والمحاولات 
المستميتة التي يجب عليه أن يبذلها عندما يواجه بالرسوم التي يفترض أنها توضيحية لبنية 


النص الشعريء وهي رسوم (دوائر ومتوازيات وأشياء أخرى كثيرة) لا تحددها المعلومات 


1 - خالدة سعيد: حركية الإبداع دراسات في الأدب العربي الحديثء دار العودة. بيروت» ط1؛ 1979: ص 59. 


- 48 - 


الفصل الاول 
الهندسية تدخل القارئ في متاهة إثر متاهة ليخرج منها في نهاية الأمر مجهدا مرهق الفكر وقد 
فقد توازنه تماما بعد أن ابتعد أميالا عن النص الشعري بدلا من الاقتراب منه...].! 
أما الناقدة خالدة سعيد فهي توظف نفس المنهج في دراساتها للسياب وأدونيس وللقصة 
القصيرة والرواية ولكن بصورة لا تعلن فيها عن منهجها البنيوي [..فالباحثة لا تعلن - شأن 
كثير من النقاد العرب في تلك الفترة المبكرة من دخول البنيوية وما تلاها- عن أنها توظف 
منهجا بنيويا سواء كان شكلانيا أم غيره إنما نراها تمارس القراءة البنيوية بهدوء لترسم الدوائر 
والمثلثات وتستكشف الثنائيات والبنى الدينامية...].2 
إن كمال أبو ديب قد طغت على دراساته الشعرية ما يسميه (المنهاجويه) أي تغليب 
المنهج على النص. 
وعلى الرغم من ذلك فقد أضاف أو بالأحرى أجلى مفهوما قويا في الشعرية وهو الفجوة: 
مسافة التوترء وتحيل هذه النقطة إلى ما يسمى بالانزياح عند جان كوهين. 
وقد أقام كمال أبو ديب دراسته للشعرية على أسس أسلوبية [..إن البحث في الشعرية 
حسب أبو ديب هو بحث في العلاقات المتنامية بين مكونات النص على مستوياته الصوتية 
والإيقاعية والتركيبية والدلالية والتشكيلية...]3. وهي المستويات التي تعنى بها الدراسات 
الأسلويية: 
3-1-1-2 عبد الله محمد الغذامي: 
يورد عبد الله محمد الغذامي في كتابه "الخطيئة والتكفير" المصطلحات المختلفة 
للشعرية في التراث العربي؛ ك "البيان" حيث ذكر الحديث الشريف الذي جاءت فيه كلمة البيان 
"إن من البيان لسحرا".> ويتابع الغذامي في كتابه تطور هذا الإسم الانزياحي "البيان" الذي سمى 
به الجاحظ كتابه "البيان والتبيين" والذي له أسماء مرادفة قديمة كالفصاحة والبلاغة وقد جاء 
معناه في كلمة النظم للجرجاني وجاء معناه أيضا لدى الفلاسفة النقاد كالفارابي وابن سينا وابن 
رشد في كلمة "التخييل" وقد أخذ القرطاجني بهذا الإسمء كما أنه نقل المصطلحات الغربية 
- سعد البازغي: استقبال الآخر الغرب في النقد العربي الحديث. المركز الثقافي العربي» المغرب. ط1» 2004؛: ص 185. 


5 حسن ناظم: المرجع السابق نفسه. ص 182. 5 
- أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين» دار الفكرء بيروت؛ ط 1» 1975» مج2», ج5, ص 175. رواه الطبراني في الأوسط. 


- 49 


اسم يحم يرا احقل 


الفصل الاول 
للشاعرية حيث أطلقت عليها المدرسة الشكلانية "الأدبية" وأورد ترجمة عبد السلام المسدي حيث 
ترجم مصطلح :706/1 إلى الإنشائية. 

وينبغي الإشارة إلى أن محمد الغذامي قد أخذ بمصطلح (الشاعرية) بدلا عن (الشعرية) - 
وقد فصل البحث بينهما آنفا- لتكون مصطلحا في نظره جامعا يصف (اللغة الأدبية). 

وهو لا يعدو في كتابه المذكور أن يوضح شعرية رومان جاكبسون من خلال نظرية 
التواصل ولا يعدو شعرية تودوروف أيضا. 

إن الغذامي في مجال (الشاعرية) يتبنى آراء غربية منتقاة كالتركيز على قدرة القارئ على 
التلقي وتوليد المعاني (الشاعرية) التي لا تحصى من بنية النص الذي يختزن في داخله طاقات 
تتفجر بالفهم الجيد للقارئ» ويرى بأن الشاعرية (الشعرية) لا تقتصر على النص الأدبي وانما قد 
توجد في نصوص غير أدبية [..يعتمد النص الأدبي - في وجوده كنص أدبي- على شاعريته 
على الرغم من أن النص يتضمن عناصر أخرى ولكن الشاعرية هي أبرز سماته وأخطرهاء وقد 
توجد الشاعرية في نصوص غير أدبية (أو نصوص لم يقصد منشئوها أن تكون أدبا) فهي 
ليست حكرا على النص الأدبي ولكنها تستأثر به ويستأثر بهاء لأنها سبب تلقيه كنص أدبي 
وبدونها لا يحظى النص بسمته الأدبية...].! 

إن نقد الغذامي يتمحور على نظرية القراءة بشكل خاص حيث أن تقرير مصير النص 
يتوقف على القارئ [..فالأدب إذَا هو نص وقارئ ولكن النص وجود مبهم كحلم معلقء ولا 
يتحقق هذا الوجود إلا بالقارئ ومن هنا تأتي أهمية القارئ وتبرز خطورة القراءة كفاعلية أساسية 
لوجود أدب ماء والقراءة منذ وجدت هي عملية تقرير مصير بالنسبة للنص ومصير النص 
يتحدد حسب استقبالنا له...].2 

وهو عندما يتحدث عن عملية الحضور والغياب يتضح أن الحضور يقوم على عاملين 
أساسيين هما القارئ والنص اللذان يحققان الأدبية (الشعرية) حيث يقوم القارئ بإحضار الغائب 
من النص ليبرهن على وجود النص كي لا يبقى معلقا في الهواء» والفهم يعتمد تفسير الإشارات 
لاستدعاء الغائب ومن هنا يكون تفسير الشعر بالشعر [..ومن هنا يأتي تفسير النص كوصف 


1 عبد الله محمد الغذامي: المرجع السابق نفسه.» ص 24. 
2 المرجع السابق نفسه» ص 77. 


- 50 - 


الفصل الاول 
نقدي لا للنص كجوهر ولكن لفهمنا للنص أي أنه وصف للعلاقة بيننا وبين النصء وهذه 
العلاقة هي تجربة إنسانية تصدر عن التقاء القارئ بالنص [...] ولذا فإنه لا سبيل إلى إيجاد 
قراءة موضوعية لأي نص وستظل القراءة تجربة شخصية:؛ كما أنه لا يوجد تفسير واحد لأي 


نص» وسيظل النص يقبل تفسيرات مختلفة ومتعددة بعدد مرات قراءاته...].! 


2-1-2 الشعرية لدى الشعراء العرب المحدثين: 

لا يمكن إدراك مستوى الشعرية لدى بدر شاكر السياب إلا بتقديم شعراء آخرين 
عاصروا الشاعر وعاشوا معه مناخا تاريخيا واحدا وبيئة واحدة حيث أن الموازنة - ولو كانت 
مقتضبة- تمكن من إظهار شعرية بدر شاكر السياب بين أولئك الشعراء المؤسسين للشعر الحر 
الذين أثروا وتأتروا ببعضهم بعضاء واستقراء شعرياتهم من طرف النقاد العرب يعد سندا آخر في 
فهم الشعرية العربية»؛ يضاف إلى ما أخذوه عن الغرب, وأي دراسة نقدية للشعرية العربية 
الحداثية ينبغي أن تستند على (الشعر الغربي والدراسات الغربية بالإضافة للشعر العربي 
الحداثي والدراسلت العربية) ومن بين أولئك الشعراء المعاصرين للشاعر:- 
2--1-2-1نازك الملائكة: 

أدركت نازك الملائكة بعمق أزمة الشعر العربي في أواخر الأربعينات فشاركت بدر 
شاكر السياب مغامرة تحويل مسار الشعر وهي مغامرة شاقة قام بها الإثنان وقد ظل الشعر 
يعيد نفسه في دائرة مقفلة لمدة طويلة من الزمن وظلت الأحادية والغنائية والسطحية تلازم 
الشعرء وكان من الضروري إزالة تلك الأشكال العروضية الثابتة والقواعد المتكلسة الراسخة التي 
لا تسمح بحرية النص وانطلاق الشاعرية في فضاءات الشعرية الرحبة» فسعت نازك الملائكة 
وبدر شاكر السياب إلى إحداث هزة عروضية في الإيقاع المستقر للقصيدة المتعلق بالتفعيلات 
والقوافي وأسلوب التدوير وغير ذلكء تقول نازك الملائكة في مفهوم الشعر الحر [..ظاهرة 
عروضية قبل كل شيءء ذلك أنه يتناول الشكل الموسيقي للقصيدة ويتعلق بعدد التفعيلات في 


1 المرجع السابق نفسه» ص 85. 


5 


الفصل الاول 
الشطر ويعنى بترتيب الأشطر والقوافي وأسلوب استعمال التدوير والزحاف والوتد وغير ذلك مما 
هو قضايا عروضية بحتة...].!» وهي ترمي في مسعاها إلى تحرير الشعر من أجواء الخمول 
والكسلء والغاية من الشعر الحر في نظرها ليس الجمالية بالدرجة الأولى وانما التعبيرية أي 
التعبير عن الواقع المعيش واستيعاب التغيرات الحضارية والاجتماعية» وقد غرق الشعر قبله في 
الرومانسية والخمول وعدم الواقعية» فالشاعر المعاصر - في نظرها- يجب أن يتبت شعريته 
المتفردة في منهج شعري يصب شخصيته الحديثة فيه ويستقل ويبدع شيئا مستوحى من روح 
العصر ولا يكون تابعا لامرئ القيس والمتنبي والمعري. 

ولا شك أن الشاعر قد وجد متنفسا لشعريته وحرقته في الثورة على القوالب الشعرية 
العاطلة الجاهزة مسبقاء التي قد رسخت منذ مئات السنين. 

إن الشعر الحر لديها هو نفور من الأنموذج والنمطية المهيمنة» هو نزوع للحرية في واقع 
تسيطر فيه الأبوة» هو انعتاق من الفكر الهندسي الصارم [..لقد وجد الشاعر الحديث نفسه 
محتاجا إلى الانطلاق من الفكر الهندسي الصارم الذي يتدخل حتى في طول عبارته» وليس 
هذا غريبا في عصر يبحث عن الحرية ويريد أن يحطم القيود ويعيش ملء مجالاته الفكرية 
والروحية...].7 

إن الشعرية الحداثية لا يتحكم فيها شكل القصيدة بل المضمون هو الأساس في الشعر 
تقول نازك الملائكة [..وكانت حركة الشعر الحر أحد وجوه هذا الميل لأنه في جوهره تحكم 
الشكل في الشعرء إن الشاعر الحديث يرفض أن يقسم عباراته تقسيما يراعي نظام الشطرء 
وانما يريد أن يمنح السطوة المتحكمة للمعاني التي يعبر عنهاء ونظام الشطرين -كما سبق أن 
قلنا- متسلط يريد أن يضحي الشاعر بالتعبير من أجل شكل معين من الوزن؛ والقافية الموحدة 
مستبدة لأنها تفرض على الفكر أن يبدد نفسه في البحث عن عبارات تنسجم مع قافية معينة 
ينبغي استعمالهاء ومن ثمة فإن الأسلوب القديم عروضي الاتجاه يفضل سلامة الشكل على 
صدق التعبير وكفاءة الانفعال» ويتمسك بالقافية الموحدة ولو على حساب الصورة والمعاني التي 
تملا تفن الشاص .]3 
1 نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصرء دار الآداب» بيروت؛ ط1ء 1962» ص 51. 


2 المرجع السابق نفسه.» ص 45. 
3 المرجع السابق نفسه.» ص 45. 


52 - 


الفصل الاول 

فالشكل إذا لم يكن جاهزا مسبقا بالإضافة إلى المضمون والوحدة العضوية» فإن ذلك 
يسهم في إنشاء شعرية حرة متعددة ومنطلقة» فإذا بنيت القصيدة على رؤيا شعرية واعية شملت 
أبعاد الذات وتغيرات الواقع» كان للقصيدة مجال حر مبدع كشافء تقول الناقدة خالدة سعيد 
[..أن تمتاز القصيدة بالوحدة العضوية يعني أن تكون نسيجا حيا متنامياء وهذا مرتبط بصفة 
أخرى ظهرت في أواخر الخمسيناتء وكان السياب بين القائلين بهاء هذه الصفة هي القصيدة - 
الرؤياء 'والنهر والموت" نموذج للقصيدة- الرؤيا...].! 

فقصيدة "الكوليرا" التي خرجت بها نازك الملائكة عن الأنموذج المعتاد اتصفت بتلك 
القناعات لنازك الملائكة» وصدرت بمواصفات شعرية القصيدة الحرة. 

إن تسمية "الشعر الحر" التي أطلقتها نازك الملائكة على الشعر الجديد تحمل في ذاتها 
تحرر الشعرية العربية من الطقوس التقليدية المقفلة»وقد فتحت للشعرية العربية الباب واسعاءمع 
أنها لم تضع كل معالم التحرر للشعرء ولكن الإضافات الجديدة كانت مستمرة» وقد أحدث 
الصراع بين أنصار الشعر الحر والشعر الأصولي منافذ كثيرة استفادت منها الشعرية العربية 
الحداثية. 
2-2-1-2 أدونيس: 

أما أدونيس فإنه يرى بأن الشعر رؤيا تقع خارج المفاهيم والأطر ونظام الأشياء. 

فهو تمرد على الأشكال الشعرية القديمة» ويدعو إلى "التجاوز والتخطي" تجاوز الماضي 
والحاضر معا بل تجاوز الذات [..فكأن الحداثة تريد أن تقول له لكي تظل موجودا باستمرار لا 
بد لك من أن تتجاوز نفسك وغيرك باستمرار لأن التجاوز هو مبدأ من مبادئ الحداثة...]2 
فالأساس عند أدونيس هو أن الشعر رؤياء والصورة الشعرية هي جزءٍ أما الشعر فهو نظرة كلية 
شمولية ومن ثمة [..لا يبحث أدونيس في القصيدة الحديثة عن الصورة بحد ذاتها بل عن الكون 
الشعري فيها وعن صلتها بالإنسان...].3 


1 خالدة سعيد: المرجع السابق نفسه» ص 190. 

2 بشير تاوريريت: استراتيجية الشعرية والرؤيا الشعرية عند أدونيس دراسة في المنطقات والأصول والمفاهيمء دار الفجر للطباعة والنشرء 
قسنطينة. 2006؛: ص 183 

3 - غالي شكري: شعرنا الحديث إلى أين؟ دار الآفاق الجديدة» بيروت؛ ط2» 1978: ص 110. 


253:2 


الفصل الاول 

ولكي يكون الشاعر الحديث شاعرا حقا عليه أن يتخلص من كل شيء مسبق ومن كل 
الآراء المشتركة والقصيدة حركة لا سكون والقصيدة الحداثية تبتعد عن الجزئية وتجسد رؤى 
الشاعر المكثفة والموسعة للعالم» والموسيقا في نظر أدونئيس هي تناغم حركي داخلي والكلمات 
عبارة عن رموز تكشف عن عوالم ضاربة في الخفاء فالشعرية المبنية على الوعي والرافضة 
للأشكال الثابتة والمتشحة بالأسطورة والمتجاوزة حتى للمستقبل الذي سوف يصبح بعد حين 
حاضرا ثم ماضيا هي الشعرية التي يسعى إليها الشاعر الحداثي [..جاءت تجربة أدونيس الغنية 
كأبرز تأسيس لهذا النهج السديميء, اقترنت بالرفض والخلف والجنون منذ بدايتهاء اتئحت 
بالأسطورة على طريقتها الجديدة وخرجت تزلزل ثوابت الإبداع العربي المتواصل وتحرق مسافاته 
المنظورة...]!» فالشعرية الحداثية تجعل الكلمة تعلو على ذاتها ليصبح الشعر تجاوزا للمعنى 
المباشر وبعدا عن الخطابية الموروثة وتفكيكا للبناء»ء وهي شعرية ناجمة عن الثورة على اللغة 
يفجرها الشاعر سحرا وجمالاء فهي قائمة على الحركية والتموج واللاثبات والشك. 

إن أدونئيس لم يتنصل من التراث ولم يلغه إلغاء تاما [..إن السؤال المعرفي بامتياز: هل 
أدو نيس رفض التراث جملة وتفصيلا؟ والجواب: كلاء أدونيس لم يرفض التراث جملة وتفصيلا 
وانما رفض الثابت لعجزه عن مسايرة روح العصر وتبنى المتحول لأنه كفيل بهذه المسايرة...].7 

وقارئ أدونيس يلمس بوضوح مدى تأثره بأفكار الرمزيين في أشعاره وتنظيراته وأخذه عن 
ثقافة الغرب ولا شك بأن قراءته لبودلير ومالارمي ورامبو ...وغيرهم منحته الشعرية الحداثية 
المعاصرة[..لكن التأثر الذي يعتنقه أدونيس هو التأثر التفاعلي لا الوقوف عند التقليد» التقليد 
الذي يكون فيه الاكتفاء بالشيء المقلدء أدونيس إذن من أنصار التأثر التجاوزي وهو ما فعله 
فعلا تنظيرا وممارسة...]3. وتتسع نظرة أدونيس الشعرية فيرى الشعر نفيا للمعلوم وسعيا نحو 
المجهول ويلغي الحدود بين المعارف الإنسانية وتتسع نظرته للزمن فيرى الماضي البعيد نقطة 
مضيئة لا بد من البحث عنهاء الشعر عند أدونيس ليس انقطاعا كليا عن التراث الشعري 
العربي فهو يدعو إلى ما أسماه 'جوهر التراث" أي البحث عن الومضة الجوهر التي تنقدح من 


1 صلاح فضل: أساليب الشعرية. المصدر السابق نفسه. ص 173 
2 بشير تاوريريت: أدو نيس في ميزان النقد أربع مسائل خلافية بين أدو نيس ومعارضيه, مطبعة مزوارء 2006» ص 1166115 
3 المرجع السابق نفسهء ص 108. 


- 54 - 


الفصل الاول 
صلب التراث.وهو يختلف في نظرته للشعر مع يوسف الخال الذي لم يشغله البحث لاستلهام 
التراث ولكن ما يعنيه هو التغير وفق معطيات الحضارة الغربية فحسب. 


3-2-1-2 سعدي يوسف: 
إن أهم ما يميز شعرية سعدي يوسف تلك الطقوس الاغتربية المفعمة بالتجربة 
الحياتية العميقة» اغتراب يتبدى في أشكال قصائده ومضامينها من جراء الشعور الثاقب بأزمات 
العصر النفسية والاجتماعية» فشاعريته تحمل وطأة الواقع الأليم وحلم الشاعر بالآفاق التي 
تنسيه ذلك الألم الممض الذي يختلج في أعماقه» لأن شكل القصيدة ينبئ عن حالات شعرية 
معينة بطريقة صامتة عن طريق حجم السواد والبيياض وعلامات الترقيم وعدد الوزنات 
العروضية في السطر الشعري ...إلخ: فذلك الإنباء الصامت حين تتأمله تجد صدى لتلك 
المضامين حيث تتراقص ملامح الشعرية في لعبة نصية بين الشكل والمضمون والحضور 
والغياب[..ذلك أنه مايزال يبحث فيه المحتوى عن الشكل والشكل عن المحتوىء يأتلفان ويفترقان 
في أن واحد...].! 
إن الاغتراب الاجتماعي والنفي من الوطن واختلاج العواطف والمحن والخيبات 
والانكسارات في صميمه منحه تجربة عميقة في الحياة وقد أورثته الغربة والألم الثراء الشعري» 
والعمق الرؤيوي:- 
[..يا بلادي التي لست فيها 
يا بلادي البعيدة 
حيث تبكي النساء 
حيث لا يقرأ الناس إلا جريدة...].2 
ومن خلال احتكاكه بالناس وبالعصر تميز شعره بالحس الدرامي المأساوي» وقصيدة 
سعدي يوسف ذات إيقاع داخلي وموسيقا ليست صائتة وهي عذبة هادئة على الرغم من حدة 


1 سعدي يوسف: الأعمال الكاملة» (د ط)» (دت) ص 06. 
2 المرجع السابق نفسه» ص 10؛ 11. 


552 


الفصل الاول 
المأساة الشعرية [ من الألم تولد الأغنية ]!» والخاصية البارزة التي تردد في شعر سعدي يوسف 
استعمال الشخص الثاني بتقنية المونولوج 6/:وه7:0701 أو الحوار الداخلي:- 
[..منذ كان طفلا تعلم سر المطر 
وعلاماته: الغيم يهبط في راحة الكف 
والأرض تقنط 
والنمل كيف يخطط أرض الحديقة 
والحذر يهتز في سره.. 
والشكراين] 2 
فشعرية سعدي يوسف تقوم على المجاز وتنويع النظام المقطعي والتنقيط الدال على 
الغياب والاقتصاد في اللغة والتعبير [..بيد أن الأهم من ذلك يعود إلى طبيعة قصيدة سعدي 
ذاتهاء فهو أحد القلائل من الشعراء العرب الذين تمكنوا من تخليق إطار متبلور للنظام المقطعي 
في القصيدة بحيث تتملك شكلا نصيا محددا دالا ووظيفة مجازية بارزة تعتمد على أقصى 
درجات الاقتصاد في اللغة [...] لكنها لا تقع نتيجة لكل ذلك في أسر محدودية أو أحادية 
المدلول بل تتميز بالقدرة الرامزة الكفيلة باختزان طاقات شعرية هائلة تتفجر من كلماتها 
القليلة...].3 
2--4-2-1تزار قباني: 
على الرغم من أن نزار قباني يوظف في شعره الألفاظ العادية المتداولة إلا أن 
تجربته الشعرية المتمكنة جعلته يطبع الألفاظ بألوان شعرية جمالية ويسلكها في موسيقا ملائمة 
فتولد القصيدة وسط هالة مدهشة مثيرة للإعجاب إنه لا يستعمل الأسطورة والرمز والانزياحات 
والمفارقات البعيدة التي تطغى على معظم النصوص الشعرية المعاصرة من أجل الخلوص إلى 
نوع من الفردانية الفنية وعدم تكرار الذات أو التشابه مع الآخر أو ملامسة التقليد ومع ذلك ليس 
هناك شاعر مثله حمل الجماهير على التغني بقصائده» ولا يعد بعض النقاد هذه المقدرة في 


2 ع2 ) :11 2 ,1984 ركتنة ,20طل0تتاك ممع قتتة كتنام.آ ع0 عع612ام ع0 رعصص نلضوع عتتطدط 0 تطتط 0عتسسحطمكخ - 1 
ترجمة خاصة للباحث .(أصفآك ع1 غ)3هد عدد1نه00 
2 سعدي يوسف: المرجع السابق» ص 51. 
3 صلاح فضل: المرجع السابق نفسه»ء ص 209. 


- 56 - 


الفصل الاول 
قيادة الجماهير على قوة شاعريته وثراء شعريته بل إن الأمر يتعلق بمستوى المتلقي لأن النضج 
التقافي للإنسان العربي لا يزال أقل نضجا وثقافة من المتلقي في الغرب [..ومن يتصدى لواقع 
العالم العربي من هذا القبيل» يتبين له أن جمهور الشعب ما برح يعجب بالموسيقا الإيقاعية 
الشديدة القصف التي تبث في نفسه حالة من الطربء فينفعل ويهيج وتشتد عليه صور الترنح 
الذي لا يعتم أن يصحو منه على شبه خواء نفسي...].! 
إن العناصر التي تكون شعرية نزار قباني هي مزيج من مذاهب شتى واقعية ورومانسية 
ورمزية وسريالية وغيرها. 
5-2-1-2 أمل دنقل: 
بنى أمل دنقل شعريته على الأدوات التي تشكل معظم قصائد الشعر المعاصر 
وعلى ملامح الشعرية الحداثية كعنصر الانقطاع الذي يحضر بصورة مكثفة في شعره ويتجسد 
الانلقطاع في تلك الصيغ اللغوية التي لا يوجد بينها أي اقتراب بل تكون متعارضة ومتقاطعة: 
إنه نوع من التوازي بين الصيغ أو حالة انتقال حادة لتكوين فجوة شاسعة أو مسافة بعيدة تحدث 
توترا في انتظام المعنى أو في الانسجام والاتساق بين الصيغتين المتوازيتين يقول في جملة 
شعرية:- 
[..لا تدخلوا معمدانية الماء 
بل معمدانية النار 
كونوا لها الحطب المشتهى والقلوب: الحجارة...].2 
إن الملاحظ في الجملة الشعرية السابقة درجة الانزياح القصوى والتباين الشديد بل 
اللاتجانس (معمدانية/النار)» (القلوب/الحجارة)» ويحس المتلقي ما يحدثه هذا اللاتجانس 
والانقطاع وعدم الملاءمة بين الصيغ من طاقة شعرية لا حدود لها. 
والعنصر الآخر الوارد بوفرة في شعره هو "التأويل"»فالتأويلات المتعددة سمة أساسية من 
نات الشعر المعاضبرهوالتددرية الحذافنة تند التأويل وكلفا قات متحذة| ولا خيائينا تلخت 
الشعرية من تلقائه بعدا أقصى من التوسع والكثافة»ويركز هذا العنصر على وعي المتلقي الذي 


1 إيليا الحاوي: نزار قباني شاعر المرأة» ج1.» دار الكتاب» بيروت؛ ط3» 1981م؛ ص 06. 
2 أمل دنقل: الأعمال الكاملة» دار العودة» بيروت؛» ط2» 1985م؛ ص 324. 


57 


الفصل الاول 
له القدرة على كشف تلك التأويلات التي يزدحم بها النص وتكون راسخة في عمقه.كما يؤدي 
التخييل الثري لدى القارئ/المتلقي إلى كشف خبايا النص الشعري ويفضي به - في نفس 
الوقت- إلى متعة النص والالتذاذ بجمالياته. 
ويوجد عنصر آخر لا يقل أهمية عن عنصر الانقطاع والتأويل وهو"المفارقة" وتبنى على 
التناقض الكلي بين صورة وأخرى وتناقض الصورتين الشعريتين يفتح فضاء للشعرية في النص. 
واعتمد أمل دنقل على عنصر التناص في قالب قصصي مستحضرا ماضي المتنبي في 
مصر وموقفه من كافور الإخشيدي وتستر الشاعر وراء هذا الخطاب ليعبر عن حاضر حالته 
الشخصية:- 
[..أمثل ساعة الضحى بين يدي كافور... 
وعندما يسقط جفناه الثقيلان» وينكفئ 
أسير مثقل الخطى في ردهات القصر 
أبصر أهل مصر 
ينتظرونه... ليرفعوا إليه المظلمات والرقاع...].! 
أما الرموز الشعرية في قصائد دنقل فهي كثيفة وخاصة منها الرمز التراثي (المتنبي» 
كافورء سيف الدولة» خولة...إلخ)» ومن خلال الرموز التراثية يصف حاضر حالة معاصرة أو 
يشخص ذلك الرمز السابق في التاريخ بدلالة تعبر عن موقف حاضر بالإضافة إلى الإيقاع 
الذي اهتم به النقاد الحداثيون في الدراسات الأسلوبية والبنيوية خاصة؛ للربط بين البعد 
الموسيقي والدلالي» ويتسم شعر دنقل بالانزياح الإيقاعي» ويتجلى ذلك في التجوزات العروضية 
التي سنها الشعر المعاصر وقد بلغت في بعض الأحيان حدا أقصى من الشطط والتمرد في 
مستوى الانزياحات الإيقاعية. 
والخلاصة أن شعرية أمل دنقل نابعة من تجربة حداثية توظف جميع المعطيات المشكلة 
لهيكل النص الحداثي الذي يكتظ بالدلالات الشعرية والإيحاءات والرموز التي تفضي إلى 
طقوس الشعرية التي صاغتها الأساليب الفنية المتجاوزة المتخطية لكل البنى التقليدية دون 
التتصل من الجذور الأولى سيما عند تشكيل موقف أو حالة حاضرة معاشة حيث يلجأ إلى 


1 - المرجع السابق» ص 186» 187. 
5-58 


الفصل الاول 
طريقة (الفلاش باك) فتنعكس صورة الماضي وتكرر في شكل حضور تاريخي تراثي لإجلاء 
نوع من المأساة المكررة في الواقع الأليم واستحضار حادثة أو رمز لشخصية تكمن فيها 
الجوانب الإيجابية الصالحة للزمن الراهن. 

تلك كانت بعض الفضاءات للشعرية الحداثية لدى بعض أقطاب الشعر المعاصر أوردها 
البحث من أجل الموازاة بينها وبين شعرية بدر شاكر السياب»الشاعر الذي استطاع أن يحول 
قاطرة الشعر إلى اتجاه جديد وفضاء آخرءتولدت عنه الشعرية الحداثية لدى أولثئك الشعراء 
الأقطاب. 

وهناك شعراء آخرون يعدون من الشعراء المؤسسين للشعر الحداثي شاركوا بسهم واسع في 
تحديث الشعرية العربية منذ أن مهد لها كل من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب مثل عبد 
الوهاب البياتي وسميح القاسم وصلاح عبد الصبور ...وغيرهم» لم يتعرض لهم البحث على 
الرغم من مكانتهم المرموقة في الشعر المعاصر لكون البحث لا يتسعء لذلك اقتصر على أولئك 
الشعراء لكي تظهر شعرية السياب بجلاء في ذلك الوسط الشعري من خلال المقاربة بينهم 
جميعا. 


3/ فضاءات الشعرية الحدائية: 
1-3 البياض: 
أصبحت لعبة السواد والبياض في القصيدة الحداثية عاملا مهما تترتب عنه قيم فنية 

ورؤى إبداعية عميقة تسهم في إثراء النص وتؤدي دورا في شعرية ذلك النصء ولم يصبح 
البياض الطباعي الخارجي في النص معبرا عن وقفة ظاهرية أو تشكيلا لفراغ ينبغي أن يملا 
من طرف القارئ بل أصبح السعي من أجل إيجاد التواشج بين البياض والبنية العميقة للنص. 

يتساءل المتلقي أحيانا لماذا ترك الشاعر هذا البياض؟ وتظل الإجابة أحيانا غير متوفرة 
أو غير مكتملة. 

أصبح للقصيدة الحرية في التنظيم الطباعيء. وأصبح النص مفتوحا من كل الاتجاهات 
وصار لكل قصيدة هيئة خاصة مشكلة من حجم السواد والبياضء وقد يضع الشاعر ثلاث نقاط 


-59 


الفصل الاول 
كعلامة ذالنة تسن "الوزة. أو الدلالة أو الشبعرية: أ كل .هنذه الحوانجة مغناء يقول يدو شاكر 
السياب في مطلع قصيدة "النهر والموت":- 
[ بويب . 
و ]1 

فكل سطر من هذين السطرين على تفعيلة من بحر الرجز محولة إلى (علان)» ونلاحظ 
من هذا البياض أو من وراء النقاط الثلاث النقص النحوي والدلالي لعلة شعرية فنية قد تكون 
من أجل فتح فضاء للتأمل الممتد في النهر المحبب الذي ألفه الشاعر في موطنه» وقد تكون 
وقفة البياض في نهاية سطر الصفحة أو في وسطها للدلالة عن تفاعل عميق وشائك يصل 
إلى حد التأثير في الإيقاع [..البياض في نهاية سطر الصفحة أو في وسطها إعلان عن تفاعل 
الصمت مع الكلام» وتفاعل البصري مع السمعي في بناء إيقاع النص...].7 

إن الرؤى الشعرية المختلفة وما تتميز به من خصوصيات هي التي تتحكم أو ترفض 
خطية النصء فيحدث أحيانا ما يسمى بالتوازي بين السواد والبياضء وقد يكون للبياض 
الطباعي حضور مكثف ويحدث عن ذلك تنوع في أشكال القصيدة» ويفضي ذلك التنوع إلى فتح 
مجال واسع لشعرية النصء ومن هذا التطور في أشكال القصيدة أصبح الشعر العربي الحديث 
أقرب للقراءة منه إلى الإلقاء. 

إن الفراغات أو البياضات في القصيدة الحداثية هي كتابة أخرى لنص ممحى بينما كان 
البيياض في القصيدة التقليدية (بين الشطرين) يمثل بياضا لا معنى له [..فالمكان النصي 
ببياضه يترك الصمت متكلما ويحيل الفراغ إلى كتابة أخرى أساسها المحو الذي يكثف إيقاع 
كل من المكتوب المثبت والمكتوب الممحىء وبناء الدلالية في هذه الحالة لا يلغي أيا من 
المكتويين معا ...]3 

تمثل التشكيلات الجديدة للسواد والبياض نتاجا دلاليا لمنح الخطاب ثراء في بلاغته 
وشعريته [..ويكون البياض بهذا المفهوم عنصرا أساسيا هو الآخر في إنتاج دلالية الخطاب» إن 
إيقاف البيت في نقطة ما من انطلاقه أو انبثاقه في نقطة من فراغه يعضدان بلاغة المحو التي 
1 ديار شاكر السيات: النتواك كان العودة يروك 71» ص 453. 


2 - محمد بئيس: المرجع السابق» نفسه, ص 128. 
3 المرجع السابق» نفسه. ص 151. 


- 60 - 


الفصل الاول 
تناقض بلاغة الامتلاء في القصيدة التقليدية» ويظل البياض تبعا لذلك رحما تتجمهر فيه 
احتمالات كتابة منذورة لاسترسال المحوء حيث القارئ وحده يستطيع ملء الفراغ كل مرة يقرأ 
فيها النصء وبتعدد القراءة يتعدد فعل الكتابة أيضا...].! 
2-3 التكرار: 
يعد التكرار أداة أو وسيلة مهمة في الشعر الحديث لذلك نجده شائعا بشكل واسع في 
قصائد الشعراءء ولا يعني ذلك أن التكرار ظاهرة جديدة في الشعرء بل هو خاصية قديمة فيه 
كتكرار القافية والوحدات الوزنية في الأبحرء غير أن الشعر الحر قد تكثفت فيه هذه الظاهرة 
وهي تتطلب الدراسة والتمحيص في تفسيرها [..مبدأ التكرار سلم به معظم النقاد المحدثون 
وجعلوه جوهر الخطاب الشعري ويكون على مستوى الأصوات» وعلى مستوى الوزن والقافية 
وعلى مستوى التركيب النحوي» وفي المعنى» وإذا كان التكرار في الخطاب العلميء وفي أنواع 
الخطاب الأخرى يعتبر حشوا لا قيمة له» فإنه في الخطاب الشعري ليس كذلكء؛ لأن الشعر 
عبارة عن إطناب معنوي ناتج عنه ويقصد الشاعر إلى ذلك قصدا...].7 
وللتكرار أهداف فنية متعددة فقد يكرر الشاعر لفظة؛ أو سطرا أو جملة شعرية من أجل 
إضفاء لون من الموسيقا التي تثري شاعرية النص وتجذب انتباه القارئ» فتكرار كلمة مطر في 
'أنشودة المطر" لبدر شاكر السياب لها جانب دلالي وجانب فني:- 
[..ودغدغت صمت العصافير على الشجر 
أنشوكة الحظطن +3 
مطر . 
مطر . 
ل 2 
فالتكرار من الناحية الدلالية يوحي بالخصب والنماء والانبعاث من جديدء ومن الناحية 
الشعرية فإن الكلمة بتكرارها وموسيقاها تحدث سحرا في المخيلة تذكر بالطقوس الدينية التي 
1 المرجع السابق نفسه. ص 129. 
2 محمد بلقاسم: الأثرء مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية» جامعة قاصدي مرباح, ورقلة: الجزائر» ع6: 2007» ص 41» نقلا عن محمد مفتاح» في 


سيمياء الشعر القديم» ص 226 27. 
3 الديوان السابق نفسه.» ص 475. 


-61- 


الفصل الاول 
يتكرر فيها لفظ معين لإضفاء أجواء القداسة والرهبة على المكان للتأثير في النفوسء» وقد 
استولى التكرار على بدر شاكر السياب في قصيدة "المومس العمياء" فكرر أسماء وأساطير 
يونانية وخرافات عربية» وقد يكرر الشاعر النقط أو علامات الترقيم» ويكون التكرار في الصور 
وهي عملية صعبة ومعقدة لاستكشاف ما يرمي إليه ذلك التكرار» نظرا لانعدام الجانب 
الصوتي. 
وقد يكثر الشاعر من بعض الحروف والكلمات في إسراف ظاهرء وينجم عن ذلك ابتذال 
لا يوافق طبيعة الشعرء فالتكرار إذن وسيلة في الشعر الحر يترجم حالة نفسية دقيقة. 
فبدر شاكر السياب حين يكرر اسم 'جيكور”" في الأسطر التالية يكشف عن أمل في 
النهوض والانبعاث من رحم العذاب والجراح ويفتح بهذا التكرار نافذة للنور والتفاؤل يقول في 
قصيدة 'تموز جيكور":- 
[..جيكور.. ستولد جيكور: 
النور سيورق والنور. 
جيكور ستولد من جرحيء 
من غصة موتيء من ناري...].! 
وربما كان التكرار بهدف الضغط على فكرة لإبرازها أكثرء بالإضافة إلى كونه مظهرا 
جماليا. 
3-3 الغموض: 
ازداد الشعر الحداثي منذ ظهوره سرية وإبهاما وقد اتشح بالغموض فصار له إكسير 
غريب جذاب يبعث على الرغبة في فك طلاسمه وألغازه» وقد نزع الشاعر إلى الغموض هروبا 
من العادي والنثرية والمباشرة: [..ومن هنا إن الغموض كان ملازما للحالة الشعرية وهو الصفة 
الأولى المتحدة بها ولا تنفصم عنهاء وكلما نزح الشاعر عن ذلك الغموض ونزل إلى الأفكار 
والصور التعادلية والحقائق الجاثمة فإنه يكون قد استسلم إلى وطأة النثر وثقل المادة...].2 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 411. 
2 - إيليا الحاوي: الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربي. المصدر السابق نفسه. ص 118. 


- 62 - 


الفصل الاول 
والغموض الذي يكتنف الشعر الحدائي ناجم عن استخدام الوسائل الفنية المختلفة» فإذا 
كان الشاعر حاذقا في استخدامها أدى ذلك إلى إنتاج نصوص إبداعية تستولي على ذائقة 
القارئ الذي يستطيع أن يتفاعل مع تلك النتصوص حسب درجة وعيه بالشعرء وأصبحت رمادية 
الصورة الشعرية أو البون الشاسع بين طرفي الفجوة أو المفارقة في المعنى» وأصبح الإيغال في 
الإشارة والرمز وتوظيف الأسطورة من أجل طقوس لا مرئية هي الأدوات الفعالة في بناء الشعر 
الحداثي. 
فاللغة الشعرية الحداثية تعتمد على الرمز والإشارة والتلميح دون التصريحء وانبرى لهذا 
الاتجاه في العصر الحديث شعراء من الغرب كرسوا شعرهم لهذا المبد! الشعري ومنهم: بودليرء 
رامبوء ملارمي وغيرهم. وقد استعار رواد الشعر الحر في الوطن العربي هذه الوسيلة لأشعارهم 
مثل أدونيسء البياتي» بدر شاكر السياب» وشعراء آخرون ساروا على درب الحداثة. 
إن الغموض ينفتح على المجهول الذي يتشظى بالأسرار التي تتناسل وتنبجس بشكل 
لانهائي» فتحدث من جراء ذلك دهشة الغرابة والذهول وتترى الصور منبعثة كالسحر من 
التراكيب اللغوية والألفاظ المفارقة جتجدللمعاني القاموسية [..فإننا نقول ثمة أسباب عديدة يأتي 


في مقدمتها غموض العملية الإبداعية وطريقة استخدام اللغة بوصفها سفينة الشاعر في مسيرة 
كشفه الأبدية» تتناسل المعاني وذلك عن طريق انبجاس النص وانفتاحه على المجهول والثقافة 
والمعرفة بوصفهما رافدين كبيرين في تشظي ظاهرة الغموض على جسد وروح نص الحداثة. 
وتلعب الصور الشعرية إلى جانب هذه العوامل دورا رئيسيا في استفحال هذه الظاهرة كي 
تتراءى له سبل الاختراق والمجاهيل...].! 

إن الشعرية الحداثية القائمة على الغموض والخرق والتجاوز تنشأ عنها ظاهرة جمالية 
متعددة الرؤى ملأى بصور الجذب والإغراء المتفاعلة مع الأبعاد الفلسفية العميقة [..فالغموض 
ظاهرة جمالية في الشعر الحداثي طالما أجاد الشاعر استثمارها في تجربته الشعرية...].7 

أصبحت الدلالات اللغوية والنفسية والشعرية ملفوفة في روؤى ضبابية لا تتكشف للمتلقي 
العادي حيث يقف المجهول حائلا بينه وبين تلك الأسرار المتعددة الملتفة في شفوف غامضة 


1 - بشير تاوريريت: استراتيجية الشعرية والرؤيا الشعرية عند أدونيس دراسة في المنطقات والأصول والمفاهيم» المرجع السابق نفسه. ص 33. 
2 المرجع السابق نفسه» ص 30. 


-63- 


الفصل الاول 
مبهمة [..وانما يعني ازدحاما دلاليا فيه من الضبابية والتعدد ما يصيب المتلقي بالحيرة أمام 
النص الشعري وبقدر ثقافة الشاعر يكون تجاوزه للمشترك العام بينه وبين متلقيه العاديين لأنه 
بهذه الثقافة قد كون أفقا معرفيا مجهولا عنده والطبيعي أن يأتي إنتاجه الشعري مجللا بالغموض 
والإبهام...].! 

ويري إيليا الحاوي- وهو بصدد تفسير خصائص الرمزية في الشعر الرمزي- أن الغموض 
حالة لصيقة بالنفس منذ البدء [..وانما الغموض هو حالة نفسية طبيعية كانت منذ البدء حين 
كانت النفس الأولى مفعمة بذاتها تنطلق منها وتقفل إليها ولم تستذل أو ترتهن لضرورة العالم 
الخارجي وقرائن الإيضاح والوضوح...].7 

إذا فإن الغموض يشكل منطلقا ضروريا للشعرية وللجمالية الحداثية لأن طبيعة المعرفة 
والثقافة الكونية الراهنة تقوم على أساس البحث والمغامرة في أجواء المجهول. 
4-3 التأويل: 

حين يوجد الاختلاف والتعارض في القراءة يتحقق التأويل الذي يتعلق أساسا 

بالنصوص الشعرية لأن النصوص النثرية ذات اللغة المعيارية المعجمية لا تحقق هذا العخنصر 
الذي يفتح أفقا واسعا للشعرية. 

إن التأويل لدى القراء لا يعني ما يريده الشاعرء وكلما كان النص انزياحيا كثرت فيه 
وجوه التأويل» وتولدت فيه طقوس الشعرية» وينبغي لقارئ النص الشعري أن يكثف من النظرات 
التأويلية» وقد يفرض النص على القارئ كثرة التأويلات بما يتضمنه من مراوغة وانزياح بحيث 
يثير في المخيلة تساؤلات كثيرة» ويستعمل المبدع الرموز والألفاظ التي تحقق هذا المبدأء وقد 
تداول مصطلح التأويل مجالات معرفية عدة كعلم الدلالة ولسانيات النص والخطاب وتحليل 
الخطاب والسيمياء ...إلخ» والمفهوم الأبسط للتأويل هو دلالته على التعددية وإنتاج الدلالات 
وقد استعمله علماء الدين واللاهوت المسيحيين في تفاسيرهم للكتاب المقدس (الإنجيل)» وهذه 
المعاني للتأويل قد تتقارب من مفهوم معنى المعنى لدى عبد القاهر الجرجانيء والتأويل عند 
النقاد هو منهج وليس غاية في ذاته» وربما يشتط التأويل في النزعة الانطباعية الذاتية» مما 


1 ساندي سالم أبو سيف: قضايا النقد والحداثة دراسة في التجربة النقدية لمجلة "شعر". دار الفارس للنشر والتوزيع., الأردن» ط1: 2005» 
ص 2210 211» نقلا عن عبد الرحمان القعود, الإبهام في شعر الحداثة. ص 24. 
2 إيليا الحاوي: المرجع السابق نفسه» ص 117. 


- 64 - 


ججج77---سسسسسسس7777707070707070؟ا_اا______27 ا االلفصل لال 
حدا بالدارسين والنقاد إلى الحد من غلوائها وكبح جماحها لكي لا يصبح الشطط في التأويل 
للنزعة الانطباعية والإسقاط للأفكار الذاتية والثقافة الخاصة عملا مباحا يؤدي إلى إلغاء النص. 

وينبغي أن يكون للتأويل مرجعيات وقوانين وضوابط معينة والا أصبح ضربا من التيه 
وللمتلقي دور هام في التحكم في عملية التأويل [..ينطلق بيردسلي وهيس وليفين وسورل 
وآخرون من فرضية تقول:- إن المتلقي يؤول ملفوظا ما تأويلا استعاريا عندما يدرك عبثية 
المعنى الحرفي...].! وقد حاول "إيكو" الغوص في التراث الإنساني المتشعب من أساطير 
وصوفية وباطنية ...إلخ لاستخراج جذور التأويل وإيجاد سياقات معينة له وبذلك يكون قد قلص 
من حده اللانهائي [..والخلاصة إن التأويل ليس فعلا مطلقاء بل هو رسم لخارطة تتحكم فيها 
الفرضيات الخاصة بالقراءة وهي فرضيات تسقط انطلاقا من معطيات النص مسيرات تأويلية 
تطمئن إليها الذات المتلقية...].2 
5-3 المفارقة: 

تقوم المفارقة على التناقضء فقد يرفض الشاعر أمرا ولكنه يفعل عكس ما يريد 

كموقف المتنبي من كافور حيث قامت مفارقته على السخرية» أو أي شاعر آخر أمام السلطان 
حين لا يكون البوح حكمة فيقول الشاعر ما يريده السلطان» وتبنى المفارقة على صراع الأضداد 
كالصراع بين ما يضج في نفسية الشاعر والقوة الخارجية» وهي تشبه التقابل والتضادء كتضاد 
المعاني الخفية مع المعاني الظاهرية» وبذلك يحدث التوتر في الدلالة من خلال التضادء 
ويتوصل المتلقي من خلال ذلك الأسلوب إلى الدهشة ولذة النصء وقد وظفها الشعراء الغربيون 
بكثافة في أشعارهم حين اكتشفوا أهميتهاء وكلما ازداد التضاد بين المعنى الظاهري والباطني 
وازدادت حدة المفارقة ازدادت درجة الشعرية» إنها الصراع بين الخارج والداخل؛» بين الذات 
والموضوع» هي نوع صعب من التأليف والتعبير غير المألوف وغير المعتادء يقدم عليه الشعراء 
الكبار. 

فالمفارقة لها طرفان متقابلان متقاطعان ومتناقضان وفي نفس الوقت مجتمعان بطريقة قد 
لا يقرها العقل والمنطقء والشعر الحداثي يرد فيه التعبير بالمفارقة بشكل واسع, والشاعر 


1 أمبرتو إيكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية» ترجمة سعيد بن كرادء المركز الثقافي العربي. المغرب. ط1ء 2000؛» ص 146. 
2 المرجع السابق نفسه» ص 11. 


-65- 


الفصل الاول 
يستطيع أن يتموقع في مركز معين بحيث يعاين الوجهين معا للمفارقة [..إن المبدع عادة ما 
يضع نفسه في رؤيته لمفردات عالمه في منطقة وسطىء وعلى هذا النحو يتمكن من الرؤية 
المزدوجة: فما أن يقع الإدراك على وجه معين حتى ينجذب إلى الجانب الآخرء بل ربما كان 
الجذب النابع من المركز موجها للرؤية إلى عدة جهات في أن واحد ومن هنا تصبح الرؤية 
ذات طبيعة شمولية...].! 

وقد تكون المفارقة ذات صور مركبة بحيث تصبح الرؤية الشعرية ذات بعد متعدد يتطلب 
نظرة كلية واعية للأجزاء المتشظية المتقاطعة في إطار كليء وقد لا يعنى كثير من الشعراء 
بالمفارقة المتعددة ذات الصور المركبة مثل بدر شاكر السياب ونزار قباني وغيرهماء وربما 
تزداد المفارقة كثافة واكتظاظا وتداخلاء وفي هذه الحالة يكون من الصعب إدراك فضاء الشعرية 
ويسعى الخيال حينئذ إلى صنع العلاقات لتلك الصور المتماوجة والأصوات المختلطة. 
6-3 الانقطاع: 

في النص علاقات لا اقتراب ولا تجانس بينها وتصل إلى درجة المناقضة والتعارض 

والانقطاع في الدلالة» ويركز جاكبسون على هذه المسألة بالذات ويراها مصدر الشعرية؛ 
ويتجلى الانقطاع في فكرتين متنافرتين لا صلة منطقية بينهما وهذا الفعل يؤدي إلى توفير جو 
أو فضاء للشعرية لا يتحقق من التجانس الذي موضوعه النثرء حيث يصلح التجانس للغة 
النثرية المعيارية. 

أما الانقطاع (اللاتجانس) فإنه يحقق ذلك الانتقال الخارق من بعد إلى آخر مناقض له 
تماماء فتحدث فجوة شاسعة تحدث توترا حادا وشاسعا بين الوضعينء فالانقطاع هو القفز من 
صورة إلى صورة بحيث تكون كل الروابط والعلائق الخارجية مبتورة» ويمس هذا العنصر 
(الانقطاع) المستوى الخارجي للنصء لأن تشظي الداخل يؤدي إلى التفكيك إلى إنهاء كل 
علاقة وكل تماسك مما لا يمكن معه تصور طقس فني أو شعري فليس معنى الانقطاع كسر 
كل العلاقات الخارجية والداخلية» لكنه عنصر يصنع فضاء للشعرية بذلك الاتصال الخفي في 
عمق البيئة الداخلية. 


1 - إيمان "محمد أمين" خضر الكيلاني: بدر شاكر السياب دراسة أسلوبية لشعره. دار وائل للنشرء عمان: ط1ء 2008؛ ص 48: 49. 


-66- 


الفصل الاول 
1-3 الانزياح'' 10611011011" : 
تطرق جان كوهين إلى الانزياح وأفاض فيه عندما تحدث عن لغة الشعر وعن 

الشعرية كعلم واعتمد في نظرته في موضوع الانزياح على شارل بالي» برونو» ماروزو» ويعني 
الانزياح الانحراف عن نسق الكلام المألوف وهذا المصطلح أكثر لصوقا بمجال النقد السيميائي 
عند كوهين وأطلق عليه لفظ الانحراف 1(611011011. 

وقد شاع الانزياح الذي هو خرق للغة بمفهوم آخر وهو (العدول)؛ واستعمل هذا 
المصطلح في التراث النقدي العربي لدى النقاد والبلاغيين. 

ووظفه عبد السلام المسدي بمعنى 7074 أي التجاوز والعدول ثم استبدله ب (الاتساع) 
في مقابل المصطلح الأجنبي 5004714. أما سامح الرواشدة فقد عرفه بالشكل التالي [..فإن لم 
تتطابق الدلالة مع المعاني الأولية للسياق عد ذلك انزياحا عن لغة النثر ودخولا في اللغة 
الشعرية...].! وفي العبارة التالية ذات البعد السيميائي يتضح أن الأدبية أو الشعرية ناتجة عن 
الدال الذي صار مدلولا عن طريق الانزياح. [..ويقصد بالأدبية أن عناصر اللغة تتحول من 
صفة الدال على مدلول خارج الدال نفسه إلى وضع يكون فيه الدال مدلولا بذاته...].2 

اهتم النقاد المعاصرون بالانزياح وآثروه على بقية المصطلحات الأخرىء وهناك من عده 
'نزار التجديتي" فرعا أساسيا من نظرية الشعرية» أما عبد المالك مرتاض فقد رأى بأن الانزياح: 
[..يعني شيئا واحدا لدى ريفاترء وقريماسء جان دوبوا وأصحابه» وغير هؤلاء كثير من 
(اللسانيتيين) والسيميائيين المعاصرين وهو المروق عن المألوف في نسج الأسلوب بخرق 
التقاليد المتواضع عليها بين مستعملي اللغة...]3» ويشير أدونيس إلى الانزياح قائلا:- [..حيث 
نجد في نص ما استخداما للكلمات يحيد بها عما وضعت له أصلا [...] كل نص لا يتوفر فيه 


هذا الحد الأدنى لا يمكن عده شعراء حتى حين يستخدم الوزن...].4 


- سامح الرواشدة: المرجع السابق نفسه. ص 45. 
- المرجع السابق نفسه. ص 45 نقلا عن عبد الله محمد الغذاميء الخطيئة والتكفيرء النادي الأدبي الثقافي؛ جدة. ط1ء 1985:» ص 17. 
- عبد المالك مرتاض: شعرية القصيدة قصيدة القراءة تحليل مركب لقصيدة أشجان يمانية» دار المنتخب العربيء. بيروت؛: ط1ء 1994:» ص 130. 
- أدونيس: الثابت والمتحول بحث في الإبداع والاتباع عند العرب. ج4»: بيروت. ط9؛ 2006:» ص 224. 


67 


انم يم برا احلقل 


الفصل الاول 

إن جان كوهين كان انتقائيا حين أهمل النظرة الشمولية للنص» بحيث يمكن تعيين 
الانزياح وتحديده وذلك بالاقتطاع من النص ويبقى الانزياح يكتنفه الغموض ما لم يطبق بصورة 
شمولية على النص. 

إن نظرية الانزياح تبعد عن النثر لأن الانزياح خرق لقوانين اللغة الذي لا يتطلبه النثر 
[..إن مجمل المفاهيم المرتبطة بالانزياح والانحراف والعدول تنضوي تحت تسمية واحدة هي 
'نظرية البعد" أي البعد عن النثر من خلال خرق نظامه اللغوي...]!» والانزياح خروج عن 
السائد والمألوف؛ وهو أرضية انطلاق صلبة للشعر الحداثي» يتميز عن لغة العلم وعن لغة 
النثر [..ولعل من المظاهر التي سادت الشعر الحدائي على المستوى اللغوي (الدلالي) ظاهرة 
الانزياح الأسلوبي» وهو ضرب من الخروج على المألوف ونوع من الاحتيال يقوم به المبدع 
لجعل اللغة بما فيها من ألفاظ وتراكيب تعبيرا غير عادء وهو الشيء الذي يميز لغة الشعر عن 
لغة العلم ولغة النثرء وهو في رأي جان كوهين مؤلف كتاب "بنية اللغة الشعرية" شرط أساسي 
وضروري في النص الشعري...].7 
8-3 الفجوة: مسافة التوتر: 

يرى كمال أبو ديب بأن الشعرية هي إحدى وظائف الفجوة: مسافة التوتر» وتمتلك 

الفجوة خاصية اللاتجانس واللاطبيعية بمعنى أن العلاقة لا تكون متجانسة بيد أنها تكون في 
سياق معينء وهذا المعنى يحيل إلى معنى الانزياح عند جان كوهين» ويرى كمال أبو ديب أن 
الفجوة: مسافة التوتر هي خروج الكلمات عن طبيعتها ويتجلى الفرق بين كوهين في الانزياح 
وكمال أبو ديب في الفجوة كون الأول يعالج النتصوص من جانب المحايثة بينما كمال أبو ديب 
يدخل العوامل الخارجية ويراها ضرورية في دراسة علاقات النص [..إن الانزياح مفهوم نظري 
متعلق باللغة فقطء أما مفهوم الفجوة: مسافة التوتر فهو مفهوم أشملء إذ يغطي التجربة 
الإنسانية بكل أبعادها ولهذا فالانزياح هو أحد وظائف الفجوة: مسافة التوتر...].3 


9-3 الحضور والغياب: 


1 - حسن ناظم: المرجع السابق نفسه» ص 172. 
2 - إبراهيم خليل: مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث. دار المسيرة للنشر والتوزيع» ط1ء 2003» ص 330. 
3- حسن ناظم: المرجع السابق نفسه» ص 192. 


- 68 


الفصل الاول 
تقوم العملية الشعرية على عنصر فعال وهو "الحضور والغياب" في النصوص 

الشعرية خاصة حيث تختلط الأعمال الأدبية وتتداخل إلى حد تغيب فيه الرؤية الواضحة للنص 
المعتمد الغائب حيث لا نستطيع أن نحدد ملامحه النصية الغائبة. 

والغياب والحضور يدخلان في التناص (النص الغائب) فبدر شاكر السياب وقد تأثر 
بشعر إليوت جعل الإنجيل نصه الغائب في قصيدة "المسيح بعد الصلب" [..لأن شعر سيتويل 
واليوت هو الذي أعطى للإنجيل سلطة شعرية مارست فعلها في بناء نص السياب...].! 

ومن الدراسة المتفحصة الناقدة تظهر هجرة نصوص سيتويل واليوت إلى نصوصه 
[..وبهذا المعنى فإن السياب رافق شعر سيتويل فترة طويلة قرأه وأنصت إليه ولم يتوقف عن 
اعتماده في بناء نصه الشعري...].7 وتأثرُ النص السيابي أو غيره من نصوص الشعراء لم يكن 
لجوانب تعبيرية بلاغية وإنما تأثرٌ بالرؤيا الشعرية. 

ومهما كانت النصوص الغربية الحداثية قد تسربت بشكل ظاهر وباطن في الشعر العربي 
الحداثي إلا أن ذلك يعد عملية طبيعية؛ قد وجدت منذ بداية وجود النصوص الأدبية ضمن 
عملية التأثير والتأثر حيث يختلط ويتفاعل الفردي مع الجماعي والتزامني مع التاريخي [..حيث 
أثيرت علاقة البياتي والسياب وعبد الصبور بالشعر الإنجليزي وخاصة بشعر ت.س.إليوت 
واديث سيتويل أو أدونيس وعلاقة نصوصه بكل من جون بيرس حديثا والنفري قديما...].3 

إن وجود اللغة أو حضورها هو عبارة عن أقنعة لتصورات أخرى [..ويدعو إلى نظرة 
جديدة للغة نظرة يتحول فيها الواقع إلى مجموعة من الأقنعة البلاغية فاللغة هي التي تنشئ 
مفاهيمنا عن العالم...].4 

ويرى ريفاتير أنه لا حضور بشكل ملتزم وجلي إلا للقارئ والنص [..في العمل الأدبي 
تتحكم عوامل الغياب وتطغى على كل العناصرء ولا حضور إلا لعاملين فقط هما القارئ 
والقصن .]3 


1 محمد بنيس: المرجع السابق نفسه. ص 202. 

2 - المرجع السابق نفسهء ص 202. 

3 المرجع السابق نفسهء ص 180. 

4 - عبد الله إبراهيم وسعيد الغانمي وعواد علي: معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة؛ المركز الثقافي العربيء. المغرب. ط2؛ 21996 
ص 139. 

5 عبد الله محمد الغذامي: المرجع السابق نفسهء» ص 83., نقلا عن: .18 5 رعع560)62 9نونزء)ذا عط 02 كاءع7100 :ع)ة 1111 


- 69 - 


الفصل الاول 

أما السيميائيون فقد رفضوا فكرة الارتباط بين الدال والمدلول فالإشارات عائمة والمدلولات 
متجددة في الذهن فأصبحت الكلمة بذلك حرة [..رفض بعض السيميائيين فكرة وجود ارتباط بين 
الدال والمدلول» وقدموا تصورهم على أن الإشارات (تعوم) سابحة لتغري المدلولات إليها لتنبئق 
معها وتصبح جميعا (دوالا) أخرى ثانوية متضاعفة لتجلب إليها مدلولات مركبة وبذلك حرروا 
الكلمة وأطلقوا عتاقها لتكون (إشارة حرة)» وهي تمثل حالة (حضور) في حين يمثل المدلول 
(حالة غياب) معتمدا على ذهن المتلقي لإحضاره إلى دنيا الإشارة...].! 

إن النص الأدبي من خلال شعريته يمتلك نوعا من التخصيب الذاتي بحيث تتوالد 
الدلالات وتتجدد بشكل لا ينتهي حسب طاقة القارئ الخيالية والثقافية [..فتتوالد بفعل الكتابة 
مثل تيار متدفق فينتج الدال دالا آخر في لعبة متواصلة لا نهائية دون أن يتيح سيل الدلالات 
لمدلول ما أن يفرض حضوره أي أن يتعالى...].7 

فما دام (المعنى في بطن الشاعر) -كما قالت العرب- فإن القراءات سوف تتعدد بتعدد 
القراءات وتعدد القراء أيضاء إذ لا وجود لقراءة موضوعية أبدا ولا سبيل لإيجاد تفسير واحد 
للنص الادنية 

إن بدر شاكر السياب حين يقول في مطلع قصيدة 'أنشودة المطر":- 


[عنتاك غايةا تخيل ساعة السحن) 
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر...].3 
فإن السطرين الشعريين هما بمثابة نص حاضر معلقء والقارئ هو الباحث عن العناصر 
الغائبة عنه لكي يثبت البيتان وجودهما كنص له قيمة» والمطلوب من القارئ هو فهم الأبعاد 
وإشارات البيتين أي المعنى المجازي؛ فقد يكون الخطاب 0 لحبيبة تسكن ذهن الشاعر 


والخطاب المباشر للعراق» فالمسحة الحزينة عامل مشترك بين الحبيبة الغائبة والعراق التي لم 
يلفظ اسمهاء ودور القارئ أن يستحضر تلك العناصر الغائبة من خلال فهمه لإشارة النص 
المعلق في الهواء. 


1 - بسام قطوس: سيمياء العنوان» عمان» ط1ء 2002؛ ص 23»؛ 24. 
2 - عبد الله إبراهيم وسعيد الغانمي وعواد علي: المرجع السابق نفسه» ص 139. 
3 الديوان السابق نفسه. ص 474. 


- 70 - 


الفصل الاول 
10-3 التوازي: 
يعتبر التوازي لدى النقاد من أهم العناصر الفنية الأدبية الذي يسهم في تشكيل 

شعرية النصء» وهو عبارة عن ثنائية تماثئل من دون تطابق» ويصعب تحديد طبيعته في الشعر 
خاصة إذ ليس لهذه الطبيعة المزدوجة للتوازي نسق ثابت. 

ولا يتوصل الباحث بسهولة إلى إدراك مكمن التوازي أو القبض على مصدره؛ وهو 
موضوع مفتوح لا يستنفذ بما يمتلك من خاصية الانبثاق والانبجاس والتناسل المعنوي» وهو 
جانب جمالي وزخرفي[..إن الجانب الزخرفي في الشعر بل وقد لا نخطئ حين نقول بأن كل 
زخرف يتلخص في مبدأ التوازي» إن بنية الشعر هي بنية التوازي المستمر...].! 

والربط بين طرف وآخر في التوازي يتم عن طريق ملاحظة التشابه أو التباين أو 
المجاورة» وقد تكون علاقة التوازي بين الطرفين خفية تكمن في المحتوى أو السياق أو شكلية 
مقعدة [..ففي الشعر يكون الوزن بالضبط هو الذي يفرض بنية التوازي: البنية التطريزية للبيت 
في عمومهء الوحدة النغمية» وتكرار البيت» والأجزاء العروضية التي تكونه تقتضي من عناصر 
الدلالة النحوية والمعجمية توزيعا متوازيا...].2 

والدراسة المعمقة للتوازي تتطلب اتباع منهج لساني صارم ودقيق [..لمَا أمكنها أن تتجاوز 
التوازي باعتباره مدارا محوريا لكل عمل تهيمن عليه الوظيفة الشعرية لأنه يتجلى في كل أبنية 
الخطاب الفني المنجز...].7 ومن مجالات التوازي المهمة الأعمال التراثية وما تزخر به من 
معان يوظفها الشاعرء وتلعب الأسطورة دورا في التوازي تنعكس من خلاله الأبعاد النفسية 
والدلالية والشعرية. 

ويشمل التوازي عند جاكبسون [..أدوات شعرية تكرارية منها الجناس والقافية والترنصيع 
والسجع والتطريز والتقسيم والمقابلة والتقطيع والتصريع وعدد المقاطع أو التفاعيل والنبر 
والتنغيم» ويمكن لبنية التوازي هذه أن تستوعب الصور الشعرية بما فيها من تشبيهات واستعارات 
ورموز...]4» ويوضح الطاهر بومزبر تأثير تلك الأدوات التكرارية في بنية الخطاب ودلالته 
- رومان جاكبسون: المرجع السابق نفسه. ص 105؛ 106. 
- المرجع السابق نفسه» ص 108. 


- الطاهر بومزبر: التواصل اللساني والشعرية. المرجع السابق نفسه» ص 58. 
- رومان جاكبسون: قضايا الشعرية؛ المرجع السابق نفسه» ص 27 8. 


0 يك 


انم يحم انيرا كلقي 


الفصل الاول 
بقوله:- [..فالتوازي وفقا لما سبق يستغرق كل الأدوات الشعرية اللسانية التكرارية الممكنة التي 
تعمل في شكل قوانين مجردة تؤثر في بنية الخطاب الأدبيء؛ كما تؤثر في دلالته أو قيمته 
الإخبارية التي تتحول إلى قيمة جمالية بفعل الضغط الممارس من قبل بنية التوازي ولا يتسنى 
للمختصين أن يحيطوا بظاهرة التوازي ويكشفوا عن سر تأثيرها ما لم تكن هناك كفاية تحليلية 
لسانية مدققة...].! 

ويشمل التوازي مستويين: عمق الخطاب وسطحه. لأن كلا منهما يكشف عن جمالية 
الآخن عدن الكلية النصية: 

ويذكر جاكبسون الأدوات التي ينجم عنها التوازي [..هناك نسق من التناسبات المستمرة 
على مستويات متعددة في مستوى تنظيم وترتيب البنى التركيبية» وفي مستوى تنظيم وترتيب 
الأشكال والمقولات النحوية» وفي مستوى تنظيم وترتيب الترادفات المعجمية وتطابقات المعجم 
التامة» وفي الأخير في مستوى تنظيم وترتيب تأليفات الأصوات والهياكل التطريزية» وهذا النسق 
يكسب الأبيات المترابطة بواسطة التوازي انسجاما واضحا وتنوعا كبيرا في الآن نفسه...].2 

يتضح من كل هذا أن التوازي عنصر فني مهم في الشعر تقوم عليه شعرية النص» فهو 
يحفز الذوق لإدراك فضاءات شعرية لا تحققها العناصر الفنية الأخرى وللتوازي علاقة 
بالانسجام وكذلك بالاتساق «076510© الذي هو التماسك القوي بين الأجزاء 
المشكلة للنصء ويعتبر الاتساق الخطوة الضرورية الأساسية للوصول إلى الانسجام. 

ومن ثمة فإن الدراسة النقدية التحليلية للشعرية تتطلب التطرق إلى شعرية التوازي» وحين 
تتحقق شعرية نص ما بواسطة التوازي الفني والاتساق التركيبي للبنى والانسجام النصي حينئذ 
يحظى النص بأهمية الدراسة النقدية. 


1 المرجع السابق نفسه» ص 59. 
2 - رومان جاكبسون: المرجع السابق نفسه.ء ص 106. 


5572 - 


الفصل الثاني 
التجربة الشعرية والأسس الفنية للتركيب الشعري 


عند بدر شاكر السباب 
1/ التجربة الشعرية عند بدر شاكر السياب. 
2/ الأسس الفنية للتركيب الشعري في قصائد 
بدر شاكر السياب. 





الفصل الثاني 
التجربة الشعرية والأسس الفنية للتركيب الشعري 
عند بدر شاكر السياب 


1/ التجربة الشعرية عند بدر شاكر السبياب: 
تمثل التجربة للشاعر الطقس أو الكون الخاص الذي تموج فيه شعريته؛ ولا يمكن 
تصور ملامح تلك الشعرية إلا من خلال تصور ذلك الطقس بكل ما يحمله من مكونات داخلية 
وخارجية» ومن السطحية والهشاشة في البحث أن تنصب الدراسة مباشرة على تفسير أو نقد 
شعرية نص أو أثر إبداعي دون الإلمام الدقيق بالمكونات والعوامل المؤثرة في التجربة 
الإبداعية» ولا تستطيع أية دراسة مهما بلغت الدقة في العلمية إلغاء مؤثرات المحيط الخارجي 
والعوامل النفسية للشاعر أو المبدع بشكل عام [..وفي ضوء هذا التفسير تتحول القصيدة 
الشعرية إلى معادل موضوعي يصب فيه شاعر الحداثة نقمته على الواقع عبر أقنعة 
جديدة...].! كما يصب فيه معاناته وآلامه أيضا من خلال كلمات تجسد الألم. وقد سار البحث 
في هذا الجانب منه على منهجية كمال أبو ديب مستندا على تلك العوامل الضرورية دون 
إفاضة؛ على الرغم من أن بعض علماء اللغة ينأون في دراسة الشعرية عن تلك العوامل مثل 
كوهين [..يدرس كوهين النص الشعري في علاقاته الداخلية فقط» أي أنه يعالج النصوص من 
منظور محايثء ويهمل المنظور الرؤيوي والنفسي والاجتماعيء أي أنه يهمل علاقات النص 
بما هو خارج عنهء في حين يعد أبو ديب دراسة علاقات النص الخارجية أمرا ضرورياء حيث 
تشكل مع دراسة علاقات النص الداخلية استكمالا للدراسة» فالعلاقة بينهما جدلية» لا علاقة نفي 
أو نقض. إن إهمال المنظور الخارجي المتواشج مع النص لا يعني أن كوهن يلغي مشروعية 
التناول النفسي أو الاجتماعي أو الإيديولوجي للأدب ولكنه يجردها من الأهلية الجمالية التي 
تدمع بت 2 
وبراعة الشاعر تظهر في توظيفه للكلمات وهو يرسم صور ألمه التي يستمدها من حالة 
واقعية عاشها أو حالة شعورية عاناها في موقف ماء فجلوس السياب مطولا على ضفاف شط 
العرب يرقب البحر والسفن أثناء غربته في الكويت أو تمشيه على ضفاف نهر بويب أو ربما 


1 بشير تاوريريت: المرجع السابق نفسه.» ص 64. 
2 - حسن ناظم: المرجع السابق نفسه» ص 192. 


76 


الفصل الثاني 
في مكان آخر من تلك المدن الشرقية أو الغربية التي سافر إليها قد أوحى إليه بهذه الكلمات أو 
هذه الصورة المعبرة عن الألم والمعاناة:- 
[..الزورق النائي» وأنات المجاذيف..الطوال 
تدنو على مهل..وتدنو- في انخفاض وارتفاع؛ 
حتى إذا امتدت يداك إلي في شبه ابتهال 
وهمست: "ها هو ذا يعود!" - رجعت فارغة الذراع!...].! 
ولا يستطيع دارس أن ينزع صور الريف من مخيلة الشاعر بما فيها من أبعاد لحياة 
الريف» فهروب الشاعر ذات يوم من بغداد المدينة وعودته إلى القرية - الذي هو هروب من 
وطأة المدينة وقسوتها على ضميره وطبيعته الريفية- قد أدى إلى نوع من الاغتراب في شعره؛ 
وهذا الصراع الظاهر والخفي في نفسه بين الإحساس بالمدينة والإحساس بالريف قد تجسد في 
معظم قصائد الشاعر وشكل لديه رؤيا شعرية مميزة [..يعتبر موقف الشاعر الريفي من المدينة 
وإحساسه بالغربة والضياع فيها بعدا أساسيا من أبعاد الرؤية الشعرية في ديوان شعرنا 
التعاضو ]2 
ويمكن رصد ظاهرة أخرى في شعر السياب وهي الإحساس بالموت وهي ليست ظاهرة 
معزولة تخصه بذاته بل إن هناك علاقة بين الأدب والموت في العصر الحديث؛ وإن كان 
الإحساس بالموت ظاهرة قديمة في الشعر العربي حيث يتجلى في إفضاءات الشاعر الأليمة 
على الأطلال والرسوم الدارسة في الشعر الجاهلي» كما يوجد هذا الإحساس بشكل واسع في 
الشعر الرومانسي في العصر الحديثء ويلحظ الدارس صورة ذلك الشعور في قصيدة"أنشودة 
المطر" للسياب التي تجلت فيها أسطورة الموت والانبعاث:- 
[..وتغرقان في ضباب من أسى شفيف 
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء 
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف 
والموتء والميلاد» والظلام» والضياء 
فتستفيق ملء روحيء رعشة البكاء 


1 الديوان السابق نفسه». ص 78. 
2 علي عشري زايد: قراءات في الشعر العربي المعاصرء دار الفكر العربي. مصرء 21998 ص 131. 


777 - 


الفصل الثاني 
ونشوة و حشية تعانق السماء 


كتخنوة الفلقل؟ إذا نشاف مق القمر:! 


ودغدغت صمت العصافير على الشجر 
أنشوةة المطوه: 
مطر.. 
كنز 
ملظو م ]1 
وقد شكل الموت قضية هامة في شعر السيابء ولا شك بأنه قد عاناه عبر تجارب عدة: 
فردية» وقومية» وحضارية» حيث توفيت أمه وهو طفل فعاش الحرمان وفقدان الحنان» بالإضافة 
إلى نكسات الحروب على الصعيد القومي والحضاريء فعبارة 'أنشودة المطر" في القصيدة هي 
صوت الانبعاث والخصبء وتكرار كلمة مطر دفعات شعورية آملة بعودة الحياة والنمو من 
جديد. 
وهو في قصيدة "المسيح بعد الصلب" يجسد الالتحام بالموت ويتشبه بالمسيح الفادي 
المخلص الذي غطى بجراحه ودمه خطايا الناس:- 
[..حين فصلت جيبي قماطا وكمي دثار: 
حين دفات يوما بلحمي عظام الصغارء 
حين عريت جرحي وضمدت جرحا سواه. 
حطم السور بيني وبين الإله...].2 
إن الشاعر يمتاح لشعره من واقعه المرير الذي يسوده الفقر والمرضء والبؤس والشقاءء 
والغربة والسجنء والتشرد والاغتراب» والحرمان من الحب ...إلخ» ويصوغ من ذلك رؤيا تبعث 
على الدهشة والغرابة والنشوة [..صلة الشاعر بالعالم المحيط؛ إذن ليست صلة نثرية عاقلة 
منطقية» بل صلة الحلم والرؤيا والتوحد» صلة الدهشة والافتتان اللذين يعصفان بالقلب والروح 


1 - الديوان نفسه.» ص 474: 475. 
2 - الديوان نفسه.» ص 461. 


- 78- 


الفصل الثاني 

ويمنحان فكرة القصيدة كيانا حسيا مؤثرا ويضفيان على فوضى الأشياء اليومية ورتابتها 
المضجرة نغمة التجانس ونشوة البكارة الأولى...].! 

إن الشاعر يكتب باستمرار فيجيد ويسف وقد يبلغ في حالات كثيرة درجة قصوى من 
الإسفاف» وتعد تلك الحالات من طبيعة الشعر الصادرة عن النفس الشاعرة إلا أن كثيرا من 
قصائد السياب تشد إليها بصورة قوية» ويتساءل علي جعفر العلاق قائلا:- [ ما الذي يشدنا 
إلى الكثير من شعر السياب مع ما قد نجد فيه من أجواء خانقة حينا ورتابة إيقاعية أو عاطفة 
مفرطة حينا آخر؟...]7» ويجيب علي جعفر العلاق عن سؤاله بنفسه قائلا:- [..وفي اعتقادي 
أن ما يجعل هؤلاء الشعراء مقروئين هو امتلاكهم رؤيا شعرية أو مشروعا لرؤيا شعرية تتشكل 
في قصائدهم وتجعل منها كلا متناميا يسعى إلى تقديم صورة لوعيهم بأنفسهم من جهة وللعالم 
الذي يعيشون فيه ويعيشونه من جهة أخرى...].3 

فالشاعر حين يمتلك الرؤيا الشعرية يستند أساسا على قضية أو هم يشغله ويملأ وجدانه 
ولا شعر من دون رؤيا شاملة للكون وللعالم تستقطب نفسية الشاعر وحسه الجمالي [..إن الرؤيا 
الشعرية لابد أن تستند إلى قضية جوهرية أو انهماك صميمي يملا كيان الشاعر ووجدانه 
وقصائده وهذا الشاغل ليس فكريا فحسبء بل جماليا ونفسيا أيضا...]4» فالشاعر حين يحقق 
بثقافته وتجربته رؤيا للعالم يكون نتاجه ذا قيمة كبيرة [..فلا يمكن للشعر أن يكون عظيما إلا 
إذا لمحنا وراءه رؤيا للعالم...].7 

إن نقد الشعر أو الحديث عن الشعرية يتطلب التركيز على إدراك الرؤيا وأبعادها لدى 
الشاعر من خلال شعرهء فالرؤيا التي تحمل هم الشاعر الأكبر تتوزع في نتاجه الإبداعي كله 
[..والرؤيا التي تنبتق من هم كهذا لا يمكن التعبير عنها دفعة واحدة بل لا بد من تشظيها في 
أعمال الشاعر وانتشار أجزائها في كل ما يكتب من شعر أو نثر...].© 

والشعرية تستند على التأويل أساسا ويمثل النص فضاء لسلسلة من الأحلام والأسئلة 
والروابط الخفية [..النص كون مفتوح وبإمكان المؤول أن يكتشف بداخل النص سلسلة من 
الروابط اللانهائية...].” 


- علي جعفر العلاق: في حداثة النص الشعري دراسة نقدية؛ دار الشروق للنشر والتوزيعء الأردن» ط1؛» 2003؛ ص 15. 

3 المرجع السابق نفسهء ص 18. 

سِ المرجع السابق نفسه, ص 19. 

0 المرجع السابق نفسه, ص 22. 

- بشير تاوريريت: المرجع السابق نفسه» ص 62 نقلا عن أدونيسء زمن الشعرء ص 11. 

- علي جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه. ص 22. 

- محمد سالم سعد الله : ما وراء النص دراسات في النقد العربي المعاصرء جدارا للكتاب العالمي, عمان» ط1ء 538 ص 191. 


- 79 - 


جم يم ينا اكد ييا 2200© اك 





الفصل الثاني 

فشعرية النص تنبثق من توحد الأشياء في عالم الرؤيا الكلي حيث تزول الحدود 
والتفاصيل [..وبهذا تصبح القصيدة الرؤيا قصيدة كلية تتوحد فيها صورة الأشياء وتنمحي في 
جلالها الحدود والفواصلء وهذا ما يخلق شعرية النص...].1 

إن السياب أكثر الشعراء حساسية بالواقع فهو يجسد في شعره كل ما يعيشه من أحداث 
بل إن حياته الواقعية هي خزان شعره [..فليس بوسع القراءة النقدية للسياب أن تعثر بسهولة 
على تلك المنطقة الفاصلة بين حياة الشعر وشعرية الحياة...]7» وقد رسم ذلك الواقع الذي 
التصق به بالكلمات وحوله إلى شعرء ولذا قل شعره حين اعتزل الحياة ونضب معين الأحداث 
لديه فلم ينتج إلا النزر القليل على الرغم من كونه مكثرا وصاحب مطولاتء إنه ينطلق في 
شعره من واقعه المادي وأحاسيسه النفسية [..ولوحات السياب ذات طابع حسي تصويري 
عاطفي تتعانق فيها خطوط الصورة مع هواجس النفس وتتكامل جزئياتها في إيقاع منسجم لولا 
ما قد يخالطها من حشو واضافات غنائية مباشرة...].3 

أما التنوع والثراء في المادة الشعرية لديه فينم عن ثراء التجربة» ويمتلك تقنيات النص 
الحداثي والنفس الملحمي من خلال مطولاته التي كاد يتفرد بها متأثرا في ذلك ب (سيتويل» 
واليوت)» وقد حفلت تجربته الشعرية بجوانب فنية كثيرة مما جعلها ترسي قواعد القصيدة الحديثة 
في الشعر العربي المعاصر [..كان شعر السياب نقطة تحول أساسية في الشعر العربي الحديث 
إذ استطاع أن يصل بالقصيدة العربية إلى آفاق الحداثة والمعاصرة ومراعاة المحافظة على 
الأصالة بالارتباط بالتراث وفي الوقت نفسه الانفتاح على الثقافات المعاصرة الأخرى للإفادة 
منهاء والقدرة على صهر ذلك في تجربة خاصة فريدة وأصيلة ومعاصرة» وبذلك شكل ظاهرة 
فريدة في شعرنا العربي الحديث...].4 

قد لا يحقق الشاعر شيئا إذا اقتصر على قراءاته واطلاعاته» ولن يكون لتجربته الشعرية 
وزن أو تأثيرء إذا لم يمتلك الشاعر دافعا أو حافزا خفيا في كل أعماله يدفع تجربته نحو التطور 
والنمو» وأحداث الواقع السياسية والاجتماعية وظروف الشاعر المميزة التي أحاطت به ولامست 
حسه الفني أدت إلى ذلك النتاج الغزير المتنوع الذي ظل منطلقا ورصيدا للشعراء بعده 
[..وتكشف دراستنا في إحدى نتائجها عن وجود عنصر آخر يحدد خصوصية العمل الأدبي 
وهذا العنصر هو "الفعل المحرك" “71016 16756 7,6 عند الشاعرء والفعل المحرك تعبير نحن 


- بشير تاوريريت: المرجع السابق نفسه» ص 69. 
- صلاح فضل: المرجع السابق نفسه.ء ص 60. 
- عبد الجبار عباس: السيابء دار الشؤون الثقافية العامة» وزارة الثقافة والإعلام» (دط)» (دت)» ص 40. 
- هاني الخير: بدر شاكر السياب ثورة الشعر ومرارة الموت. دار سلان للطباعة والنشر والتوزيع, سورياء ط1؛ء 2006. ص 20. 


- 80 - 


اسم يم برا احلقل 


الفصل الثاني 
أبدعناه ونعني به تلك الديناميكية المحركة للشاعر في كل أعماله؛ إنه الدافع المختبئ وراء 
أعماله...].! 
إن شعر السياب لم يتخلص كلية حتى في مرحلة النضوج من الغنائية الرومانسية ومن 
استعمال عناصر الطبيعة يقول في قصيدة "غريب على الخليج" وقد نظمها في بداية المرحلة 
الثانية من تجربته الشعرية:- 
[ الريح تلهث بالهجيرة» كالجثام» على الأصيل 
وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل 


أعلى من العباب يهدر رغوه ومن الضجيج 
صوت نفجر في قرارة نفسي الثكلى: عراق 
كالمد يصعد كالسحابة كالدموع إلى العيون 
الريح تصرخ بي: عراق 
والموج يعول بي: عراق» عراق» ليس سوى عراق! 
البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون 
والبحر دونك يا عراق...].7 
فألفاظ الطبيعة والإحساس بالألم والغربة والحنين واليأس والأسلوب المباشر كل ذلك 
غنائية رومانسية حيث لم يلجأ إلى صور المفارقة ولم تبلغ الانزياحات المستعملة مسافة كبيرة 
لإحداث التوتر بين البعد الحقيقي والبعد التخيلي فتأويل المعنى يتسم بالبساطة حيث لا انقطاع 
ولا فجوة ولا غموض يذكرء فالصور تبدو عارية مكشوفة لعدم اللجوء إلى الأدوات الفنية الجديدة 
المستعملة في الشعر الحر. 
ولكنه لم ينحدر إلى مستوى تقليد السلف والمقاييس الموروثة عنهم. يقول إليوت واصفا 
مهمة الشاعر اللغوية: [..إذ عليه أن يستجيب للتطور ويعيه وأن يصارع ضد الانحدار إلى 


1 - عبد الكريم حسن: الموضوعية البنيوية» دراسة في شعر السياب. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛ بيروت» ط1ء 1983: ص 47. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 317»: 318. 


- 81- 


الفصل الثاني 

ما هو أدنى من المقاييس الموروثة عن السلف...].! 

على الرغم من أن السياب كان مطلعا على المدارس الحديثة وله تجربة ثرية في الحياة إلا 
أن نزعاته الشعرية ظلت تظهر وتختفي بين الشعر التقليدي والجديد ومع ذلك فإن محاولة 
السياب في كسر النمطية والخروج عن الأوزان الخليلية يعد خطوة كبرى ومؤشرا هاما في مسار 
الشعر العربي [..ولكن الشعر الحر لم يتخلص تماما من الأوزان أو من التفعيلات العروضية 
إلا أننا نعتبر أن محاولة السياب للخروج عن النمطية السائدة في الكتابة الشعرية واتباع طرق 
الكتابة في الشعر الحر يعد مؤشرا هاما من المؤشرات التي تنفي أهمية الأوزان الخليلية بل هي 
من المؤشرات التي تجوز بصفة تدريجية الخروج منها بصفة كلية لأنها تمثل قيدا يأسر العمل 
الإبداعي ويتناقض تناقضا واضحا مع هوية الإبداع التي تنهض على الحرية وكسر القيود 
النمطية...].2 

ومهما تأثر السياب بأشكال الشعر الغربي ومضامينه إلا أن خروجه عن الأوزان التقليدية 
هو نتيجة مفروضة للتحولات الفكرية والنفسية لدى الشاعر [..وأن الخروج عن البحور الخليلية 
وعن نظام البيتء لم يكن عند السياب اختيارا اعتباطيا بل هو نتيجة فرضتها اللغة الشعرية 
نفسها ولحظات الإبداع والخلق» ففي لحظات الإبداع تنتقل المدركات الذهنية لدى المبدع إلى 
ملفوظ شعري متشكل بطرائق مختلفة وبأنماط تعبيرية متنوعة تتأثر تأثرا واضحا بالحركات 
الذهنية والنفسية المتصلة بالشاعر كما رأينا في التحليل» والحركات النفسية والذهنية هي التي 
تحدد طريقة الكتابة وتختار معجمها الذي تظهر من خلاله...].3 

وظل السياب جوابا باحثا عن أجواء الجديد فهو يروح ويغدو بين طقوس شرقية وغربية 
دون أن يتقيد بمنهج أو يعتمد مذهبا معينا [..وبناء على هذا فإن السياب برع في المدارس 
الحديثة وعرفها تمام المعرفة وجرب حظه الفني في جميع هذه المدارس إلا أننا نلحظ أنه يلبس 
النزعة في النزعة» فقد يغطي الشعر التقليدي بالرمزي أو الرومانسي أو غير ذلك من المذاهب 


1 عثمان حشلاف: التراث والتجديد في شعر السياب.ديوان المطبوعات الجامعية» الجزائر» 1986,. ص 176. نقلا عن منح خوريء الشعر بين نقاد 
ثلاثة ص 31» رسالة ماجستير. 

2 - ماهر دربال: الصورة الشعرية في ديوان أنشودة المطر لبدر شاكر السياب» رسالة ماجستيرء مكتبة الأسد. دمشقء رقم التصنيف 2)811.9563009 
ص 2153 154. 

3 المرجع السابق نفسه» ص 154. 


- 82 - 


الفصل الثاني 

الحديثة» وهو في الوقت نفسه لا يعتمد مذهبا واحدا بل يخلط بينهما متعمدا تاركا لشاعريته أن 
تستقي من خضم المذاهب الغربية ما تشاء لتعبر عن حاجتها الملحة...].! 

أما قصائد السياب في بواكير شعره فهي تمثل الفراغ العاطفي؛: الحب والرفضء الحب 
والفراق» الحب والألم» الحب والذكرى» الحب والشعرء الثورة على الحب. 

أما قصائد "أزهار وأساطير" فتمثل مرحلة للحب بين الماضي والحاضر. 

وتمثل قصائد مجموعة "المعبد الغريق" الموت الذاتي» الموت والحبء الغربة» السياب 
والموت؛» الاستسلام للموت؛ المرض. 

وتمثل قصائد مجموعة 'منزل الأقنان" الغربة الروحية»؛ اليأسء الخواء العاطفي؛ الخلاص 
في الحبء عودة الماضيء الحنين إلى الأهل. 

وتمثل مجموعة 'أنشودة المطر" الموت والطغيان» الحب والواقع الفاسدء الموت والثورة. 

أما مجموعة 'شناشيل ابنة الجلبي" ففيها الأمل في الشفاءء الجو اليائس» استحضار 
الطفولة» محاولة الانعتاق من الواقع المؤلم» ذكريات خصبة لكنها قاسية. 

وهذه المواصفات في أشعاره ليست معيارا لقياس الجودة الفنية لديه ولا يستطيع البحث من 
خلالها أن يصدر حكما ماء غير أنها تشكل أبعادا خاصة وألوانا ذاتية لشعره تقرب الفهم 
وتسعف في الولوج إلى البنى الشعرية المركبة وملاحظة الأنساق التي تمثل شبكة الإيحاءات 
والدلالات [..لا بد لتقدير العمل الفني من معايير للقيمة» فإذا لم يكن الناقد يكتفي بوصف 
مشاعره فحسبء فلا بد له من فحص خصائص العمل ذاته» غير أنه لا يستطيع أن يدافع عن 
تقديره إلا إذا استطاع أن يثبت كيف تؤدي هذه الخصائص إلى جعل العمل جيداء وبأي 
الدرجات تؤدي إلى ذلكء واذن فلا بد أن يكون لديه معيار يعرف به الجودة الفنية ويقيسهاء هذا 
المعيار قد يكون هو 'مشابهة الواقع" أو 'النبل الأخلاقي" أو "القوة الانفعالية" وبدون هذه 
المعايير لا يستطيع أن يدعم حكمه وبدونها أيضا نستطيع نحن أن نفهم السبب في إصداره هذا 


الحكم...].2 


1 - محمد التونجي: بدر شاكر السياب والمذاهب الشعرية المعاصرة. دار الأنوار» بيروت؛ ط1ء 1968,» ص 128. 
2 - جيروم ستولنيتز: النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية»: ترجمة فؤاد زكرياء دار الوفاءء مصر. ط1ء 2007؛» ص 658. 


5 


الفصل الثاني 

ومن المقولة السابقة يمكن وضع شعر السياب تحت معيار 'مشابهة الواقع" حيث يدرك 
الدارس أن الواقع الذي عاشه السياب عبر مراحله مشابه أو مرسوم بملامح واضحة في 
قصائده» ومن ثمة فإن الكشف عن شعرية نصوصه ربما يحدث بعض اللبس خاصة في أشعاره 
الإيديولوجية والسياسية [..فأدبية النص تفسر بحسب كل منهج وإيديولوجية وهذا ما جعل بعض 
اللبس في هذا الموضوع...].! 

يعد شعر بدر شاكر السياب انعطافا وتحولا للشعر العربيء ومن خلاله انفتحت تيارات 
الإبداع فهو يمثل الطفرة أو النقلة المباشرة للشعر العربي. 

يقول سعدي يوسف في مقارنة بين بدر شاكر السياب وأرتور رامبو مبينا أثر كل منهما 
في تجديد الشعرية في أدبهما القومي [..كلاهما خط في الشعر خط السكين» بحيث لا يمكن أن 
يشار إلى تطور الشعر في أرض العرب وبلاد الغال إلا ب 'قبل" و'بعد" إذ هما كبرجي 
لو 

ومهما كانت المحاولات قبله في تجديد الشعر والشعرية العربية إلا أن بدر شاكر السياب 
هو من فتح الباب على مصراعيه للشعر لكي يتدفق في تياراته الحداثية فهو 'أبو الشعر 
الحديث" كما يقول النقاد» حتى نازك الملائكة على الرغم من دورها الريادي في حركة الشعر 
الحر إلا أن بعض النقاد يرى أن بدر شاكر السياب هو من أدار الدفة» تقول عنه سلمى 
الخضر الجيوسي [..إنني آخر من يود أن يغمط حق نازك الملائكة في مجال التجربة 
الانقلابية» فهي والسياب فرسا رهان فيهاء وكانت محاولتهما متزامنة» إلا أن الريادة في حديثنا 
عن أي تجربة لا بد أن تعود إلى الشاعر الذي حول التجريب إلى تجديد راسخ وعرف شعري 
يتبعه الآخرونء لقد كان أسلوب نازك ملكها وحدها عصيا على التقليد» ولم يقترن بمحاولات 
حداثية واضحة بينما اهتدى السياب إلى الأسلوب الذي أثر في عصب جيله وأطلق إبداعاته 
في هذا المجال ومن خلال تجاربه الناجحة الموحية في أوزان الشعر المختلفة» الكامل ثم الرجز 
ثم الخبب انطلق الشعر الحر ومكن للتجربة الحدائثية من النجاح العام عبره...].3 


1 نور الدين السد: الأسلوبية وتحليل الخطاب؛ ج2» دار هومة؛ الجزائر» 1997؛» ص 95. 
2 - هاني الخير: المرجع السابق نفسه.» ص 48. 
3 المرجع السابق نفسه» ص 53. 


- 84 - 


الفصل الثاني 

لم يفتح السياب بوابات الشعر الحداثي ووقف ينتظر الإبداعات وكيف تتشكل بل ظل 
يؤصل للأعراف الشعرية الجديدة فيأخذ عنه الشعراء تلك النماذج ليحتذوهاء تقول سلمى الخضر 
الجيوسي أيضا: [..وسوف نرى أن السياب في عقد الخمسينات كان هو الشاعر الذي تم على 
يديه تأصيل عدد آخر من الأعراف الشعرية الحداثية في الشعر العربيء فهو الرائد الأول الذي 
أرسى أصول الحداثة عمليا وجعل لها أعرافا تحتذى فكان ما أن يبدع تجربة حتى يأخذها عنه 
بقية الشعراء...].! 

إن بداية تجربة الشاعر كانت رومانسية ولم تكن عميقة وناضجة حيث تأثر بالشاعر 
المصري علي محمود طه والشاعر اللبناني اليأس أبو شبكة كما تأثر أيضا بالشاعر الفرنسي 
بودليرء وحبس نفسه في تلك المرحلة في دائرة الذاتية والسوداوية والضبابية» ومع ذلك لم يتأثر 
كل التأثر بالرومانسية العربية نظرا لواقعه الشخصي وواقع الحياة العربية آنذاك [..لذلك لم 
ينجرف السياب مع الرومانسية الحالمة ولم يتعامل مع الرومانسية العربية السابحة في الخيالات 
الحسية والمترفة رغم محبته للشاعر العربي المصري "علي محمود طه" ت1949 والشاعر 
اللبناني "اليأس أبو شبكة" ت1947 في مجموعته "أفاعي الفردوس" ويشار إلى أن قراءاته لهذين 
الشاعرين كانت بما في كتاباتهم من قدرة لفظية على التعبير عن مشاعر الترف واللذة...].2ج 

إلا أنه قد أعجب بالرومانسية الفرنسية في البداية» ومال بعد ذلك كل الميل إلى 
الرومانسية الإنجليزية [..ويبدو أن الشعر الفرنسي قد استهوى نفس شاعرنا في أول الأمر فقد 
طلب من صديقه سليمان العيسى الشاعر السوري أن يعرب له بعض قصائد لامرتين وألفرد دي 
موسيه وفيكتور هيجو وفرلين وخصوصا بودلير إلا أن الشعر الإنجليزي كان الأبرز تأثيرا في 
رؤاه الشعرية فقد أعجب بوليام شيكسبير والرومانطقيين ولا سيما ووردز وورث ولورد بيرون 
وشلي وكيتس...]3. ونضجت تجربته الشعرية بتعمقه في التراث وانفتاحه على الآداب الأجنبية 
[..ولكن السياب كان له اتصاله بالآداب الأجنبية وقد اعتمد في ذلك على التثقيف الذاتي من 
خلال ترجماته للكتب الإنجليزية وقراءاته لنتاج بعض الشعراء الإنجليزء ثم دراسته لمدة سنتين 
في قسم اللغة الإنجليزية في دار المعلمين ببغداد وقد سمحت له هذه الدراسة بالاطلاع على 
روائع الأدب الإنجليزي...].4 


- المرجع السابق نفسه.» ص 53. 

- حيدر توفيق بيضون: بدر شاكر السياب رائد الشعر العربي الحديثء دار الكتب العلمية» بيروت. ط1؛ 1991: ص 44. 
- دزيرة سقال: بدر شاكر السياب شاعر الحداثة؛. دار الفكر العربي للطباعة والنشر والتوزيع» بيروت» (دت)» ص 46. 
- سيمون جارجي: بدر شاكر السياب الرجل الشاعر. منشورات أضواءء بيروت؛ ط1؛ 1966: ص 19. 


851 


انم يم نيا احلقل 


الفصل الثاني 

وكان تركيزه الشديد على أكبر وأهم شاعر في العصر الحديث ت.س.إليوت الذي اشتهر 
في النصف الأول من هذا القرن حتى سمى ل.س.تشرشل تلك الفترة ب (عصر إليوت)» وبذلك 
تعدى السياب مرحلة الرومانسية إلى مرحلة الواقعية. 

ولم يتأثر السياب وحده بإليوت بل إن معظم الشعراء العرب المحدثين الرواد كانوا 
[..يتبعون نهج إليوت مدفوعين بدوافع قريبة من تلك التي دفعته إلى ثورته القوية على مصطلح 
الشعر الرومانسي في ختام القرن التاسع عشر وأوائل العشرين وإن المثقف الحديث يجد نفسه 
في موقف قريب من موقف إليوت في بدء القرن العشرين...]!» فليس بدعا على السياب أن 
يتلو في شغف وحب قصائد ذلك الشاعر العظيم الذي أسمع صوته كل الشعراء فنالوا حظا من 
تجربته الإبداعية المتفردة في ذلك الوقتء» ويعترف السياب شخصيا بأنه تأثر بإليوت ولكنه لم 
يتبع خطواته بل شق لنفسه طريقا آخر [..أنا متأثر بأسلوب إليوت لأنني نقيضه تماما من 
ناحية الفكرة والنظرة إلى الحياة...].* 

وظهر النضج التام في التجربة الشعرية للسياب في المرحلة الثانية عندما كتب قصيدة 
"أنشودة المطر". واستطاع بعد هذه التجربة أن يضع للشعر الحر أصوله المنيعة [..يعد السياب 
رائد الشعر الحر لا لأنه أول من كتب فيه ولكن لأنه استطاع بحق أن يضع له أصوله الفنية 
والإيقاعية التي ظلت نموذجا أسلوبيا يستهدي به الشعراء المعاصرون له ثم اللاحقون...].3 

ولا تعد قصيدته الأولى في الشعر الحر "هل كان حبا" أنموذجا مكتملا للشعر المعاصر 
حتى وان كان الشاعر يؤرخ بها للشعر الحديث [..ولدينا من قصائده في هذه الفترة قصيدة 
بعنوان "هل كان حبا" ظهرت في ديوانه الأول ولهذه القصيدة أهمية خاصة عند الشاعر فإنه 
يؤرخ بها بداية اتجاهه إلى الشكل الحديث في الشعر...].4 

فهذه القصيدة هي خطوة أولى فقط للشعر الحرء وهي من بحر الرمل» ومرت تجربة 
السياب بعدة مراحل وقد انطبعت كل مرحلة بخصائص معينة حيث انطبعت قصائده الأولى 
بالفراغ العاطفي كالحب والرفضء والفراق والذكرىء ثم الإحساس بالموت والظلم والواقع الفاسدء 
وفي الأخير الشعور بالغربة والمرض والاستسلام للموت الذاتي. 


- عبد الجبار عباس: المرجع السابق نفسهء ص 164., نقلا عن محمد النويهي. قضية الشعر الجديد» ص 122. 
- المرجع السابق نفسهء ص 174. 
- إيمان "محمد أمين" خضر الكيلاني: المرجع السابق نفسه» ص 259. 
- إحسان عباس: بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره. دار الثقافة» بيروت. ط5؛ 1983» ص97. 


- 86 - 


اسم يم برا احقل 


الفصل الثاني 
هذه المواقف الشعورية والأحاسيس الجارفة العميقة» فضلا عن الدواعي الأخرى 
كالتحولات السياسية والثقافية والاجتماعية أدت بالسياب إلى خوض التجربة الجديدة في الشعر 
الحر الذي استطاع الشاعر من خلاله أن يطلق الحرية لنشاطه وهمته وعاطفته الجياشة 
بالإضافة إلى الرغبة الجائحة في الانعتاق من قيود التقليد واقتفاء خطى الغرب [..لقد كان 
انفجار الشكل الشعري القديم وانبثاق مفهوم للشعر منذ خمسة عقود صدى للتحولات الاجتماعية 
والسياسية والثقافية التي عرفها المجتمع منذ عصر النهضة...].! 
وظلت علاقة السياب وطيدة بالتراث العربي فلم تفارق الغنائية كثيرا من قصائده على 
الرغم من تجاوزه للمرحلة الرومانسية» ولم يتخلص السياب من الصورة الشعرية الانفرادية» وربما 
كتب القصيدة أحيانا بحس تقليدي» وقد يكون السبب في ذلك هو الرسوخ والالتصاق بالثقافة 
الترائية المتجذرة في مخزونه الفكري والنفسي» وقد يكون السبب تلبية لأذواق الجماهير التي لم 
تتجاوز الأعراف السائدة [..ورغم ما تعج به ساحة الشعر والنقد معا من ادعاءات تتخطى 
الذوق السائد وتجاوز الأعراف السائدة فإن الكثير من شعرائنا لا يكتبون لقراء مؤجلين أو أزمنة 
مقبلة كما يدعي بعضهم.ء إنهم يكتبون القصيدة وفي مخيلة البعض منهم عكاظ من نوع ماء هي 
عكاظه الخاصة: يستجيب لشروطها ويرضخ دون وعي منه ربما إلى تواطؤ واضح معهاء أي 
أن في ذهنه إلى هذا الحد أو ذاك صورة ملموسة لجمهور محدد ومناخا عاما للتلقي...].7 
وتتجلى التجربة الشعرية للسياب فيما يلي:- 
1-1 اللغة: 
إن تحكم الشاعر في توظيف لغته يتوقف على سعة الكفاية لديه والقدرة على إحالة 
تلك المادة اللغوية إلى لغة شعرية مجردة من التقليد والتكرارية وعدم السقوط في الترهل اللغوي 
والابتذال» بل تتحول تلك المادة إلى قوى خارقة من صور المعنى والتخيل يتجاوز بها الشاعر 
حدود التوقع والانتظار إلى آفاق مدهشة تتميز بالمفاجأة والتجدد المكثف اللانهائي» [..وعلى 
هذا الأساس تنطوي اللغة على قدرات هائلة ولانهاتية على الإثارة والدهشة والمفاجأة والصدمة 
وهذا عامل من العوامل التي تسعى إلى خلق علاقة اشتهاء بين لغة النص والمتلقي» ودون 
تحقيق هذه العلاقة تبقى القراءة عاجزة عن فك أسرار النص والدخول في أعماقه لأن القصيدة 
الواضحة لا يمكن أن تخلق لذة أو إغواءء وإنما تبقى اللغة جامدة سطحية لا تحتمل أكثر من 
+ ماهر دزيال: الصورة الشعرية في نيوان أنشودة المطر لبدر شاكر السياب؛ رسالة ماجستيرء مكتبة الأسد.ء دمشقء التصنيف: 811.9563009» 


ص 5. 
2 - علي جعفر العلاق: الشعر والتلقي دراسات نقدية» المرجع السابق نفسه.» ص 74. 


- 87 - 


الفصل الثاني 
دلالة...]!» وتترجم تلك اللغة أجواء من الحرية والانطلاق وطقوسا ليلية ملغمة مبهمة تنعدم 
فيها كل المقاييس المعتادة» فهي صور تنثال مسرعة كثيفة وتتولد بطريقة مذهلة تلبك الإحساس 
فيقف الوعي المركز مشدوها مأخوذا بذلك العالم الساحر[..وبدءا يكاد يكون من المسلم به بين 
نقاد الشعر اليوم أن اللغة هي موطن الهزة الشعرية التي تصدم وتباغت وتنعش وتجسد الفاعلية 
الشعرية وفتنتها...].2 
ويلجأ الشاعر لبلوغ ذلك المستوى إلى أفانين متعددة في استعمال اللغة» فهو يكرر الألفاظ 
والأسماء والأفعال بغرض الإيقاع الذي يثير الحس الجمالي في النفس ويدعو للتأمل» ففي 
قصيدة "اتبعيني” لبدر شاكر السياب يكرر فيها الشاعر هذه الكلمة عدة مرات بشكل هامس 
لجذب المحبوبة» ومقدرة الشاعر تتجلى في تعبئة الكلمة وشحنها بتلك الطاقة السحرية المؤثرة: 
وكذلك تكرار كلمة جيكور في قصيدة 'جيكور والمدينة”* تلك القرية التي عاش فيها وأحبها 
فتصبح القرية ليست مجرد قرية إنما احتراق وجمر وأساطير وحنين» تصبح قرية روحية بخلاف 
المدينة التي فر منها لقساوتهاء فالتكرار والشحن والإيقاع بطريقة غامضة يحدث تلك الطاقة 
التي تعزف موسيقا احتفال الشعرية في مخيلة الشاعر. 
وهناك أفانين كثيرة وأدوات مختلفة للتعبير عن انفعالات الشاعرء والوظيفة الشعرية للغة 
عند جاكبسون تركز على (المرسل) الشاعر لأنها [..تنزع إلى التعبير عن عواطف المرسل 
ومواقفه إزاء الموضوع الذي يعبر عنه ويتجلى ذلك في طريقة النطق مثلا أو في أدوات تعبيرية 
تفيد الانفعال كالتأوه» والتعجبء» ودعوات الثلب» أوصيحات الاسثتفار...].3 
يقول السياب:- 
[..وناديت: "ها.. ها.. هوه" لم ينشر الصدى 
جناحيه أو يبك الهواء المثرتر. 
ونادى ورددا: 


فادها هود" 


وفتحت جفنا وهو مازال ينظرء 


1 - موسى ربابعة: جماليات الأسلوب والتلقي دراسات تطبيقية» دار جرير للنشر والتوزيع؛» ط1ء 2008» ص 153. 

2 - علي جعفر العلاق: في حداثة النصء المرجع السابق نفسه» ص 23. 

* - الديوان السابق نفسه» ص 38. 

.414 الديوان السابق نفسه» ص‎  ** 

3 - الطاهر بو مزبر: التواصل اللساني والشعرية مقاربة تحليلية لنظرية جاكبسون, المرجع السابق نفسه. ص 36» نقلا عن عبد السلام المسديء 
الأسلوبية والأسلوب: ص 158. 


0000 


الفصل الثاني 
ينادي ماري 
فتكرار النداء: ها.. ها.. هوه» لغة استعارها الشاعر من لغة المسرح؛ بالإضافة للتعجب؛ 
فهو أسلوب جديد في اللغة لإثارة الدهشة والانتباه والتأمل بطريقة اصطنعتها تلك اللغة البسيطة 
المركبة بشكل يكاد يكون عفويا وهي معبرة عن عواطف المرسل وموقف للألم ممض في 
صميمه. 
وقد أصبح الشعر الحديث يستعمل اللغة المألوفة خلافا للشعر القديم الذي كان يحيل إلى 
اللغة الفصيحة غير المتداولة باعتماد بعض الكلمات التراثية» وقد ارتبط السياب بالتراث بشكل 
ظاهرء وربما حياة الريف هي التي جعلته يستعمل ألفاظ الشعر القديم» كما أن ألفاظه في 
مرحلته الشعرية الأولى خاصة قد كشفت عن علاقته بالرومانسية» وكثير من شعراء الحداثة قد 
اقتربوا من اللغة اليومية أو اللغة الشعبية» والسياب على الرغم من البناء اللغوي الرصين في 
معظم شعره إلا أنه يلجأ أحيانا إلى تلك اللغة الشعبية البسيطة. 
يقول من قصيدة 'شناشيل ابنة الجلبي":- 
[..يا مطرا يا حلبي 
عبر بنات الجلبي 
يا مطرا يا شاشا 
عبر بنات الباشا 
يا مطرا من ذهب...].7 
فعلا إن [..في كل قصيدة عربية عظيمة قصيدة ثانية هي اللغة]2, 
وقد تفطن القدماء إلى فصل لغة الشعر عن لغة النثر» فالجرجاني مثلا يرى بأن الكلام 
ضربان: [..ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده]ة» والمقصود بهذا الضرب 
النثر» [..وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحدهء ولكن يدلك اللفظ على 
معناه الذي يقتضيه موضعه من اللغة» ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض 
ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل...].” 


1 الديوان السابق نفسه. ص 638. 

2 الديوان السابق نفسه. ص 599. 

5 على جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه, ص 223 نقلا عن أدونيس» ديوان الشعر العربي» الكتاب الأول» المكتبة العصرية. بيروت. 21964 
ص 2.11 12. 

4 - عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه. ص 173. نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء دلائل الإعجاز. ص 272. 

5 المرجع السابق نفسه. ص 173» نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء دلائل الإعجازء ص 272. 


- 89 - 


الفصل الثاني 

إذا فاللغة الشعرية تحمل دلالات أخرى ببنائها المميزء فهي تكشف بشعريتها عن تلك 
الدلالات اللامرئية الكامنة في عمق النفس بطريقة جمالية هي من طبيعة القصيدة الشعرية 
[..إن معظم ما في القصيدة من جمال ومعنى وفاعلية لا يقيم إلا هناك في لغتها الشعرية» ففي 
هذه اللغة وعبر بنائها الجليل الآسرء يمكن العثور على جمر الروح وأحجار الدلالة الساطعة 
والرؤيا...].! 

أما القاموس الشعري للسياب فقد استعمل في بواكير شعره ألفاظا قديمة: غوارب الدمع: 
ثبج المياه. الصافنات؛ الجون ...إلخ» وهي ألفاظ لا يستعمل مثلها في الشعر المعاصر إلا 
قليلاء وقد كان استعمالها في مرحلة التكوين والاستكشافء وفي مرحلة النضج دارت ألفاظه 
حول الحبء اليأسء الغربة» الانبعاث» الموتء الحنين؛ الطفولة» الذكريات» الألم ... 

وعلى الرغم من تمكن السياب من اللغة التراثية إلا أنها لم تطغ على شعره ولكنه أفاد منها 
في أصالة العبارة وشدة الأسلوب؛ فهو لم يسف في شعره حيث كان يتخير ألفاظه. إلا أنه في 
قليل من المواطن قد وظف عبارات أو كلمات من التراث الشعبي كما في قصيدة (المومس 
العمياء)”» [..ولعل هذا التوظيف الذي ليس دارجا تماما لبعض المأثورات الشعبية هو ما عناه 
إليوت بدعوته إلى ضرورة اقتراب لغة الشعر من لهجة الحديث اليومي للمواطنين...].3 

إلا أن لغة السياب قد لاقت هجوما عنيفا من الناقد عصام محفوظ [..لقد ظل السياب 
يستخدم اللفظة الميتة المحنطة» والمجازات القديمة» والتركيب البلاغي»...].4 

[..ويؤكد عصام محفوظ على أن هذه الشوائب الشكلية لم تعلق بشعر السياب وحده بل 
انسحبت لتكون سمة عامة للغة الشعرية عند رواد حركة الشعر الحر...].” فأدونيس مثلا يلجأ 
أحيانا إلى توظيف مفردات قديمة ميتة ومع ذلك يحس القارئ بوقعها الشعري الجميل ويعود 
ذلك إلى قدرة الشاعر على بعث روح العصر والجدة في تلك المفردات» يقول أدونيس:- [ قالوا 
مشتء فالحقل من وله/متلبك والقمح يكتنز/ بعث التناغم عبر خطوتها / والهيدبي والوخد 


1 - على جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه» ص 23. 

2 - الديوان السابقء ص 509. 

3 عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه.» ص 187. 

4 - ساندي سالم أبو سيف: المرجع السابق نفسه» ص 154.» نقلا عن عصام محفوظ.. عندما يستجدي الشعر الراحة والسلام» مجلة شعرء ع 229 
س 8: 1962: ص 49. 

5 - المرجع السابق نفسه» ص 154. 


- 90 - 


الفصل الثاني 

والرجز / تومي فيلتفت الغروب لها / من لهفة ويتغتغ العنز / ما الوشم؟ ما الخرز؟ / ما 
الأقدمون السمرء لم يلجوا / لغزا ولا اكتنهوا ولا رمزوا...].! 

فالألفاظ (متلبك. الهيدبيء الوخد الرجزء يتغتغ» الوشم» الخرز) هي مفردات قديمة ولكن 
وقعها وهي منظومة على بحر الرجز بهذا التشكيل الجديد وبهذه الطريقة الانزياحية في استعارة 
ضروب مشي الفرس إلى المرأة» وتوظيف المعادل الموضوعي 'يتغتغ العنز" للدلالة على الجو 
النفسي الحافل بالمسرة الشخصية الذاتية» كل ذلك أعطى لهذه اللغة التي تبدو ميتة ميلادا 
جديدا واشراقة حياة أخرىء وتلك الطاقة والقدرة على إحياء اللغة يتميز بها الشاعر المبدع. 

إلا أن بعض النقاد - من منظور علم اللسانيات- يرون بأن قضية المفردات لا تشكل 
عائقا أو مانعا للتجديد والتطور والابتداع وفي نفس الوقت لا تعد كثرة المفردات في لغة ما 
دليلا على غناها وثرائها وبالتالي قدرتها على الإبداع [..وقضية المفردات لا تدخل في صميم 
اللغة» فنحن نباهي مثلا أن للشيء الواحد عندنا أسماء عديدة وللفعل الواحد أفعالا عديدة ولكن 
غيرنا يرى في ذلك إسرافا والمفردات تهرم وتموت ويحل محلها مفردات أخرى وقد تقتبس اللغة 
مفردات حضارة أخرى أرقىء وهنا نكرر القول أن القضية ليست قضية شعب راق أو شعب 
متأخر لأنه عندما يرتقي الشعب ويتحرر أفراد المجتمع من قيود الرجعية والتقليد تستطيع كل 
لغة أن تساير الحضارة بلسانها الخاصء؛ قد يجد المجتمع نفسه مضطرا للتوليد والترجمة 
والاقتباس ولكن هذا لا يضير اللغة بل يزيدها غنى...].2 

ومهما كان المعجم اللغوي للسياب ثريا إلا أن الأهمية ليست في الاتساع والثراء ولكن في 
قوة بناء الجملة وحبك العلاقات ونسجها بشكل دقيق منتظم. 

وبهذا فإن مفردات السياب القديمة منثورة في قصائده تتموقع بين الوهج والظل وهج 
الحاضر وظل الماضي في سياقات شعرية متماسكة تستعصي على التفكيك والتفتيت نظرا لذلك 
التلاحم الأصيل فيها. 


1 أدونيس: الآثار الكاملة» دار العودة» بيروت. ط1؛ 1971» ص 2123 124. 
2 عبد السلام المسدي: اللسانيات من خلال النصوص.ء الدار التونسية للنشرء النشرة الأولى» 1984» ص 124. 


- 91 - 


الفصل الثاني 
وفي المقطع التالي من قصيدة "العودة لجيكور" للسياب يجد المتلقي متعة الشعرية 
القصوى والجمالية العليا على الرغم من أنه استعمل مفردات عادية ولكن تشكيلها البارع منح 
القصيدة إثارة قوية يقول:- 
[..نزع ولا موت 
نطق ولا صوت 
طلق ولا ميلاد 
من يصلب الشاعر ف بغداد؟ 
من يشتري كفيه أو مقلتيه؟ 
من يجعل الإكليل شوكا عليه؟ 
جيكور يا جيكور 
شدت خيوط النور 
أرجوحة الصبح 
فأولمي للطيور 
والنمل من جرحي...]. 
ويعقب علي جعفر العلاق على المقطع السابق بقوله:- [..يستنفر الشاعر في هذا 
المقطع الكثيف النامي» أقصى طاقاته: إحساسه باللغة والإيقاع والتقفية وبناء الجملة» كسرا لكل 
رتابة ممكنة ومحافظة على انشداد القارئ...].2 
والمتتبع لقصائد السياب يجد فيها تلك الدلالات المتفجرة بالشعرية التي صاغها بلغة 
اتسمت بالتجاوز والحداثة فعبرت عن شظايا المعاني والإيحاءات الشعرية العميقة [..ومفردات 
لغة كهذه ليست أجزاء أساسية في هيكل تعبيري حسي فقط بل هي أبعد من ذلك إنها شظايا 
المعنى والدلالة قد تفجرت بالتوتر والحرارة والشاعرية...]3) ومن البناء اللغوي الغريب الغني 
بالانزياحات ما جاء في مطلع قصيدة 'جيكور والمدينة":- 
[..وتلتف حولي دروب المدينة 


حبالا من الطين يمضغن قلبي 


1 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 424. 
2 - علي جعفر العلاق: الشعر والتلقي دراسات نقدية» المرجع السابق نفسه» ص 79. 
3 المرجع السابق نفسه» ص 23. 


- 92 - 


الفصل الثاني 
حبالا من النار يجلدن عري الحقول الحزينة 
ويحرقن جيكور في قاع روحي 
ويزرعن فيها رماد الضغينة...].! 
هذه اللغة الانزياحية تضفي على القصيدة نوعا من الغموض الذي صار وسيلة فنية هامة 
في النص الحداثئي حيث تخرج الألفاظ فيه عن دلالاتها القاموسية لتصور أبعادا نفسية عميقة؛ 
وقد تصبح اللغة الانزياحية رامزة مستعارة من الأساطير القديمة للتعبير عن غربة روحية مفارقة 
يقول السياب من (قصيدة رؤيا في عام 1956):- 
[..أيها الصقر الإلهي الغريب 
أيها المنقض من أولمب في صمت المساء 
رافعا روحي لأطباق السماء 
رافعا روحي - غنيميدا جريحاء 
صالبا عينيى - تموزاء مسيحياء 
أيها الصقر الإلهي ترفق 
إن روحي تتمزق» 
إنها عادت هشيما يوم أن أمسيت ريحا...].2 
فقد انزاحت كلمة الصقر عن دلالتها الأسطورية إلى تلك الرؤيا التي ألمت به وأخذته إلى 
المجهول حيث التمزق والفناء فهذه اللغة الشعرية المتعدية أصبحت تحمل دلالات رمزية إنسانية 
متنوعة» بخلاف ما يراه البنيويون من أن اللغة شكل فقطهء فالتحليل اللغوي لديهم يحيل إلى 
الداخل غير أن ما سبق ذكره من مواصفات للغة المتعدية مستكن في تلك اللغة ولا مجال إليه 
عن طريق التحليل البنيوي» لذلك فإن دراسة اللغة دراسة بنيوية يحيل إلى التمتع بالخارج [..لقد 
أدرك البنيويون الأوائل» ياكبسون وجولدمان على سبيل المثال خطورة المنزلق الذي يقودهم إليه 
التبني الكامل للبنيوية اللغوية» وهو المنزلق الذي يتمثل فيما وصل إليه مفهوم البنيوية عند 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 414. 
2 - الديوان السابق نفسهء ص 429: 430. 


- 93 - 


الفصل الثاني 

(رولان بارث) عندما يدعو القارئ للتمتع بالمشهد اللغوي الذي ينتجه النص بدلا من النظر إلى 
العالم من خلال اللغة...].! 

ومهما حدث من تطور لدى البنيوية الأدبية - إذ استطاع ليفي شتراوس في كتابه 
"الأنثروبولجيا البنيوية" أن يعطي دفعا للباحثين البنيويين الذين ضاقت عليهم المجالات الأدبية- 
فهو غير كاف باعتبار أن المشكل الجوهري لديهم مع اللغة هو "الدلالة" حيث يصعب استخراج 
المعنى من النسق اللغوي البنيوي مهما كانت المحاولات لأن الدلالات الشعرية تضيق عنها 
قنوات الأنساق اللغوية البنيوية لاتساعها وشموليتها وكثافتها. 

ولا يتسع مجال البحث للغوص في خلافات العلماء على مختلف مناهجهم في اللغة غير 
أنه يمكن الاستفادة من المنهج السيميائي في حدود معينة من الوظيفة الشعرية للغة بوصف 
اللغة علامة» وقد دعا بيرس 77676 إلى وضع العالم برمته في إطار العلامة» وتتبع العلامة 
في اللغة الشعرية يفضي بالدارس إلى البحث عن علامة العلامة ويبقى البعد بعدا واحدا واللغة 
الشعرية خلاف ذلكء فهذا المنهج لا يتسق مع الشعرية في النص إلا بالنظر من زاوية واحدة 
وهي العلامة التي لا تحمل الدلالة المتعددة بوصفها علامة لأن اللغة سلسلة من الاستجابات 
المكثفة كما عرفها بلوم فيلد [..مثل هذا ما ذهب إليه بلوم فيلد الذي عرف الظاهرة اللغوية 
بكونها سلسلة من المنبهات تتلوها استجابات تتحول هي الأخرى إلى استجابات أخرى...].7 

إذا فاللغة هي الكل» وهي البداية والنهاية» ولا معنى لأي عنصر يوظفه الباحث من أجل 
الخوض في فضاءات الشعرية ما لم يتخذ اللغة أساسا للدراسة تنبني عليه كل العناصر المكونة 
للشعر [..وما كان لباحث أن يرصد عناصر الشعر من صورة وايقاع ومضامين من دون 
المرور عن طريق اللغة الشعرية من خلال استكناه بناها واستنطاق شفراتها الجزئية والكلية 
واستبطان مختلف حمولاتها الجمالية والمضمونية...].3 

وقد تعمق العلماء اللغويون العرب القدماء في فك شفرات اللغة بصورة متقدمة [..وذهب 
الشيخ عبد القاهر الجرجاني شيخ البلاغيين العرب والمسلمين إلى أن الألفاظ لا تدل على 
المعاني بذاتها بالاتفاق وليس هناك علاقة ضرورية بين اللفظ '"ضرب" والحدث الذي يدل عليه 


1 عبد العزيز حمودة: المرجع السابق نفسه. ص 2204 205. 

2 موسى ربابعة: المرجع السابق نفسه» ص 179. 

3 - محمد بلوحي: اللغة الشعرية للنص الجاهلي في ضوء الخطاب النقدي الغربي الحديث. مجلة الآداب والعلوم الإنسانية» جامعة سيدي بلعباس. 
الجزائر» ع2 2003/2002؛ ص 12. 


- 94 - 








الفصل الثاني 

في الخارج» حدث "الضرب”" الواقعي بل اللفظ علامة تدل على الحدث وكان يمكن أن تدل عليه 
علامة لفظية أخرى...].! 

ويذكر هذا القول للجرجاني باعتباطية اللغة عند دوسوسير بوصفها علامة تنتفي فيها 
علاقة الدال بالمدلول» يقول جاكبسون: [..كثير من الخواص الشعرية لا تأتي فحسب من علم 
اللغة لكن أيضا من مجموع نظريات العلامات والرموز أي من السيميولوجيا العامة...]2» فاللغة 
هي الوسيلة الأهم التي يصوغ منها الشاعر الأجواء التخيلية والروحية التي تختلج عوالمها في 
دخيلته» تلك اللغة الشعرية المميزة التي يبرع الشاعر في تركيبها ونسجها بحيث تصبح لغة 
مباينة [..أن اللغة في الشعر ليست إناء للأفكار كما هو الشأن في العلم والنثر بعامة» اللغة 
الشعرية نسيج خصوصي من الكلام والرؤى في حدس واحد ودفق واحد...]2, 

وقد نقل الناقد صلاح فضل عن بعض الباحثين في كتابة أساليب الشعرية المعاصرة 
إحصائية للغة السياب”؛ حيث بلغ عدد الجذور اللغوية في شعره ما يقارب ثلاثة آلاف جذرء 
وبحساب متوسط اشتقاق الكلمات تصبح محصلة المعجم الذي يوظفه السياب ثلاثين ألف 
كلمة. 

ويمكن وضع تلك الإحصاءات في الجداول التوضيحية التالية:- 


الجذور التي 
تكرارها في 


تاك الال الوك القبر ادق 
الموت 


5 جدرا 7 مرة 0 مرة 1 مرة 5 مرة 














جدول (1) يمثل عملية إحصائية لغوية لجذور كلمة الموت وما يتفرع عنها من ألفاظ دالة 
عنه. 














الجذور التي تكرارها في الشياة الولادة العيذن 


1 - نصر أبو حامد: النص والسلطة والحقيقية؛ المركز الثقافي العربي؛ المغرب. ط5؛ 2006؛ ص 78. 
2 صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النص,ء المرجع السابق نفسه. ص 61. 

3 - أدونيس: الثابت والمتحولء المرجع السابق.ص 243. 

* - صلاح فضل: أساليب الشعرية المعاصرة, المرجع السابق نفسه.» ص 262 63. 


- 95 - 





























الفصل الثاني 
تمثل دلالة الحياة ٠‏ خطاب السياب 
6 جذور 9 مرة 4 مرة 3 مرة 6 مرة 














جدول (2) يمثل عملية إحصائية لغوية لجذور كلمة الحياة وما يتفرع عنها من ألفاظ دالة 
عليها. 


الجذور الدالة تكرارها في 
على الحب خطاب السياب 
0 جذور 7لمرة 5 مرة 0 مرة 7 مرة 


الح الهو العذيق 














جدول (3) يمثل عملية إحصائية لغوية لكلمة الحب وما يتفرع عنها من ألفاظ دالة عليه. 

إن هذه الإحصاءات اللغوية قد تفتح أفقا لفهم شعرية السياب وهي تطوف في آفاق معينة 
حددتها ظروف حياته في مختلف مراحل عمره وهو يشق طريقه في الشعر والإبداع. 
2-1 الخارج/الداخل: 

إن العلاقة بين الخارج والداخل هي علاقة اتصال على الرغم من أن البنيوية اللغوية 

تنفي تلك العلاقة التبادلية بينهماء ومهما أصبح الكلام مبتذلا في هذه المسألة إلا أن نقادا 
آخرين ينتمون إلى المدارس الحداثية لا يتصورون إزالة تلك العلاقة» فالداخل يطفح على الخارج 
ويتجسد فيه» ثم يتولد جمال من تلاحم الإثنين معا [..فإذا كان المضمون متجسدا في الشكل 
الفني» فإن الإحساس بجمال الشعر يكون إحساسا بجمالهما في وقت واحد...].! 

إن الشعر الحدائي يختلف في ظاهره عن كل الأشكال السابقة له. فهو تجربة جديدة 
أخذها الشعراء العرب عن شعراء الغرب في العصر الحديثء بينما كانت التطورات الشكلية 
التي طرأت على الشعر العربي مختلفة تماما عن الشعر الجديد [..ارتبط الشعر الحديث بمفهوم 
الشعر الحر (شعر التفعيلة) وهو شكل شعري يختلف عن الشعر العمودي الكلاسيكي ويختلف 
عن شكل الموشحات الشعرية في العصر الأندلسيء؛ كما يختلف عن شكل القصيدة الرومانتيكية 
العربية في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين...].7 


1 حسن طبل: المعنى الشعري في التراث النقدي, دار الفكر العربي. القاهرة. ط2» 1998,» ص 134. 
2 - عز الدين المناصرة: تذوق النص الأدبيء دار البركة للنشر والتوزيع» عمان» ط1؛» 2006: ص 68» 69. 


- 96 - 


























الفصل الثاني 
إن تحديث الشكل أو الخارج في القصيدة العربية الجديدة كان طافرا ولم يواكب الرؤية 
الشعرية» فجاءت النماذج الأولى مثقلة تنوء بحمل أعباء ماض طويل [..إن حداثة المفهوم أو 
حداثة الرؤيا قد تأخرت نسبيا عن تحديث النموذج الشعري...].! 
وهذا التطور الحاصل في أشكال القصيدة الذي تم بصورة مفاجئة تقريبا لم يؤد إلى تطور 
القصيدة بصورة ناضجة [..يدعونا إلى هذا التحرز أن الفترة الماضية في حياة القصيدة الجديدة 
كانت فترة استكشاف وإنضاجء تم فيها التخلص من روح القصيدة القديم شيئا فشيئا وعلى حذرء 
ولو قارنا أول قصائد نازك والسياب والبياتي وصلاح عبد الصبور التي كتبوها في الإطار 
الجديد بآخر ما كتبوا لتبين لنا اختلاف واضح في الروح الشعري المهيمن على معمارية هذه 
القصائد الأولى والأخيرة...].2 
وهذان مقطعان من قصيدة حرة كتبها السياب في البدايات الأولى بعنوان 'رئة تتمزق":- 
[..الداء يثلج راحتيء ويطفئ الغد..في خيالي 
ويشل أنفاسيء ويطلقها كأنفاس الذبال 
تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال 
مشدودتين إلى ظلام القبر بالدم والسعال 
© 
واحسرتا !؟ كذا أموت؟ كما .. يجف ندى الصباح؟ 
ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق والأقاحي؛ 
فتضوع أنفاس الربيع تهز أفياء الدوالي» 
حتى تلاشى في الهواء.. كأنه خفق الجناح!...].3 
على الرغم من أن القصيدة مشكلة تشكيلا حداثيا مقطعيا باعتماد السطر الشعري والتنوع 
في القافية واستعمال علامات الترقيم كالفاصلة والاستفهام والتعجب, بالإضافة إلى اللجوء إلى 
الفراغات بوضع النقاط المتتالية [..والقافية في الشعر الحر تتعدد حسب مقتضى الحال» 
وانفعال الشاعر أيضا وقد لا تكون العلة سببا لهاء أما الوقوف فقد يحمل علامة ترقيمية 
؛ - علي جعفر العلاق: في حداثة النص الشعري؛ المرجع السابق نفسهء ص 13. 


2 - عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصرء ص 239: 240. 
3 الديوان السابق نفسه.ص 42. 


- 97 - 


الفصل الثاني 
كالنقطة وعلامة الاستفهام أو علامة التعجب وقد يكون بياضا يوقف كلام الشاعر وينهيه...]!. 
إلا أنه في السطر الأول من المقطع الثاني قد مزج بين تفعيلة الكامل (متفاعلن) التي أدخل 
عليها زحاف الإضمار أي تسكين الثاني المتحرك وتفعيلة الرجز(مخبونة) أي حذف الثاني 
الساكن (مستفعلن - متفعلن)» ولا يجوز تعدد التفعيلات إلا في الشعر التقليدي عند استخدام 
البحور الممزوجة بينما يجوز تعدد البحور في القصيدة الواحدة في الشعر الحدائي من مقطع 
لآخر [..لقد استخدم (الشعر الحر الحديث) نظام التفعيلة الموحدة الموزعة على سطور شعرية 
متنوعة الطول تحكمها علامات الترقيم والدفقات الشعورية» وهذا يقتضي التزام بحر واحد من 
البحور الصافية في القصيدة ومع هذا يمكن تنويع البحور في القصيدة الواحدة في فقرات 
واضحة الحدود إذا اقتضت التجربة ذلك...].2 
واستفاد بدر شاكر السياب كغيره من الشعراء الرواد من المتغيرات في شكل القصيدة 
الأوروبية الذين قلدوا شعراء عالميين» ت.س.إليوت» سان جون بيرسء لوركاء بابلو نيروداء 
أراغون» بول إيلوارء رامبوء ماياكوفسكي ...وغيرهم. 
وقد عني المحدثون بالشكل أكثر من المحتوى باعتبار أن الحداثة هي شكلية فنية أكثر 
من كونها فكرية» وتغيير الشكل ليس أمرا هينا [..التوفيق في بناء العمل الفني أصعب منالا 
من الوقوع على المضمون الصالح...]3. ويؤكد كمال أبو ديب هذا الاتجاه فيرى بأن الشكل - 
غير المحدد- هو الأساس حتى في حالة غياب المعنى [..يقول كمال أبو ديب: إن الشكل ليس 
حاملا للمعنى فقط بل إنه العنصر الذي يحتل المركز حتى في حالة غياب المعنى أو 
نسيانه...].4 والمتفهم لطبيعة النص الشعري الحر يدرك تماما طريقة تشكله» وكيف يتخذ النص 
بنية معينة انطلاقا من تساوقات دلالية داخلية تتولد بأشكال مختلفة ثم تتجلى تلك التساوقات 
في نمط ملائم لطبيعتها وحركيتهاء فالشاعر لا يضع لقصيدته الحرة بناءها الخارجي بل إن 
الداخل المتفاعل هو الذي يحدد شكل النص [..النص حر في اختيار شكله لأن مراكز بثه 


- عبد الرحمن تبرماسين: البنية الإيقاعية للقصيدة المعاصرة في الجزائرء دار الفجر للنشر والتوزيعء القاهرة. 2003, ص 49. 
- عز الدين المناصرة: المرجع السابق نفسه» ص 69. 
- عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه. ص 238. 
- مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه» ص 0241, نقلا عن عبد الحميد جيدة, الاتجاهات الجديدة. مؤسسة نوفل» ص 2346 347. 


- 98 


اسم يم انرا احلقل 


الفصل الثاني 

المتكشفة عن أنماط أو سياقات عامة لفضاء الدلالة هي التي تتقدم في خارطة النص "الصماء" 
خالقة شكلها بما يتلاءم مع حركتها وفعاليتها فيحقق النص شكله الحر...].! 

لقد تحرر النص من ذلك الثبات في الشعر القديم» وصار ملغما مسكونا بالقلق وحرارة 
التجربة والتوقع والاحتمالات اللانهاتية ليتخذ له شكلا آخر منفتحا متغيرا غير خاضع لأي 
نظام؛ مما جعل كمال أبو ديب يرفض عملية الشكل والتشكل المحدد [..ويرفض أبو ديب أن 
تكون الحداثة شكلاء وانما هي رفض للشكل والتشكلء لأنها وعي حاد لخطورة التشكلء لأن 
التشكل النهائي المحدد الواضح - في نظره- هو وحده القابل لأن يكون طقساء والطقس 0 - 
عنده- تجسيد أسمى للسلطة...].2 

وقد استنفذت مسألة الداخل والخارج جهود الباحثين قديما وحديثا وتباينت البراهين والآراء 
في ماهية تشكل كل منهماء وأيهما له الأثر السابق في الآخرء فهناك من يرى بأن الشكل هو 
كل شيء ولا شيء غير الشكل وهناك من يرى بأن المضمون أو الداخل بما يتمخض فيه من 
أحاسيس وانفعالات هو الذي يحدد خارج النص ويتمظهر ذلك المضمون بشكل حرء وينشأ 
ظاهر النص من طبيعة تلك التفاعلات بتدخل الفكرء فإن [..بندتو كروتشيه يحدد المضمون 
بأنه الأحاسيس أو الناحية الانفعالية قبل صقلها صقلا جمالياء أما الشكل فهو صقلها وابرازها 
في تعبير عن طريق النشاط الفكري...].3 

وقسم آخر يرى النص بنية شمولية كلية يعمل على تشكيلها نظام عام يستغرق النص 
كله» وللنص مرتكز إشعاعي يتولد منه» كأن يكون معنى في بيت أو جملة قصيرة أو طويلة 
ويتوزع ذلك الإشعاع في كامل أجزاء النصء والفكرة المستخلصة من آراء الباحثين هو أنهم في 
معظمهم رأوا بأن [..القصيدة الحديثة لاتسكن في أي شكل تعبيري جاهز وهي جاهدة أبدا في 
الهروب من كل قيدء. بحيث يتاح لها أن تكشف بشكل أشمل عن الإحساس بتموج العالم 
والاسان يي 

ولا يكاد أحد من النقاد الحداثيين أن يخرج على قاعدة الهدم والبناء التي سنها إليوت في 
كيفية صياغة القصيدة الشعرية» فكمال أبو ديب يقول:- [..إن اللغة في النهاية تولد سلسلة من 


1 محمد صابر عبيد: جماليات القصيدة العربية الحديثة» منشورات وزارة الثقافة» سورياء 2005؛» ص 115. 

2 - مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه. ص 101.» نقلا عن كمال أبو ديب. الحداثة» السلطة؛. النصء ص 46. 
3 محمد غنيمي هلال: المرجع السابق نفسه» ص 287. 

4 - بشير تاوريريت: المرجع السابق نفسه.» ص 82. 


- 99 - 


الفصل الثاني 
القواعند الملزمتة وتذلك تكون 'الحداكة بيخ ها تكوخة كذميزا اللغة من الذاكلء كتميزا للقواعد فيه 
ومحاولة لإعادتها إلى بناها اللاقاعدية» اللامتشكلة» ويتم ذلك في الحداثة عن طريق تدمير بنية 
الجملة الدالة» بما هي نسق واضح من القواعد المنفذة وتحويل الجملة إلى سلسلة من الإمكانات 
والقذاخلافي 1 
إن بدر شاكر السياب الذي خاض تجارب عدة ومتنوعة صب شعره في قوالب حدائية 
انفرادية بصورة معبرة عن تجربة شعرية حقيقية» فقد نظم قصائده في أشكال يحس قارئها بتفاعل 
حي في عمق تلك التجارب ويشعر بدفق يتماوج على أشكال الخارج أو مضامين تأخذ نماذج 
شتى بطريقة جديدة طبيعية ناتجة عن أصداء واقعية لعالم مجزأ يحمل كل الرؤى والمتناقضات؛. 
ومن تجربة السياب الشعرية انفجرت التجارب الأخرى منجزة في أشكال ومضامين لا تحصىء. 
إلا أن التركيز على جانب من الجانبين (الخارج/الداخل) يكون على حساب الآخر [..ينطلق 
هذا البحث من فرضية أن الإيقاع في الشعر عموما يمتاز بخاصية تناوبية مطردة بين الخارج 
والداخل» ومفادها أنه كلما زادت العناية بالداخل الإيقاع الداخلي» قل الاهتمام بالخارج (الوزن 
والقافية) والعكس صحيح...].7 
ولو اعتمد الدارس أو القارئ على عملية ذهنية في استكشاف مصدر الشعرية لإيجاد 
مركز كمونه الحقيقي» هل هو صادر عن تشكيلة البنية الخارجية أم عن التشكيل الداخلي 
للنص؟ فإنه سيصل حتما إلى الحركية التالية التي تنجم عنها شعرية النصء إنها التراوح 
الشعوري والتخيلي والفكري تراوحا سريعا يختفي فيه الزمن لملاحظة الظهور والخفاءء الغياب 
والحضور لانعكاسات الداخل والخارج [..وذلك لأن النص الشعري الحديث لم يعد تصريحا 
نهائيا أو معنى كاملا أو خطابا منطقيا بحدوده المرسومة من خارج النص وإنما غدا بنية رمزية 
لا تفصح عن مخزونها الثري إلا في عمق السياق النصيء فالنص دلالة سياقية تتبدى في 
صورة متشظية تشع في كل جانب من جوانب النص وما تخفيه يقدر بأضعاف ما تبديه...]3, 


1 - مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه» ص 141: 142: نقلا عن كمال أبو ديب» في الشعرية. ص 107. 
2 أحمد زغب: الإيقاع في الشعر الشفاهي بين الداخل والخارج» الأثر» مجلة الآداب والعلوم الإنسانية, جامعة قاصدي مرباحء ورقلة. الجزائر» ع262 


7 ص 137. 
3 محمد مصطفى أبو شوارب وأحمد محمد المصري: جماليات الأداء الفني قراءات تحليلية في نصوص أدبية» دار الوفاءء مصرء. ط1ء 2006» 
ص 137. 


- 100 - 





الفصل الثاني 
ومن هذه الحركية أو الديناميكية السريعة المتشظية لمحاولة فهم النص نتم مقاربة ومعاينة ماهية 
تولد الشعرية المتجلية في:- 
3-1 الموسيقا الخارجية والإيقاع الداخلي: 
إن شعرية بدر شاكر السياب وهي جوهر البحث فستتضح أبعادها بشكل أوسع في 
الجانب التطبيقي وهي لم تخرج إلى المفارقة التامة أو تجاوز التراث الكلي في الأشكال 
والمضامين كما فعل الشاعر أدونيس مثلاء يقول بدر شاكر السياب: [..عندي أن الثورة 
الناضجة نوع من أنواع التطور إنها استعراض للماضيء للتراث واهمال الفاسد منه والسير 
بالشيء الحسن فيه إلى الأمام» فالثورة على القديم لمجرد أنه قديم جنون وانتكاس إذ كيف 
نستطيع أن نحيا وقد فقدنا ماضينا...].! فالقصيدة السيابية من حيث الإيقاع تجمع بين موسيقا 
الشعر العمودي وجرسية القصيدة الحرة من خلال الإيقاع الخارجي المتأتي من الأوزان 
العروضية والقوافي والإيقاع الداخلي الذي تشكله الحالات الشعورية والنفسية لدى الشاعر. 
وحسب إحصائية أخرى قام بها صلاح فضل” لقصائد بدر شاكر السياب شملت القصائد 
العمودية والحرة والقصائد التي مزجت بينهما - مع إشارته إلى أنه قد سقط عدد منها- يمكن 
وضع جدول إحصائي يبين مسافة البعد بين التراث والجدة في شعر السياب:- 
- مجموع قصائد السياب يبلغ 202 قصيدة. منها 83 عمودية بنسبة 441: 113 قصيدة 
تفعيلة أي بنسبة 9056: 6 قصائد تجمع بين السطر والبيت أي بنسبة 003. 


مجمو. قصائد القصائد مجمو. قصائد قصائد ت- بين 
: النسبة : النسبة ِ النسبة 
55 لبود التفعيلة الفطان,راقيك 




















202 53 001 113 000036 06 03م 


- مجموع الأبيات العمودية 3042 بيتا. 

- بمتوسط 36 بيتا للقصيدة الواحدة. 

- جملة الأسطر في قصائد التفعيلة 7662 سطرا. 

1 عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه. ص 17» نقلا عن عبد الجبار داود البصريء بدر شاكر السياب رائد الشعر الحرء بغداد. 1966» ص 86. 


.64 صلاح فضل: المرجع السابق نفسه. ص‎  * 
- 101 - 

















الفصل الثاني 
- بمتوسط 70 سطرا للقصيدة. 
- فإذا كان البيت يتكون من سطرين يلاحظ أن هناك توازنا في أشعار السياب العمودية 
والحرة. 

وحسب إحصاء آخر لصلاح فضل”* يتعلق بنسب استعمال بحور الشعر يمكن وضع 
الجدول التالي:- 
بحور الشعر المستعملة في شعر السياب | النسبة 
يحو القامة 00.2 
المتقارب 108 
الخخكئف 0004 


5 


الشسيظة الرجق» الوافز: 4 لكل بحر 
الزملق: الطويل» المتدارك 5 لكل بحر 
السريع» الهزج 002 لكل بحر 











كما أن السياب قد استعمل تعدد البحور في القصيدة الواحدة بلغ (14) قصيدة» ونوع 
حرف القافية في شعره العمودي حيث تجاوز نصف قصائده ونجم عن عدم تنصل الشاعر من 
الأشكال التقليدية والصور الأحادية عدم تقيد شاعريته بالشكل فقد يبدأ بالشعر الموزون المقفى 
ويختم بالحر أو بالعكس مثل قصيدة 'بور سعيد” التي نظمها على بحر البسيط. 

وانطلاقا من النسب السابقة يتبين أن السياب ظل مرتبطا بالماضي أو بالتراث» فقصائده 
الحرة لاتخلو في مجملها من الأدوات الفنية القديمة والشعرية الرومانسية التي لم تفارقه إلى أن 
وصل إلى المرحلة الشعرية الناضجة [..وسنقف عفويا عند أول قصيدة تستهل مجموعة "أنشودة 
المطر" التي تعد بداية المرحلة الشعرية الناضجة لدى السياب بعد أن تخطى عتبة ما يوصف 
دائما بأن محاولاته الرومانسية في شعر البواكير وأزهاره وأساطيره وأعاصيره إذا اكتملت حينئذ 
ملامح أسلوبه الشعري وبرزت خصائصه...].! 


.64 المرجع السابق نفسهء ص‎  ** 
.492 الديوان السابق نفسه. ص‎  * 
.66 صلاح فضل: المرجع السابق نفسه.» ص‎ 1 


- 102 - 





























الفصل الثاني 

ترى العرب [..بأن الكلام الموزون المقفى الدال على معنى يؤدي إلى الجمال الفني مع 
تحقيق الموسيقا التي يحسها كل من المتكلم والمستمع أو المبدع والمتلقي...]!» وقد ظلت 
النمطية مسيطرة ومهيمنة على القصيدة العربية» إلى أن مس التجديد خارج النص وداخله 
فصار للقصيدة إطار موسيقي جديد فتفتت وحدة البيت الشعري واكتفى الشاعر بوحدة موسيقية 
واحدة 'التفعيلة"؛ ثم كان السطر الشعري بديلا عن البيت وتطور الشكل أكثر فأحدث الجملة 
الشعرية» وربما اشتمل السطر على نفعيلة واحدة أو أكثر وربما بلغ عددها التسع أحياناء 
والشاعر ينتقل من سطر إلى آخر ومن جملة شعرية لأخرى حسب الخلجات الشعورية والدفقات 
النفسية المعبرة عن فكرة أو حس أو صورة أو رؤية معينة» وصار النظام الخفي للسطر أو 
للجملة الشعرية أو للقصيدة ككل هو النظام النابع من داخل النص [..لكن النظام الذي يتمثل 
في هذا الإطار نظام داخليء أو لنقل -إذا نحن تحرينا الدقة- أن معظم هذا النظام داخلي؛ 
ينتمي إلى الشيء نفسه (القصيدة) وينبع من داخله؛ وليس شيئا (تصورا) خارجا مفروضا 
عليه...].2 

ولا يستطيع البحث أن يورد كل الاستعمالات المختلفة للوحدات الوزنية في القصائد 
الحداثية فهي أكثر من أن يحصيها عد فهي تارة مختلفة وتارة متشابهة في السطر أو الجملة أو 
القصيدة ككل» وهي تارة أخرى منتقاة من بحور صافية أو من بحور ممزوجة» وقد تكون 
تفعيلات القصيدة أحيانا موزعة من تفعيلات بحور ممزوجة:» بالإضافة إلى أن الشعراء أدخلوا 
بعض التغييرات في صلب التفعيلة الواحدة» مما جعل بعض الدارسين يفكرون في وضع قوانين 
جديدة للشعر من حيث أوزانه انطلاقا من التغيرات الطارئة المتطورة المتجددة في الأوزان 
الشعرية الحداثية» وتكفي الإشارة لهذا الجانب لكون الكتب التي تناولت التحليلات الشعرية تزخر 
بتلك التفصيلات والاستنتاجات. 

ويرجع السبب إلى وضع وحدة الوزن ووحدة القافية في القصيدة العربية إلى أمرين: 
[..شراء اللغة العربية في مفرداتها وثراء العروض العربي في أوزانه التي تقبل - بدورها- 
1+ محمد صليمان وقوقه المرجع النايق تقملهه نض 223 


2 - عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه.» ص 81» 82. 
3 يوسف خليف: مواقف بين الشعر والنقد. دار غريبء القاهرة. 2003» ص 89. 


- 103 - 


الفصل الثاني 
وباستغناء الشعراء عن الوزن والقافية الموحدين اضطروا إلى الوقوف في السطر أو 
الجملة الشعرية على مقطع فونيمي واحد أو متقارب في نهايات السطور أو الجمل الشعرية 
لإيجاد بنية نغمية ختامية ترتاح لها الأذن» وأكثر ما اعتمد الشعراء في هذا الصدد الإيقاع 
الداخلي لنهايات الأسطر والجمل الشعرية» تفاديا لكسر أصل أساسي في الشعر وهو الموسيقا. 
فالشعر الحداثي إن تخلى عن الأوزان الخليلية فهو لم يتخل عن الإيقاع الداخلي للنص 
الشعري» وأصبح المعجم الشعري هو الأهمء وليس المقصود منه كثرة المفردات وانما المقصود 
هو قوة البناء اللغوي وتشكيل العلاقات والاتساق والانسجام في البنى الأسلوبية لإنشاء الشعرية؛ 
ولا شك بأن هذا الفعل للشعر الحر هو ثورة وتكسير للنظام الموسيقي [..تمزق الحداثة جسد 
النصء وتعبث بوحداته البنائية المستقلة ابتداء من التفعيلة إلى البحرء وتكسر نظامه الموسيقي 
عبر السياق الشامل [...] لا قاعدة تضبطه سوى طبيعته المتفجرة المنحدرة في قاع التجربة 
الباطنية الكلية ذات الأبعاد الدرامية المتنامية على كل جانب...].! 
4-1 المجاز: 
لا شعر من دون مجاز - كما هو معروف- وليس المقصود بذلك أن كل مجاز 
ينتج شعراء فقد يفشل المجاز أحيانا في إنجاز الشعرية السليمة المستحسنة من الأذواق الرفيعة: 
وهو من أهم العناصر الفنية للأدب» ومن أهم مكونات الشعرء إذ يعتبر المجاز أقوى أدوات 
اللغة في الخطاب الأدبي» ويعد وسيلة من وسائل التصوير الفني» ومن وظائفه الكشف عن 
أسرار التشابه الخفية» فالشعرية تتشكل من المجاز الذي هو التركيب اللغوي المفارق للمألوف. 
وتنبني أساسا على تلك التشبيهات الداخلية والصور والرموز والإشارات التي تستقى من الحقل 
المجازي الذي يثري الشعر ويمنح النص صفة الأدبية. 
وقد حظي هذا الموضوع باهتمام النقاد وعلماء اللغة قديما وتكلموا فيه بشكل واسعء» وعبر 
عنه سيبويه بلفظ "الاتساع' [..وقد كان التعبير عن الأساليب المجازية لدى سيبويه بلفظ 
الاتساع...]2»: وهو نوع من التوسع في الأساليبء لأن أساليب الحقيقة لا تفي بأغراض الحديث 
والتواصلء ويفيد الإيجاز والتصوير والإثارة» ويمكن الإشارة إلى أهم أنواع المجاز التي اعتمد 


1 - إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث. ديوان المطبوعات الجامعية؛ الجزائر» ص 214. 
2 محمد بدري عبد الجليل: المجاز وأثره في الدرس اللغوي, دار النهضة العربية بيروت: 1980؛. ص 41ء نقلا عن سيبويه؛ الكتاب» طبعة هارون» 
ج1؛ ص 98. 


- 104 - 


الفصل الثاني 

عليها نقاد الشعريات في بحوثهمء وقد أحصى ابن قتيبة تلك الأنواع وهي [..الاستعارة والتمثيل 
والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإخفاء والإظهار والتعريض والإفصاح والكناية 
والإيضاح ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع والجميع خطاب الواحد والواحد والجميع خطاب 
الإثنين والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم وبلفظ العموم لمعنى الخصوص...]!» والنوع 
الذي كان الأساس لدى أولتك النقاد في مجال الشعرية هو "الاستعارة" وهي عنصر مجازي تفيد 
التصوير والتجسيد والتوسع في الكلام وتضفي على الشعر جمالا وتساعد الشاعر على تصوير 
ما يجول في نفسه وما يضطرب في فكره وشعوره. 

ولا يخوض البحث في حديث لغوي بلاغي عن الاستعارة (مكنية وتصريحية) إلا ما تؤديه 
وتبرزه من وظيفة مجازية [..لأنها وحدها الأداة الفضلى للتجسيد الفني» لأن قوى النفس تتوحد 
فيهاء فينصهر العقل وما يضمه من تجارب وثقافات عبر الانفعال ويظلهما الخيال ويضيء 
لهما في غرفته المظلمة...].7 

إن البحث في الشعرية يفرض - بالضرورة- إبراز دور المجاز في اللغة للتلامس مع هذا 
الموضوع الشفاف [..لذلك فإن التعبير المجازي يعجب لما فيه من تلوين للأفكار وتوليد للصور 
وبعث للإيحاء وما هو ملائم لطبيعة المعاني...]2, والارتباط بين موضوعات البلاغة والشعر 
ارتباط وثيق» فالصناعة الشعرية تستدعي توظيف اللغة بلاغيا لصناعة الشعر [..ويتأسس 
موضوع العلاقة بين البلاغة وفن الشعر على اعتبار أن كليهما من فنون الصناعة الشعرية في 
محال اللعةيى له 

أما تودوروف فإنه قد انتهى في تحليله إلى العلاقة الوطيدة بين المجاز والشعرية [..هنا 
يتساءل تودوروف"700070" سؤالا يعنينا في البلاغة العربية بصفة خاصة حين يقول: هل 
اللغة المجازية هي ذاتها اللغة الشعرية؟ وما العلاقة بينهما؟ وينتهي في تحليله إلى وضع 
العلاقة المجازية مقابل اللغة الأدبية أو الشعرية...].5 


- المرجع السابق نفسه.» ص 45: 46» نقلا عن ابن قتيبة» تأويل مشكل القرآن» ص 215 16. 
- إيليا الحاوي: الرمزية والسيريالية» المرجع السابق نفسه. ص 136. 
- محمد بدري عبد الجليل: المجاز وأثره في الدرس اللغويء المرجع السابق نفسه. ص 50. 
- صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النص,ء المرجع السابق نفسه.» ص 53. 
5 المرجع السابق نفسه, ص 62. 


سم يحم انيرا اكد إن 


- 105 - 


الفصل الثاني 
وقد كشف القدماء ما في المجاز من شعرية وخاصة الاستعارة [..وعليه أصبح المجاز هو 
محور اللغة الشعرية وإخراج الشعر من حالة الوصف التي تشتمل على التشبيه الذي يذكر 
الشيء بأحواله [...] ولقد ارتبطت الاستعارة عند اللغويين القدامى بالمهمة التي كان يقوم بها 
الشعرء وهي إيصال المعرفة إلى الآخر انطلاقا من طبيعة اللغة نفسها...].! 
فالمجاز هو لغة أخرى هو الانزياح والعدول عن الأصل والمألوف الجامدء وهذه الخاصية 
فيه هي من طبيعة الشعرء ويتناسب ذلك مع عبارة لفاليري يرى فيها بأن الشعر هو لغة داخل 
لغة» وهذه الازدواجية في اللغة يؤكدها علم الدلالة الذي يجعل للغة جانبا تصريحيا وآخر إيحائيا 
(مجازيا)» وقد ازدحم شعر السياب بالصور الإيحائية المجازية متأثرا بأساليب القدماء وبالشعر 
الرومانسي» حيث نجده في قصيدة بعنوان 'في السوق القديم" - التي نظمها في قالب حر منذ 
البدايات الأولى للشعر الحر- يجسد فيها حالته النفسية الذاتية وصور الحاضر الثقيل من 
خلال المشاهد المعبرة عن الرتابة والضجرء حالما بالمستقبل الذي يعج بالحركة والحياة 
والمتعة» وقد تأدى الوصف عبر استعارات وتشبيهات مختلفة يقول السياب:- 
[..وتناثر الضوء الضئيل على البضائع كالغبارء 
يرمي الظلال على الظلال؛ كأنها اللحن الرتيب» 
ويريق ألوان المغيب الباردات» على الجدار 
بين الصفوف الرازحات كأنها سحب المغيب. 
الكوب يحلم بالشراب وبالشفاه 
ويد تلونها الظهيرة والسراج أو النجوم. 
ولربما بردت عليه وحشرجت فيه الحياة. 
في ليلة ظلماء باردة الكواكب والرياح؛ 
في مخدع سهر السراج بهء وأطفأه الصباح...].2 
تداخلت في هذا المقطع صور الاستعارة والتشبيه لتنقل حالة من الالتحام النفسي بأشياء 


السوق وأجوائه الرتيبة الخامدة» حتى أصبحت صور تلك الأشياء وتلك الأجواء ألوانا وأحاسيس 


1 مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه» ص 125. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 222 23. 


- 106 - 


الفصل الثاني 
لمعاناة الشاعرء فالضوء الضئيل المتناثر على البضائع يعبر بخفوته وضآلته عن نفسية متعبة 
واهنة» فالصورة الاستعارية في السطر حالة نفسية عبرت عنها تلك الصورة المجازية الاستعارية 
(وتناثر الضوء الضئيل على البضائع) والتشبيهية (كالغبار)» وهي صورة حسية في ظاهرها 
تنقل صورة عميقة لدخيلة الشاعر. 
ويقرن الصورة الحسية المرئية بالصورة السمعية» فالظلال المترامية كأنها اللحن الرتيب: 
ويوظف كذلك صورة استعارية أخرى 'ويريق ألوان المغيب الباردات على الجدار"؛ إحساس 
بالأفول والشعور بقرب الانتهاء 'كأنها سحب المغيب"؛ فالشاعر يراوح بين الاستعارة والتشبيه. 
حتى كأن ما في السوق معادل موضوعي لنفسية الشاعر. 
ثم يبدو إحساس بالرغبة في المستقبل الحي الحالم بالخمرة والعربدة 'والكوب يحلم بالشراب 
وبالشفاه"» فالقهر النفسي والضغط الروحي الواقعي جعله يحلم بشهوة الشراب والجنس 'بالشراب 
وبالشفاه"» ويمضي الشاعر في تكثيف الصور عن طريق الاستعارة والتشبيه والرمزء ويبين 
الجرجاني - برؤية متقدمة- فضل الاستعارة حتى يجعلها تتلاءم مع صور الشعر الجديد [..إن 
شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون» وإن 
شئت لطفت الأوصاف الجثمانية حتى تعود روحانية لا تنالها إلا الظنون...]!» ويقول:- [..وان 
التشبيه من جملة فوائد الاستعارة...].2 
فالسياب في شعره قد وظف صور الاستعارة والتشبيه بقوة وكثافة حتى بلغت أحيانا ثلاثين 
صورة في قصيدة واحدة مثل قصيدة "غريب على الخليج”. 
5-1 التقابل/ تنافر الأضداد: 
إن الشاعر المعاصر لم يعد يهتم بالمتضادات اللفظية والتقابلات الشكلية [..وفي 
هذه الناحية يكمن سر الاختلاف بين أسلوب التقابل والتضاد الذي استخدمه الشاعر المعاصر 
- وهو أحد عناصر المفارقة- وأسلوب المقابلة والتضاد الذي استخدمه الشاعر العربي القديم 
ففي الوقت الذي ركز فيه الشاعر القديم على عنصر الجمع بين الأضداد حسيا في إطار البيت 
الواحد معتمدا على مضمون الدلالة اللغوية للألفاظ يركز الشاعر المعاصر على العناصر 


1 - عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه.» ص 93. نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء. أسرار البلاغة.» ص 137. 
2 - المرجع السابق نفسه. ص 93 نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء. أسرار البلاغة» ص 126. 
 *‏ الديوان السابق نفسه.» ص 317. 


- 107 - 


الفصل الثاني 
الشعورية والنفسية ليعبر عن الصراع والاضطراب الذي يغزو المجتمع المعاصر...].! وصار 
التقابل بين مقطع وآخر وفقرة وأخرى لتوليد النظرة المعمقة واكتناه الرؤية الأبعد المنقدحة من 
تلك المفارقة الناجمة عن التقابل وتنافر الأضدادء وبهذه الوسيلة الفنية ينقل الشاعر القارئ إلى 
أجواء خارقة ورهيبة من التصورات النفسية والفنية» فالشاعر الذي عانى الانتصار والانكسارء 
وعاش الظلمة والنور» والأمل والخيبة» يستطيع أن يبدع في تلك التقابلات الضدية التي تحقق 
ألوانا من الشعرية» إن انكسارات الواقع والهزات المؤلمة في الحياة تتجلى في انكسارات اللغة: 
وربما كان أبو تمام أول من ركز على صور التقابل والتضاد وخاصة في قصيدته "فتح 
عمورفة 2 
ومن صور التقابل في ديوان بدر شاكر السياب ما جاء في قصيدة 'في السوق القديم" 
يقول:- 
[..أنا من تريد وسوف تبقى لا ثواء ولا رحيل: 
حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل» 


لا يأس فيه ولا رجاء. 


أنا أيها النائي القريب. 
لك أنت وحدك؛ غير أني لن أكون...].3 
فهذه التقابلات تحمل مشكل الصراع والتناقض في الحياة» تحمل التردد والتذبذب (لا ثواء 
ولا رحيل» حب إذا أعطى يبخل بالقليل؛ لا يأس فيه ولا رجاء)» كما توحي بفكرة الانفصال عن 
الآخرء وتعبر عن جانب روحي يتمخض قلقا وضيقا. 
ومن قصيدة أخرى بعنوان "من رؤيا فوكاي" (وهو كاتب في البعثة اليسوعية في 
هيروشيماء جن من هول ما شاهده غداة ضربت بالقنبلة الذرية)”» يقول السياب:- 
[..فازحف على الأربع...فالحضيض والعلاء 


1 - مصطفى السعدني: البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديثء. منشأة المعارفء الإسكندرية» 1987» ص 213. 
2 شاهين عطية: شرح ديوان أبي تمامء دار الكتب العلمية» بيروت؛ ط3» 2003؛ ص 18. 

3 الديوان السابق نفسه. ص 27. 

.355 الديوان السابق نفسه.» ص‎  * 


- 108 - 


الفصل الثاني 
سيان والحياة كالفناء! 
سيان "جنكيز”" و"كونغاي" 
هابيل قابيل» وبابل كشنغهاي...].! 
فالشاعر المعاصر يحمل هاجس العدم والوجودء والفناء والبقاء» لذلك فهو يعبر بالإشارة 
عن طريق الصور المتناقضة كما أنه يهدف إلى إحداث المباغتة والمفاجأة من أجل المتعة 
والإثارة والدهشة [..إن الشاعر المعاصر يهتم بتصوير الكون من خلال نظرته للحياة» ولذلك 
ابتعد عن صنع القوالب الجاهزة» فكان التناقض وسيلة من وسائله التكنيكية» وأساليبه الديناميكية 
في بناء القصيدة المعاصرة...].2 
ومن فنيات التقابل والتضاد قول السياب في قصيدة "أنشودة المطر":- 
[..والموت» والميلاد» والظلام» والضياء؛ 
فتستفيق ملء روحيء رعشة البكاء 
و نشوة وحشية تعانق السماء 
كنشوة الطفل» إذا خاف من القمر!...].3 
فالشاعر خائف واجف يأمل في الحياة وقد سبقت صورة الموت صورة الحياة» وسبق 
الظلام الضياءء لذلك كان أقرب لليأس منه إلى الأمل» وإن القصيدة بما اشتملت عليه من 
تقابلات متضادة تعكس اختلالات الواقع» وقارئ القصيدة يدرك بأن التناقض هنا ليس بين 
الكلمات وانما بين لوحتين متقابلتين متناظرتين تشكلان صورة مزدوجة للتناقض النفسي لدى 
الشاعرء ولولا تلك التعابير التي تقابلت لما اقترب القارئ من فهم نفسية الشاعر من خلال 
النص [..ومن ثمة تكون الأضداد ظاهرة رائعة في اللغة» هي تحل مسائلء بها نفهم النص» 
وندرك مراميه...].4 
إن المواقف المتضادة قد لا ينتج عنها أي نوع من الشعرية بينما يحدث التقابل نوعا من 
التفاعل فالتضاد (لفظ مقابل لفظ) هو رفض طرف لطرف فحسبء أما التقابل فيكشف عن 
دلالات ثرية [..فمع التقابل يمكن أن يحدث تفاعل وامتزاج [...] أما المواقف المتضادة فمن 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 358. 

2 - إيمان "محمد أمين": بدر شاكر السيابء» المرجع السابق نفسه» ص 316. 
3 الديوان السابق نفسه.» ص 475. 

4 محمد بدري عبد الجليل: المرجع السابق نفسه. ص 209. 


- 109 - 


الفصل الثاني 
النادر أن تكون مواقف شعرية صالحة للنمو وذلك لما يتضح للمتأمل من أن جذور الموقفين 
المتقابلين» 'واحدة في العمق» على حين أن التضاد ترفض فيه العناصر بعضها بعضا كما 
يرفض الجسد الأعضاء الغريبة عنه"...].! 
2/ الأسس الفنية للتركيب الشعري في قصائد بدر شاكر السياب: 


1-2 الصورة الشعرية: 
إن التحول الشعري المتمثل في ظهور الشعر الحر أدى إلى تغيير يكاد يكون جذريا 

في بناء الصورة الشعرية حيث كان عمود الشعر أساس الصورة الشعرية التقليدية باعتماد 
الاستعارة والتشبيه والتمثيل التي هي عناصر تكون الصورة الشعرية في التراث العربي. [..أدى 
الانقلاب الجذري في نظرية الشعر إلى انقلاب مثله في الصورة الفنية ابتعدت به عن وضعها 
التقليدى...].2 

ويمكن الإشارة إلى أن عبد القاهر الجرجاني قد تنبه إلى أهمية الصورة الفنية فقال:- 
[..قد أجمع الجميع على أن الكتابة أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع من التصريح وأن 
للاستعارة مزية وفضلا وأن المجاز أبدا أبلغ من الحقيقة...].3 

إن الصورة الشعرية يتداخل ويتفاعل فيها الوجود النفسي وعالم الكائنات بمعنى أن التفاعل 
يكون بين الفكرة والرؤية الحسية (العالم الخارجي) والشعور والذات واللغة وجودة الصياغة 
والسبك الشعري والتجربة والزمن حاضرا وماضيا والموقف والسياقء والمفهوم الشامل الذي 
استقر عليه النقد العربي للصورة الشعرية [..هو التفاعل المتبادل بين الفكرة والرؤية والحواس 
الإنسانية الأخرى» من خلال قدرة الشاعر في التعبير عن ذلك التفاعل بلغة شعرية مستندة إلى 
طاقة اللغة الانفعالية بمجازاتها واستعاراتها وتشبيهاتها في خلق الاستجابة والإحساس بذلك 
التفاعل عند المتلقي سواء أكانت الاستجابة حسية أم معنوية تجريدية» فإذا أضفنا إلى هذا 
التحديد الدلالة التراثية النقدية العربية في التوكيد على عنصري: الصياغة وجودة السبك في 


1 - مصطفى السعدني: البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث. المرجع السابق نفسه» ص 227»: 228» نقلا عن محمود الربيعيء لغة الشعر 
المعاصرء دراسة؛ مجلة فصولء ع4 مج1.» ص 71. 

2 - نعيم اليافي: تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث. منشورات اتحاد الكتاب العرب (د ت)» ص 261. 

3 عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه. ص 91. نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء دلائل الإعجازء مطبعة الفجالة الجديدة, القاهرة 21977 

ص 114. 


- 110 - 


الفصل الثاني 
تحقيق الحس الصوري أو التصويري للغة الشعرية في القصيدة يستقر مصطلح الصورة عندنا - 
في هذه الدراسة- ليعني التأثير الذي يخلقه في نفوسنا التفاعل الفني بين الفكرة والرؤية الحسية 
عن طريق جودة الصوغ والسبك بلغة شعرية انفعالية صافية بعيدة عن التجريد المستغلق 
والخطابية المباشرة...]!» وبذلك فإن الصورة الأجمل هي التي تترك لدى المتلقي انطباعا قويا 
[..تمتاز الصورة الشعرية الناجحة من غيرها بكونها تعطي للقارئ انطباعا قوياء كأنه لا يقرأ 
قصيدة وإنما نكناهة لويعة لها:.. ]2 
وتشكل الصورة الشعرية الجزئية في مجموعها الصور الشعرية الكلية للنص حيث تتحد 
تلك الصور وتمثل رؤيا عامة وتستبين في كامل النصء تختلط فيها الحواس بالأصوات والألوان 
والعطور وغيرها للتعبير عن رؤيا في إطار صورة شعرية تتفاعل فيها كل الموجودات مع مخيلة 
الشاعر وذاتيته ومطلع قصيدة "أنشودة المطر" لبدر شاكر السياب يوضح ذلك التفاعل والتداخل 
والاندماج بين المرئي واللامرئي:- 
[عيناك غابتا نخيل ساعة السحر 
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر 
عيناك حين تبسمان تورق الكروم 
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر 
يرجه المجذاف وهنا ساعة السحر 
كأنما تنبض في غوريهما النجوم...].3 
يتجلى في هذا المقطع الشعري التداخل بين الذات الشاعرة والخارج الحسي فعيون الحبيبة 
مائلة في صورة الوطن الذي يتماوج في مخيلة الشاعر ومشاعره في مشهد غابات النخيل 
ويندمج الزمن بالصورة حيث السحر وانسحاب القمر الذي راح ينأى رويدا رويدا ليشكل بعدا 
نفسيا آخرء تتلاقى الأضواء والابتسامات مع خيط الفجر وسنا النجوم على مياه النهر المرتج 
وتحمل هذه الصورة وراءها حركة للانبعاث الذي تبدو ملامحه من خلال التناسق اللغوي الذي 
يشي بصورة التجدد والميلاد. 


1 إيمان "محمد أمين" خضر الكيلاني: المرجع السابق نفسه.» ص 16.» نقلا عن الغزوان عنادء الصورة في القصيدة العراقية الحديثة: مجلة الأقلام» 
7 العددان 11: 12»: بغداد. ص 85. 

2 - محمد مصايف: النقد الأدبي الحديث في المغرب العربيء. المؤسسة الوطنية للكتاب» الجزائر» ط2» 1984» ص 332. 

3 الديوان السابق نفسه.» ص 474. 


-111- 


الفصل الثاني 
وما دامت الكلمة هي وسيلة الشاعر لنقل الصورة والأحاسيس وهي محدودة الدلالة فإن 
الشاعر يلجأ إلى استعمالها مجازيا من خلال الرمز والتشابيه والاستعارة والتأمل في الصورة 
الشعرية التي يرسمها المقطع السابق يؤكد انتماءها إلى العالم الداخلي للشاعر أكثر من انتمائها 
إلى العالم الخارجي [..وعلى هذا الأساس فإن الصورة في الفن - وإن وجد لها أصل في 
الطبيعة- إلا أنها لا تنتمي في جوهرها إلى العالم الخارجي بقدر انتمائها إلى العالم الداخلي 
للذات المبدعة ومن ثمة لا يمكن أن نلتمس لها تفسيرا خارج ذات الفنان وأغوارها النفسية 
والشعوزنة ]1 
فالصورة الشعرية تمثل اتحاد الذات بالعالم» تمثل تلامس الكائنات المرئية بالأشياء الخفية 
الغامضة فتولد الصورة الإبداعية مرصودة بالغرابة والسحر [..بيد أن فاعلية الكشف في التجربة 
الشعرية الحداثية هي فاعلية كشف وإيجاد للذات أولاء وللعالم موضوع تجربتها الاندماجية 
التجاوزية ثانياء وبهذه الكيفية يقع الاتحاد والتوحد بين الذات والعالم فتتحول الذات إلى صورة 
من صور العالم المجهولء العالم اللامرئيء وهذا يعني أن الذات الشاعرة تمارس فعلها الشعري 
الكتابي داخل دائرة المجهول لتحول ذلك المجهول إلى معلوم جديدء يمثل بالنسبة إليها على 
الأقل حلقة اكتشاف جديد...].2 
وعلى الرغم من المنحى الذي اتخذه الشعر الحديث في بعده عن صور المجاز المباشرة 
التي تستخدم الصورة المجازية في الإبلاغ وسيلة إلى المجرد إلا أن السياب قد نقل الصورة إلى 
أبعاد جديدة مختلفة» لتكون أساسا للتركيب الشعري الحداثي [..أخذت الصورة في الشعر 
الحديث دورا رئيسيا في بناء القصيدة حتى صارت أحد أسس التركيب الشعري وانتقلت من 
كونها طرفا من أطراف التشبيه يقصد منها إيضاح المعنى وتأكيده في الذهن إلى أن أصبحت 
هي نفسها حالة شعرية تنبع من أعماقها المعاني الموحاة من الشاعر والمتخيلة من القارئ...].3 
وربما كانت الصورة الشعرية لدى الشاعر هي الطيف المكثف الذي يحمل سمات الشعرية 
وقد لا يستطيع الدارس للشعرية أن يصفها أو يحللها ما لم يرتكز على تفحص جسد الصورة 
وادراك مكوناتها. 


2 بشير تاوريريت: المرجع السيابق نفسه» 164. 
3 عبد الله محمد الغذامي: تشريح النص, المركز الثقافي العربي. المغرب. ط1[ء ٠2006‏ ص 147» 148. 


-112- 


الفصل الثاني 
والصورة الشعرية عند السياب إما مستوحاة من التراث أو مبتكرة جديدة» ومعظم صور 
الشاعر في الديوان تقوم على التشبيه والاستعارة إلا أن التحول في شعره ابتداء من ديوان 
'أنشودة المطر" جعل الصور أكثر إبداعا من حيث الشمولية والاتساع والتنوع والعمق وسوف 
تتضح درجة تطور الصورة الشعرية لديه من خلال دراسة الصور في الجانب التطبيقي لهذا 
اليكةه 
2-2 الأسطورة 1(:11:6/: 
إن الشاعر حين يوظف الأسطورة لا يهدف إلى إعادتها كما هي بل ينطلق منها 
من أجل التعبير عن حالة واقعة يتجاوز معانيها ويستنطقها. 
فالشاعر وهو يستعمل الأسطورة يضيف من خلالها أبعادا جديدة ترتبط بالتجربة التي 
يعيشها أو يريد التعبير عنهاء ويفتح الرمز الأسطوري للشاعر آفاقا ودلالات شعرية مكثفة: 
والأسطورة في التراث يلجأ إليها الإنسان القديم حين يعجز عن تفسير ظواهر الكون أو إضفاء 
الطقوس الملائمة على الشعائر الدينية» ومع ذلك فإن الشاعر الحديث قد تنبه إلى توظيفها 
كأداة فنية مهمة فتحت مجالات أوسع للشعرية الحداثية وربما يكون إليوت في قصيدة "الأرض 
الخراب" أول من استعمل الأسطورة حتى الشرقية منهاء وتأثتر به معظم الشعراء العرب في 
قصائدهم الحداثية وربما كان السياب أول من وظفها في شعره؛ ويعود السبب في ذلك إلى 
الظروف السياسية السائدة آنذاك حيث استخدمها كستار لأغراضه في مهاجمة النظام بالإضافة 
إلى أنه استعملها من أجل إثراء شعره فهو نفسه يقول في رسالة إلى سهيل إدريس [..أما الرموز 
البابلية فاستعمالي لها لم يكن إلا لما فيها من غنى ومدلول [...] بل لأن العرب أنفسهم تبنوا 
هذه الرموزء وقد عرفت الكعبة بين إبراهيم الخليل وبين ظهور النبي العربي العظيم جميع الآلهة 
البابلية» فالعزى هي عشتار واللاة هي اللاتو؛ ومناة هي منات» وودهو تموز أو (أدون - 
السيد) كما كان يسمى أحيانا [...] فليس شرطا أن نستعمل الرموز والأساطير التي تربطنا بها 
رابطة من المحيط أو التاريخ أو الدين دون الرموز أو الأساطير التي لا تربطنا بها إحدى هذه 


-113- 


الفصل الثاني 

الوشائج» ومن يرجع إلى قصيدة إليوت الرائعة "الأرض الخراب" يجد أنه استعمل الأساطير 
الوثنية الشرقية للتعبير عن الأفكار المسيحية وعن قيم حضارية غربية...].! 

ويرى بدر شاكر السياب أن الشاعر قد عاد إلى الأساطير إلى الخرافات لكي تكون رموزا 
لبناء عالم يتحدى به منطق المادة» وثراء المخزون التراثي يعين على التعمق في الحاضر 
[..إن استخدام السياب للأسطورة على سبيل المثال يمثل -رغم بعض جوانب القصور فيه- 
محاولة من أبرز المحاولات في تاريخ الشعر العربي» إنه جزء من وعي السياب للماضي 
والالتفات إلى ما فيه من ثراء أسطوري يعين على فهم العصر والتعبير عنه تعبيرا يستند إلى ما 
يمكن تسميته برؤيا أسطورية يحاول بمثابرة واضحة أن يبلورها ويعمق ملامحها...].7 

إن بدر شاكر السياب في بداية مرحلة استعماله للأسطورة كان قد تعرف على الأسطورة 
من خلال ترجمة لجبرا إبراهيم جبرا لفصلين من كتاب "الغصن الذهبي" تأليف جيمس فريزرء 
حيث أعجب بها واستمالته أسطورة أدونيس أو تموز (إله الخصب والحياة) ولم يترسم السياب 
خطى إليوت في توظيف الأسطورة فهناك فارق واسع بين البعد الرمزي للأسطورة في شعر 
السياب والبعد الرمزي في شعر إليوت [..وما يلفت النظر أن "الرمز التموزي" كان قد استعمله 
الشاعر ت. س. إليوت وأكثر منه في قصيدته (الأرض الخراب) وإذ يعترف السياب بهذه 
المسألة إلا أنه لا يعتبر أنه قد ترسم خطوات إليوت في رمزه التموزي [...] ذلك أن الرمز لا 
يسرق أو يقتبس بل أن روحه تنمو في لا وعي الشاعر...].3 

وقد أدرك السياب أهمية الأسطورة فراح يستقي من التراث ومن غير التراث العربي 
الأساطير لفتح فضاءات شعرية أخرى لم يعهدها الشعر العربي من قبلء ولا شك أن العلاقة 
بين الأسطورة والواقع ليست علاقة واضحة منطقية وانما يتجلى التجاوب بينهما من خلال 
السياق الشعري [..إن الأسطورة أقرب إلى أن تكون جمعا بين طائفة من الرموز المتجاوبة 
يجسم فيها الإنسان وجهة نظر شاملة في الحقيقة الواقعة» وهذا التجاوب بين رموز الأسطورة لا 


1 ماجد السمرائي: رسائل السيابء المؤسسة العربية للدراسات والنشرء بيروت. ط2: 1994,» ص 2132 133. 

2 - إيمان" محمد أمين" خضر الكيلاني: المرجع السابق نفسه» ص 129., نقلا عن علي جعفر العلاق؛ إعداد حاتم الصكرء السياب بعد اثنين وعشرين 
عاماء سؤال قراءة» ص 113. 

3 - حيدر توفيق بيضون: المرجع السابق نفسهء ص 2:80 81. 


- 114 - 


الفصل الثاني 

يمثل علاقات واضحة ومنطقية بينها وانما هي في الغالب علاقات 'جدلية"» ومن ثم تعود رموز 
الأسطورة لكي تخضع في الشعر لمنطق السياق الشعري...].! 

إن توظيف بدر شاكر السياب للأسطورة لم يكن تقليدا بل كان عن وعي تام بما يؤديه 
هذا العنصر الهام الذي وسع دائرة الشعر ومنحه بسطة في الأفق ولونا آخر من ألوان الشعرية: 
حيث أصبح الشاعر المعاصر في حاجة ماسة إلى أدوات جديدة» يقول بدر شاكر السياب:- 
[..لم تكن الحاجة إلى الرمز إلى الأسطورة أمس مما هي اليوم فنحن نعيش في عالم لا شعر 
فيه أعني أن القيم التي تسوده قيم لا شعرية والكلمة فيه للمادة لا للروح» وراحت الأشياء التي 
كان في وسع الشاعر أن يقولها أن يحولها إلى جزء من نفسه» تتحطم واحدا فواحدا وتنسحب 
إلى هامش الحياة» إذن فالتعبير المباشر عن اللاشعور لن يكون شعراء فماذا يفعل الشاعر 
إذن؟ عاد إلى الأساطير إلى الخرافات التي ما تزال تحتفظ بحرارتها؛ لأنها ليست جزءا من هذا 
العالم» عاد إليها ليستعملها رموزاء وليبني منها عوالم يتحدى بها منطق الذهب والحديدء كما أنه 
راح من وجهة أخرى يخلق له أساطير جديدة وان كانت محاولاته في خلق هذا النوع من 
الأساطير قليلة حتى الآن...].2 

إذن فبدر شاكر السياب لجأ إلى الأسطورة في شعره لضرورة ملحة فرضها الواقع 
المتدهور والقارئ المتأمل لمقولته التالية يدرك أنه لم يقحم الأسطورة في شعره بل كانت 
الأسطورة ثالثة الأثافي التي يتطلبها شعرهء يقول:- [..إن واقعنا لا شعري ولا يمكن التعبير عنه 
باللاشعر أيضا إن الأسطورة الآن ملجأ دافئ للشاعرء وإن نبعها لم ينضب ولم يستهلك بعد 
ولهذا تراني ألجأ إليها في شعري كثيرا...].3 

كان بدر شاكر السياب مكثرا في استعماله للأسطورة ولا ضير في ذلك إلا أنه أحيانا 
يوردها في قصائده وتبقى معزولة عن السياق لا تؤدي إلا معناها الأصيل المباشر [..لم 
يستعمل شاعر عربي الأسطورة والرمز كما استعملهما بدرء ولقد أكثر منهما حتى أصبح من 
النادر أن تخلو قصيدة من قصائده من رمز أو أسطورة» وكادت الأسطورة أحيانا أن تصبح 


1 عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه, ص ١»201‏ 202. 
2 - إيمان "محمد أمين" خضر الكيلاني: المرجع السابق نفسه. ص 130. نقلا عن مجلة شعرء بيروت. العدد الثالث. 1957؛: ص 112. 
3 المرجع السابق نفسه. ص 130.» نقلا عن العبطة محمود. بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة؛ مطبعة المعارفء بغداد. ص 2:86 87. 


- 115 - 


الفصل الثاني 
جزءا من القصيدة كما حدث في قصيدة 'مدينة بلا مطر" بينما تظل في أحيان أخرى مجرد 
كلمة من كلماتها غريبة ومعزولة لا يبررها إلا الهامش الذي يوضع لتفسيرها...].! 
3-2 الرمز الشعري: 
يعد الرمز من أبرز الظواهر الفنية في الشعر الحديث, فقد أكثر الشعراء من 
استعماله لإثراء تجاربهم ووظفوا الرمز في أشكاله المختلفة (الرمز الابتكاري» الرمز التراثي الذي 
يتفرع عنه: الرمز الأسطوريء الرمز الديني» الرمز التاريخيء الرمز الشعبي). 
وقد أثرى الشعر بهذه الرموز من الجوانب الدلالية والشعرية وساخ في أبعاد فنية وحياتية 
جديدة عميقة» وقد وجدوا فيه معينا لا ينضب من الإيحاءات الدلالية والفنية» والشاعر الحداثي 
حين هرب من التقرير المباشر لجأ إلى الرمز لفتح فضاءات أمام العواطف والأفكارء والتعامل 
مع الرمز بأشكاله المختلفة لا يعني مجرد الابتكار الفني إنما الدلالة عن وعي شامل بالذات أو 
بالنفس أو بالحضارة» والرمز يختلف عن الصورة ويشبهها في نفس الآن [..وليس الرمز إلا 
وجها مقنعا من وجوه التعبير بالصورة...].7 
وقد استعمل الشعراء العرب الرمز في صورة "المعادل الموضوعي" وذلك حين اطلعوا على 
قصائد إليوت (الذي وضع المصطلح) والسياب خاصة كان له تأثر شديد بهذا الشاعر الغربي 
المجدد [..فإلى أي مدى تأثر السياب بالشعر الغربي؟ يبدو أن الشاعر ت.س.إليوت هو أكثر 
الشعراء الغربيين طال تأثيرهم قصائد السياب...]3, والسياب نفسه يعترف بعلاقته بالشاعر 
إليوت وايديث [..تعرفت في السنوات القليلة الماضية إلى شاعرين عظيمين هما: ت.س.إليوت 
وايديث سيتويل...]*. 
وعند الحديث عن هذا العنصر الهام في الشعر العربي الحديث ينبغي الإشارة إلى 
المصدر المباشر الذي استقى منه الشعراء العرب الرواد في الشعر الحر [..أظن أن كل من له 
مشاركة بسيطة في الإطلاع على النظريات الحديثة في الأدب والفنون عند الغربيين -ولا 
سيما الإنجليز- يعتقد أن هذا الشعر إن هو إلا ثمرة الإطلاع على هذه النظريات وتثققف 


- الديوان السابق نفسه. ص ج ج ج. 

- عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه» ص 195. 

- فريد سعدون: الصورة الشعرية عند بدر شاكر السياب» رسالة ماجستيرء مكتبة الأسد.ء دمشق. 1996, التصنيف: 811.9563009: ص 222. 
- محمد العبطة المحامي: بدر شاكر السياب؛ دراسة في حياته وشعره. مطبعة المعارفء بغداد.» 1965» ص 83. 


- 116 - 


اسم يحم برا اكلقل 


الفصل الثاني 

أصحابه بها ونتيجة لإقبالهم على إليوتء وايديث سيتويل» وايمي لوول [...] وغيرهم من زعماء 
مدرسة الشعر التصويري...].! 

استعمل بدر شاكر السياب الرموز بأضربها المختلفة غير أن رموزا معينة تظل تتردد في 
قصائده [..ولسوف تبقى عشتار وأدونيس فضلا عن النخيل والبعل والمسيح وتموز وما إلى 
ذلك كالإيقاع الدائم الذي يتردد في قاع شعره...].7 

وقد استعمل بدر شاكر السياب "الرمز الابتكاري" وهو الرمز الذي يوظفه الشاعر على 
غير مثال سابق بل يبتكره ويبتدعه من تجربته الخاصة» ويشيع هذا النوع في القصائد الحرة 
بشكل واسع ومن الملاحظة الإحصائية يمكن تصنيفه إلى نوعين [..نوع يرتبط بعناصر طبيعية 
كالمطر والبحر والنجم والناي والريح» وفارس النحاسء ونوع يرتبط بالأماكن ذات المدلول 
الشعوري الخاص كدنشوايء؛ وجيكور وبويب والبصارة وبورسعيد» وأوراس وما أشبه...].3 

ولا يمكن فصل الرمز عن السياقء فالشاعر لا يتمكن من ابتكار الرمز الموحي إلا إذا 
وضعه في سياق يشبه إلى حد ما القرينة في المجاز المرسل أو التشابه في الاستعارة 
التصريحية [..ويوصف الرمز بأنه ابن السياق وأبوه [...] وليست له أية دلالة رامزة بمفرده 
ويتحول الرمز إلى استعارة في الوقت الذي يستقل فيه عن سياقه...].4 

قد لا يستطيع الشاعر أن يعبر عن بعض الطقوس الشعرية إلا باستعمال الرمز حين 
يصل إلى حدود الكشف والاستبطان ويوغل في الكثافة والغموض واللاتحدد إذ تعجز اللغة 
العادية عن الدلالة والإيحاء [..الشعر تجربة ذات طبيعة خاصة, تجنح نحو الإيغال 
والاستبطان والكشف والشمولية والمغايرة واللاتحدد والانفعالية والكثافة والغموض والتعقيد والتعدد 
واللاوقعية لكن كيف يمكن التعبير بالمحدد عن اللامحددء بالواضح عن الغامضء بالبسيط عن 
المعقد؟ إن اللغة العادية بقواعدها العقلانية الصارمة» تعجز عن ذلك فيكون من الضروري إذن 


اختيار أسلوب خيالي غير مباشرء يتخطى اللغة المعيارية ويخترق قواعدها الثابتة» بحيث 


- أحمد أبو سعد: الشعر والشعراء في العراق (1958-1900). دار المعارف. بيروت. 1995: ص 22. 
- إيليا الحاوي: المرجع السابق نفسه.ء ص 181. 
- عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه» ص 218. 
- إيمان "محمد أمين" خضر الكيلاني: المرجع السابق نفسه.» ص 83: 84. 


- 117 - 


اسم يحم برا احلقل 


الفصل الثاني 
يمكنه صياغة هذه الدلالات الشعرية في تعقدهاء وشموليتهاء وندعو هذا الأسلوب الخيالي 
الجمالي الخاص باللغة الرمزية"...].! 
وشعر بدر شاكر السياب يزخر بالرموز المشاعة فضلا عن الرموز المبتكرة [..وفضلا 
عن ذلك فقد ابتدع السياب لذاته رموزا واشتقها اشتقاقاء لم تكن تعرف من قبل في الشعر ولم 
تؤثر لها قيمة من هذا القبيل» وأهم تلك الرموز المبتدعة ببدع من الشاعر هما رمزا جيكور 
وبويب ولعلهما رمز واحد في شكلين متباينين...].7 
يقول بدر شاكر السياب في قصيدة 'تموز جيكور":- 
[هيهات. أتولد جيكور 
إلا من خضة ميلادي؟ 
هيهات. أينبثق النور 
ودمائي تظلم فيج الوادي؟ 
أيسقسق فيها عصفور 


ولساني كومة أعواد؟......]. 3 


ويقول في قصيدة "النهر والموت":- 
[..'بويب... يا بويب!". 
فيدلهم في دمي حنين 
إليك يا بويب» 
يا نهري الحزين كالمطر...]. 4 
فالقارئ يستنتج بوضوح مدى انطباق الرمزين وكأنهما رمز واحد. 


4-2 شعرية التناص 171161:161:11:01116: 


5 إبراهيم رماني: المرجع السابق نفسه. ص 273. 
- إيليا الحاوي: بدر شاكر السياب,. دار الكتاب اللبناني» ج4: (د ط)» (د ت)ء ص 40»: 41. 
- الديوان السابق نفسه» ص 412» 413. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 453. 


انم يحم برا حل 


-115 - 


الفصل الثاني 
أولى النقاد القدماء والمحدثون مسألة التناص عناية كبيرة» كما فعل الآمدي في 
"الموازنة بين الطائيين" أو الوساطة بين شاعر وخصومه:؛ كما فعل القاضي الجرجاني أو إثبات 
السرقات الشعرية» سرقات البحتري من أبي تمام» سرقات أبي نواس» سرقات المثنبي. 
والتتاص مصطلح نقدي حديث يعني التفاعلات النصية أو امتزاج النصوص بعضها 
ببعض أو التداخل النصي أو هجرة النصء وقد أحس الشعراء منذ القدم بسلطة النصوص 
الغائبة على النص الشخصي الحاضر [..فطنت الشعرية العربية القديمة كما فطن غيرها لعلاقة 
النص بغيره من النصوص بل إن الشعراء العرب القدماء منذ الجاهلية أحسوا بسلطة النصوص 
الأخرى على النص الشخصيء هذا عنترة يقول في مفتتح معلقته :"هل غادر الشعراء من 
متردم' ليبرز من بين ما يبتغي إبرازه سلطة طقس البداية التي أصبحت علامة على الدخول في 
النص الشعري فكأن القصيدة الجاهلية الطويلة منها بخاصة لا يعترف بشاعريتها إن هي لم 
تكن خضوعة لتقاليد البداية المتبعة في القصائد الأخرى هذه هي القراءة الأولية لعلاقة 
النصوص ببعضها وللتداخل النصي بينها...].! 
ومن أهداف القدماء في العناية بالموازنات والسرقات الأدبية والتداخلات النصية الدفاع 
عق الفذماء أن .عن المهد. 
أما النقاد المحدثون فقد تناولوا هذا المصطلح بالدراسة والتطبيق على أعمال أدبية كثيرة 
وبحثوا في شعرية التناص مثل شلوفسكيء ومخائيل باختين» وميخائيل ريفاتير» وجيرار جونيت» 
وتودوروف» حتى دوسوسير من قبل قد تبين له من خلال بحوثه أن سطح النص تحركه 
وتتحكم فيه نصوص أخرىء ووجد معنى التناص عنده حين استخدم مصطلح "التمصحف”» أما 
جاكبسون فإنه لم يتعرض للتناص في دراسته للشعرية» وكان شلوفسكي أول من وظف 
المصطلح وهو من المدرسة الروسية الشكلانية ثم تناوله باختين وجوليا كريستيفا وصار يشكل 
نظرية مهمة في النص الادض: 
وكل هؤلاء النقاد رأوا بأن التناص عنصر أساسي للنص مثله مثل الخطابات اليومية 
المتداخلة. 


1 - محمد بنيس: المرجع السابق نفسه. ص 182. 


- 119 - 


الفصل الثاني 

غير أن التناص ينبغي أن يتجاوز المفهوم القديم المتمثل في عملية التأثير والتأثر [..ومن 
ثم فإنه لا ينبغي أن نفهم التناص ذلك الفهم التقليدي الذي لا يتعدى بعده ما يسمى بالتأثير 
والتأثرء بل من الأولى أن نفهم التناص على أنه عملية تحويل فضاء دلالي قديم إلى فضاءات 
دلالية جديدة لا منتهية» وأن نفهم التناص على أنه ضرب مشروع وطبيعي من الملفوظات 
لخلق انتاجات دلالية وبعبارة شاملة علينا أن نفهم التناص على أنه توليد لجملة من التناصات 
اللامتناهية من الجمل بالنسبة للغة...].! 

ويتمظهر التناص في الاستشهاد (ويكون صريحا) وفي النص الموازي (تشابه العناوين 
الأصلية والفرعية)» ويتمثل أيضا في المقدمة والتمهيد وفي الوصف وغير ذلك من جوانب 
التجلي في النصوص. 

أما جوليا كريستيفا وهي (سيميائية لسانية) فإن النص لديها ينقسم إلى:- 
1- نص ظاهري 27670161: وهو النص الذي تختص البنيوية بدراسته» وهو منجز ومنته. 
2- النص التوالدي 66701616: وهو النص الذي يحلل بصورة أعمق مما تقوم به البنيوية لأن 
التوالدية تدرس الإشارات والعلامات ولا يكون النص فيها بناء مقفلا ومنجزا كما هو عند 
البنيويين [..إنما هو عدسة مقعرة لمعان ودلالات متغايرة ومتباينة معقدة...].2 

ولا يمكن الإحاطة بالنصوص الغائبة لأنها لا نهائية والنتصوص الغائبة تدخل ضمن 
التداخل النصي أو التناص. 

وان قصة أبي نواس مع خلف الأحمر معروفة وذلك لما استأذنه في قول الشعر فلم يأذن 
له إلا بعد أن يحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة» وقد عاد إليه بعد مدة 
فأنشدها ثم سأله أن يأذن له. فطلب منه أن ينساها وكأنه لم يحفظهاء وأخيرا قال له: أنظم 
الشعر. 

وهذه القصة -كما وردت في التراث- تبين مدى الفهم العميق لماهية تشكل النص. وقد 
يكون النص "الأثر" وهو النص الأصلي متجليا بشكل واضح في النص الصدى وهو النص 
الثاني الذي ارتكز على الأول وقد يكون هذا الارتكاز قصديا أو عفويا. 


1 - عبد الجليل مرتاض: اللغة والتواصل اقترابات لسانية للتواصلين الشفهي والكتابي؛ دار هومة للطباعة والنشرء الجزائر» ص 163. 
2 - رابح بوحوش: المرجع السابق نفسهء ص 102. 


- 120 - 


الفصل الثاني 

ويحاول الشاعر دائما أن يتخلص من أصداء الآخرين في شعره؛ ولكنه لن يستطيع مهما 
أجهد نفسه. ولا يعد ذلك التفاعل الإنساني الذي يعتري صميم النصوص عيبا بل أمرا يفرض 
نفسه حيث تثرى التجارب بذلك التفاعل ومهما تغنى الشاعر بقصائده بصورة انفرادية إلا أنه 
يبقى مشدودا وغير منفصل عن التجارب السابقة له» [..إن النص لعالم مهول من العلاقات 
المتشابكة يلتفي فيه الزمن بكل أبعاده حيث يتأسس في رحم الماضي وينبثق في الحاضر 
ويؤهل نفسه كإمكانية مستقبلية للتداخل مع نصوص آتية...].! 

وترى جوليا كريستيفا أن النص عبارة عن لوحة فسيفسائتية من الاقتباسات وأن كل نص 
يتشرب نصوصا أخرى. 

كنا أن لين مرى أ النصن لسن ذاخا مسققلة أو ماذة موحدة لكنه سليئلة مق العلاقات 
مع نصوص أخرى. 

والنص الشعري أفق غير محدود يجتذب إليه كل الرؤى عبر الأزمنة المختلفة فيتشكل من 
خلاله مورد ثر تتلاقى فيه كل موارد الفكر والفن. 

أما النقاد العرب فقد تداولوا هذا المصطلح واستخدموه في كتاباتهم ودراساتهم التطبيقية 
على النصوص من أمثال عبد الله محمد الغذامي ومحمد بنيس ومحمد مفتاح وغيرهم. 

والمتأمل في النصوص الشعرية لاستجلاء فضاءات الشعرية يجدها قد تشكلت من 
انزياحات نصية سابقة أو حاضرة ويجد [..أن النص الشعري عالم متفتح يتأبى الانغلاق على 
نفسه» فبالرغم من إنشائيته وتفرده جماليا فإنه يبقى في حاجة إلى نصوص أخرى نثريه وتكمله 
وتنتشله من العيش في العزلة البكماءء مما يولد تداخلا نصيا...].7 

ذكر آنفا أن الشاعر لا يستطيع أن يخلص نصه من آثار السابقين له» وكل التجارب 
الشعرية تخضع لهذه الحتمية الأدبية» إلا أن شعرية صاحب النص الحاضر تكون هي المهيمنة 
حيث تتجلى فيها خصوصية أسلوبه وسمات خياله وألوان ألفاظه وتعابيره» فاعتراف بدر شاكر 
السياب -كما سبق ذكره في البحث- بتأثره بإليوت وان باينه في المنهج لا يعني أن السياب قد 
تأثر به وحده دون غيرهء بل إن نتاجه الشعري يكتظ بالتداخلات النصية الخارجية وشعره يمثل 


+ - عبد الله محمد الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج معاصرء المرجع السابق نفسه» ص 16. 
2 جمال مباركي: التناص وجمالياته في الشعر الجزائري المعاصرء إصدارات رابطة إبداع الثقافية» دار هومة؛ الجزائر» 2003, ص 43. 


- 121 - 


الفصل الثاني 
حقلا ثريا لهجرة نصوص أخرى غربية وتراثية وشعبية كثيرة» وهذه التداخلات لا مناص منها 
للشاعر بل إنه كلما ازداد اطلاعا وانفتاحا على الآخر ازدادت نقاط التأثير والتلاقي معه 
بأشكال شتى من التعبير منها الظاهر (النصي) ومنها الخفي (الكامن) في عمق النصء وعملية 
الكشف عن هجرة النصوص عملية معقدة تتطلب القدرة على الإدراك الكلي والشامل للآثار 
والنصوص الأخرى [..فالتناص إذن للشاعرء بمثابة الهواء والماء والزمان والمكان للإنسان» فلا 
حياة له بدونهما ولا عيشة له خارجهما...]!» وغالبا ما يكون التناص في الداخل أي داخل 
المضمون عندما يكرر الشاعر الآراء والأفكار السابقة والمعاصرة له» المكتوبة وغير المكتوبة» 
والبحث عن حقول التناص وشبكة التداخلات النصية يعتمد على استرجاع الذاكرة وعلى 
المؤشرات المتواجدة في النص [..يتضح مما سبق أن التناص ظاهرة لغوية معقدة تستعصي 
على الضبط والتقنين إذ يعتمد في تمييزها على ثقافة المتلقفي وسعة معرفته وقدرته على 
الترجيح...].7 
ومن التناصات الخارجية في شعرية بدر شاكر السياب قصيدة "المسيح بعد الصلب. 
يقول السياب:- 
[..مت بالنار: أحرقت ظلماء طينيء فظل الإله 
كنت بدءا وفي البدء كان الفقير. 
متء» كي يؤكل الخبز باسميء لكي يزرعوني مع الموسم 
كم حياة سأحيا: ففي كل حفرة 
صرت مستقبلاء صرت بذرةء 
صرت جيلا من الناس: في كل قلب دمي 
قطوة متة أو يعطن : قطرة.. ]3 
فهذه المعاني مستوحاة من إنجيل متى [..أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ 
وقال: خذوا كلواء هذا جسديء وأخذ الكأس وشكر وأعطى قائلا: اشربوا منها كلكم» لأن هذا 


00000 


1 محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص). المركز الثقافي العربيء المغرب. ط4. 2005: ص 125. 
2 محمد مفتاح: المرجع السابق نفسه. ص 131. 
3 الديوان السابق نفسهء» ص 458: 459. 


- 122 - 


الفصل الثاني 
وكذلك قوله فون قصيدة 'جيكور والمدينة": [..فمن يفجر الماء منها لنينين قرانا 


وقد استقى الشاعر هذا المعنى من القرآن الكريم في قوله تعالى: [..واذ استسقى موسى 
لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا 
واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين...]3 الآية. 

إن النصوص التي تخضع لتشريح النقاد من أجل دراسة الشعرية تتجلى من خلال عملية 
والخيالات والرؤى التامة والناقصة تفاعلت جميعا في بوتقة ذات الشاعر وتمظهرت بشكل معين 
في نصوصه الشعرية. إنه لا يتصور أن تبتدع شعرية ما وهي لا تحمل في تشكلها 
العميق ملامح شعريات أخرى تزامنت معها أو هي سابقة لها. 


1 التفسير التطبيقي للكتاب المقدسء, مصرء إنجيل متى» الفصل 26. 
2 الديوان السابق نفسه.» ص 415. 
3 - القرآن الكريم؛ رواية حفصء سورة البقرة الآية 60. 


- 123 - 


الفصل الثالث 
(الجانب التطبيقي) 
فضاءات الشعرية في ديوان بدر شاكر السياب 


1/ عناصر الفضاء الخارجي. 
2/ عناصر الفضاء الداخلي. 





الفصل الثالث 


فضاءات الشعرية في ديوان بدر شاكر السياب 
ربما يكون ديوان بدر شاكر السياب الديوان الأثرى من حيث التنوع في ألوان 

الشعرية التي شق لها الشاعر طرقا وفضاءات مختلفة عبر محطات تطوره الشعري من 
الرومانسية إلى الواقعية إلى الحداثة. 

إنه الشاعر الأوحد الذي كان يحرك دفة الشعر الحرء ويحدد له مسارات جديدة يبتدعها 
ليسلكها الشعراء المعاصرون له والذين جاؤوا بعده. 

فكل من يتتبع شعر السياب يدرك أنه يمثل ظاهرة قد تكون فريدة في الشعر الحرء حيث 
امتد ببصره إلى آفاق الحداثة الغربية فاكتسى شعره ثوبها المميز المفارق للشعر العربيء واقتنى 
أدوات فنية جديدة كانت وسيلة للتغيير الكبير الطارئ على الشعر العربي» كما أنه لم يتخل عن 
الأصالة ولم يقطع جذور الماضي الشعري بل ظل محافظا إلى حد بعيد في بعض أشعاره؛ 
حتى شعره الحداثي لم يفارقه البعد الفني العربي الأصيل على الرغم من تنوع الأشكال والرؤى 
والمضامين الجديدة المعاصرة. 

إن تلك الفضاءات التي أبدعها يمكن تصنيفها إلى فضاءين» فضاء خارجي يستقطب 
الشكل وفضاء داخلي يتعلق بالمضمونء ولكل منهما أدوات فنية وعناصر خاصة ملائمة؛ 
والكشف عن هذه العناصر وتحديدها في شعره يبين مدى مقدرة الشاعر على خوض التجربة 
الحداثية لتغيير مسار الشعرية العربية التي ظلت لقرون تعيد نفسها حتى بليت وصارت تشكل 
ركاما متشابها يشد الأذهان للماضي الذي عفاء فلا تفارقه ولاتجاوزه إلى فضاءات الجدة 
والتغيير. 
1/ عناصر الفضاء الخارجي: 


1-1 التكرار: 

يشكل التكرار إحدى بنى النص الأساسية وقد يكون في الأسماء أو الأفعال أو 
الحروف أو الجمل أوالمقاطع وله أبعاد دلالية وشعرية مختلفة» وهو إلحاح على بعد ما يقصده 
الشاعر أو التركيز على نقطة حساسة أو التوكيد ويحقق بلاغة التعبير وجمال اللغة» وهو 
ظاهرة بلاغية وفنية قديمة» وقد جاء في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة وفي الشعر العربي 
وفي تكرار التفاعيل في الأوزان» وتكرار القافية» وفصل القول فيه العلماء القدماء أمثال ابن 


- 125 - 


الفصل الثالث 
قتيبة الذي علل تكرار القصص في القرآن» وربطه آخرون بالأغراض البلاغية مثل ابن الأثير 
وقد يعبر عن دلالات نفسية يهتم بها الناقد. وأصبح التكرار ميزة أو ظاهرة في الشعر 
المعاصرء وله جانب موسيقي وإيقاعي في الشعر ناجم عن تكرار الكلمات أو الأبيات» وهو 
بمثابة الإضاءة الكاشفة لجوانب عميقة في الشعرء وقد شاع لدى الشعراء الرواد للشعر الحرء 
ويكمل بت 
تكرار مقاطع صوتية: تحاكي الطبيعة بحروف مضاعفة كقول السياب في قصيدة 'أنشودة 
المطر":- 
[..وكركر الأطفال في عرائش الكروم 
ودغدغت صمت العصافير على الشجر 
أنشوذة المطر: .]1 
ويقول في قصيدة 'سربروس” في بابل":- 
[ ليعو سربروس في الدروب 
في بابل الحزينة المهدمة 
ويملاً الفضاء زمزمة»...].2 
قد يكتفي الشاعر بوصف المشهد بكلمات أو عبارات معينة ولكنه يلجأ في كثير من 
الأحيان إلى إدراج أصوات معينة تنقل الواقع وتصوره أو تبرز تفاعل الكائن الحي مع الطبيعة 
كركر الأطفال في عرائش الكروم' أو نقل صورة من حركة الطبيعة المنغومة 'ودغدغت صمت 
العصافير على الشجر/ أنشودة المطر..." 
ويصور مشهدا دراميا وطقسا رهيبا للأجواء السائدة بكلمات تضاعفت حروفها 'مهدمة: 
زمزمة مستحضرا صورة للموت من خلال عواء سربروس حارس مملكة الموت". 
وتكرار آخر في الأصوات في قوله:- 
[.. وناديت: ها..ها..هوه لم ينشر الصدى 
جناحيه أو يبك الهواء المثرثر. 
ونادى ورددا: 
"'ها..ها..هوه!" 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 475. 
* - سربروس: الكلب الذي يحرس مملكة الموت في الأساطير اليونانية. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 482. 


- 126 - 


الفصل الثالث 
وفتحت جفنا وهو ما زال ينظرء 
ينادي ويجارسهم]! 
فهذا النداء بهذا الحرف"ها" أو "هوه" تمثيل مسرحي للفت الانتباه أو إثارة الدهشة. 
وتكرار آخر في قصيدة شناشيل ابنة الجلبي:- 
[ يا مطرا يا حلبي 
عبر بنات الجلبي 
يا مطرا يا شاشا 
عبر بنات الباشا 
يا مطرا من ذهب...].7 
فتكرار الحروف في هذا المقطع الشعري الذي نظمه من أغنية شعبية لأطفال قرى البصرة 
يرددونها عند نزول المطرء ينقل الشاعر صورة للطفولة البريئة وسط أجواء لواقع مؤلم والمقطع 
جزء من قصيدة تصف الطبيعة والحياة الاجتماعية السائدة التي يرفضها الشاعر في أعماقه. 
فأغنية الأطفال البسيطة بما فيها من تكرار أصوات معينة منتهى الرمزية للألم الداخلي المستكن 
في أعماق النفس. 
وقد استخدم إليوت مثل هذه المقاطع الصوتية المتكررة التي انتقلت للشعراء الحداثيين 
العرب متل: بدر شاكر السياب ونازك الملائكة والبياتي وبلند الحيدري الذين وظفوا كلمات من 
هذا القبيل. 
وقد وظف الشاعر ألفاظا لا تنقل معنى إلا من خلال جرسها الموسيقي» يقول في قصيدة 
'مرثية جيكور"':- 
[..شيخ اسم الله...ترللا 
قد شاب ترل ترل ترار.. وما هلا 
ترلل.. العيد ترللا 
ترللا. عرس 'حمادي'". 
زغردن ترل ترللا. 
الثوب من الريز... ترللا 


1 الديوان السابق نفسه» ص 638. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 599. 


- 127 - 


الفصل الثالث 
والتقثن صتتاعة كدان ]1 
هذه الألفاظ تنقل أجواء الأفراح وربما تبدو مبتذلة وهي تترجم خلجات نفسية معينة» غير 
أن التصاق السياب بالدوائر الشعبية جعله يوظف تلك الألفاظ ولم تتردد كثيرا في شعره. 
وقد كرر بدر شاكر السياب بعض الألفاظ والجمل بأسلوب أرقى تعبيراء والشاعر معروف 
بتفاعله الشديد مع الطبيعة يقول في قصيدة "مدينة السندباد":- 
[.يا أيها الربيع 
يا أيها الربيع ما الذي دهاك؟ 


وكان منتهاك مثل مبتداك 
يلفه النجيع...].7 
والقصيدة توحي بالغربة الروحية وقد استعمل عناصر الطبيعة بكفاءة للتعبير عن ذلك 
الاغتراب القاسيء والمقطع السابق جزء من القصيدة يعكس الإحساس بالصدمة وينقل للقارئ 
صداها في نفسه فيكرر صيغة 'يا أيها الربيع'مرتين متتاليتين ويكرر كلمة "جئت" التي يخاطب 
بها الربيع ثلاث مرات» ويستطيع القارئ بهذا التكرار أن يحس بصدى جفافه في نفسه. 
وقد يمتد التكرار إلى البيت كما جاء في قصيدة "أقداح وأحلام" التي نظمها في عز شبابه 
يقول:- 
[ أنا ما أزال وفي يدي قدحي 
يا ليل أين تفرق الشرب...].3 
فهذا البيت يتكرر مرتين في المقطع الأول الاستهلالي القصيرء ويوحي تكرار البيت في 
معناه بحالة لاشعورية 'ضياع ربما لفقدان أمه الذي كان يضنيه ويؤرقه» وربما لظروفه 
الاجتماعية الصعبة أو لمعاناة الحبء لأن القصيدة ككل هي مزيج من هذه الأحاسيس 
مجتمعة» فالتكرار هناك يترجم انكسارا عميقا في نفسه على الرغم من تجلده 'أنا ما أزال". 


1 الديوان السابق نفسهء ص 406: 407. 
2 الديوان السابق نفسه» ص 468. 
3 الديوان السابق نفسه. ص 05. 


- 128 - 


الفصل الثالث 
والتكرار يكون في مقطع كامل أو في جملة شعرية طويلة» ويتطلب هذا النوع قدرة فنية 
فائقة لتجنب الإملال؛ فهو يقول في مطلع قصيدة 'شباك وفيقة":- 
[..شباك وفيقة في القرية 
نشوان يطل على الساحة 
(كجليل ينتظر المشية 
ويسوع) وينشر ألواحه...]. 
يعيد الشاعر هذا المقطع في آخر القصيدة لكنه يستبدل عبارة 'وينشر ألواحه" بعبارة: 


1 


'ويحرق ألواحه". 
فتغير تلك الصيغة حين أعاد المقطع كان نوعا من الذكاء في تجنب الإعادة والابتذال؛ 
إنه الرجوع إلى النهاية المريرة حيث كان شباكا مطلا نشوان على الساحة ويسوع ينشر ألواحه 
تعبيرا عن الحركة والحياة والأمل» وهو في النهاية 'يحرق ألواحه" تعبيرا عن الموت والفناء. 
أما تكرار النقط والفواصل وعلامات الاستفهام والتعجب, فإنها تسهم في إيصال المقاصد 
الشعرية للمتلقي بصورة واضحة. وللسياب نماذج كثيرة في هذا النوع من التكرار ومن تلك 
النماذج قوله في قصيدة 'أغنية قديمة":- 
[..أغنية حب..أصداء 
تنأى... وتذوب.. وترتجف 
كشراع ناء يجلو صورته الماء 
في نصف الليل.. لدى شاطئ إحدى الجزر؛ 
وأنا أصغي.. وفؤادي تجخيرة. | الأسفة: 
لم يسقط ظل يد القدر 
بين القلبين؟! لم أنتزع الزمن القاسي 
من بين يدي وأنفاسي» 
يمناك؟! وكيف تركتك تبتعدين..كما 
تتلاشى الغنوة في سمعي.. نغما. .نغما؟!...].7 
إن تكرار اللفظ» والفواصل وعلامات الاستفهام والتعجب يسهم في نقل النص المكتوب 
بصورة تقارب الشفاهية المباشرة» فعلامات الترقيم خاصة رموز متفق عليها تنكشف من خلالها 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 117. 
2 الديوان السابق نفسه. ص 71. 


- 129 - 


الفصل الثالث 
حركات النفس ومدى تأثرها بالمعاني أو المواقف أو الرؤى والمشاهدء واستخدم السياب هذه 
الوسيلة في ديوانه بقدر غير قليل سيما في قسم 'أزهار وأساطير" في مجموعة من القصائد. 
وتكرار الصور الشعرية يشبه إلى حد ما "التناص الخفي" غير أن الفرق بينهما هو أن 
الأول لا تتداخل أو تلتقي فيه صورة لشاعر آخر بصورة أصلية ولكنها الصورة المبتدعة من 
الشاعر نفسه حين تعاد وتكررء وهذا النوع يصعب اكتشافه لأنه يكون داخل النص حيث تتسع 
درجة التماهي بين الرؤى والصورء ومن بين الصور الشعرية المكررة في ديوان السياب 
الإحساس بالموتء هذا الشعور الذي طغى عليه في وقت مبكر من حياته» يقول في قصيدة 
"أقداح وأحلام":- 
[..يا ليل» أين تطوف بي قدمي؟ *** في أي منعطف من الظلم؟ 
تلك الطريق أكاد أعرفها هي 0# بالأمين عتم طيفها حلمي جردته 
غمد خنجرك الرهيب وقد لبد ومسحت عنه دمي...]! 
فالشاعر لا يكاد يرى في حلمه سوى العتمة والظلمة وهو إحساس باللاجدوى وبالعدم 
والفناء» هاجسه الموت» خنجر رهيب يجرد ويطعن به جسده ثم يمسح عنه دمه. 
هذه الصورة الشعرية التي تجسم الموت الزؤام تتكرر في كثير من قصائده؛ والإحساس 
بالموت في المقطع السابق كان مبكرا عنده؛ عندما كان في شرخ الشبابء ويتنامى هذا 
الإحساس ليزداد حضورا في المرحلة الثانية من عمره بشكل كثيف يقول في قصيدة '"رؤيا عام 
06- 
[..ما الذي يبدو على الأشجار حولي من ظلال؟ 
يجتث أعراق الدوالي 
قاطعا أعراق تموز الدفينة 
وعلى القنب أشلاء حزينة: 
نهد أم تنقر الديدان فيه» في سكينة» 
أي آه من دم في فمه؟ 
ما الذي ينطف من حلمته؛ من لحمه؟ 
يا حبال القنب التفي كحيات السعير 


1 الديوان السابق نفسه. ص 06. 


- 130 - 


الفصل الثالث 
واخنقي روحي وخلي الطفل والأم الحزينة...].! 
وتستمر صورة الموت في الأبيات التالية للمقطع في القصيدة في الامتداد ثم تستولي على 
نفسيته ويصبح الشاعر مسكونا بشبح الموت في معظم قصائد الديوان في مرحلة الشعر الحر. 
وهناك شعور آخر مضاد للموت يسكنه أيضا ولا يكاد يفارقه وهو الأمل وحب الحياة 
والانبعاث والتجدد ويرد هذا الشعور بكثافة أيضا في شعره؛ يقول في قصيدة 'أحبيني":- 
[..فابحث بين أكوام المحارء لعل لؤلوؤة ستبزغ منه كالنجمة: 
وإذا تدمى يداي وتنزع الأظفار عنهاء لا ينز هناك غير الماء 
وغير الطين من صدف المحارء فتقطر البسمة...].2 
إن السياب في هذا المقطع لديه شعور مزدوج الإحساس الخواء العاطفي والإخفاق في 
نفس الوقتء يترقب الأمل: 'لؤلؤة» نجمة» غير الماءء فتقطر البسمة". 
وصورة الأمل هذه تتراءى في تلافيف أشعاره وان كانت صورا قاتمة ومظلمة من الإخفاق 
والأسى» وضغط الواقع والمرض..إلخ» يقول في قصيدة 'قالوا لأيوب":- 
[..قالوا لأيوب "جفاك الإله!" 
فقال:"لا يجفو 
من شد بالإيمان» لا قبضتاه 
ترخى ولا أجفانه تغفو" 
قالوا لد "والذاع مق ذا زمَاة 
في جسمك الواهي ومن ثبته؟" 
قال: "هو التكفير عما جناه 
قابيل والشاري سدى جنته 


سيهزم الداء: غدا أغفو 
ثم تفيق العين من غفوة...].3 
والشاعر هو أيوب الذي يواجه تشفي الناس ورميهم الجارح» وهو يعاني شد المرض الذي 
يشرف به على الموت والهلاكء ولكنه يتحدى الناس والواقع فيرى بصيص الشفاء والأمل في 


1 الديوان السابق نفسه» ص 433. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 639. 
3 الديوان السابق نفسهء» ص 296. 


-131- 


الفصل الثالث 
الغفران» (فقال: لا يجفوء لا قبضتاه ترخىء ولا أجفانه تغفوء هو التكفير عما جناهء سيهزم 
الداء...إلخ). 
يعد التكرار خاصية من خصائص الشعرية الذي لم يبتدع حديثا ولكنه أصبح وسيلة 
لشحن النص أكثر بالصور الفنية» فلا غنى عنه للشاعر لما يحققه من آفاق شعرية لا متناهية. 
2-1 البياض: 
لقد أصبح الفراغ في القصيدة المعاصرة لغة لها دلالتها وشعريتها في سياق النصء» 
حيث أصبح الشاعر يعبر صمتا من خلال تلك البياضات الطباعية التي تتخذ أشكالا كثيرة لا 
حصر لها في الشعر الحر حيث أصبح لكل قصيدة هيئتها الخاصة لذلك فإن النص الحداثي له 
حساسية قصوى بشكل القصيدة» وتعددت الأشكال النصية حتى لا حصر لها وأصبح النص 
بصريا قرائيا أكثر منه قرائيا فحسبء إذ أصبحت تلك المساحات البيضاء فضاءات للشعرية 
الحداثية تعبر من خلالها القصيدة في صمت يكنظ بالدلالات المختلفة التي يعج بها الواقع أو 
تعج بها نفسية الشاعر في حد ذاته [..إن النص بشكله البصري يعبر عن حساسية حدائية..].! 
إن البياض علامة غير لغوية ولكن الفراغ النصي يزدحم بالخطابات المتعددة ويغدو 
الصمت والفراغ كلاما بليغا ورسائل معينة ثبث للقارئ» إن الشعر الحداثي بخلاف الشعر 
العمودي حيث لا يشكل البياض شيئا في القصيدة العمودية فذلك البياض المتواجد بين 
الشطرين أو بين البيتين أو بعد القافية هو بياض مفروض على الشاعر لا يستطيع أن يملاه 
بأي دلالة شعرية أو معنوية لأن القصيدة التقليدية تقع بشكل قسري على بياض الورقة» فهي 
فراغات صماء لا تنبئن عن شيءء أما في الشعر الحر فهي ضرورة فنية اختيارية. 
فالبياض الطباعي ليس علامة شكلية أو وقفة ظاهرية بل إن مدلوله يكمن في البيئة 
العميقة للنصء وقد أصبح لتلك الفضاءات البيضاء في النص تأثير في مبناه ومعناه وموسيقاه 
الإيقاعية. 
وللسياب - كما لكل شاعر حداثي- أشكاله الخاصة المتنوعة والمتعددة والتي لا تتشابه 
أبدا في شكلها الطباعيء فمن قصيدة 'أفياء جيكور" هذا المقطع:- 
[..جيكور.. ماذا؟ أنمشي نحن في الزمن 
أم أنه الماشي 
ونحن فيه وقوف 
' - مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسه؛ ص 240. 


-132- 


الفصل الثالث 


وأين آخره؟ 


فالنص يوحي برحلة مجهولة؛ يسودها الخوف والاضطراب والقلق والتساؤل» وأسطر 
النص بهذا التوزيع الطباعي هي بعثرة تشي إلى الذهن بما في نفسية الشاعر من تلك 
الاختلاجات بصورة "المعادل الموضوعي" حين ينعكس الواقع على الذات» فيصير التعبير عن 
ذلك رمزا موحياء واشارة خفية يبديها الظاهر المرئي تلميحا دون تصريح. 
إن أشكال البياضات في النص متعددة لا حصر لها في ديوان السياب وكلها تشترك في 
شعرية النصوصء وهذا مقطع آخر من قصيدة '"جيكور والمدينة" يمثل ذلك البعد الشعري 
الحدائي الذي يتطلب جهدا مبذولا لفهمه:- 
[..وجيكور خضراء 
مس الأصيل 
ذرى النخل فيها 
ودربي إليها كومض البروق» 
بدا واختفى ثم عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينة...].2 
ففي هذا المقطع لم يتوقف الشاعر توقفا طبيعيا بل كان هناك انقطاع خلف بياضا بعد 
'مس الأصيل" وكذلك 'ذرى النخل فيها" ثم تمتد مساحة السواد في البيت الأخيرء وهنا تتجلى 
لعبة البياض والسواد لتكشف عن نفسية الشاعر الذي أفضى بما يكنه في السطر الأخيرء وكان 
مشدود الأنفاس وهو يقطع جسد اللغة ليصنع منها عالمه الخاص المعبر عن حركات نفسية 
تترجم حالة من الترقب؛ ثم توقف يمتد قليلا في قوله "بشمس حزينة" ويضع نقاطا ثلاثا مجسدا 
صورة للمعاناة الداخلية» فالإفضاء التام في السطر الأخير سبقته شحنات وإرهاصات ليظهر 
بعد ذلك نوع من البوح الكلي الذي لم يحتمله الشاعر بين ضلوعه. "حتى أنار المدينة" 
وهو في نفس القصيدة يقول:- 
[..جيكور دونها قام سور 
وبوابة 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 188. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 418. 


-133- 


الفصل الثالث 
واحتوتها سكينة...].! 
فالبياض الطباعي في هذا المقطع يجسد قلق الشاعر محصورا داخل جيكور التي يطوقها 
سور وبوابة» فهي تشبه السجن الكبير» ثم تغوص في أبعاد لامتناهية من السكينة المجهولة. 
أما قصيدة 'مدينة بلا مطر" فتوجد بها بعض البياضات التي توحي بامتدادات معاني 
السواد في صمت يقول:- 
[..تظل مجامر الفخار خاوية بلا نارء 
ويرتفع الدعاءء كأن كل حناجر القصب 
من المستنقعات تصيح: 
لاهثة من التعب 
تؤوب إلهة الدم» خبز بابل» شمس آذار. 
ونحن نهيم كالغرباء» من دار إلى دار 
لنسأل عن هداياها. 
جياع نحن.. واأسفاه! فارغتان كفاهاء 
وقاسيتان عيناها. 


وباردتان كالذهب..].2 


إن هذه البياضات المتفاوتة الاتساع تعكس نفسية الشاعرء فهو عندما يترك البيياض 
الطويل بعد السطر ويضع نقطتين متراكبتين 

'من المستنقعات تصيح: 

لاهثة من التعب" 

يفسح لمخيلة المتلقي وسمعه الداخلي أن يسمع ألوانا شتى من الصياح والأنين والصراخ 
وبعد أن ترد على مخيلته تلك الألوان الشتى يورد الشاعر تعبيرا على أقصى يسار الورقة "لاهثة 
من التعب" لأن هناك أصواتا لاهثة أرهقها وأضناها التعب» فهي تغيب وتضؤل ماضية إلى 
مكان بعيد.. إلى أقصى بياض الورقة من اليسار. 

ويترك بياضا آخر في نهاية السطر الذي يقول فيه:- 

'ونحن نهيم كالغرباء» من دار إلى دار" 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 419. 
2 الديوان السابق نفسه. ص 486: 487. 


- 134 - 


الفصل الثالث 
فهذا البياض بعد كلمة دار يعبر عن معاناة لا تنتهي حتى تمر بمخيلة القارئ دور لا 
تحصى وعناءات لا تنتهيء فالبياض هنا صمت يعبر عن كل ذلكء ولا يستطيع السواد أن 
يملك ذلك الفراغ المشحون بالدلالات وفي هذا الموقف يكون البياض أبلغ والصمت أكثر 
إيصالا للصورة الشعرية» فلغة البياض في الشعر المعاصر أصبحت معهودة لدى جميع شعراء 
الحداثة» بل يصل استعمال الأشكال البياضية إلى درجة السريالية حيث تصبح للقصيدة أشكال 
تأخذ هيئة الإنسان أو الحيوان أو الشجر أو ما إلى ذلك. 
1 -3 التقابل/ تنافر الأضداد: 
ظاهرة التقابل أو تنافر الأضداد كثيرة وشاسعة في الشعر الحرء واستعمالها يوسع 
دائرة التصور الشعريء وللشعراء المعاصرين ولع بالتضاد والتنافر بين أجزاء الصورة» تلك 
الأجزاء الكثيرة التي تفوق أجزاء التشبيه 0 في الشعر التقليدي, وتفوق أجزاء المقابلة 
العادية في البلاغة القديمة. إن الصور الشعرية تستمد ديناميكيتها من ذلك التنافر والتضاد لكي 
يعكس الشاعر من خلال ذلك حالات نفسية يناقض بعضها بعضاء ولكي يعبر عن الصراع 
والتصادم في الواقع الإنساني بين الخير وما يحتويه من مبادئ كالتسامح والتواضع والتجاوز 
والشر وما يحتويه أيضا من نزعات مضادة لتلك المبادئ» فالتضاد في الشعر المعاصر يأخذ 
أبعادا عميقة روحية وفنية تتجاوز تلك الرؤى التقليدية ذات البعد الواحدء ففي قصيدة 'قافلة 
الضياع" التي يتحدث فيها الشاعر عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين يقول:- 


[..من يدفن الموتى لنعرف أننا بشر جديد! 
في كل شهر من شهور الجوع يومئ يوم عيد 
فشكف تحمل تر "تذاكونا" هبلييب: الاتحتينة: 
'يا مكتبا للغوث في سيناء هب للتائهين 
ما وسلوى من شعيرء والمشيمة للجنين...].! 
يحس القارئ في هذه الأبيات السابقة بتقابلات تتوزع عبر الأسطر "من يدفن الموتى» 
بشر جديدء شهور الجوع؛ يومئ عيدء هب للتائهين» منّا وسلوى'. 
فدفن الموتى رمز للتقتيل الذي يمارسه الأعداء الصهاينة على الفلسطينيين» إنه الموت 
والقهر وبالمقابل هناك صورة أخرى " بشر جديد'” وكذلك و 'شهور الجوع التي يقابلها '"يومئ 


1 الديوان السابق نفسه» ص 373. 


-135- 


الفصل الثالث 
عيد"؛ فهذه الصور المتقابلة والموزعة أحيانا بشكل غير منتظم في النص توحي بالقهر والظلم 
والمعاناة وبالمقابل هناك صور للأمل والبقاء. 
مثل هذه التقابلات المتضادة كثيرة في شعر السيابء فالشاعر المعاصر تتجاذبه 
تناقضات الحياة التي لم تصبح أحادية ساكنة» كما كانت بالأمسء يقول السياب في قصيدة 
'سفر أيوب" التي يعبر فيها عن الاستسلام والاستكانة للألم محولا تلك الرزايا والجراح إلى ندى 
وهدايا من حبيب:- 
[..ولا يهدأ الداء عند الصباح 
ولا يمسح الليل أوجاعه بالردى 
ولكن أيوب إن صاح صاح: 
'لك الحمد إن الرزايا ندى" 
وان الجراح هدايا الحبيب...].! 
فالصورة في السطرين الأولين قاتمة سوداوية من جراء الداء "الليل أوجاعه بالردى" 
وتقابلها صورة أخرى للتحدي والحمد فتستحيل الرزايا ندى وماء والجراح الحمراء هدايا من 
حبيبء, فهذه الأبعاد الذاتية التي استحضر فيها الشاعر رمزا دينيا "أيوب" الذي أسقط عليه 
معاناته هو نوع من التجلد والإيمان والاقتداء 'بأيوب النبي" الذي اصطبر على الداء سبع عشرة 
سنةء كما جاء في السيرء إن هذا التقابل بين حالته وحالة أيوب يرمز إلى قوة الاحتمال؛ 
فالشعرية حين تستدعي صورا كهذه فإنها تلمح إلى عمق بعيد وتجسد ألما مريرا يتجرعه الشاعر 
في اصطبار بل في حمد وشكر. 
ومن قصيدة 'رسالة من مقبرة" التي أهداها إلى المجاهدين الجزائريين يرسم الشاعر لوحتين 
متقابلتين يقول:- 
[..النور من طين هنا أو زجاج؛ 
قفل على باب سور. 
النور في قبري دجى دون نور. 
النور في شباك داري زجاجء 


سفانتي 2 


1 الديوان السابق نفسهء ص 249. 
2 - الديوان السابق نفسهء» ص 390. 


- 136 - 


الفصل الثالث 
في هذا المقطع ثبات وسكون فالشاعر داخل سور مقفل هامد لا يحس بنسمة حياة أو هو 
داخل قبر دامس الظلام والنور متجمد على شباك تلك الدار التي يسكنها أو "القبر" فلا حركة 
ولا حياة سوى تلك العيون المحدقة التي تشبه العار» ويقابل هذا المشهد مشهد آخر ومناقض 
ومناظر للمشهد الأول» يقول في نفس القصيدة:- 
[..لكن أصواتا كقرع الطبول 
تنهل في رمسي 
من عالم الشمس 
هذي خطى الأحياء بين الحقول 
في جانب القبر الذي نحن فيه 
أصداؤها الخضراء 
تنهل في داري 
أوراق أزهار 
من عالم الشمس الذي نشتهيه 
أصداؤها البيضاء 
يصدعن من حولي جليد الهواء...].! 
في هذه اللوحة الثانية المقابلة للأولى تأتي الحركة والحياة: 'ولكن أصواتا كقرع الطبول/ 
تنهل في رمسي". 
تأتي هذه الأصوات ثقيلة من عالم الشمس والنور» وتبدأ الخطى تدب نحو الحقول» فتكتنز 
الخضرة وتنثال أوراق الأزهار في دار الشاعر التي كانت قبراء تنثال من ذلك العالم المشتهى 
بصداها الأبيضء ويتصدع الهواء الجليديء وتنطلق الحياة من جديد. 
إن هذا التنقل أو هذه المراوحة بين الصور في شبه اطراد بين الأجزاء المتعددة للصورة 
القاتمة والمشرقة يولد شعرية التصوير التي تعكس الحلم بالتحرر من قيود الواقع وأثقاله الرازحة. 
وفي مقطع آخر من قصيدة "أسير القراصنة" يقول الشاعر:- 
[ أجنحة في دوحة تخفق 
أجنحة أربعة تخفق 


وأنك: لا حب ولا دارء 


1 - الديوان السابق نفسه» ص 391: 392. 
-137- 


الفصل الثالث 
يسلمك المشرق 
إلى مغيب ماتت النار 
في ظله.. والدرب دوار 
أبوابه ضنافقة كلقن ]1 
في هذا المقطع صورة حية يراها الشاعر بالقرب منه "أجنحة في دوحة تخفق/أجنحة أربعة 
تخفق" وهو يعيش الاغتراب والغربة في آن واحد 'وأنت لا حب ولا دار" إنها غربة شديدة 
الوطأة» فالشاعر يسير في درب متعرج كل الأبواب فيه موصدة. والذي يزيد سورة المعاناة 
وغلواءها تلك الأجنحة التي تخفقء: أجنحة أربعة» هي الحركة الوحيدة في جو صامت معبر عن 
الغربة والسأم والضيق. 
فالشاعر استطاع بهذا التقابل أن يصور الأجواء الشعرية في لوحة فنية تترجم كل تلك 
الأحاسيس والمشاعرء فالتقابل في هذه اللوحة الشعرية كان أداة وعنصرا مهما في التصوير. 
4-1 التوازي: 
إن النماذج التطبيقية في هذا العنصر الذي يمثل أوسع فضاء للشعرية قليلة جدا إن 
لم تكن منعدمة» حيث لا يكاد يعثر دارس الشعرية على نص تطبيقي توضيحي يعتمده [..لقد 
عدت إلى مجموعة من الباحثين في علم النص ولسانيات النص فلم أكد أظفر منهم بطائل 
حول التوازي غير ما وجدته عند يوري لوتمان في كتابه تحليل النص الشعري حيث خصص له 
ما يتجاوز الصفحتين بقليل وموجز رأيه فيه أنه يُعالج كأداة من أدوات التكرار ويستند في ذلك 
على باحثين آخرين قدموا للتوازي مفاهيم متقاربة مثل الذي أورده لفسيولوفسكي الذي حام حول 
المعنى دون أن يقدم له مفهوما محددا...].2 
والتوازي تأليف ثنائي وهو تماثل وليس تطابقا والتمائل لا يعني التساوي وهو جانب جمالي 
وزخرفي ولا يمكن القبض عليه لما له من خاصة الانبثاق والتناسل المعنوي» وهو يستوعب كل 
أدوات الشعرية اللسانية والتكرارية ويشمل (عمق الخطاب وسطحه) وكل منهما يكشف 
جماليةالآخرء ويولد الانسجام على مستوى المضمون والاتساق على مستوى الشكل [..ويمكن 
أن نحدد الخصائص الملحوظة بهذه الطريقة: التوازي مركب ثنائي التكوين: أحد طرفيه لا 
يعرف إلا من خلال الآخرء وهذا الآخر بدوره - يرتبط مع الأول بعلاقة أقرب إلى التشابه- 
1 الديوان السابق نفسه.» ص 668. 


2 يحي الشريف عبد الرزاق: الانسجام والاتساق في شعر عثمان لوصيفء رسالة ماجستيرء جامعة محمد خيضر. كلية الآداب والعلوم الاجتماعية 
والإنسانية» بسكرة, الجزائرء 2004: 2005» ص 27: 28. 


-138- 


الفصل الثالث 
نعني أنها ليست علاقة تطابق كامل ولا تباين مطلق» ومن ثم فإن هذا الطرف الآخر يحظى 
من الملامح العامة بما يميزه الإدراك من الطرف الأولء ولأنه - في نهاية الأمر- طرفا 
المعادلة وليسا متطابقين تماماء فإننا نعود ونكافئ بينهما على نحو ماء بل ونحاكم أولهما 
ممتهلق: بخصرائضن :وسار ك تاندينا 1 ! 
ويشيع التوازي في ديوان بدر شاكر السياب بشكل واسعء يقول في قصيدة "أسمعه 
07 
[ أتسعة يبكى«يناديني 
في ليلي المستوحد القارس» 
يدعو "أبي كيت تخليتي 
وحدي بلا حارس ]2 
قد تكون القصيدة إلى هذا الحد لا تمثل انبثاقا شعريا قويا إلا أن الطرف الثاني من 
التوازني المماثئل يحدث في النص طقسا من الشعرية تنبجس بصورة فياضة:؛ يقول السياب في 
نفس القصيدة:- 


[..إني لأبكيء مثلما أنت تبكيء في الدجى وحدي 
ويستثير الليل أحزاني 
فكلما مرّ نهار وجاء 


ليل من البردء 
أيشتري هذا القليل الشفاء؟...].3 


ويمكن تمثيل طرفي التوازي على المحورين التاليين على مستوى سطح الخطاب:- 


(لف) :كات " :ادن :ليك .. #أران) عبد اعظليدي.. اسه وفص . <الهن/ بن قاين 
الطفل 


(الطرف الثاني) 
الأب 

. ي الشر 1 

تديوان/2 (الفعل) بكاء (الزمن) اليلد (حوار) لم أهجرك 2 (الصفة) وحدي (الجو) ليل من البرد 


3 الديوان السابى بعسه. ص /5مء 255. 





-139- 


الفصل الثالث 


يتجلى من تماثل محوري التوازي أن هناك علاقة أقرب إلى المشابهة بين الطرفين» وهذا 
التماثل في المشابهة ليس تطابقا حيث تبقى عناصر مفقودة في أحد الطرفين مثل: ويستثير 
الليل أحزاني» فكلما مرّ نهار وجاءء ما ظل في جيبي من النقد. 
فهذه العناصر مفقودة في الطرف الأولء ولكن ذلك لا ينفي علاقة التوازي والتماثل المبني 
في المقطعين على خاصية التشابه. 
ومن أمثلة التوازي في الديوان قوله في قصيدة "هرم المغني":- 
[ بالأمس كنت إذا كتبت قصيدة فرح الدم 
وأهيم ما بين الجداول والأزاهر والنخيل 
أشذو نهاء أتزقم ]1 
هذا هو الطرف الأول من التوازي من القصيدة أما الطرف الثاني فيظهر في قوله من 
نفس النص الشعري:- 
[هرم المغنيء هد منه الداء فارتبك الغناء 
بالأمس كان إذا ترنم يمسك الليل الطروب 
بنجومه المترنحات فلا تخر على الدروب 
واليوم يهتف ألف 1ه لا يهز مع المساء 
سعف النخيل ولا يرجح زورق العرس المحلى 
بعيون رام ودفلى 
ودرابك ارتعدت حناجرها فأرعدت الهواء...].2 
يجسد المقطع الأول حالة السياب في الماضي ويمثل المقطع الثاني حالته في الحاضر 
ففي الماضي كان الشاعر إذا كتب قصيدة فرحت دماؤه وغمغم سعادة وحبورا ثم سار يشدو بين 
الجداول والأزاهر والنخيل مبتهجا مترنما. 


1 الديوان السابق نفسه» ص 307. 
2 - الديوان السابق نفسه. ص ١307‏ 308. 


- 140 - 


الفصل الثالث 
أما في المقطع الثاني فيجسد حالته الحاضرة حيث هرم ذلك المعنى السعيد وهده الداء 
واضطرب غناؤه المنسجمء وغدا الليل الطروب بنجومه يْصَّعَّد آهاته مع المساءء وارتعدت 
دروب الشاعر واضطرب الهواء وأرعد. 
فالمقطعان متوازيان وقد بنيا على خاصية المباينة وهذا التباين لم يشمل كل عناصر 
التباين بينهما فقد ظلت عناصر دون تباين أو هي موجودة في طرف ولا توجد في الطرف 
الثاني مثل 'فلا تخر على الدروب". 
ويمكن تمثيل علاقات التوازي بالشكل التالي:- 
الطرف الأول (حالة الشاعر في الماضي) الطرف الثاني (حالة الشاعر في الحاضر) 
بالأمس كنت هرم المغني 
هِدَّمِنْهُ الداء 
فأغمغم فارتبك الغناء 
الليل الطروب واليوم يهتف ألف آه 
أهيم ما بين الجداول والأزهار جه ه ودرابك ارتعدت حناجرها 
وهناك حقل ثري للتوازي في ديوان السياب وهو الأسطورة» وقد اشتهر السياب بتوظيفها 
في شعره كرمز تراثي وربما كان ذلك اقتداء بالشاعر إليوت» وللأسطورة دور كبير حيث ينجم 
عن توظيفها تواز شعري له انبثاق غزير واشعاعات شعرية مكثفة [..إن الدور الذي يلعبه 
التوازني في التراث وفي إبداع الأسطورة يكشف عن إمكانات متجددة باستمرار وغير 
توقعة ]م1 
ومن أمثلة التوازي في الأسطورة قوله في قصيدة 'رؤيا":- 


[:-تمون :هذا أتيمن 








فرح الدم 








هذاء وهذا الربيع 
يا خبزنا يا أتيس» 

أنبت لنا الحب وأحي اليبيس 
التأم الحفل وجاء الجميع 
يقدمون النذور. 


يخيوق كل الطقوين 


1 - رومان جاكسون: المرجع السابق نفسه» ص 107. 
- 141 - 


لللختتخ7777 ب ب 0< أ لف صل اثالث 
ويبذرون البذور 
سيقان كل الشجر 
ضارعة» والنفوس 
عطشى تريد المطر...].! 
في هذا المقطع يورد الشاعر أسطورة إله الخصب "أتيس" عند سكان آسيا الصغرى 
القدماء ويقابل "تموز" إله الخصب عند البابليين. 
فهو رمز للربيع والنماء» الناس يضرعون إليه ويقدمون النذور ويحيون طقوسا ذاهلة وفي 
نفس الوقت يلقون البذور والنفوس عطشى لقدوم المطر. 
لكن السياب أحيانا يستعمل الأسطورة بصورة مباشرة نصية لا تنبتق عنها شعرية قوية كما 
في المقطع السابق. 
وفي قصيدة 'مرحى غيلان" يوظف السياب مجموعة من الأساطير: عشتارء سيزيف. 
نعل ويوازيها زد لألانت تحاوة أى تشايه أو قاية دوو :تلك الأسماء الأسطورية القديمة. 
فيقول: مشيرا إلى ولده غيلان:- 
اناما ونا 
يا سلم الأنغام» أيَّة رغبة هي في قرارك؟ 
'سيزيف" يرفعها فتسقط للحضيض مع انهيارك 
يا سلم الدم والزمان: من المياه إلى السماء...].7 
إن التوازي هنا مع الرمز الأسطوري هو تواز في النغم المسكوب في أذن الشاعر وقلبه. 
في ترداد غيلان لكلمة 'بابا..." ولا يجد الأب ماذا يصنعء حيث يظل الطفل يردد 'بابا..." 
منهارًا وتبقى الكلمة تردادًا من دون جدوى كفعل سيزيف المعذب في الأبدية برفع الصخرة إلى 
قمة الجبل ودحرجتها إلى أسفل. 
والشعرية في هذا المقطع أكثر براعة من شعرية المقطع الأول حيث وظف أسطورة 
سيزيف توظيفا جماليا امتزجت فيه نبرة الطفولة المعذبة ومعاناة الأب في ديمومة مستمرة ثابتة. 
وفي قصيدة 'مدينة السندباد" يبلغ الشاعر قمة المأساة والقنوط» وهنا يوظف أسطورة 
'أدونيس" إله الخصب توظيفا يشمل العمق والسطح. فالتوازي في المقطع الآتي بين طرفين؛ 
الطرف الأول هو الجفاف والجدب على الرغم من ظهور أدونيس الذي لا يفعل شيئا فلا مطر 


1 الديوان السابق نفسه. ص 434: 435. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 325. 


1 


الفصل الثالث 

ولا ماء ولا حصادء والطرف الثاني هو مأساة الشاعر الداخلية وكأن الواقع المجدب معادل 
موضوعي لمعاناة الشاعر يقول:- 

[..أهذا أدونيسء هذا الحواء؟ 

وهذا الشحوبء وهذا الجفاف؟ 

أهذا أدونيين؟ أيث الضناء؟ 

وأين القطاف؟ 

مناجل لا تحصدء 

أزاهر لا تعقد 


مزارع سوداء من غير ماء! 


أدونيس! يا لانحدار البطولة 
لقد حطم الموت فيك الرجاء 
وأقبلت بالنظرة الزائغة 
وبالقبضة الفارغة...].! 
إن التوازي في المقطعين السابقين قد غاب فيه الطرف الأول وصار خفيا غير ظاهر وهو 
الشاعر ذاته وكأن "أدونيس" يمثل الإرادة والفعل لديه» ولكن بطولته انحدرت وحطمه الموت 
وعادت قبضته فارغة» هكذا الشاعر يبلغ قمة اليأس والانحدار. 
وكل التوازيات الأسطورية في شعر السياب تتراوح بين الجمود والحركية حيث تبقى 
الأسطورة معلقة بثباتها في الفضاءء وتارة أخرى تؤدي الأسطورة دورا تتجسد فيه الشعرية الحقة 
التي تتوالد فيها الرؤى والصور بشكل مكثف. 
ولا يتسع البحث لضرب كل أمثلة التوازي في نصوص السياب فهي أكثر من أن تحصيها 
الدراسة» والتوازي باب مفتوح على عدة وسائل فنية تلك التي ذكرها البحث لدى رومان جاكسون 
الذي رأى بأن كل الأدوات التكرارية تمثل التوازي باعتبار أن بنية الشعر هي بنية التوازي 
المشهر» 


1 الديوان السابق نفسه. ص465. 466. 
- 143 - 


الفصل الثالث 
والتوازي جانب جمالي وزخرفي يتمثل في تكرار القافية والتصريع والتفاعيل إلى آخره من 
الأدوات التكرارية ففي جانب القافية في قصيدة 'مدينة السندباد" يراوح الشاعر بين حروف معينة 
في كل مقطع يقول:- 
[..الموت في الشوارع؛ 
والعقم في المزارع؛ 
وكل ما نحبه يموت. 
الماء قيدوه في البيوت 
وألهث الجداول الجفاف. 
هم التتار أقبلواء ففي المدى رعاف» 
وشمسنا دمء وزادنا دم على الصحاف 
محمد اليتيم أحرقوه فالمساء 
يضيء من حريقه» وفارت الدماء...].! 
إن تكرار القافية في السطرين الشعريين أو أكثر يحمل بعدا نفسيا ودلالة فنية حيث يزيل 
التكرار رتابة التزام قافية واحدة في كامل النصء وقد جاء الشعر الحر كسرا لتلك الرتابة 
الأحادية المؤثرة في نفسية المتلقي» رتابة ينجم عنها روتين تقيل على نفسه» ومن جانب الدلالة 
الفنية فإن ذلك التكرار غير المطرد للقافية في كامل النص يحدث نبرات موسيقية متنوعة 
الإيقاع تؤدي دورا جماليا وذوقيا يجذب القارئ. 
أما اختيار حرف الروي أو (القافية) تجوزا فهو ليس اختيارا تلقائيا أو اعتباطيا إنما يعكس 
بنغمه وموسيقاه معنى أو مضمون الأسطر التي يتكرر فيهاء فحرف العين المكرر في السطرين 
الأولين بصوته الموسيقي الصائت يؤدي دور الجرس الصاخب الملفت في طقس ذلك الموت 
الممتد والعقم السائد. 
وحرف التاء المسبوق بحرف الواو في السطرين المواليين والذي نجم عن تواليهما نغم 
مهموس موافق للزوال والموت والانحباس "كل ما نحبه يموت/ الماء قيدوه في البيوت". 
وهكذا فإن تنويع القافية يحدث نوعا من التوازي بين المعنى والدلالة وبين النغم الموسيقي 
الخارجي للحرف المكرر. 


1 الديوان السابق نفسه. ص467. 


4 


الفصل الثالث 

أما التصريع فإنه نوع من التوازي الجمالي وتقوم موسيقاه بدور فعال في إحداث نغم ملائم 

للدلالة» يقول السياب في قصيدة 'أهواء":- 
[ أطلي على طرفي الدامع *** خيالا من الكوكب الساطع].! 

إن الخطاب موجه إلى فتاة ينتظرها الشاعر في موعد ولكنها أطالت فهو ينتظر في شوق 
واحتراق ولوعة» وتكرار حرف "العين" في آخر العروض وآخر الضرب يحدث صوتا يترجم تلك 
اللوعة وذلك الاحتراق فهو حرف جوفي صادر من الأعماق وهو حرف صائت معبر عن 
اليم 

ومن التصريعات الأخرى ما جاء في قصيدة 'لن نفترق" يقول السياب:- 

روح على شفتيك تحترق].7 

هذا البيت المصرع بحرف القاف - حيث تكرر في آخر العروض وآخر الضرب- 
بموسيقاه الصائتة هو حرف قوي معبر عن معنى القوة والفعالية والشدة» وقد نطقته الفتاة وهي 
في حالة حلم وبصورة عصبية 'سوف نفترق" ثم صار أكثر شدة وقوة عندما تكرر في ضرب 


فهذا التوازي في التصريع كان له نغم موسيقي معبر عن نفسية الفتاة التي نطقته في 
عبارة تداعت مع الأحلام. 
والدلالة تعبر عن مكبوت خرج في حالة غياب "الأنا" الذي هو رقيب عن المشاعر 
والأفكار الباطنية. 
أما التوازي في التفاعيل فإن الشعر الحر (شعر التفعيلة) في معظمه يقوم على هذا 
التوازي لتكرار التفعيلة في أسطره فهو تواز معتمد على المجاورة أي تجاور التفعيلات» يقول 
السياب في قصيدة 'ربيع الجزائر":- 
[ سلاما بلاد اللظى والخراب 
ومأوى اليتامى وأرض القبورء 
أتى الغيث وانحل عقد السحاب 
فروى ترى جائعا للبذور...].3 


1 الديوان السابق نفسه» ص12. 
2 الديوان السابق نفسه» ص 52. 
3 الديوان السابق نفسه» ص 238. 


4 


الفصل الثالث 
فالتوازي في الأسطر الشعرية السابقة أداته التكرارية هي تفعيلة 'فعولن" وهي وزنة من 
وزنات بحر المتقاربء وقد التزم في كل الأعاريض والأضرب جوازة 'فعولن" وهي 'فعو". 
ويمكن كتابة الأسطر السابقة على شكل عمودي بالطريقة التالية:- 
سلاما بلاد اللظى والخراب أتى *** ومأوى اليتامى وأرض القبور 
الغيث وانحل عقد السحاب *** فروى ثرى جائعا للبذور 
إن هذا التوازي المعتمد على مجاورة التفعيلات لبعضها بعضا أحدث موسيقا خارجية قوية 
ملائمة للعنف والشدة وتلائم القصائد الثورية» فهذا الاتساق والانسجام بين تكرار'فعولن" أربع 
العميقة» وهنا يحدث التناغم في التوازي بين البنية العميقة والبنية السطحية. 
5-1 الأسطورة: 
اهتدى السياب إلى الأستطورة حتى صار شعره وي دامعناة أمتطوزية كثيرة: 
عشتار» تموز»ء سيزيفء أدونيسء» أتيسء ميدوزاء سربروسء أوديبء أفروديت...إلخ» وهو تارة 
يستنطقها لإغناء مناخ النص الشعري جماليا أو دلالياء ويختلف توظيف الشاعر المعاصر 
للأسطورة عن توظيف الشاعر لها قبل الحداثة» فالشاعر المعاصر يفجر أبعادها ويجعلها 
تتماهى مع الحدث الحاضر بينما الشاعر قبل الحداثة يستعملها بصورة نصية مباشرة كما فعل 
المازني والعقاد وأبو شادي وعلي محمود طه ...وغيرهم» فهي حين تصاغ من جديد يستنطقها 
الشاعر بشكل جيد تعين على فهم الحاضر المعيش الذي نظر إليه السياب كغيره من شعراء 
الحداثة برؤية أسطورية أحيانا فوظفوا الكثير من الأساطير العالمية والدينية والتاريخية القديمة» 
يقول السياب في قصيدة 'جيكور والمدينة":- 
[..وغشى على أعين الخازنين» لهاث النضار الذي يحرسونه: 
خضناة المجاعات ف تحنديها. 
في جنتيها 
رحى من لظى مرَّ دربي عليهاء 
وكرم من عساليجه العاقرات شرايين تموز عبر المدينة 
شرايين في كل دار وسجن ومقهى...].! 
فالسياب في هذا المقطع يصف الواقع الاستبدادي الذي يطغى فيه الحكام وأرباب المال 
على البسطاء والضعفاء الذين يعانون الفقر وضيق السجونء ولكن شرايين 'تموز" آلهة الخصب 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 416. 


- 146 - 


الفصل الثالث 
تمتد في كل دار وسجن ومقهىء فالأمل في الحياة لم ينعدم تماما بل هناك بصيص يتوارى 
خلف الواقع المرير. 
والسياب حين وظف الأسطورة بهذا الشكل في هذا المقطع وفي كثير من قصائده فإنه 
جعلها ستارا خشية من الواقع السياسي فهو لا يصرح بقناعاته تصريحا مباشرا وقد ساعدته 
الأسطورة على البوح بشكل متستر وربما كان هذا هو الدافع الأساس لاكتشاف الأسطورة إن لم 
يكن من جراء التأثير بإليوت. 
إن معظم قصائد الرواد كانت أشعارا للانبعاث؛ والأسطورة صارت أداة هامة لأفكارهم 
ورؤاهم الشعرية الانبعاثية» يقول السياب راسما صورة المستقبل في أطفال العراق في قصيدة 
'مدينة بلا مطر":- 
[..وسار صغار بابل يحملون سلال صبار 
وفاكهة من الفخارء قربانا لعشتار 
وَيكتعل .خاطفه اليزق» 
بظل من ظلال الماء والخضراء والنارء 
وجوههم المدورة الصغيرة وهي تستسقي. 
فيوشك أن يفتّح - وهي تومض- حقل نوار...].! 
فهؤلاء الأطفال الذين يحملون القرابين لعشتار كي يتدفق الماء ويأتي الخصب والنماء هو 
رمز للتجديد والتغييرء والسياب بهذا الاستعمال للأسطورة يكون قد تفاعل مع الواقع وجعل 
الأسطورة تتحول من هيكلها النصي إلى دلالة شعرية جديدة» فالشاعر المعاصر قد طور 
استخدام الأسطورة [..خرج بالأسطورة من مرحلة إلى أخرى من الاستخدام الساذج إلى التفاعل 
معها بوعي أعمق من رواية متنها الأسطوري إلى إعادة إنتاجها من حراسة بنائها المقدس إلى 
الهجوم على هيكلها المهيب...].7 
ويألم الشاعر كثيرا لواقع الناس المليء بالموت والظلم والاستنطاق الذي يتوخى المستحيل» 
يقول السياب في قصيدة "المومس العمياء":- 
[..من هؤلاء العابرون؟ 
أحفاد 'أوديب" الضرير ووارثوه المبصرون. 
(جوكست) أرملة كأمسء وباب 'طيبة" ما يزال 


1 الديوان السابق نفسهء ص 489. 490. 
2 علي جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه» ص 13. 


1 


الفصل الثالث 
يلقي 'أبو الهول" الرهيب عليه» من رعب ظلال 
والموت يلهث في سؤال 
باق كما كان السوال».وماك معنا القديم 
من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه. 


إن توظيف أسطورة 'أوديب" في الأسطر الشعرية السابقة تجسيد لحياة تسودها القوة 
والجبروت»ء 'وأبو الهول" الذي هو رمز للرعب والتسلط ما يزال لحد الآن يقتل عندما يهتز 
الجواب على الشفاه؛ والتخفي وراء الأسطورة في المقطع السابق ظاهر وجلي. 
والمقطع التالي يصور حالة اصطدامه بالنساء الموموساتء يقول في قصيدة "المومس 
العمياء":- 
[..مترقبا ميلاد "أفروديت" ليلا أو نهارا 
أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح 
دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح 
ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح...].2 
فالمقطع يبرز نفسية ذلك الذي يجري لاهثا سادرا وراء المومسات فلا يجد سوى حطام 
هياكل مستباحة؛ ويحلم أن يجد الحب والجمال والمتعة الغضة رامزا لذلك بأسطورة "أفروديت 
الآلهة" التي ولدت من زبد البحر وجاءت محمولة على صدفة محارء وقد استخدم الشاعر 
عنصر التقابل في وصفه للمومسات ثم العذارى اللواتي يمتلئن بدفء الربيع وفرحة الحمل 
الوديع» ومن خلال هذا التمازج بين الأسطورة والواقع يتولد جو للشعرية جذاب وتتعاكس 
الأضداد فيزداد القبح قبحا والجمال جمالا. 
ومن نفس القصيدة السابقة يورد الشاعر أسطورة 'أبولو" إله الشمس الجبار مع 'دفني" ابنة 
إله صغيرء إله أحد الأنهارء فيقول:- 
[..سيظل غاصبها يطاردها وتلفظها البيوت 
ستظل - ما دامت سهام التبر تصفر في الهواء- 
تعدوء ويتبعها "أبولو' من جديد كالقضاء 
وتظل تهمسء إذ تكاد يداه أن تتلقفاها: 


1 - الديوان السابق نفسه. ص 510» 511. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 514. 


- 148 - 


الفصل الثالث 
"أبتي... أغثني" بيد أنك لا تصيخ إلى النداء. 
لو كنت من عرق الجبين ترشها ومن الدماء 
وتحيلها امرأة بحق» لا متاعا للشراء 
كللت منهاء بالفخار وبالبطولات» الجباها!...].! 
جاء في الأسطورة أن 'أبولو" إله الشمس الجبار أحب "دفني" ابنة إله صغير إله أحد 
الأنهار وظل يطاردها ليغتصبها فرشها والدها بحفنة من الماء فاستحالت إلى شجرة غار تضفر 
من أغصانها الأكاليل للأبطال» وظل كيوبيد يرشق قلب 'أبولو" بسهام الذهب ليلهب قلبه 
بالحب. 
وقد ضمن الشاعر هذا المقطع تلك الأسطورة ملمحا بها إلى سطوة المال» وهذه الفكرة 
المادية البحتة لما وردت في هذا السياق الأسطوري تألقت في المقطع شعرية ناجمة عن 
الغرائبية السردية القصصية واكتظ المقطع وتزاحم بالرؤى المختلفة (الحب والظلم والسلطة 
والبراءة):- 
أما في قصيدة 'أم البروم" فإن السياب يوظف فيها أسطورة أخرى وهي ابنة آلهة الخصب 
عند اليونان وقد اختطفها 'بلوتو" سيد العالم السفلي المتصرف على عالم الموتى وأصبحت 
'برسفون" تعيش معه هناكء يقول السياب:- 
[..يقول رفيقي السكران:"دعها تأكل الموتى 
مدينتنا لتكبرء تحضن الأحياءء تسقينا 
شرابا من حدائق برسفونء» تعلنا حتى 
تدور جماجم الأموات من سكر مشى فينا!"...].2 
إن المدينة أصبحت تضم مقبرة للموتى» فالمدينة تأكل الجماجم وهي حالة تبعث على 
القلق والضيق حيث أصبح الأحياء يساكنون الأموات» ولكن الشاعر يضع في قلب ذلك الجو 
ابنة آلهة الخصب 'برسفون" فيسقي الناس شرابا من حدائقهاء ويعيش الناس في هذا الطقس 
الفريد. 
ويهدي السياب قصيدة "الشاعر الرجيم" إلى شارل بودلير» يقول:- 
[..جزيرة من جزر المرجان 
كأن بحرا غاسلا لسبوس بالأجاج 


1 - الديوان السابق نفسه» ص 516: 517. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 131. 


- 149 - 


الفصل الثالث 
تشربه روحك من صدى إلى القرار 
كأن سافو أورثتك من العروق نار 
وأنت لا تضم غير حلمك الأبيد 
كمن يضم طيفه المطل من زجاج: 
حرقة نرسيسء وتنتلوس والثمار!...].! 
إن 'لسبوس" هي الجزيرة التي سكنت هيكل الشاعرة الإغريقية 'سافو", وكأن روح بودلير 
تشرب من ذلك الهيكل» وهو يتحرق ويستلهم الشعر منه مثل نرسيس الذي عشق ظله. ويتلهف 
أيضا إلى المعاني الشعرية وله جوع إليها مثلما تنتلوس الذي هو جائع أبداء يقترب من فمه 
غصن مليء بالثمار وما أن يدنو من فمه حتى تبعد الريح ذلك الغصن عن فمه. 
يبدو أن السياب يغوص في أعماق الشاعر بودلير ويصف دخيلته بدقة. أما ما وراء هذه 
الأسماء الأسيظوزية فيقتخوق: السياتية دنه ليكو هذا في رؤاه وله شعرية لا:تضباهى »رمن 
ثمة لجأ إلى الأسطورة الخارقة للتعبير عن مقدرة بودلير الذي يراه أنموذجا للشاعر المفلق» وهذه 
الصيغ الأسطورية تعكس طموح السياب إلى التفوق. 
إن التمعن في استخدام الرموز الأسطورية وما تؤديه من دلالات شعرية يبين الأهمية 
القصوى لهذا الرمز في توسيع آفاق الشعرية لدى الشاعر. 
6-1 الرمز الشعري: 
إن المقصود بالرمز الشعري الرمز الفني الذي يختلف عن بقية الرموز المتعلقة 
بمعنى الحكاية الرمزية كالرموز التراثية (الأسطورية» الدينية» التاريخية» الشعبية) هذه الرموز 
التي وظفها بدر شاكر السياب بطريقة الحكاية الرامزة إلى دلالات شعرية متعددة. 
وعندما يتطرق البحث إلى معالجة هذا العنصر فإنه يركز على مفهوم الرمز بمعناه 
النقدي وهو الذي يحمل في ذاته التناقض والتضاد وهو الذي عرفه 'كلوردج" بقوله:- 
الرموز كلها تنطوي بالضرورة على تناقض واضح ].7 
وهذا التناقض الذي يحمله الرمز الفني هو تناقض غامض لما يحمله من تأويلات غير 
محدودة» وهو رمز يبتدعه الشاعر على غير مثال فهو خاص به ومتعلق بتجربته الذاتية ورؤيته 
للواقع» ويستعمله للكشف عن علاقات وتعقيدات عميقة بينه وبين الأشياء والمحيط من حوله. 


1 الديوان السابق نفسه» ص 192» 193. 
2 عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه.» ص 203» نقلا عن مصطفى ناصف. الصورة الأدبية. ص 171. 


- 150 - 


الفصل الثالث 
ومن بين الرموز الفنية التي وظفها السياب في شعره رمز "المطر" الذي يحمل لديه معنى الحياة 
والموت أو "البحر" الذي يحمل دلالة الصراع والمعاناة ودلالة الموتء أو "النخلة" التي تعني 
الأصالة والسكون كما تحمل وراءها دلالة الانفصال والخروج عن الموطن والطبيعة والذات» 
وأكثر الرموز الابتكارية الفنية التي استعملها السياب هي رموز مأخوذة من عناصر الطبيعة 
التي عرف عن الشاعر امتزاجه بها بصورة تناهت في الهيام والالتحام بهاء يقول السياب في 
قصيدة 'أنشودة المطر":- 
[..أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟ 
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟ 
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟ 
بلا انتهاء - كالدم المراق» كالجياع؛ 
كالحبء كالأطفال» كالموتى - هو المطر!...].! 
إنه مطر محزن لا يخصب ولا يثمر تئن له المزاريب حين ينهمرء فالمطر في حقيقته 
رمز للفرح والسعادة والنمو والازدهار ولكنه في هذا المقطع يرمز للحزن الشديدء والسياق الذي 
هو الحرمان من الأمومة هو الذي أضفى عليه هذه الدلالة النفسية القاتمة. 
إن هذا التضاد أو هذه المفارقة بين الدلالة والرمز ألقت على المقطع غلالة شعرية تراءى 
من خلالها بعد عميق لنفسية الشاعر ولكن هذا البعد غير مفضوح ولا هو جلي كل الجلاء لأن 
الرمز لا يكشف عن كل ما يحمله من إيحاء. 
وفي قصيدة "النهر والموت". يقول السياب:- 
0 
فيدلهم في انوتي .حنين 
إليك يا بويب» 
يا نهري الحزين كالمطر...].2 
لقد حمّل الشاعر كلمة "بويب" كل ما في كيانه من إحساس وشعور حتى الدم مدلهم 
بالحنين» والنهر الجاري مرآة للحزن» على الرغم من كون الماء له دلالة الحياة والفرح. 
إن رموز السياب الابتكارية عديدة [..كثيرة هي رموز السياب ولعل أبرزها جيكورء بويب. 


وفيقة» المسيح...].! 


1 الديوان السابق نفسه. ص 476. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 453. 


- 151 - 


الفصل الثالث 
ففي قصيدة 'تموز جيكور». يقول السياب:- 
[..جيكور.. ستولد جيكور: 
النور سيورق والنور. 
جيكور ستولد من جرحيء 
من غصة موتيء من ناري؛ 
سيفيض البيدر بالقمح» 
والحزن سيضحك للصبح...].2 
في هذا المقطع تصبح جيكور رمزا موازيا لتموز أو أدونئيس أو عشتارء فمن ميلادها 
يورق النور ويفيض البيدر بالقمح» ويضحك الحزن للصبح. 
وتكرار جيكور التي لم تصبح في نظر الشاعر قرية صغيرة هي رمز كلي يربط بين 
الشاعر وبين الحياة» وهذا التكرار يشحن الرمز ويعبئه شعرية رؤيوية ونفسية مكثفة حتى يصبح 
له نغم يتجاوب صداه مع الأجواء الباطنية للشاعر. 
وفي قصيدة "المسيح بعد الصلب" يتقمص الشاعر شخصية المسيح ليغدو هو المسيح 
نفسه وهذا التقمص أو هذا الحلول هو من قناعات الاعتقاد المسيحي» يقول:- 
[ بعدما أنزلوني» سمعت الرياح 
في نواح طويل تسف النخيل» 
والخطى وهي تنأى. إذن فالجراح 
والصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل 
تمتني» وأنصت: كان العويل 
يعبر السهل بيني وبين المدينة 
مثل حبل يشد السفينة 
وهي تهوي إلى القاع. كان النواح 
مثل خيط من النور بين الصباح 
والدجى» في سماء الشتاء الحزينة...].3 


1 علي جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه» ص 52. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 411. 
3 الديوان السابق نفسه.» ص 457. 


- 152 - 


الفصل الثالث 
إن الصليب وهو رمز للفداء والتضحية يوحي بدلالة تخيل الشاعر بأنه هو نفسه يحمل 
صفة المسيح الذي حمل الخطايا عن الناسء وكذلك فإن السياب يحس بأنه أحيا جيكور التي 
أصبحت قرية روحية يموت ويضحي لأجلها. 
ليس المقطع وحده الذي حمل دلالة الرمز "الصليب" ولكن القصيدة كلها أصبحت معبرة 
عن رمز واحد هو "المسيح" فأبعادها الشعرية والفنية جميعا تخرج من مشكاة 'معاناة المسيح' 
على الصليب. 
إن رمز الصليب يعني المعاناة ومقاساة آلام الموت وفي نفس الوقت يحمل دلالة الولادة 
الثانية في المعتقد المسيحي بحيث أن كل قديم قد مضى وانتهى وكل شيء صار جديدا في 
الخليقة» فدلالة الرمز الشعري في النص يوحي بالانبعاث والجدة والميلاد بعد القهر والمعاناة 
والهوان. 
أما وفيقة فهي رمز آخر يرى فيها الخلاص واشتهاء الموت» يقول في قصيدة 'شباك 


[..شباك وفيقة يا شجرة 
تتنفس في الغبش الصاحي 
الأعين عندك منتظرة 
تترقب زهرة تفاح 
وبويب نشيد 
والريح تعيد 
أنغام الماء على السعف...].! 
وفيقة فتاة أحبها في صباه وفجأة في الكبر يستعيد ذكراها كما شهد بذلك جبرا إبراهيم 
جبرا:- [ أذكر بوضوح أن بدرا حدثني في أواخر عام 1960 أو أوائل عام 1961 أنه فجأة 
جعل يتذكر فتاة أحبها في صباه تدعى وفيقة» وأنها ماتت صبية؛ وكان شباكها أزرق يطل على 
الطريق المحاذي لبيته].” 
فشباك وفيقة فيه الخلاص ومعاودة الماضي بنقائه وصفائه» يرجع فتصير الأخشاب شجرة 
تترقب الأعين منها التفاح الذي هو رمز للحياة» هذا الشباك لم يعد ذلك الشباك الأزرق الذي 


1 - الديوان السابق نفسه. ص 4117 118. 
2 إيمان "محمد أمين" خضر الكيلاني: المرجع السابق نفسه. ص 119., نقلا عن جبرا إبراهيم جبراء السياب في ذكراه السادسة» ص 25. 


-153- 


الفصل الثالث 
تطل منه وفيقة على الشارع الذي يسكنه الشاعرء بل هو رمز للحياة الأبدية المطمئنة الرائقة 
هو اشتهاء الموت المريح» ترقب لأنغام الماء الذي هو رمز للبداية الأولى قبل بدء الخليقة. 
وفيقة تسكن العالم العلوي وشباكها لا مكان له بل هو موجود في كل بقاع الأرضء إنها 
تمثل المسيح المخلصء يقول السياب من نفس القصيدة:- 
[..شباك مثلك في لبنان 
شباك مثلك في الهند 
وفتاة تحلم في اليابان 
كوفيقة تحلم في اللحد 
بالبرق الأخضر والرعد...].! 
فشباك وفيقة يمنح الشاعر الأمل بالحياة في الدار الأخرى: فهو رمز ينبثئق من عمق 
الماضي إلى ما وراء الحياة ليعطي دلالة الشوق إلى الموت الهادئ؛ فوفيقة فتاة طاهرة ترحل 
في عنفوان الشباب» وهي تحلم من وراء الموت بالبرق الأخضر والرعد. 
هذا الشباك الذي كان عنوانا وكان نصا لا نهائيا في نفس الوقت كان علامة سيميائية 
تنفتح على دلالات كثيرة متعددة» تحمل صورة الغيب وتمثل الماضي والمستقبل. 
إن الشعرية التي أضفاها هذا الوصف للشباك تتجاوز المحسوس وتنبثق منها ألوان لا 
حصر لها من الرؤى والمشاعر الفياضة؛ ومن الرموز الطبيعية في ديوان السياب» قوله في 


3 4. 


8 8 


[::النوو والظلماء 
أسطورة منحوتة في الصخور: 
كم ذاد بالنار 
فوم 'أطلف عا 
وكم أخاف النمورء 
إنسان تلك العصور 
تالور والتان 1..]: 2 
هذه الرموز (النورء النارء الظلماء» الصخورء النمور) تحمل تنائية تبرز من خلال سياق 
النصء ففي القسم الأول لها دلالة تختلف عن دلالتها في القسم الثاني من النصء ففيما كانت 


1 الديوان السابق نفسهء ص 120. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 336. 


4154 


الفصل الثالث 
تمثل رغبة الإنسان في أن يحيا في النور بعيدا عن الظلام في القسم الأول أصبحت في القسم 
الثاني تعني الرغبة في إطفاء النور» يقول السياب من نفس النص:- 
[..فأطفئي مصباحنا أطفئيه 
ولنطفئ التنور 
وندفن الخبز فيه. 
كي لا تعيد الصخور 
أمنظوزة الفار 1 
هذا التناقض اللامعقول في الرمز لا يعني عدم التوظيف الجيد بل إن الرمز الفني يتحمل 
طبيعة التناقض الحاد» وربما يرى بعض النقاد أن الرموز عند السياب كثيرة لكنها ضيقة ومغلقة 
[..كان السياب منتج رموز خصب, وكانت رموزه الشخصية ثرية لكنها متجاورة أي أن مداها 
الرمزي لم يكن فسيحاء ولم يكن متنوعا بشكل كافء إن رموزه على كثرتها تدور في مناخ من 
الدلالات كثيف لكنه في أحيان كثيرة ضيق حاد مغلق...].2 
فالشعرية الصادرة عن الرمز لها جاذبية قصوى ناجمة عن ذلك الموقف الذي يقفه القارئ 
حيال الرمز الذي يقع بين الرؤية الواضحة والرؤية الغامضة:؛ ومن تلك البؤرة تنسكب أشعة 
الدلالة دون انتهاء. 
7-1 المعجم اللغوي: 
لا يعني المعجم اللغوي كثرة المفردات والاتساع في الرصيد اللغويء إنما هو المقدرة 
على الصياغة والبناء للجملة وتشكيل العلاقات [..إن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم 
توضع لتعرف معانيها في أنفسهاء ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها من 
فواتة ]3 
فاللغة لا تدرس كألفاظ بل في السياق لأن الكلمة تكون متغيرة الدلالة حسب السياق» 
ويمكن إدراج الجانب الكمي للغة في خطاب السياب لأن تصنيف المفردات حسب الجذور 
اللغوية وطغيان معان محددة على معان أخرى له دلالات مهمة في الخطاب الشعري ومعرفة 
الاتجاهات النفسية والفكرية والفنية. 


1 الديوان السابق نفسه» ص 336. 
2 علي جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه» ص 51. 
3 عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه. ص 175. نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء دلائل الإعجاز. ص 495. 


-155- 


للاختخ777بٍطط00000707070ااااا7/؟ا7ل << _ << أ لف كال اثالث 

إن عدد الجذور التي يستعملها السياب في شعره وشبكة العلاقات القائمة بينها كثير جداء 
وقد أثبتت البحوث التجريبية أن عدد الجذور التي وظفها في شعره يرتفع إلى ثلاثة آلاف جذر 
لغوي. ويبلغ متوسط الكلمات المشتقة من كل جذر عشر كلماتء فتكون محصلة المعجم 
اللغوي الكلي الذي يوظفه الشاعر ثلاثين ألف كلمة”. 

ومن خلال هذا الإحصاء يظهر مدى الثراء المعجمي لديه؛ وتدور معظم كلماته حول 
ثلاثة أمور (الموت والحياة والحب). 

وينبغي الإشارة إلى أن القدماء قد تفطنوا إلى أن الدلالات اللغوية لا تتعلق بالمفردات في 
ذاتها وانما من خلال الوضع والسياق. 

[..ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه وضعه من اللغة: ثم تجد لذلك المعنى دلالة 
ثانية تصل بها إلى الغرضء ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل...].! 

ومن ثمة فإن القدماء قد تنبهوا إلى اللغة الشعرية التي تختلف عن اللغة النثرية المباشرة. 

إن قصائد السياب في المرحلة الأولى تدل على صلته الوثيقة بلغة التراث» وهو يهتم 
تحينقاء: لعفتة ونقانينا وقلمنا :لمعمل النتيافة الكلمناف البودية»مل كان سمل الكليات 
القاموسية» ربما اقتداءا وتأثرا ببودلير الذي كان الشاعر على صلة بشعره حيث يرى بأنه ينبغي 
التنقيب عن اللغة داخل القواميس فإذا لم نجدها فلنخترعهاء واطلاع السياب على اللغة القديمة 
جعل حضورها بارزا في أشعاره» كقوله في قصيدة 'ثعلب الموت":- 

[..تعلب الموت» فارس الموتء عزرائيل يدنو ويشحذ 
التضيل» امم :]2 
وكذلك "الجحفل" في قصيدة 'بورسعيد", يقول:- 
[ فنا مل للشيحفل الماحون غاته 
حتى جبى قدر ماء من دم وف 
وكلمة "العجاف" في قصيدة 'حفار القبور", يقول:- 


[..وكأآن بعض الساحرات 


* - صلاح فضل: أساليب الشعرية المعاصرة:, المرجع السابق نفسه. ص 62. نقلا عن عبد الكريم حسن. الموضوعية البنيوية دراسة في شعر 
السياب؛ بيروت. 1982؛ ص 33 وما بعدها. 

1 عثمان حشلاف: المرجع السابق نفسه. ص 173., نقلا عن عبد القاهر الجرجانيء دلائل الإعجاز.ء ص 272. 

2 الديوان السابق نفسه.». ص 447. 

3 الديوان السابق نفسه.ء ص 499. 


- 156 - 


الفصل الثالث 
مدت أصابعها العجاف الشاحبات إلى السماء...].! 
وكذلك "الصنوج" من نفس القصيدة» في قوله:- 
[..يرقصن حولي لاعبات بالصنوج وبالسيوف!...].7 
وكلمة "الشمأل" يقول في قصيدة "الأسلحة والأطفال":- 
[..محار يصلصل في ساقيه 
لأذيالهم رنة الشمأل...].3 
وكلمة 'جلجل" في نفس القصيدة:- 
[..سخي كما استضحك الجدول 
ولا هدهداتء» ولا جلجل 
يرن بساق الوليد...].4 
وكلمة "الآل" في قصيدة 'أسير القراصنة"؛ يقول:- 
[::مشلولة وحلاك مشدودة عيناك فا لال.. :]5 
تزخر قصائد السياب بالمفردات القديمة غير المستعملة» ومن خلالها يصبح الخيال جاثلا 
في طقوس شعرية لا وجود لها إلا في طيات الماضي. 
ولا يعني استعمال السياب للألفاظ القديمة أنه لا يرغب في التجديد بدليل أن قصائد كثيرة 
لا تحمل أي لفظ قديم بل تقترب من لغة التعامل اليومي وقد يكون ذلك من تأثير "إليوت" الذي 
أثر في كثير من شعراء الحداثة عندما حث على استعمال لغة الحديث اليومي أو اللغة المحكية 
كما في قصيدة 'شناشيل ابنة الجلبي” التي رفض لغتها بعض النقاد وأيدها آخرون باعتبار أن 
لغة الأطفال التي استعملها الشاعر فيها الكثير من التذوق والذكاء والاختيار. 
وللسياب قاموس آخر تتردد ألفاظه في في شعره مستقى من الأجواء التي عاشها حيث 
يكثر استعمال الألفاظ التالية: الماء» والزوارق» والمجاذيف, والنخيل» والأشجارء والبحرء يقول 
في قصيدة "'عينان زرقاوان":- 


[..فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير...].6 


- الديوان السابق نفسه.» ص 544. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 548. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 563. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 582. 
- الديوان السابق نفسه.ء ص 669. 
- الديوان السابق نفسه. ص 599. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 63. 


سم يم انا اكد را لت 


-157- 


الفصل الثالث 
وقوله في قصيدة: "ستار":- 
[..الزورق النائي» وأنات المجاديف.. الطوال...].! 
وقوله في قصيدة 'رحل النهار":- 
[..والبحر متسع وخاو. لا غناء سوى الهدير 
وما يبين سوى شراع رنحته العاصفات؛ وما يطير 
إلا فؤادك فوق سطح الماء يخفق في انتظار...].7 
وقوله من قصيدة "النهر والموت":- 
[..يضيء فيها خضرة المياه والشجر 
ما تنضح النجوم والقمرء 
وأغتدي فيك مع الجزر إلى البحر!...].3 
وقوله أيضا في قصيدة 'أهواء":- 
[..خلا الغاب ما فيه إلا النخيل *** إلا العصافير»ء فهو ارتقاب...].4 
وقوله في قصيدة "المعبد الغريق":- 
[..كأن الماء في ثبج البحيرة يمنع الزمنا...].5 
إذا فهناك ألفاظ كثيرة مستقاة من البيئة التي عاشها السياب مثل ما ورد في القصائد 


التالية:- 


'نهر العذارى"6 "غريب على | خلي 027 > وأشيْحار: المدينة"5 "جيكور امي 
إن ثراء المعجم اللغوي لدى السياب مكنه من التعبير بسهولة عن الأجواء الشعرية التي 


ترتسم في مخيلته سواء أكانت معبرة عن أجواء الريف أم أجواء المدينة. 
8-1 الموسيقا الخارجية: 


تساهم الموسيقا الخارجية في تبليغ المقاصد الشعرية بشكل واضح. وقد تنبه القدماء 


إلى الدور الذي تؤديه في تدعيم الأبعاد الشعرية المختلفة فاختاروا لكل موقف وزنا معينا 


جم يم نا اإذد را تت قل © دا 


- الديوان السابق نفسه. ص 78. 

- الديوان السابق نفسه.» ص 232. 
- الديوان السابق نفسه» ص 455. 
- الديوان السابق نفسه. ص 14. 

- الديوان السابق نفسه.ء ص 179. 
- الديوان السابق نفسه.ء ص 110. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 317. 
- الديوان السابق نفسه» ص 633. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 656. 


-158- 





الفصل الثالث 
يناسبه» ويضيق إطار البحث عن تتبع تطور القصيدة العربية من حيث الأشكال والأوزان غير 
أن التطور الحقيقي كان في أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات على يد بدر شاكر السياب 
ونازك الملائكة حيث أن الاتصال بالثقافة الغربية أتاح الاطلاع على أشكال أخرى للشعرء وقد 
سبق السياب غيره من الشعراء في تنوع وزن القصيدة حسب المقاطع الشعرية مثل قصيدة 'رؤيا 
في عام 1956". 

[حطمت الرؤيا على عيني صقرا من لهيب 

إنها تنقضء تجتث السواد 

تقطع الأعصاب تمتص القذى من كل 

جفن» فالمغيب 

عاد منها توأما للصبح.ء أنهار المداد 

ليس تطفي غلة الرؤيا: صحارى من نحيب 

من جحور تلفظ الأشلاءء» هل جاء المعاد ؟ 

أهن بحعةء اهو مره أهي نار أم رماد؟ 

أيها الصقر الإلهي الغريب...].! 

لقد اختار الشاعر بحر الرمل الذي توافق موسيقاه ( فاعلاتن ) المواقف المرعبة والشديدة: 
صقرا من لهيب» تجتث السوادء أهو بعث؛ أهو موتء أهي نار أم رماد؟ وقد ساندت موسيقا 
المقاطع الداخلية ذلك الألم المحتدم في نفسهء فحرف الدال الذي تكرر في أواخر بعض 
الأسطر ينشأ عنه جرس موسيقي شديد ملائم لسياق المعنى» كذلك تكرار حرف الباء الذي 
يحدث عنه صوت متفجر ملائم للقوة والشدة» بالإضافة إلى الكلمات الممدودة: السواد»ء المدادء 
المعاد» رمادء المساء؛ وقد شاركت في تصوير الرؤيا المرهبة والمفزعة. 
ثم ينتقل الشاعر في المقطع الموالي إلى بحر آخر وهو "السريع'» و تتكثف فيه المأساة 

والألم وتصبح الكلمة مشعة بقوة حيث يلوح المعني سريعا حاملا أصوات بعض الحروف المعبرة 
عن المأساة» يقول السياب:- 

[..في غيمة الرؤيا 

يوم بلا ميعاد 

جنكيز هل يحيا 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 429. 


-159- 


الفصل الثالث 
جنكيز في بغداد؟ 
عين بلا أجفان 
تمتد من روحي 
شدق بلا أسنان 
خاواني لبج 
يعوي: أنا الإنسان...].! 
فهذا المقطع الذي يطرد فيه المعنى سريعا مشعا ناجم عن اختيار تفعيلتي السريع 
'مستفعلن» فعلن"؛ ومن الملاحظ أن المقطع قد تكرر فيه حرف الياء» وحرف النون بكثرة 
ويوحي ذلك بشعور مؤلم من خلال نبرات الكلمات التي تحمل تلك الحروفء 'رؤيا" نغمة حزينة 
ناجمة عن مد الياء بالألفء وتكرار الياء في كلمة جنكيز التي أعادها الشاعر وكررها لنغم 
يصدر عنها معبر عن إحساسه العميق بالمأساة والألم وأمل العودة إلى الحياة وكلمة 'يعوي" 
التي تكثف فيها النبر الحزين حين اجتمع حرف الياء مع العين» ويعود الشاعر مرة أخرى إلى 
بحر الرمل في قوله:- 
[..يا جوادا راكضا يعدو على جسمي الطريح 
يا جوادا ساحقا عيني بالصخر السنابك 
رابطا بالأربع الأرجل قلبي 
فإذا بالنبض نقر للداربك 
واذا بالنار دربي...].* 
وعودة الشاعر في هذا المقطع إلى الرمل هو عودة النفس الذي استهل به بعد ذلك 
التسارع والتوثب والومض المشع في المقطع الثاني. لذلك صارت الأسطر في هذا المقطع 
أطول من الأسطر في المقطع الثانيء ولا يزال الألم يعتصر قلب الشاعر والمأساة تسحقه حتى 
يستحيل دربه نارا تتأجج. وقد وردت في المقطع صيغ ملائمة مساندة للموسيقا التي تحمل 
نبرات الألم والشدة» ومن تلك الصيغ: اسم الفاعل: راكضاء ساحقاء رابطاء للتعبير عن عظم 
المأساة» بالإضافة إلى يا النداء: يا جواداء وحرف الكاف: السنابكء الدرابك» وهذان الحرفان 
أيضا تشيع منهما موسيقا قوية ملائمة للسياق الداخلي للمقطع. 


1 الديوان السابق نفسهء ص 430» 431. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 431. 


- 160 - 


الفصل الثالث 
فتضافر الموسيقا الخارجية والداخلية أدى إلى تجسيد جو المأساة تجسيدا قويا في تجانس 
واتساق تام بين الداخل والخارج. 
ويعود الشاعر مرة أخرى إلى السريع» فهو يقول:- 
[..تموز هذا أئيس 
هذاء وهذا الربيع 
يا خبزنا يا أتيس» 
أنبت لنا الحب وأحي اليبيس. 
التأم الحفل وجاء الجميع 
يقدمون النذور 
بحيوق كل الملقوون:. ]1 
هذه العودة إلى السريع هي بقصد تنويع النغم» فلا تبقى القصيدة خاضعة لنفس واحد ورتم 
واحد. ولكن اختياره للسريع كان بسبب ملاءمته للدعاء والابتهال والطلب وهو موافق لطقوس 
الصلاة من أجل استعجال سقوط المطرء. ووظف حرف السين في القافية الذي هو حرف 
مهموس تصدر عنه نبرات الشاعر الحزينة الصاعدة من أعماق النفس المترجية والمنحنية في 
صلاة وابتهال. 
وفي المقطع الأخير يصل الشاعر إلى نتيجة غريبة ومريحة في آن واحدء وذلك بعد البوح 
الشديد والعسير بالمعاناة في المقاطع السابقة» يقول السياب:- 
[..ولفني الظلام في المساء 
فامقضييت: الدماة 
صحراء نومي تنبت الزهر؛ 
فإنما الدماء 
توائم المطر...].” 
فهذا المقطع الأخير الذي نظمه على الرجز ذي التفعيلة السريعة 'مستفعلن" كأنه الوصول 
إلى حل يجد فيه الشاعر راحته من رحلة البؤس والعناء» فالظلام الذي التف الشاعر عند 
مجيء المساءء والدماء التي هي رمز الشقاء تصبح ماء لصحراء النفس تمتصه فينبت الزهرء 
وتتساوى الدماء والمطر في قدوم الخصب والنمو والأمل وتوحد القافية في السطر الأول 


1 الديوان السابق نفسه» ص 434: 435. 
2 الديوان السابق نفسهء ص 441. 


- 161- 


الفصل الثالث 
والثاني» وهي الهمزة المسبوقة بألف المد والموحية بالتوجع والألم (السماءء الدماء)» والراء 
الساكنة في السطر الثالث والرابع والمعبرة عن الفرح والنشوة ( الزهر والمطر)؛ فلا مناص 
للشاعر من المزج بين الشعور المؤلم الأول والشعور الثاني وهو الفرح لينال درجة من الرضى 
والطمأنينة. 
أما في قصيدة "عينان زرقاوان" فيختار الشاعر مجزوء الكامل» يقول:- 
[عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير 
أرنو.. فينساب الخيال وينصت القلب الكسير 
وأغيب في نغم يذوب.. وفي غمائم من عبير 
بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير 
ناء.. يموت وقد تثاءب كوكب الليل الأخير 
يمضي على مهلء وأسمع همستين.. وأستدير 
فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير...].! 
تنساب في هذا المقطع موسيقا ساكنة هادئة موافقة لوزنة الكامل "متفاعلن"» وهي تفعيلة 
ملائمة لحالة الشاعر النفسية الغارق في التأمل لما ينجم عنها من نغم طويل ممتدء فهو يتملى 
بياض تلك المرأة وكسل حركاتها حين تستفيق من نومهاء وهي صورة استمدها من التراث 
الجاهلي حيث كانت المرأة (نؤوم الضحى) تجذب الإنسان الجاهلي» ويوظف الشاعر مفردات 
مختارة للدلالة على ذلك الشعور الهادئ:(تستفيق)» والاستفاقة لا تكون مفاجئة؛ وإنما تكون 
رويدا رويدا. (همستين)ء في كلمة الهمس وفي تثنيتها هدوء ورقة» (ينعس).» توحي بالهدوء 
الحالم. 
أما المد في الكلمات: تستفيق» خريرء الأخيرء أستديرء الغديرء فقد كثف من إطالة 
التأمل والاستغراق في الحلم الشاعري الطويلء» وهذا الامتداد والتأمل والتروي والحلم ينسجم تماما 
مع موسيقا الكامل. 
ومن قصيدة "العودة إلى جيكور". وهي قصيدة مشكلة بطريقة حرة» يقول:- 
[..جيكورء جيكور: أين الخبز والماء؟ 
الليل وافى وقد نام الأدلاء؟ 
والركب سهران من جوع ومن عطش 


1 الديوان السابق نفسه. ص 63. 


- 162 - 


الفصل الثالث 
والريح صرء وكل الأفق أصداء 
بيداء ما في مداها ما يبين به 
درب لنا وسماء الليل عمياء. 
جيكور مدي لنا بابا فندخله 
أو سامرينا بنجم فيه أضواء...].! 
المقطع من بحر البسيط وهو من البحور الممزوجة على الرغم من أن الشعر الحر يشترط 
فيه أن يكون من البحور الصافية» والملاحظ أن المقطع يتشكل من أربعة أبيات عمودية مبنية 
على قافية موحدة» ولكن الشاعر وزع الأبيات بهذا الشكل كما فعل غيره من شعراء الحداثة 
ولعل الغرض من ذلك هو كسر رتابة الشكل لا غيرء إذ لا يمكن تصور أي غرض فني آخر. 
يوحي جو القصيدة بتلك الرحلة الشاقة والمضنية التي يقوم بها الشاعر القديم في صحراء 
تيه مهلكة» فلا خبز ولا ماء» والأدلاء على الطريق قد ناموا لما أقبل الليل» والركب سهران من 
جوع ومن عطشء والريح تصر في تلك البيداء المقفرة الموحشة التي غاب نجمها فلا دليل ولا 
هاد. 
والنبرة الخطابية للمقطع تدل على أن السياب لا يزال متأثرا إلى حد بعيد بخطابية الشعر 
القديم التي تتلاءم مع البحور الطويلة. ربما لا يستطيع الدارس أن يحدد هدفا آخر للشاعر من 
هذا المقطع سوى الهروب من واقعه المرير وهو يعاني ظروفا حياتية قاسية يشعر فيها بالظلم 
والغربة النفسية» وقد يكون وجد بعض التنفيس وهو يستعيد صور المعاناة التي عاشها الشعراء 
القدماء وجسدوها في أشعارهم. 
وتفعيلات بحر البسيط التي تلائم غرض الشكوى والألم قد ساندتها بعض الكلمات 
بمعانيها وموسيقا حروفها الدالة على المكابدة والصراخ وكأنه يحاول الخروج من ضيق شديد ألم 
به أين الخبز والماء؟ صرخة من أجل النجدة؛ الليل» السهرء العطشء الريح؛ أصداءء عمياءء 
مفردات تحمل في ظلالها أجواء عانية وقاسية. 
إن الصوت في الكلمات التي احتوت على القافية: الأدلاء» أصداءء عمياءء أضواءء 
صوت صارخ يعلو باحثا عن مخرج أو متنفسء» وتأتي الهمزة مضمومة بعد "ألف التأسيس" 
ليتفجر ذلك الصوت الذي بلغ مداه. 
ومن بحر البسيط أيضا ما جاء في قوله من قصيدة 'سفر أيوب":- 


1 الديوان السابق نفسه» ص 422. 


-163- 


الفصل الثالث 
[..1 - يا رب أرجع على أيوب ما كانا: 
2 - جيكور والشمس والأطفال راكضة بين النخيلات 
3 - وزوجة تتمرى وهي تبتسم 
4 - أوترقب الباب» تعدو كلما قرعا: 
5 - لعله رجعا...].! 
وهو في هذا المقطع قد استخدم تفعيلتي البسيط حسب الدفقات الشعورية والنفسية» ويتم 
تقطيع هذه الأسطر إلى التفاعيل التالية:- 
1 - متفعلن / فاعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن 
2 - مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن / مستفعلن / فعلن 
3 - متفعلن / فعلن / مستفعلن / فعلن 
4 - مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن 
5 - فاعلن / فعلن 
وهذه التفعيلات كلها أساسية من بحر البسيط لا دخيل فيهاء وموزعة بشكل غير منتظم 
كما هي في البحر الخليليء إلا أنها في البيت التالي من القصيدة قد بلغت التمام والانسجام كما 
هي في البحر مع استخدام بعض الجوازات:- 
[..من رقدة الموت كم مص الدماء بها دود ومد بساط الثلج 0 
وجاءت تفعيلاته كما يلي:- 
مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن / مستفعلن / فعلن / مستفعلن / فعلن. 
وبهذا التفاوت في النظم بين التفعيلات يكون الشاعر قد حقق أنواعا مختلفة من النغمات 
الموسيقية الملائمة للمعنى؛ كالطول حين استخدم البحر تاما في البيت السابق وهذا الطول 
ينسجم مع رقدة الموت. 
ومن بحر الخفيف قصيدة 'جيكور أمي”. التي يقول في مقطع منها:- 
[..كيف أمشي أجوب تلك الدروب الخضر فيها وأطرق الأبوابا؟ 
أطلب الماء فتأتيني من الفخار جرة 
تنضح الطل للبرود الحلو... قطرة 
بعد قطرة 


1 الديوان السابق نفسه» ص 258. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 259. 


- 164 - 


الفصل الثالث 
تمتد بالجرة لي يدان تنشران حول رأسي الأطيابا: 
(هالتي) تلكء أم (وفيقة) أم (إقبال)؛ 
لم يبق لي سوى أسماء...].! 
في هذا المقطع يبني الشاعر أحيانا السطر على تفعيلة واحدة (فاعلاتن) أو على 
(مستفعلن)» وفي بعض الأحيان يمزج بينهما دون تساو في العددء ويدخل في آخر السطر 
الأول تفعيلة خارجة عن التفعيلات الأساسية وتقطيع البيت كالتالي:- 
فاعلاتن / متفعلن / فاعلاتن / فاعلاتن / متفعلن / مفعولن. 
وكذلك في السطر الثالث وتقطيعه كالتالي:- 
فاعلاتن / متفعلن / لن فاعلاتن / وتحول التفعيلة الأخيرة إلى (مستفعلاتن). 
وهي أيضا دخيلة على بناء القصيدة. وكذلك في السطر الخامس الذي بناه على 
(مستفعلن) وجوازاتهاء ولكنه اختل موسيقيا في آخرهء وتفعيلاته كالتالي:- 
مستفعلن / متفعلن / متفعلن / متفعلن / متفعل / مفعولن. 
وقد ذيل السياب القصيدة بقوله:- 
[ إذا كان 3 (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن) > (3 فاعلاتن 3 مستفعلن 3 فاعلاتن) مثلا 
فإن الفرضية التي تقوم هذه القصيدة موسيقيا عليها صحيحة...].7 
ويواصل قوله:- 
[..غير أني لم ألتزم بذلك إلا في الأجزاء الأولى من القصيدة.].3 
ويوضح عز الدين إسماعيل هذه المسألة الاجتهادية للسياب قائلا:- 
[..يعني بذلك أن الشطر من بحر الخفيف يتكون من: فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن» وأنه 
رغم تغاير التفعيلة فيه فإنه موسيقيا مقبول. فلو أننا إذن ضاعفنا فاعلاتن أي عدد» واستقلت 
فاعلاتن عندئذ في سطر بكامله؛» فإنه يكون من الممكن مضاعفة مستفعلن بنفس العدد في 
السطر الذي يليه» ثم نعود مرة أخرى إلى فاعلاتن في السطر الثالث وهلم. وقد تحقق هذا 
الشكل الموسيقي عمليا في القصيدة على هذا النحو...].4 
يقول السياب:- 
[..1 - تلك أمي وان أجئها كسيحا 


- الديوان السابق نفسه. ص 656» 657. 

- الديوان السابق نفسه» ص 659. 

- الديوان السابق نفسه» ص 659. 

- عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه؛ 90. 


انم يم برا احلقل 


- 165 - 


الفصل الثالث 
2 - لاثما أزهارها والماء فيهاء والترابا 
3 - ونافضاء بمقلتي» أعشاشها والغابا: 
4 - تلك أطيار الغد الزرقاء والغبراء يعبرون السطوحا...].! 
وتفعيلات هذه الأسطر كالتالي:- 
1[ - فاعلاتن / متفعلن / فاعلائن. 
2 - فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن. 
3 - متفعلن / متفعلن / مستفعلن / مستفعل. 
4 - فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتئن. 
وقد خاض السياب هذه التجربة الجديدة في موسيقا بحر الخفيف ويبدو أنها تجربة ناجحة 
للغاية» حيث ينمي هذا التنويع في التفعيلات إلى أنغام موسيقية جديدة ويفتح للشاعر مجالات 
إيقاعية واسعة وهذا التنويع سواء أكان على مستوى التفعيلة أم على مستوى المقطع أم القصيدة 
فإنه تطوير هام في موسيقا الشعر العربيء وقد أيد ذلك عز الدين إسماعيل قائلا عن تجربة 
السياب هذه:- [..إن الشاعر يقصد من هذه التجربة ولا شك أن يستغل تنوعا محددا ومعترفا به 
لكي يخلق منه إطارا أوسع فما دام ذوقنا يقبل التنويع في التفعيلات على مستوى البيت فلماذا لا 
يقبل نفس الصورة من التنويع على مستوى الأبيات؟ وبعبارة أخرى نقول: لماذا يكون البيت 
الشعري هو الوحدة الموسيقية التي تقبل تنوع التفعيلات» ولا تكون هذه الوحدة مكونة من عدة 
أبناك؟ :]2 
وقد لا يتفق آخرون مع رؤية عز الدين إسماعيل هذه التي يرون فيها أن القصيدة تصبح 
عبارة عن نثر فني جميل. 
أما قصيدة "المومس العمياء" فقد اختار لها تفعيلة بحر الكامل (متفاعلن)؛ ومعظمها من 
مجزوء الكامل حيث تكررت هذه التفعيلة أربع مرات في معظم الأسطرء وقد تخللها بعض 
الكسور في عدة مواطن كما في آخر السطر الأول والثاني:- 
[ الليلل يطبق مرة أخرى فتشربه المدينة 
والعابرون إلى القرارة.. مثل أغنية حزينة...].3 
وتفعيلاتها كالتالي:- 
1 الديوان السابق نفسه.» ص 656. 


2 عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسهء. 91. 
3 الديوان السابق نفسهء ص 509. 


- 166 - 


الفصل الثالث 
متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / فل. 
متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / فاعلن / فعولن. 
والكسر في البيت الأول يظهر في زيادة سبب خفيف ([0) حركة وسكون في آخره. أما 
الكسر الآخر فقد وقع أيضا في آخر السطر الثاني حيث انتهى بتفعيلتين خارجتين عن بحر 
الكامل وهما: (فاعلن / فعولن). 
أما تفعيلة الكامل التي اختارها الشاعر فهي تلائم النفس الحزين بجرسية موسيقاها الممتدة 
مع النبرة الحزينة للكلمات: الليل» العابرون» كأزهار الدفلى بالإضافة إلى القافية المزدوجة 
المكررة» ويفصل بين السطرين اللذين توحدت فيهما القافية بسطر أو سطرين ثم يرجع مرة 
أخرى إلى القافية (الروي)الموحدء وهذا التنويع في القافية بين الأسطر والمقاطع يضيف إلى 
القصيدة أوتارا موسيقية مختلفة تصب أنغامها الجديدة في النغم الكلي للنص في انسجام واضح. 
ويبني السياب قصيدة 'جيكور و المدينة" على بحر المتقارب» يقول في مطلعها:- 
[ وتلتف حولي دروب المدينة 
حبالا من الطين يمضغن قلبي 
ويعطين» عن جمرة فيه» طينه 
حبالا من النار يجلدن عري الحقول الحزينة 
ويحرقن جيكور في قاع روحي 
ويزرعن فيها رماد الضغينة...].! 
إن تفعيلة المتقارب (فعولن) بوقعها الموسيقي الشجي أضفى على القصيدة نغما متوافقا 
مع بوح الشاعر الحزين حين التفت حوله دروب المدينة مثل حبال الطين التي تمضغ قلبه 
...لخ من الإفضاءات الحزينة» أما جيكور فإنها عكس المدينة إنها هادئة مطمئنة» وقد زرعت 
تلك الأجواء في نفس الشاعر الأمن والسلام ولكن المدينة بحبالها الطينية المحرقة تحاول أن 
تقضي على ذلك الأمن والسلام في داخله. هذا الألم ولد أغنية حزينة هي القصيدة وكانت 
تفعيلة المتقارب وترا لهاء وقد تقارب عدد التفعيلات في الأسطر حسب الدفقات الشعورية 
والنفسية. ولكنه يختار وحدة إيقاعية أخرى هي تفعيلة بحر الرجز (مستفعلن) حين يحكي بكاء 
لاة لتموز. يقول من نفس القصيدة:- 
[ ترفع بالنواح صوتها مع السحر 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 414. 


- 167 - 


الفصل الثالث 
ترفع بالنواح صوتهاء كما تنهد الشجر 
تقول: 'ياقطارء يا قدر 
قتلت - إذ قتلته - الربيع والمطر"...].! 
وبهذا المزج الموسيقي اصطنع الشاعر ألوانا من الإيقاع الذي يكسر الإيقاع الأحادي 
الذي لا ينسجم إلا مع الذوق البسيط» ولو أنه أضاف في آخر كل سطر وتدا مجموعا(|[0) 
حركتين وسكونا. 
أما قصيدة 'حفار القبور" فقد اختار لها الشاعر تفعيلة بحر الكامل (متفاعلن)» وهي على 
غرار قصيدة "المومس العمياء" التي قامت على نفس الوزن وكلاهما من مجزوء الكامل في 
معظم أسطر القصيدتين وهذه التفعيلة (متفاعلن) تكون ملائمة حين يقوم الشاعر بالسرد 
القصصيء يقول السياب:- 
[..فاستيقظ الموتى عطاشى يلهثون على الطريق! 
وتدفع السرب الثقيل» 
يطفو ويرسب في الأصيل 
لجبا يرنق بالظلام على القبور الباليات 
وظلاله السوداء تزحفء كالليالي الموحشات» 
بين الجنادل والصخور 


واختلاف العدد في التفعيلة من سطر إلى آخر يخدم الأسلوب القصصي الذي ينبغي أن 
يحمل الدفقات الشعورية حسب مقتضى الأهداف من الأسلوب السردي القصصي فهذا التصوير 
البارع لأجواء الموت والدفن قد زادته تفعيلة البحر قوة في التصوير وأضفت على الوصف لونا 
موسيقيا من رهبة الموت ووحشة الليل والقبورء كما أن الكلمات التي كثرت فيها حروف المد 
الصائتة (الألف والواو والنون)؛ قد ساندت الإيقاع الموسيقي العام الناجم عن تفعيلات البحر 
المترادفة والمتفاوتة في كل سطر. 

وقد كثر استعمال البحر الكامل لدى الشعراء في فترة الخمسينات لأسباب واقعية في ذلك 
الوقت [..كان الكامل في الخمسينات ملاذا لمعظم الشعراء يوفر لهم الكثير من متطلباتهم 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 417. 
2 الديوان السابق نفسهء ص 2.544 545. 


- 168 - 


الفصل الثالث 
الإيقاعية وصياغاتهم العروضية؛ كان بحرا طيعا لا وعورة فيه» وقد كتبت معظم تلك القصائد 
في تلك الفترة على هذا البحر...].! 
ثم أخذ الرجز مكان الصدارة وذلك لما فيه من زحافات وعلل تسهل النظم وتقرب من 
الصياغة النثرية» وهيمن بعد ذلك المتدارك والمتقارب على كتابات الشعراء. 
أما قصيدة "ها .. ها .. هوه'. فقد اختار لها الشاعر بحر الطويل يقول السياب:- 
[..1 - رأيت الذي لو صدق الحلم نفسه 
2 - لمد لك الفما 
3 - وطوق خصرا منك واحتاز معصما؟ 
4ح لقد كنك شمسه 
5 - وشاء احتراقا فيك» فالقلب يصهر 
6 - فيبدو» على خديك والثغر؛ أحمر 
7 - وفي لهف يحسو ويحسو فيسكر...].7 
هذه الأسطر الغزلية وزع الشاعر فيها تفعيلات الطويل على الأسطر بشكل متفاوت 
مراعيا التدرج الطبيعي لتفعيلات الطويل في الوزن الخليلي حيث جاءت أسطر المقطع 
بالطريقة التالية:- 
1 - فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن. 
2 - فعول / مفاعلن. 
3 - فعول / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن. 
4 - فعولن / مفاعلن. 
5 - فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن. 
6 - فعولن / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن 
7-فعول / مفاعيلن / فعولن / مفاعلن 
وبحر الطويل ملائم لغرض الغزل لطول تفعيلاته» فهو ينسجم مع الأنفاس الشعرية 
الممتدة المناسبة للبث والوصف والإفضاء وقد ظهر إطلاق الزفرات في مد حرف الروي بالألف 
(معصما)ء وكذلك الهاء في كلمة (شمسه)ء أما حرف الراء في الأسطر الأخيرة فله صرير 
صائت ومركزء يحس فيه المتلقي بانفجار داخلي في نفس الشاعر. 


1 علي جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه.» ص 76. 
2 الديوان السابق نفسه» ص 636. 


- 169 - 


الفصل الثالث 
وقد نوع السياب بين تفعيلة الكامل (متفاعلن) وتفعيلة بحر المتقارب (فعولن)»: يقول 
السياب في قصيدة في انتظار رسالة":- 
[1 - وذكرتهاء فبكيت من ألمي: 
2 - كالماء يصعد من قرار الأرضء نز إلى العيون دمي 
3 - وتحرقت قطراته المتلاحقات لتستحيل إلى دموع 
4 - يخنقنني فأصك أسنانيء لتنقذف الضلوع 
5 - موجا تحطم فوقهن وذاب في العدم...].! 
والتقطيع كالتالي:- 
1 - متفاعلن / متفاعلن / متفا (فعلن) 
2 - متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / متفا (فعلن) 
3 - متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن 
4 - متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن 
5 - متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن / متفا (فعلن) 
وقد وفق الشاعر في اختيار هذه التفعيلة الملائمة لبث الشكوى والأحزان» فقلقلة القاف 
يتصعد مع انفجراتها صوت نفسه التي تتحرق وتتشظى وتئز كاللهيب من جراء الحزن والشوق 
والألم» بالإضافة إلى موسيقا الروي حرف (العين) الذي يتتالى في سطرين (دموع؛ الضلوع) 
حمل نبر الوجع وتباريح الجوى. 
ويقول في المقطع الموالي:- 
[..1 - دخان من القلب يصعد 
2 - ضباب من الروح يصعد 
8ه ينكان :ضيات 
4 - وأنت انحطاف وراء البحارء وأنت انتحاب...].2 
وتفعيلات هذا المقطع جاءت كما يلي:- 
1 - فعولن / فعولن / فعولن. 
2 - فعولن / فعولن / فعولن. 
3 - فعولن / فعولن. 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 611. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 611. 


-170- 


الفصل الثالث 
لات ففولق (افدولق / فتولن فقول افتولن رقيو ف 
وهذه التفعيلة :(فمولن) كلاثر 'الخركة"البتريحة والأنقعالأت التن: تصيطرم في النفين: فنكان 
القلب وضباب الروح واختلاط الدخان والضباب وانحطاف طيف الحبيبة الذي يظهر ويختفي 
وراء البحار وما يولد في داخله من بكاءء وانتحاب» كل هذه الصور التي تنبض بالحركة 
تتناسب مع إيقاع تفعيلة المتقارب. 
ويعود الشاعر مرة أخرى في المقطع الثالث إلى تفعيلة بحر الكامل» يقول:- 
[..وذكرت كلتنا (يهف بها ويسبح في مداها 
قمر تحير كالفراشة» والنجوم على النجوم 


دندن كالأجراس فيهاء كالزنابق إذ تعوم...].! 
والرجوع لتفعيلة الكامل أنسب بإيقاعها الذي يتلاءم مع الوصف والبوح. 
ويعمد إلى تفعيلة المتقارب مرة أخرى في الجزء الثاني من المقطع الثالث» يقول:- 
[هو الصيف يلثم شط العراق 
بغيماته ذاب فيها القمرء 
وتوشك تسبح بيضص النجوم لولا برودة ماء النهر 
وغنى مغن وراء النخيل 
يغمغم: 'ياليل» طال السهر 
وطال الفراق!" 
كأن جميع قلوب العراق 
تنادي» تريد انهمار المطر...].” 
ويعود في المقطع الأخير الموالي للمقطع السابق إلى تفعيلة الكامل» وتنويع البحور في 
القصيدة الواحدة جائز مما جعل الشعراء المحدثون ينوعون البحور في قصائدهم [..ومع ذلك 
يمكن تنويع البحور في القصيدة الواحدة في فقرات واضحة الحدود إذا اقتضت التجربة ذلك..].3 


* - خطأ في كتابة الكلمة والصحيح (يهفو)؛ ولا يصح عروضيا تجاوز هذا النوع من الأخطاء الذي يتعلق بالحروف الأصلية للكلمة. 
1 - الديوان السابق نفسه» ص 612. 

2 - الديوان السابق نفسه» ص 613. 

3 عز الدين المناصرة: المرجع السابق نفسه» ص 69. 


-171- 


خ7حتتححخط7)_)_)_ 22/797 ا_9222|اا__ 22 << ا فصل الثالث 
وتنتشر في قصائد الشعر الحر التفعيلة الناقصة وتتوزع بين سطرينء ولا تكون التفعيلة 
الناقصة إلا في آخر السطر الشعري أو في بداية السطر الموالي؛ فلا تكون في بداية السطر 
أو في وسطهء يقول السياب في قصيدة "المسيح بعد الصلب":- 
[..صرت جيلا من الناس: في كل قلب دمي 
تعترة ينه أو فعطن روه ]1 
وتقطيع السطرين كالتالي:- 
لن/ فعولن / فعولن/ فعولن / فعولن / فعو(فعل) 
لن / فعولن / فعولن / فعولن 
فالتفعيلة الناقصة وردت في آخر السطر الأول وبداية السطر الثاني. 
ويسمى ذلك عند بعض العروضيين (الحذف العروضي) وهو التدوير المعروف. 
9-1 القافية 1 الوقفة: 
اختلف القدماء في القافية فمن قائل:- إنها الكلمة الأخيرة في البيت وشيء قبلهاء 
وقال بعضهم:- هي حرف الرويء وقال آخرون:- هي الكلمة الأخيرة» وعند بعضهم الآخر 
تكون بعض كلمة أو كلمة أو كلمتين. 
والتعريف المتفق عليه عند معظم العروضيين [ هي من آخر البيت إلى أول ساكن يليه 
من قبله مع المتحرك الذي قبل الساكن].” 
ومهما كانت أهمية هذه التعريفات إلا أن القصيدة الحرة لم تعد تعنى بالقافية بمفهومها 
التقليدي» وأصبحت الدفقة الشعرية بديلا عنهاء وسميت (الوقفات) عوضا عن (القوافي)» وقد 
كان للقافية علاقة أساسية بالتشكيل الموسيقي الكلاسيكيء وتعد عنصرا أساسيا للشعر القديم ولا 
يقوم إلا بهاء أما في الشعر الجديد فقد صار للقافية مفهوم آخرء وأصبحت هي النهاية 
الموسيقية للسطر الشعري [..فالقافية في الشعر الجديد - ببساطة - نهاية موسيقية للسطر 
الشعري هي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية...].3 
وقد يكون الروي مشابها للقافية الواحدة في الشعر التقليديء» يقول السياب في قصيدة 


[..شع الهوى في ناظريها .. فاحتواني واحتواها 


1 الديوان السابق نفسه. ص459. 
2 - عبد الرحمن تبرماسين: المرجع السابق نفسه» ص 105.» نقلا عن لسان العرب. ص 196» والعمدة. ج1» ص 130. 
3 - عز الدين إسماعيل: المرجع السابق نفسه» ص 67. 


-172- 


الفصل الثالث 
وارتاح صدريء وهو يخفق باللحون» على شذاها 
فغفوت أسترق الرؤى والشاعرية من رؤاها 
وأغيب في الدفء المعطر ... كالغمامة في نداها...].! 


وقد يكون حرف الروي صوتا يختلف من سطر إلى آخرء يقول السياب في قصيدة "الليلة 
الأخيرة":- 
[..وفي الصباح يا مدينة الضباب 
والشمس أمنية مصدور تدير رأسها الثقيل 
من خلل السحاب» 
سيحمل المسافر العليل 
ماأترك الداع له مخ حسمة المذات: .]2 
لا يستطيع أحد أن يتكهن ما هي القافية التي يقف عندها الشاعر لكونه أصبح متحررا 
من قيود الماضي ولم يعد مثل الشاعر القديم الذي قد يحضر القوافي قبل الشروع في القصيدة: 
وأصبحت الكلمة المستعملة في نهاية السطر التي يرتاح إليها الشاعر هي الكلمة التي تأتي مع 
السياق المعنوي والموسيقي لتضع حدا لنهاية النفس الشعري [..والقافية تأتي فجأة دونما توقع 
وقد تتنوع عروضيا لأن الشاعر لا يحددها مسبقا ولا يبحث عنها في معاجم اللغة بالرغم من 
شعوره بأنه ملزم بها ولو بشكل متحرر لا يفرض عليه التتالي والتوحد والاستمرار ولا على رويه 
ال 3 
وهناك نوع آخر من القافية استعمله السياب وهو القافية المزدوجة» يقول في قصيدة 'مدينة 


السندباد":- 
[.؛الموت في الشتوارع: 
والعقم في المزارع» 
وكل ما نحبه يموت. 
الماء قيدوه في البيوت...].4 
1 الديوان السابق نفسه.» ص 44. 
2 - الديوان السابق نفسه.» ص 299. 
3 - عبد الرحمن تبرماسين: المرجع السابق نفسه» ص 107. 
4 


- الديوان السابق نفسه.» ص 467. 


-173- 


الفصل الثالث 
ولكنه لا يلتزم بذلك في كامل القصيدة فقد يفصل القافيتين المزدوجتين بسطر ينتهي 
بحرف مخالف أو يجعل بدل القافيتين ثلاث قواف متتالية ويشبه ذلك (القفل) في الموشحات 
الأندلسية» فهو يقول مباشرة بعد الأسطر السابقة:- 
[..وألهث الجداول الجفاف 
هم التتار أقبلواء ففي المدى رعاف» 
وشمسنا دمء وزادنا دم على الصحاف...].! 
ويقول أيضا في قصيدة "الأسلحة والأطفال":- 
[..عصافير؟ أم صبية تمرح 
عليها سنا من غد يلمح 
وأقدامها العارية 
محار يصلصل في ساقية. 
لأذيالهم رفة الشمأل 
سرت عبر حقل من السنبل» 
وهسهسة الخبز في يوم عيد 
وغمغمة الأم باسم الوليد...].2 
وهذه الطريقة في بناء الشعر مأخوذة من بناء الشعر الفرنسي والإنجليزي ومن الموشحات 
الأندلسية مع شيء من الاختلاف. حيث لم يلتزم بتلك الطرق التزاما تاما في أي من قصائد 
الديوان. 
وأحيانا تأتي القافية مشوشة وغير مرتبة» يقول السياب في قصيدة "الليلة الأخيرة":- 
[..رب صباح. بعد شهر ... بعدما الطيب 
يراه - من يعلم ماذا خبأ القدر؟- 
سيحمل الحقيبة المليئة 
بألف ألف رائع عجيب» 
بالحلي والحجرء 
باللعب الخبيئة 
يفجأ غيلان بها - ياطول ماانتظر! 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 467 
2 الديوان السابق نفسه» ص 563. 


"0 


الفصل الثالث 
يا طول ما بكى ونام تملأ الدموع 
يوخة" الأحراين او مصفيخة الذقانت جب ! 
هذا وصف لتلك الليلة الأخيرة التي قضاها في مستشفى بلندن» وكان سيقضي الليلة 
القادمة في مستشفى باريس الذي سوف ينقل إليه آملا في الشفاءء فنفسيته كانت متحررة 
منطلقة لذلك ترك العنان لشعره يسيل ويسترسل في حرية ودونما قيدء» وطاوعت القافية موسيقا 
شعوره الداخلي فتحرر المقطع من رتابة القافية فلم تبرز بشكل حاد. 
أما جان كوهين 00767 7647 فهو لا يرى [ أن تكون مجرد ترديد للصوتء لكنها ترديد 
لصوت نهائي].7 
فالمتلقي يدرك من نهايات الأسطر التالية تلك الوقفات في أواخر الأسطر حيث ينتهي 
المعنى والوزن» يقول السياب في مطلع قصيدة 'في غابة الظلام'":- 
[ عيناي تحرقان غابة الظلام 
بجمرتيهما اللتين منهما سقر. 
ويفتح السهر 
مغالق الغيوب لي ... فلا أنام...].3 
ولا يفهم من قول جان كوهين أن القافية أو الوقفة هي صوت نهائي فقطء بل إن الوقفة 
هي بمثابة الصدى المشترك الرابط بين نغم السطر ودلالته وانتسابه إلى النص ككل. 
فالقافية في الشعر الحديث أصبحت غير متكررة وغير مطردة [ ولا ترتبط بسابقاتها أو 
لاحقاتها إلا ارتباط انسجام وتآلف دون اشتراك ملزم في الروي...].4 
ويمكن القول أن الوقفة تجتمع فيها عدة عناصر دلالية واقاعية وجمالية» فالدلالة قد تترجم 
بشكل إيقاعي وبصورة أكثر فاعلية لتلامس أدق مشاعر المتلقي» وتثير فيه كوامن ذوقية 
وجمالية بفعل جرسية الوقفة الشعرية» فتلك العناصر: الدلالة والإيقاع والجمال» تتجاوب معا 
داخليا في (القافية) الوقفة» ليتردد صداها عبرها ويحس المتلقي بشعرية النص من خلال ذلك 
التلاحم العميق بين عناصر النص ووففاته التي قد تكون غير متجانسة شكليا. 


2/ عناصر الفضاء الداخلي: 


- الديوان السابق نفسه» ص 300. 

- عبد الرحمن تبرماسين: المرجع السابق نفسه» ص 108» نقلا عن جان كوهينء بناء لغة الشعرء ص 97. 
- الديوان السابق نفسه.» ص 704. 

- مشري بن خليفة: المرجع السابق نفسهء.ص 218. 


اسم يم يرا اكلقل 


-175- 


الفصل الثالث 
1-2 الصورة الشعرية: 
تقوم الصورة الشعرية القديمة على عمود الشعر وتبنى أساسا على الاستعارة والتشبيه 
بالاعتماد على اللغة الشعرية لذلك يلجأ الشاعر إلى المجاز والرمز والأدوات الشعرية المختلفة» 
وقد تكون الصورة جاهزة تقوم على محاكاة القديم وهي جزئية لا تلقي بظلالها على كامل 
النصء بينما تتلاحم الصورة الجديدة مع كل أجزائه وتمزج بين الحسي والنفسي أي تفاعل 
الوجود الخارجي مع الوجود النفسيء والصورة الناجحة هي تلك التي تترك أثرا وانطباعا حسنا 
لدى الآخرء وقد تستوحى الصورة من التراث أو تكون من ابتكار الشاعرء وإذا كان الشعر يقوم 
على الصورة فإنه ينبغي لها ألا تكون تصويرا فوتوغرافياء والصورة الذهنية التي هي من صنع 
الخيال تكون أبلغ من الصورة المرئية ولا يعني هذا أن كل الصور تستحسنء وهي تنقل الرؤية 
الشعرية لأنها تنبتق من كيان الشاعر وهو في حالة تخيلية وانفعالية» وإذا كانت الصورة القديمة 
تبنى على العلاقات المجازية من استعارات وكنايات وتشبيهات فإن الصورة الحداثية تهدم 
العلاقات والجسور بين الأطرافء ويمكن أن تصنف الصور إلى:- 
الصور البسيطة كقول السياب من قصيدة 'أهواء":- 
[..كأن ابتسامتها والربيع *** شقيقان» لولا ذبول الزهر...].! 
فالصورة المشكلة من التشبيه تبدو من ذلك التقارب بين ابتسامة الحبيبة المضيئة وصورة 
الربيع المشرقة» فهذه الصورة ليست مكثفة ولا تحمل أبعادا متعددة أو رؤيا كلية تزدحم بالصور 
الجزئية. 
ومن الصور الشعرية البسيطة أيضا قوله في قصيدة بعنوان "عبير":- 
[..عطرت أحلامي بهذا الشذى 
مخ شعر ف المسترسل” اديرد ]” 
لا جديد يذكر في هذه الصورة إلا ما كان من الصورة الاستعارية "عطرت أحلامي"'". 
فالاستعارة المكنية هنا لا تمثل سوى بعد واحد أو صورة أحادية فردية "الأحلام تعطر بالشذى'”. 
فالصور البسيطة كثيرة لا تحصى في شعر السياب», بل لو أحصيت صوره الشعرية لكان أكثرها 
من هذا النوع فهو لا يولع بالصورة المتعددة أو المكثفة. 


1 الديوان السابق نفسه.ء ص 20. 
2 الديوان السابق نفسه». ص 61. 


- 176 - 


الفصل الثالث 
أما الصنف الثاني من الصور الشعرية فهو الصورة المركبة ويتشكل هذا النوع من أدوات 
الشعرية الحداثية كقوله في قصيدة 'يا غربة الروح":- 
[..يا غربة الروح في دنيا من الحجر 
والثلج والقار والفولاذ والضجرء 
يا غربة الروح.. لا شمس تأتلق 
فيها ولا أفق...].! 
فهذه الصورة هي صورة حداثية انهدمت فيها علاقات التشابه؛» وكان هناك انزياحات لا 
تكاد تظهر فيها العلاقة بين الطرفين "دنيا من الحجر" كيف يكون شكل هذه الدنيا؟ 'والتلج'؟ 
'والفولاذ"؟ "والضجر”؟ 
فهذه الدنيا لا يمكن تصورها ممثلة بتلك الوسائل أو الأشياءء ولكن البعد الحقيقي هو بعد 
نفسي تخيلي حيث توحي تلك الدنيا بالغربة الروحية الحادة» حالة ضيق واختناق: فلا ألق ولا 
أفق للحرية والتنفسء فالشاعر يعيش في هذا الكون المادي في سجن روحي وضجر قاتل» 
وكأن منابع الحياة قد جفت من حوله ممثلة في الجوانب الروحية والمعنوية. 
وفي مقطع آخر من قصيدة 'سلوى' تصبح الصورة الشعرية حدسية بحتة لأن أساس هذه 
الصورة هو التصدع والتمزق» وليس هناك قاعدة ثابتة مقننة لهذه الصورة وذلك هو فعل 
الحداثة؛ يقول السياب:- 
[..شذى الليمون يصرع كل ظل في دواليها 
أراك على السرير وأنت بين الليل والفجر: 
يكاد النجم في الشباك والمصباح في الخدر 
يمسهما النعاس» وأنت زنبقة حواشيها 
ينبهها هتاف الديك يعبر ضفة النهر...].2 
لمح سريع متعدد لهذه الصورة يشبه (الفلاش) فشذى الليمون له علاقة بحب تلك المرأة ولا 
تعلم تلك العلاقة لأن الذاتية هنا قد بلغت أقصى مدىء ثم لمح آخر يشبه ما يعن من صور 
التداعي لدى السرياليين "أراك على السرير وأنت بين الليل والفجر" صورة ذاتية أيضاء ولمح 
آخر "النجم في الشباك والمصباح في الخدر", 'يمسهما النعاس". صورة حدسية ذاتية يلفها 


1 الديوان السابق نفسهء ص 660. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 679. 


-177- 


الفصل الثالث 
الغموض القاتم» "هتاف الديك يعبر ضفة النهر" كل هذه الصور المنكسرة المتشظية والمتفجرة 
في ذاتها توحي بمدى الاشتهاء وشدة التعلق بتلك المرأة. 
وهناك صور تبنى على تراسل الحواس 007765701007065 حيث يصبح ما كان مسموعا 
مرئياء وما كان مرئيا مشموماء يقول السياب في قصيدة 'سلوى':- 
[..أشم عبيرك الليلي في نبراتك الكسلى 
يناديني ويدغوني ...]1 
يصبح للنبرات والصوت عبير يشتمء وللعبير الذي يشتم ولا يرى لون "الليل", فهذه 
الصورة لا يصطنعها إلا الشاعر الرمزي حين تختلط لديه وظائف الحواس في غمرة الرؤيا 
الشعرية وهو يحلم ولا يستطيع التعبير إلا رمزا. 
ومن هذا النمط أيضا قوله في قصيدة "حدائق وفيقة":- 
[..أي عطر من عطور الثلج وان 
صعدته الشفتان 
بين أفياء الحديقة 
يا وفيقة؟...].2 
فالعطر الذي يشتم مستعار من عطر الثلج الذي يبصر ويرى بحاسة العين. 
إن هذه العينات من قصائد السياب التي تمثل أنواع الصورة الشعرية بسيطة ومركبة» هي 
مجرد نماذج لتبيان أنماط الصورة الشعرية وهذه الأنماط كثيرة جدا في شعره؛ أما الصور 
الطاغية فهي الصور البسيطة المبنية على التشبيه والاستعارة» ومع ذلك فإن هناك صورا تقوم 
على الانزياحات والمفارقات؛ لذلك فإن ديوان السياب يعد ديوانا غنيا في تنوعه من حيث 
الصور سواء تلك التي استوحاها الشاعر من التراث أو من الشعر الغربي أو من صنعه 
وابتكاره. 
والنوع الآخر المهم من الصور هي الصورة الكلية وتدخل ضمن الصورة المركبة أو 
المعقدة وهي تلك التي تعبر عن الرؤيا الشاملة والمتكاملة للشاعر في قصيدة معينة حيث أن 
كل قصيدة لها رؤيا خاصة وتتولد الصورة الكلية عن الوحدة الموضوعية والعضوية للقصيدة 
[..إن الصورة الشعرية ينبغي ألا تنفصل عن التفكير الكلي الشامل...].3 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 679. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 126. 
3 - عز الدين اسماعيل: المرجع السابق نفسه» ص 161. 


-178- 


الفصل الثالث 
والصورة الكلية تصب فيها كل الصور الجزئية في وحدة متماسكة ومتاصرة بطريقة فنية 
معينة حيث لا تنافر ولا نشاز بين تلك الصور المشكلة لجسد النص الشعري والمقصود بالتنافر 
عدم الانسجام والاتساق الداخلي» فقد يولد التنافر والتصادم والتصدع صورا محدوسة تترابط 
بعلاقات متينة خفية جداء ومعظم قصائد السياب مبنية على رؤياء لذلك فشعره بشكل عام يتوفر 
على الصور الكلية وان كانت مشروخة في بعض القصائد حين لا تسعف السياب شاعريته لكي 
تكون الأسطر وكل الجمل الشعرية بنفس الحرارة التي تتوفر في المقاطع الأخرى للنص. 
2-2 التناص: 
إن الباحث في مكونات النص الخارجية والداخلية يجدها عبارة عن سلسلة من 
العلاقات مع نصوص أخرى ويكشف عن شبكة كثيفة من التداخلات النصية» ولكون هذا 
التداخل أو التلامس أو التقاطع مع تلك النصوص صريحا ظاهريا أو داخليا خفيا يصعب 
التوصل إليه» وقد تنبه القدماء إليه وأصبح نظرية معاصرة وهو عامل إيجابي في النتصوص 
يدل على الاتساع والاطلاع؛ وقد وظف السياب القصص الشعبي العربي في شعره؛ ربما كان 
ذلك بدافع القومية وإبراز التراث» أو بدافع فني بحت. حيث وظف قصص عنترة وعبلة وأبي زيد 
الهلالي والحسن البصري وقمر الزمان. 
ومن قصيدة 'إرم ذات العماد" قوله:- 
[..تنضح (يا وقع حوافر على الدروب 
في عالم النعاس» ذاك عنترة يجوب 
دجى الصحارىء إن حي عبلة المزار)...].! 
فشعرية التناص في هذا المقطع تبدو في استحضاره لقصة عنترة وعبلة وهو يرتاد الفيافي 
والققان:والمخزون الفكزي لدى العربي مشكون بيظولة عنتزة فهو بهذا ,التيمين بلاس في 
القارئ العربي مشاعر الإعجاب بقصد الإثارة. 
ويقول في قصيدة "الوصية":- 
[..ألف أبي زيد تفور الرغوة 
مو كتله التحدواة السو 


1 الديوان السابق نفسهء ص 603» 604. 
2 - الديوان السابق نفسهء» ص 221. 


- 179 - 


الفصل الثالث 
فذكر أبي زيد الهلالي وخيله الحمراء يجعل القارئ ينشد للماضي وقد تركت تلك القصص 
في نفسه آثارا لا تمحى وفي ذلك اسثثارة لخياله وتنبيه لأحاسيس قوية ربما كانت غائبة أو 
منطمرة في طيات اللاشعور. 
ومن مواطن التناص في قصيدة "غريب على الخليج"' ذكره لقصة عروة بن حزام وعفراء 
في حبهما الذي صار قصة تروى عبر الأجيال:- 
[..وهي المفلية العجوز وما تشوش عن 'حزام" 
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميلة 
فاحتازها.. إلا جديلة...].! 
فالقصة بهذا السياق الشعري تثير مكامن المتلقي الذي قد تلامسه في جانب من جوانب 
نفسه فتنشأ أمامه طقوس شعرية جميلة يتذوقها. 
ويقول في قصيدة "المومس العمياء" ناقلا ضمنيا أقوال أبي العلاء المعري:- 'ما أظن 
أديم الأرض إلا من هذه الأجساد" وقوله:- "هذا جناه أبي علي..." 
[..لا تنقلن خطاك فالمبغى "علاثي" الأديم: 
أبناؤك الصرعى تراب تحت نعلك مستباح 
يتضاحكون ويعولون 
أو يهمسون بما جناه أب يبرئه الصباح 
مما جناه» ويتبعون صدى خطاك إلى السكون...].7 
وهو في قصيدة "الليلة الأخيرة" يتقمص شخصية الحسن البصري الذي يجوب الآفاق» 
يقول:- 
[..'يا أرج الجنة» يا إخوة يا رفاق» 
الحسن البصري جاب أرض واق واق 
ولندن الحديد والصخرء 
فما رأى أحسن عيشا منه في العراق"...].3 


1 - الديوان السابق نفسه» ص 318» 319. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 512. 
3 الديوان السابق نفسه» ص 301. 


- 180 - 


الفصل الثالث 
وجزيرة "واق واق" هي أرض العجائب والسحر فهذا التشبيه العجائبي يضفي على النص 
جانبا سحريا من الشعرية التي تجعل الشاعر يبدو في صورة المغامر الذي يصل إلى أبعد نقطة 
في الكون وهو يخوض تجارب الحياة. 
ويوظف الشاعر قصة السندباد الغرائبية وكيف ساعدته الجنيات لتخليصه من الغرق في 
البحرء يقول السياب في قصيدة "أغنية بنات الجن":- 
[.." نلوح للطفل فراشات من الشعاع 
تخفق في ذوائب الشجرء 
ويلمح العاشق في عيوننا الوداع 
إذ يصفر القطار أو يصفق الشراع 
ونحن للشاعر إن شعر 
ننشد: "فلك سندباد ضل في البحر 
حتى أتى جزيرة يهمس في شطانها المحار: 
يهمس عن مليكة يحبها القمر 
فلا يغيب عن سماء دارها النظار"...].! 
إن قصص الجن عميقة في التراث العربي وفي القصص الشعبي لذلك فإن إثارة الموضوع 
يشكل حافزا للمتلقي العربي المشبع منذ طفولته بتلك القصص العجيبة التي تجعل خياله يسبح 
في عوالم شعرية مثيرة للدهشة. 
ويوجد التناص الحرفي - كما ورد ذكره في هامش النص من الديوان - حيث اقتبس 
السياب من الشاعر الاسباني 'لوركا" شاعر الغجر هذا البيت» يقول السياب من قصيدة "رؤيا 


فوكاى": 


00 


[..فاخضرت الرياح» والغدير والقمر...].” 
وفي قصيدة "المبغى" يورد حرفيا شطرا لعلي بن الجهم:- 

[عيون المها بين الرصافة والجسر 

تقوب رصاص رقشت صفحة اليذو...]ة 


1 الديوان السابق نفسه» ص 654. 
2 الديوان السابق نفسه» ص 357. 
3 الديوان السابق نفسهء ص 450. 


-181- 


الفصل الثالث 
وهذه الانزياحات المفارقة لم تكن موجودة في الشعر العربي من قبل لأن تشبيه الرياح 
بالعشب الأخضر يبين مدى غموض العلاقة بين المشبه والمشبه به وكذلك اخضرار الغدير 
والقمر اللذين لا يمكن أن يكونا أخضرين إلا في المخيلة كما هو معروف لدى الرمزيين. 
فالشعرية في السطرين السابقين قد تكون صادمة أوعسيرة على القارئ العربي بحيث لا 
تهضمها مخيلته التي تعتمد على فهم العلاقات ووضوحها في الشعر. 
وهناك ترجمة تكاد تكون حرفية من قصيدة للشاعرة الإنجليزية إيديث ستويل "ترنيمة 
السرير " (11/1/4» يقول السياب من قصيدة "من رؤيا فوكاي"':- 
[..ورغم أن العالم استسر واندثرء 
ما زال طائر الحديد يذرع السماءء 
وفي قرارة المحيط يعقد القرى 
أهداب طفلك اليتيم حيث لا غناء 
إلا صراخ "البابيون": 'زادك الثرىء 
فازحف على الأربع... فالحضيض والعلاء 
سيان والحياة كالفناء!"...].! 
يعترف الشاعر نفسه بالاقتباس على هامش نصه في الديوان قائلا:- "كما جاء في 
قصيدة إيديث ستويل". 
إن هذه الشعرية التي تعتمد على القصص الغرائبية قليلة في الشعر العربي - كما هو 
معلوم- ولكنها جعلت الشعر العربي يتنفس برئة أخرى وينفتح على طقوس شعرية أوسع. 
وكلما كان التناص في محله وأضاف رؤية أو لمحة جديدة فإن كثافته في النص لا تقلل 
من شأن النص بل تزيده قوة واتساعا وثراء في الرؤيا الشعرية وهو حين يقع في دائرة القصيدة 
في حالة تشكلها ينصهر معها انصهارا ويصبح جزءا طبيعيا من النص. 
3-2 المفارقة: 
تقوم المفارقة على التناقض في صراع بين الذات والموضوع والسياب في واقعه 
عاش حياة ازدواجية فهو مناضل ومكافح وفي نفس الوقت يعيش ألم الحب المخفقء إنها 
ازدواجية متباعدة الطرفين» لذلك تكثر المفارقات في شعره» ففي قصيدة "المومس العمياء" هناك 
مفارقة قائمة على السخرية» يقول:- 


- 182 - 


الفصل الثالث 
[..'قابيل" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف 
ونم تشاع هن العطون | انقسافتاة الذمنا دنا 
قابيل رمز للشر - كما هو وارد في القرآن الكريم - وقد بلغ الشاعر مرحلة قصوى من 
الانغماس في شهوة النساء حتى أصبح يشعر بالرذيلة والشر في قرارة نفسه وهو القروي الذي 
عاش صفاء الريفء لذلك فإن هذا الشعور كان قاسيا عليه حتى بدت له نفسه في صورة قابيل 
الذي وقع في شباك الإثم فهو يسخر من نفسه سخرية مرة» ويحمل دم الجريمة ويتستر 
بالمظاهر الخادعة. 
ومن المفارقات أيضا قوله في نفس القصيدة:- 
[..الحارس المكدود يعبرء والبغايا متعبات» 
النوم في أحداقهن يرف كالطير السجين» 
وعلى الشفاه أو الجبين 
تترنح البسمات والأصباغ تكلى» باكيات» 
وكأن عارية الصدور 
أوصال جندي قتيل كللوها بالزهور. 
وكأنها درج إلى الشهوات» تزحمه الثغور 
حتى يهدم أو يكادء سوى بقايا من صخور...].2 
تتجلى المفارقة في كون الحارس المكدود مجبر على العبور وحوله البغايا ببسماتهن 
وأصباغهن التكلى الباكيات على تلك المظاهر المستهلكة» إنها مفارقة مبنية على التناقضء. 
فالحارس يحمل الرفض وعبء الجهد والكد ومع ذلك فإن الظرف يفرض عليه التحمل 
والتجاوز. 
وهذه المفارقة المبنية على التناقض بين طرفين: طرف الرفض والشعور بالإثم وطرف 
التعايش مع المظاهر الخداعة التي تنطوي على الإثم. فهذا الصراع بين الفضيلة والرذيلة 
يجسده الشاعر بمقابلة الوجهين المتناقضين فتنشأ شعرية بين الطرفين تحمل تلك المفارقة 
الحادة. 
إلا أن المفارقة هنا أحادية الطرفين وغير مكثفة بالمقارنة مع مفارقات تتعدد فيها الأجزاء 
المتضادة في كل طرف. 


1 الديوان السابق نفسه. ص 510. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 2512 513. 


-183- 


الفصل الثالث 
وفي قصيدة "حفار القبور". يقول:- 
[..واخيبتاه! ألن أعيش بغير موت الآخرين؟ 
والطيبات: من الرغيفء إلى النساءء إلى البنين 
هي منة الموتى عليء فكيف أشفق بالأنام؟ 
فلتمطرنهم القذائف بالحديد وبالضرام 
وبما تشاء من انتقام: 
من حميات أو جذام!...].! 
إن حفار القبور رمز للفقر والعوزء فهو يرفض العيش مقابل أن ينال أجرة دفن الجثث. 
إنه يتشهى أطايب الحياة: الرغيف والنساء والبنين وهو في قاع العدم» لذلك ينقم على الناس 
ويتمنى المزيد من الموت والهلاك بكل الوسائل القاتلة» الحديد والنار والجذام... 
إن التناقض الذي يحمله بين جنبيه مأساة شديدة ناجمة عن الواقع المفروض والأمل 
المفقودء وهذه المفارقة تفضح إحساس حفار القبور العميق الذي لا يراه الناس» فالشاعر عندما 
يكشف دخيلته بهذه المفارقة ويعري نواياه يحتاج إلى ابتكار صورة لا تولد إلا بطاقة شعرية 
خارقة ومن ثمة يحدث في نفس المتلقي الإحساس بالدهشة والاستغراب. 
وهو في قصيدة 'مرحى غيلان" يجسد مفارقات حادة بين الواقع الذي يفرز الشرور وبين 
الأمل في الخلاصء يقول:- 
[..عشتار فيها دون بعل 
والموت يركض في شوارعها ويهتف: يا نيام 
هبوا فقد ولد الظلام 
وأنا المسيحء أنا السلام. 
والنار تصرخ: يا ورود تفتحيء ولد الربيع...]. 
يجسد المقطع واقعا مزريا وحياة ضَنْكَى يحياها الناس في ظلام وموتء حالة مأساوية 
تختل فيها موازين العدالة والإنسانية وهو الطرف الأول من المفارقة الذي يناقض الطرف الثاني 
المتمثل في الأمل حيث عشتار التي تملأ الدنيا خصبا وحياء والمسيح يأتي بالخلاصء والنار 
تلد الورود فيأتي الربيع. 


1 الديوان السابق نفسهء ص 550. 
2 الديوان السابق نفسه» ص 327. 


- 184 - 


الفصل الثالث 
إن المزج بين المتناقضات الشديدة يمنح النص شعرية تشد الخيال والانتباه وتغني النص 
بالرؤيا الثرية التي تنبجس بالصور الغرائبية. 
ويذكر في قصيدة "سفر أيوب" لقاء حبيبة في جيكور وقد ترك في نفسه أثرا عميقا:- 
[..ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج وأمطارء 
ولندن مات فيها الليل» مات تنفس النور 
رأيت شبيهة لك شعرها ظلم وأنهارء 
وعيناها كينبوعين في غاب من الحور. 
مريضا كنت تثقل كاهلي والظهر أحجارء 
أحن لريف جيكور...].! 
في هذا المقطع يذكر لميعة وهو في لندن والدجى ثلج ومطر وقد رأى شبيهة لتلك 
الحبيبة» لها شعر ناعم وعينان كينبوعي ماء. 
إن الحياة في لندن قاسية وصعبة والحياة في ريف جيكور حلم وهو في مطارح الغربة 
بلندن يعاني شدة المرضء فالمفارقة المتمثلة في طرفين متناقضين واقع مؤلم وحلم بالعودة إلى 
جيكورء تجسد بعدا شعريا يرسم أيقونة» جانب منها داكن قاتم وآخر مشرق مضيء. 
ومن المفارقات أيضا قوله في نفس النص:- 
[..رميت وجه الموت ألف مرة 
إذا أطل وجهه البغيض 
كأنه السيرين”» يسعى جسمي المريض 
نحو ذراعيه بلا تردد...].2 
يبين المقطع يأس الشاعر من المرض فقد وصل إلى حالة يتمنى فيها الموت ومغادرة 
الحياة فهو يسعى إلى الموت بنفسه ويتمنى الارتماء بين ذراعيه لكي يتخلص من الألم. 
صراع الشاعر مع المرض قاس مرير من أجل الحياة» والسعي للموت» مفارقة تستدعي 
تخيل كبر المعاناة في صميم الشاعرء وشعرية المفارقة هي التي جسدت كبر المعاناة. 
إن المفارقة في شعر السياب متعددة الوجوه وقد انطبع بها شعره خاصة في المرحلة 
الثانية التجديدية» وهو كغيره من شعراء الحداثة استطاع أن ينقل بتلك المفارقات ألوانا لا 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 269. 
* - السيرين: حورية بحر تغني فتجذب إليها من يسمعها كما في الأوديسة. 
2 الديوان السابق نفسه» ص 273. 


- 185 - 


الفصل الثالث 

تحصى من الشعرية المتنوعة التي ترسم الأمل والخيبة والفرح والحزن والألم واللذة والانتصار 
والانكسار وما إلى ذلك من الأجواء الشعرية الخارقة. 
4-2 الانقطاع: 

هناك علاقات لغوية وصيغ تعبيرية لا تجانس ولا تقارب منطقي بينها فهي 
متعارضة ومتقاطعة بصورة حادة» ومحاولة الوصل بين فكرتين لا رابط بينهما توفران فضاء 
شعريا لا تحققه الأفكار المتجانسة [..لأن الشعرية تمثل حالة انتقال حاد من كون إلى كون أي 
خلق مسافة توتر شاسعة بين كونين...]!» ولا يعني هذا الانبتات التامء بل تبقى هناك علاقات 
خفية أو وصل داخليء إنما الانقطاع يكون على مستوى الشكل الخارجي؛ ومن حالات 
الانقطاع في ديوان السياب قوله في قصيدة "حدائق وفيقة":- 


[ لوفيقة 
في ظلام العالم السفلي حقل 
فيه مما يزرع الموتى حديقة 
يلتفي في جوها صبح وليل 
وخيال وحقيقة 
تنعس الأنهار فيها وهي تجري 
مثقلات بالظلال: 2 
صاغ الشاعر في المقطع السابق طقسا أسطورياء وقد ساعده في صنعه عنصر 
الانقطاع: إذ كيف يرى هذا الحقل في ظلام العالم السفلي؟ 
فالانقطاع بين وواضح في ظاهر العبارة في علاقة الحقل بالظلام» ولكن تصور الشاعر 
وجود حقل لوفيقة وهي تسكن العالم السفلي» لأنه أحبها وهو يذكرهاء ولا شك أن لها حديقة 
تنعس الأنهار فيها وهي تجريء وهو انقطاع آخر إذ كيف يمكن للأنهار أن تنعس وهي تجري؟ 
حيث يستحيل النعاس على الأنهار ولا علاقة منطقية بين الأنهار والنعاسء» إنه يحاول تصوير 
السلام الأخروي الذي تعيشه وفيقة هناكء» فهي أنهار تجري في تلك الحديقة ساكنة هادئة. 


1 - سامح الرواشدة: المرجع السابق نفسه.» ص 51.» نقلا عن كمال أبو ديب. في الشعرية» مؤسسة الأبحاث العربية» بيروت» ط1؛ 1987 ص28. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 125. 


- 186 - 


الفصل الثالث 
فهذه الانقطاعات اللغوية بين الشيء وصفاته وبين الفكرة والأخرى قد أدت إلى تصوير 
عالم مختلف عن عالم الشهود. 
ويقول في قصيدة "دار جدي':- 
[..وفي ليالي الصيف حين ينعس القمر 
وتذبل النجوم في أوائل السحر....].! 
في السطر الأول انقطاع بين 'ينعس" و "القمر"» هناك مسافة قصوى بين الكلمتين تشكل 
الانقطاع التام بينهما ولكن العلاقة الداخلية موجودة لأن طول الليل لا بد أن يغلب القمر فيأخذه 
الكرى وينعسء فالانقطاع محقق في الخارج والوصل محقق في الداخل. 
وفي السطر الثاني انقطاع آخر بين كلمتي "تذبل" و "النجوم' إنه لا يمكن للنجوم أن تذبل 
وتذوي ولكنها تأفل وتزول» ففي الظاهر ليست هناك علاقة بين الكلمتن ولكن في الداخل تصبح 
صفة الذبول تعني الأفول» حيث يقترب شكل النجمة من الزهرة التي تذبل مما جعل الشاعر 
يسوغ قبول ذلك الانقطاع. 
ويقول في قصيدة "أساطير":- 
[..على مقلتيك انتظار بعيد 
وشيء يريد: 
ظلال 
يغمغم في جانبيها سؤال»...].7 
يستشف الشاعر من عيون هذه المرأة قصة قد تأتي في المستقبل فمقلتاها تحتويان سرًا 
للقاء تنبئ عنه مخايل انتظار بعيدء وهذه الصورة لم ترتسم في المخيلة إلا بالانقطاع بين 
المقلتين والانتظارء ولكن العلاقة الداخلية غير مقطوعة إذ يمكن من النظر إلى العيون أن بُقرأ 
ذلك الانتظار وترى ملامحه. 
فهذه الشعرية المتوثبة في التعبير السابق من شأنها أن ترفع الشعر الحداثي إلى الأجواء 
والفضاءات الشعرية التي لم يعهدها الشعر العربي من قبلء ويقول السياب في نص "القصيدة 
والعنقاء":- 
[..جنازتي في الغرفة الجديدة 
تهتف بي أن أكتب القصيدة 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 147. 
2 الديوان السابق نفسه». ص 37. 


- 187 - 


الفصل الثالث 
فأكتب...]. 1 
يبرز الانقطاع هنا بين كلمة 'جنازتي" التي تعني الانتهاء والعدم وبين كلمة 'فأكتب"". 
وبالمنطق الواقعي فإن الشاعر إذا مات انقطع عن الكتابة» أمَّا الحقيقة التي يريد أن ينقلها من 
خلال هذا الانقطاع بين الكلمتين فهي أنه شاعر لا تفارقه الكتابة وموهبته لا تموت حتى بعد 
الموت فهو يكتب. 
وهذا التعبير يعكس أن الشاعر لن يتخلى عن الشعر حتى بعد الموت سوف يحس بأنه 
شاعر يكتب القصيدة» وهذا أمر لا يتحقق ومع ذلك فإن الداخل يحمل قوة التمسك بالشعر. 
فهويقول في قصيدة 'سفر أيوب":- 
[..بعيدا عنك» في جيكورء عن بيتي وأطفالي 
تشد مخالب الصوان والإسفلت والضجر 
على قلبي» تمزق ما تبقى فيه من وثتر...].* 
أصبح للصوان والإسفلت والضجر في هذا المقطع مخالب تشد على قلب الشاعر وتمزق 
ما تبقى من أوتاره التي كانت تعزف المسرة والفرح» انقطاع شديد بين المخالب وبين تلك 
الأشياء الرامزة للحضارة المادية» إلا أن أثرها الأليم على نفسه يجعل لها مخالب تمزق سجوف 
قلبه وأوتاره» فيصعب عنه الترنيم كشاعر يجعل من نياط قلبه أوتارا لغنائه» إن تصور تلك 
الأشياء ولو بصورة سريالية أمر رهيب؛ فشعرية اللغة هنا صنعت طقسا للألم واليأس والانقطاع 
عن أجواء السعادة والفرحة. 
إن الانقطاع بأشكاله المختلفة وصيغه المتنوعة وانتشاره بصورة واسعة في شعر السياب 
مكنه من صنع أجواء شعرية رحبة في ديوانه. 
5-2 الانزياح: 
لا يجدي البحث أن يكرر فيه ما قيل في الجانب النظري عن الانزياح ولكن ينبغي 
التركيز على الهدف وهو حصول الشعرية من تلقاء هدم الأسلوب العادي والانحراف عن نسق 
الكلام المألوف وذلك بخرق قانون اللغة والعدول بها عن المعاني الحقيقية النثرية لكسر الرتابة: 
يقول السياب في قصيدة 'سوف أمضي":- 


[ سوف أمضيء أسمع الريح تناديني بعيدا 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 303. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 254. 


-188- 


الفصل الثالث 
في ظلام الغابة اللفاء.. والدرب الطويل 
يتمطى ضجراء والذئب يعويء والأفول 
يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك 
فاتركيني أقطع الليل وحيدا...].! 
في هذه الوحدة عدة انزياحات منها "الريح تناديني". فالنداء لا ينسجم مع الريح إذ لا أذن 
لها ولكن الشاعر احتال على المعنى الذي في صميمه من أجل إخراجه بطريقة معبرة عنه 
فجعل الريح تنادي وهي رمز الفوضى والاضطراب والضياع» فالمسافة بعيدة بين الكلمتين ومع 
ذلك حادت وانحرفت كلمة "الريح" عن دلالتها المألوفة ليحملها الشاعر دلالة أخرى يقصدها. 
والانزياح الآخر هو في قوله "الدرب الطويل يتمطى ضجرا". فليس من خاصية الدرب 
الضجر الذي هو صفة للإنسان وبهذا الاستعمال صار الدرب منزاحاعن المعنى العادي؛ 
فالشاعر حين وسمه بالضجر وكان قد مهد لاستعمال هذه الكلمة بلفظ "الطويل". لأن الكلمة 
الأخيرة تلائم الضجرء كما أضاف إلى السياق صيغة "الذئب يعوي". هذا العواء الذي يكون في 
العراء أو في شسع الغابات يزيد من وحشة الدرب ومن طوله ومن ضجره أيضاء والملفت أن 
الشاعر لم يترك الكلمة المنزاحة "الدرب" تنحرف بشكل بسيط بل إن تلك الإضافات قد صبت 
كلها في شدة انزياح الكلمة لتعطي المدلول الأعمق الذي يراه الشاعرء وكذلك الأفول الذي 
يعتري النجم يصير سارقا للنجم ومغيبا له وليس من صفات الأفول السرقة فهي للإنسان ولكن 
الشاعر يلبس الكلمة تلك الصفة تمهيدا لوضع معادل موضوعيء فمقلتا الحبيبة تسرق روح 
الشاعر والهدف من ذلك كله هو رسم صورة للشاعر الذي ضاع وتاه في عالم مجهول ومعه 
ومثال آخر تعدد فيه الانزياح في قوله من قصيدة 'نهاية" واصفا حالته النفسية وسيره نحو 
الموت والعدم:- 
[..شحوب النجوم وصمت القمرء 
ويومض في كل حلم جديد 
شحوب الهلال وظل الشجر 
وطيف الشراع البعيد؟...].7 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 47. 
2 الديوان السابق نفسه. ص 92. 


-189- 


الفصل الثالث 
اكتظت في هذه الوحدة صور الانزياح حتى مثلت شبكة معقدة من الدلالات الشعرية؛ 
فكلمة النجوم تنزاح عن المعنى الحقيقي فهي في شحوب على الرغم من أن هذه الصفة تعتري 
وجه الإنسان ولكن إعارة الصفة للنجوم جعلها تقوم بوظيفة انزياحية شعرية تعبر عن يأس شديد 
واحساس بالموت والأفول؛ بالإضافة إلى القمر الذي انزاح عن معناه عندما جعل الشاعر 
الصمت من صفته؛ فهذا الانزياج لكلمة القمر أيضا يترجم حالة نفسية يائسة يعيشها الشاعرء 
وايماض الهلال وظل الشجر و إيماض طيف الشراع البعيد في حلم الشاعر الجديد هي 
اتزياخاة: مكقفة فالشحوي والظل.والخليق كلينات انزاحت غن معانقينا حي أومضنت وهذا 
الإيماض ليس عاديا إنما هو شحوب وظلال وطيوف قاتمة تجتاح حلم الشاعرء ومن وراء هذه 
الصيغ الانزياحية كلها شعور مركز تستولي وطأته الشديدة على الشاعر وهو الإحساس بالموت 
ذلك الشعور الذي يطبع معظم نتاج السياب الشعري سيما في المرحلة الثانية من عمره» وصيغة 
'طيف الشراع البعيد" ترجمة واضحة لإحساسه بقرب الرحيل. 
وهناك انزياح ليس في صيغة أو عبارة وإنما في وحدة شعرية كاملة» يقول السياب في 
قصيدة 'مدينة السندباد":- 
[..من أيقظ "العازر" من رقاده الطويل؟ 
ليعرف الصباح والأصيل 
والصيف والشتاءء 
لكي يجوع أو يحس جمرة الصدى. 
ويحذر الردى» 
ويحسب الدقائق الثقال والسراع...].! 
ما يشغل النقاد في الانزياح هو كونه لا يتجلى في نص بكامله وإنما في جزء أو أجزاء 
منه فقط» وهذه الوحدة يروي فيها السياب معجزة يسوع لما أقام من الموت "العازر" بعد أربعة 
أيام من وفاته» وقد ناداه من قبره» فقام وخرج من القبر أمام الملأ وعاد إلى الحياة من جديدء 
والقصة مروية بالتفصيل في الإنجيل”», وقد وظفها السياب متقمصا شخصية العازرء ولم يرو 
الشاعر القصة بنصها وفصها كما وردت في الإنجيل وإنما انزاحت عن معناها الإنجيلي حين 
تساءل السياب: من أيقظ 'العازر" من رقاده الطويل؟ إنه شعور السياب بالموت» وحبه في 


1 الديوان السابق نفسه. ص 465. 
 *‏ التفسير التطبيقي للكتاب المقدسء المرجع السابق نفسه. إنجيل يوحناء الفصل 11. 


- 190 - 





الفصل الثالث 
الخلاص من المعاناة والمرضء إنه يتمنى الموت ولا يحب أن يعود لهذه الحياة التي أذاقته 
كؤوس المرارة وألوان العذاب. 
ومن أهم أنواع الانزياح "الانزياح التركيبي" ويتعلق هذا النوع بالأسلوبية وهو من أهم 
الأنواع التي تصب في الشعرية [..تشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين الشعرية 
والأسلوبية بل إنها تجمع هاتين القضيتين أحيانا في قناة واحدة» ولعل الإنزياح التركيبي - لا 
سيما التقديم والتأخير- من الملامح الأسلوبية المهمة التي تصب في باب الشعرية...].! 
وهذا مثال على ذلك من قصيدة 'في القرية الظلماء", يقول السياب:- 
[..أأظل أذكرها.. وتنساني؟ 
وأبيت في شبه احتضار؛ وهي تنعم بالرقاد؟...].2 
إن نسيانها للشاعر أسبق من ذكره لها والصيغة مرتبة كالتالي: 'أتنساني.. وأظل 
أذكرها؟", وهذا التقديم ليس اعتباطيا إنما من أجل إبراز الوله الشديد بهاء لذلك بادر الشاعر 
بتسبيقه لذكرها عن نسيانها له» لأن النسيان يسبق التذكر في مجرى الحقيقة» وكذلك ما ورد في 
قصيدة 'مدينة السندباد"», يقول السياب:- 
[..هم التتار أقبلواء ففي المدى رعاف» 
وشمسنا دمء وزادنا دم على الصحاف...].3 
يصف الشاعر الحالة المزرية التي آلت إليها أوضاع البلاد من قتل واستغلال وعبودية 
وقد قدم في السطر الأول ما كان حقه التأخير لأن الترتيب العادي للجملة هو أن يتقدم الفعل 
على الفاعلء ولكن الشاعر ابتدأ بالقتلة الظالمين مشبها إياهم بالتتار. 
وقوله في قصيدة 'سفر أيوب":- 
[ ذكرتك يا لميعة والدجى تلج وأمطار...].4 
الأصل أن يسبق النداء الخطاب أو الإبلاغ» ولكن الشاعر سبق صيغة 'ذكرتك" على 
صيغة يا لميعة. لإبراز شدة تعلقه وتأثره بها. 
إن هذه النماذج للانزياحات هي غيض من فيض مما ورد في الديوان» وقد اغتنى النص 
السيابي بهذه الأداة الشعرية الهامة» مما جعل الديوان يحتل مكانة لدى النقاد لدراسة شعر 


السياب واستخراج ما فيه من لآلئ شعرية نادرة. 


1 - سامح الرواشدة: المرجع السابق نفسه.» ص 53. 
2 - الديوان السابق نفسه. ص 94. 

3 الديوان السابق نفسه. ص 467. 

4 - الديوان السابق نفسه» ص 269. 


- 191 - 


الفصل الثالث 
6-2 التأويل: 
إن اختلاف المتلقين في تفسيرهم للنصوص يعتمد أساسا على التأويل فكلما كان 
هناك تعارض أو تصادم بينهم في الفهم والرؤية للنص فتح المجال للتأويل» والاضطرار للتأويل 
يكون حتما في اللغة الشعرية لأن اللغة النثرية المعيارية لا تولد اختلاف القراء عادة» فالشعرية 
هي قدر من الانزياح عن اللغة النثرية لذلك يلجأ القراء إلى التآويل المختلفة والمتباينة [..ومن 
هنا لابد من التوسل بالتأويل في تحديد الشعرية...].! 
فالشعرية هي ميدان خصب للتأويل والانزياحات توسع شعرية النص فيثرى جانب التأويل 
فيه» وبذلك قلما تنطبق رؤية المتلقي مع رؤية صاحب النص أو رؤية متلق آخرء وقد يقع 
المتلقي نفسه في تساؤلات متعددة في صيغة من الصيغ الشعرية للنصء وهذا أنموذج للتأويل 
من قصيدة "المخبر"”» يقول السياب:- 
[..أنا ما تشاء: أنا الحقير 
صباغ أحذية الغزاة» وبائع الدم والضمير 
للظالمين» أنا الغراب 
يقتتات من جثث الفراخ. أنا الدمارء أنا الخراب!...].2 
ترى لمن هذا البوح الجارح المقذع؟ هل يقصد الشاعر نفسه في لحظات الانتقام من 
الذات» أم أنه يقصد شخصا آخرء كأن يكون هذا الشخص حاكما عربيا خان قضايا الأمة 
العربية؟ سيما وأنه يذكر في ثنايا القصيدة كفاح الجزائر ضد المستعمر الغاشم» واستفاقة الشعب 
التونسي على النضالء أم أنه يقصد أولئك الخونة الذين يتواجدون في أوساط الشعب ويقفون 
مع المستعمر ضد شعوبهم, إن الشاعر لم يفصح ولم تظهر القصدية من النصء وبذلك تتشعب 
التأويلات دون إيجاد دليل قاطع للتأويل الصحيح. 
ومن مواطن التأويل الأخرى ما جاء في قصيدة "دار جدي". يقول السياب:- 
[..أأشتهيك يا حجارة الجدار» يا بلاط يا حديدء يا طلاء؟ 
أأشتهي التقاءكن مثلما انتهى إلي فيه؟ 
أم الصباء صباي والطفولة اللعوب والهناء؟ 
وهل بكيت أن تضعضع البناء 


1 سامح الرواشدة: المرجع السابق نفسه.» ص 56», نقلا عن حسن ناظم, مفاهيم الشعرية. ط1ء 1994؛: ص 38. 
2 الديوان السابق نفسه» ص 338. 


- 192 - 


الفصل الثالث 
وأقفر الفناء أم بكيت ساكنيه؟ 
أم أنني رأيت في خرابك الفناء 
محدقا إلي منك؛ من يد 
إن الشاعر نفسه لا يستطيع الإجابة عن مصدر ذلك الاشتهاء» هل هو الحنين إلى 
الماضيء إلى الطفولة» إلى تلك الأشياء التي تمثل الماضي الجميلء الحجارة» الجدارء البلاط: 
الحديد؟ 
هل يحن الشاعر إلى ساكني البيت القدامى أم يبكي ذلك الخراب الذي حل بالبيت» ويرى 
فيه دمار نفسه؟ لا يستطيع المتلقي أن يقبض على معنى محددء فيفسح المجال للتأويلات 
الكثيرة ويتساءل عن المصدر الجوهر الذي جعل الشاعر يردد مأساة يعيشها بسبب مثوله أمام 
بيت جده. 
وفي قصيدة 'نسيم من القبر"» يقول السياب:- 
[ نسيم الليل كالآهات من جيكور يأتيني 
بما نفثته أمي فيه من وجد وأشواق 
تنفس قبرها المهجور عنهاء قبرها الباقي 
على الأيام يهمس بي: "تراب في شراييني 
ودود حيث كان دميء وأعراقي 
هباء من خيوط العنكبوت؛ وأدمع الموتى 
إذا ادكروا خطايا في ظلام الموت.. ترويني. 
مضى أبد :وما لمحختك ضرق الي 
هل أن الشاعر في غربته يذكر قريته جيكور ويحن إليها فيبكي شوقا إليها؟ أم أنه يذكر 
أمه ويتشوق إليها وهي في قبرها؟ أم أن ذكر جيكور وذكر الأم إن هما إلا عاملان مفجران 
لنبع الآلام والأحزان من جراء الغربة والمرض والانكسارات» التي يعانيها في حياته. 
مهما تكن المحاولة في إيجاد مرجعيات التأويل إلا أن تلك المرجعيات لا تكون ثابتة 
وقطعية» لذلك تكون الإحالات إلى الطقوس التأويلية متعددة» ولكن التطرف أو حتى الاعتدال 
في التأويل لا يوصل أي منهما إلى الحقيقة» ثم إن الذاتية أو الانطباعية قد تبعد التأويلات 


1 الديوان السابق نفسهء ص 144» 145. 
2 - الديوان السابق نفسه» ص 672. 


- 193 - 


الفصل الثالث 
الأقرب للصحة:؛ وقد ينطلق التأويل من مرجعيات ثقافية فلسفية وأسطورية وفنية» ومن ثمة فإن 
المغامرة في دهاليز التأويل ربما تكون لانهائية. 
7-2 الغموضص: 
أصبح الغموض من أهم وسائل الشعرية في النص الحداثيء خلافا لما كانت عليه 
القصيدة الأصولية التي اتصفت بالوضوح. إلا أن صفة الوضوح هذه ليست من ميزات الشعر 
المشروطة الأصلية حتى لدى القدماءء لأن أي شعر يحتاج إلى نوع من التعتيم» أما الوضوح 
فهو أقرب وألصق بلغة النثر والعلم» فالقصيدة إذا لم يكتنفها سر الغموض ربما استبيحت أو 
استهلكت ساعة ميلادهاء فالشعر ينبغي أن تعتريه غلالة من الغموض حتى يكون جذابا ومغريا 
بالكشف عن مكنوناته. 
أما البدايات الشعرية لبدر شاكر السياب فقد كانت ذات طابع رومانسي شفاف مهما 
تخللها من ألفاظ قديمة قاموسية» يقول في قصيدة 'أقداح وأحلام":- 


[..خفقت ذوائبها على شفتي 
وسنىء» فأسكر عطرها نفسي 
نهر من الأطياب أرشفني 
ريحا تريب مجامر الغلس 
فكان تايا اضفتخته يذا 
آذارء غرد ليلة العرس...].! 
مهما احتوت هذه الأبيات التي هي من بواكير شعره على بعض الاستعارات والتشبيهات 
التي طبعتها بنوع شفاف من الغموض إلا أنها واضحة ولا تستدعي التأمل العميق من المتلقي؛ 
ويستمر السياب في كتابة الشعر على هذه الشاكلة الرومانسية التقليدية إلى أن تأتي المرحلة 
الثانية التي اختلفت عن الأولى» ويأخذ الشاعر منعرجا آخر في كتابة الشعرء وقد تكون قصيدة 
'أنشودة المطر" هي بداية التغيير الحقيقي حيث يخرج السياب من دائرة الرومانسية والتقليد؛ 
يقول السياب من هذه القصيدة:- 
[..أصيح بالخليج: 'يا خليج.. 
يا واهب اللؤلوء والمحارء والردى!" 


1 - الديوان السابق نفسه. ص 09: 10. 


- 194 - 


الفصل الثالث 
فيرجع الصدى 
كأنه النشيج: 
يا خليج 
يا واهب المحار والردى." 
وينثر الخليج من هباته الكثارء 
على الرمال» رغوه الأجاجء والمحار...].! 
هذا المقطع يحمل الكثير من أصداء النفس الداخلية التي تترجم المعاناة في الغربة حيث 
كتبها الشاعر وهو في الكويت بعيدا عن الوطنء وهذه الصيحات بالنداء تنم عن وجع الغربة 
العميق» وهذه الرموز القليلة "اللؤلؤء المحارء رغوه..." جعلت المقطع على درجة من الغموضء» 
إلا أن الشاعر لم يلجأ بعد إلى الإيغال في الرمز الذي يجعل المتلقي يذهب بعيدا في 
التأويلات» لأن هذه المرحلة (بداية الستينات) التي كتب فيها الشاعر النصء لم تتطور فيها 
القصيدة الحرة تطورا كبيراء لذلك لم يوغل في العمق والرمز والغموضء والدليل على أن التطور 
في الشعر الحر لم يقطع شوطا بعيدا هو طغيان الإيقاع العروضيء أو الموسيقا الخارجية 
للنص التي هي ميزة القصيدة العمودية» ومع ذلك فإن قصيدة السياب "أنشودة المطر" التي 
اجتزئ منها المقطع السابق تعد تطورا بعيد المدى» لأن حركة تطور الشعر أو الأدب لا تتم في 
ظرف قصير بل تتطلب سنوات عديدة» سيما وأن القصيدة العربية قد عانت كثيرا من تراكمات 
القرون التي مرت عليها وهي محجورة في إطار الوزن الخليلي وعمود الشعر. 
ومن قصائد السياب الأخيرة التي تمثل قمة تطور شعره قصيدة 'ليلة انتظار" التي يقول 
ماك 
[ يد القمر الندية بالشذى مرت على جرحى؛ 
يد القمر الندية مثل أعشاب الربيع لها إلى الصبح 
خفوق فوق وجهيء كف طفلتي الصغيرة» كف آلاء! 
وهمس حول جرحي: كف طفلتي الكبيرة» كف غيداء 
تدغدغني ونحن على السرير معاء على السطح 
هناك!! وآه من ذاك المدى النائي» 
لأقرب منه مجمرة الثريا وهي تلتهب 


1 الديوان السابق نفسهء ص 480. 


- 195 - 


الفصل الثالث 
بعيد بعد يوم فيه أمشي دون عكاز على قدمي..].! 
يشبه هذا الشعر في غموضه ورموزه شعر آرتور رامبو حين يوظف عناصر الطبيعة 
ويوغل بها في الرمزية القاتمة» فالسياب وهو الذي أخذ طرق الشعر عن رامبو وبودلير» وستويل 
إيديث» واليوت» وغيرهم من شعراء الغرب ليس غريبا عليه أن يمتح من الشعر الغربي ليخرج 
القصيدة العربية من روتين الوضوح والمباشرة» والإيقاع الأحادي المجلجل» ولذلك فإن المقطع 
السابق يستعمل فيه الشاعر الكثير من الرموز الابتكارية التي تبعد فيها المسافات بين الأطراف 
الانزياحية» فأن تكون للقمر يد ندية بالشذى وتمر على جرح الشاعر تعبير أوصورة غير 
معهودة في الشعر العربي بل هي رمزية مبنية على تراسل الحواس حيث يصبح الشذى المتعلق 
بالشم ندى محسوسا على اليد ويلمس كما تلمس الأشياء واحساس الجرح أيضا بذلك العطر 
المشموم تعبير رمزي واحساس موغل في القتامة والغموضء ثم تصبح يد القمر الشذية مرة 
أخرى ذات لون أخضر تمثله أعشاب الربيع. 
وتتبع المقطع وما يحتوي عليه من رموز كثيرة يكشف عن مجالات للشعرية ويبين أن 
الشاعر قد تشرب أساليب الشعرية الغربية» واستقامت له وسائلها الفنية إلى حد كبير في هذه 
المرحلة القياسية من ميلاد الشعر الحر. 
8-2 الفجوة: مسافة التوتر 
هناك تقارب شديد بين الفجوة: مسافة التوتر عند كمال أبو ديب وبين الانزياح عند 
جان كوهين لذلك ينبغي التفرقة أثناء الدراسة بينهما حيث أن الفجوة تشمل العوامل الخارجية 
أثناء دراسة العلاقات المكونة للشعرية» بينما شعرية كوهين تلغي كل تلك العوامل وتنطلق من 
مصدر واحد وهو اللغة فقط من وجهة محايدة» لذلك فإن تحليل بعض المقاطع أوالأسطر يستند 
أساسا على تعريف كمال أبو ديب للفجوة» وهذه بعض النماذج من الديوان» يقول السياب في 
قصيدة "رئة تتمزق":- 
[..كان الهوى وهما يعذبني الحنين إلى لقائه 
سألت عنه الأمنيات؛ وبت أحلم بارتمائه 
زهرا ونورا في فراغ من شكاة وابتهال» 
في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه...].2 


1 الديوان السابق نفسهء ص 710. 
2 الديوان السابق نفسه.» ص 43. 


- 196 - 


الفصل الثالث 
في السطر الأول هناك فجوة واسعة بين معنيين يتضمنهما السطرء المعنى الأول هو أن 
الهوى كان وهما أي لا حقيقة له ولا جدوى منه؛ والمعنى الثاني أن الحنين يعذب الشاعر إلى 
لقاء بذلك الحب أو الوهم»ء هذه الفجوة (الحنين إلى الوهم) تُحدث توترا شديدا في العلاقة بين 
الكلمتين إذ لا يقر المنطق أصلا أن يحن المرء إلى الوهم إلا في حالة غياب العقل كلية» ومن 
هذا التركيب اللغوي يدخل العامل النفسي وتصبح الفجوة أوسع من المحايثة اللغوية الانزياحية 
التي دعا إليها كوهين بتدخل ذلك العامل الخارجي. 
وفي السطر الرابع فجوة أخرى ففي الأضالع ظلمة» إذ كيف تحتوي الأضالع تلك الظلمة 
النفسية التي تحتدم حتى تشرئب بعنقها على ذلك الحب الوهمء وهذه التشكيلات أحدثت فجوات 
أو مسافات متوترة في العلاقات بين المفردات التي شكلت رموزا نفسية معبرة عن المعاناة 
والتوق والضيق والأمل. 
وفي المقطع التالي من قصيدة 'سلوى" تتسع الفجوة أكثر فأكثر وتزداد المسافة ليزداد 
التوتر أيضا بين أطراف الصيغ والمفردات المنزاحة عن الأصلء يقول السياب:- 
[ ظلام الليل أوتار 
يدندن صوتك الوسنان فيها وهي ترتجف. 
يرجع همسها السعف 
وترتعش النجوم على صداه: يرن فيثار 
بأعماق السماء: ظلام هذا الليل أو تار!...].! 
من أجل الوصول إلى تلك العلاقات المتوترة بين المفردات تطرح تساؤلات كثيرة: كيف 
أصبح الليل في ظلمته غير الملموسة أوتارا تعزف كأوتار العود؟ بأي منطق يتحول ذلك الظلام 
إلى رنات موسيقية؟ كيف يعتري الصوت الوسن فترتجف تلك الأوتار؟ ومن يحركها فيغدو لها 
همس كهمس الإنسان يردده سعف النخيل؟ 
ثم كيف يكون للنجوم ارتعاش من صدى صوت المحبوبة؟ ويصير هناك رنين القيثار 
بأعماق السماءء. ويغدو ظلام الليل أوتارا تعزف؟ 
يبدو البون شاسعا بين المفردات وبين الصيغ التي جعل لها الشاعر علاقات ذات أبعاد لا 
متناهية بل تصل إلى درجة التناقض ذلك هو الشعر الحر الذي يدمر العلاقات ويعمل على 
اللانسجام واللاتجانس بين الألفاظ والصيغ حتى لا تكون هناك قواعد بين الأطراف. 


1 الديوان السابق نفسه» ص 678. 


- 197 - 


الفصل الثالث 
من هذه الصيغ التركيبية واللفظية تتحقق نظرة كمال أبو ديب الذي يرى بأن الانزياح 
مشتمل في الفجوة أو مسافة التوتر باعتباره مقابلات لغوية لا تتجاوز المعنى اللغويء بينما 
يتحول الانزياح إلى فجوة حين تدخل العوامل الخارجية المكانية والزمانية والنفسية لذلك ينبغي 
أن يفرق الدارس بين الإثنين. 
وفي قصيدة 'ليلة في باريس" تتضاءل العلاقات أكثر بين الأطراف مما ورد في المقطعين 
السابقين» يقول السياب في مطلع القصيدة واصفا حالته بعد انسحاب صديقة كانت ساهرة 
معك:- 
[ وذهبت فانسحب الضياء» 
أحسست بالليل الشتائي الحزينء وبالبكاء 
ينثال كالشلال من أفق تحطمه الغيوم. 
أحسست وخز الليل في باريسء واختنق الهواء 
بالقهقهات من البغايا... آه! ترتعش النجوم 
منها كبلور الثريات الملطخ بالدماء...].! 
ترى أي علاقة يراها الشاعر بين ذهاب الصديقة وبين انسحاب الضياء؟ ربما عبر عن 
اللحظات السعيدة أثناء اللقاء بالضياءء وأين استقر ذلك الضياء في نفسه أم في المكان الذي 
التقيا فيه؟ وما طبيعة ذلك الليل الذي جاء بعد انسحاب الضياء وانثال حزنا على الشاعر؟ وما 
طبيعة ذلك البكاء الذي أتاه بعد انسحابها؟ واتحد الحزن الشتائي والبكاء فانثالا من أفق تحطمه 
الغيوم. 
وكيف يخز الليل الباريسي إحساس الشاعر؟ وكيف يختنق الجو بقهقهات البغايا الصاعدة 
إلى النجوم فترعشها حتى تغدو كبلور الثريات الملطخة بالدماء؟ 
هذه الصور تعبر عما يجيش في نفسه من أحزان الغربة والشتاء والوحدة» ويصير الأفق 
في عينيه انهيارات كالشلالات التي تتهاوى من خلال الغيوم. 
لا يدري المتلقي كيف يربط بين أبعاد الصيغ والمفردات أو كيف يدرك الصلة بينهاء ومع 
ذلك البون الشاسع بين أطراف الفجوات إلا أن الحدس الفني يستطيع أن يكشف عن علاقات 
شديدة التستر فيما بينها توحي بها الأجواء النفسية والمكانية في ظل الأحداث التي تمور فيها 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 621. 


- 198 - 


الفصل الثالث 
تلك الأحاسيس والمشاعر التي لا يمكن تصورها إلا من خلال الخرق والكسر والتهديم والتناقض 
والمفارقات واللاتجانس واللانسجام والا بقيت تلك الصور الغرائبية في بطن الشاعر كمال يقال. 
ويقول السياب في قصيدة 'حفار القبور":- 
[..وعلام تنعب هذه الغربان» والكون الرحيب 
باق يدور.. يعج بالأحياء: مرضىء جائعين 
بيض الشعور كأعظم الأموات لكن خالدين...].! 
لا علاقة في الحقيقة بين نعيب الغربان والموت أو العدم ولكنه إحساس قديم بالتشاؤم من 
الغراب لكونه لا ينزل إلا على الموتى والجيفء ليست هناك علاقة إلا من ذلك الإحساس حيث 
تنزاح الصورة من أكل الغراب للجيفة إلى المرض والموت وانعدام الإنسان وموته» ولكن الفجوة 
الأكثر عمقا تتمثل في أشكال البشر الذين أصبحوا بيض الشعور مثل عظام الأموات؛» وفي 
نفس الوقت أحياء لا يخلو منهم زمن» فهذه المشاعر النفسية التشاؤمية من مرارة الواقع ووطأته 
على نفسه» لا تبلغ المتلقي إلا من تلك التراكيب اللغوية الفنية التي تنقلها بصورة أقرب إلى ما 
يحسه الشاعر وما يتصوره في مخيلته» ولولا تلك الفجوات بين التراكيب والمفردات لما استطاع 
الشاعر أن يجعل المتلقي يرى بعين ثالثة -أي تجاوز معنى المعنى- ما يكابده الشاعر ويعانيه 
في هذه الحياة التي تشبه الموت والفناء. 
ولعل معظم شعراء الحداثة يتملكهم هاجس الموت والحياة أو ربما هو إحساس قديم في 
الإنسان منذ العهد اليوناني حين دار الفن في فلك "أروس ثانيتوس" بمعنى الحياة والموت. 
وفي قصيدة "نفس وقبر" وهي من القصائد الأخيرة في حياته التي كتبها في المستشفى 
الأميري بالكويت يقول:- 
[..قدر رمى فأصاب صادحة 
في الجو خرت وهي تنتحب 
من ذا يعيد إلى قوادمها 
أفق الصباح تضيئه السحب...].2 
هناك تعبيرات مجازية استعارية في البيتين ولكن الشاعر تجاوز حدود البلاغة القديمة إلى 
الانزياحات الحداثية التي وصلت إلى حد الفجوة أو مسافة التوتر حين أصبحت تلك الحمامة 
الصادحة في الجو هي نفس الشاعر وروحه المعذبة المهيضة» وقد رماها الدهر بسهم فأصابها 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 546. 
2 الديوان السابق نفسهء» ص 712. 


- 199 - 


الفصل الثالث 
فخرت منتحبة باكية» وقد فقدت كل أمل في الحياة وستظل قعيدة إلى أن يأتيها الموت ولا 
تستطيع أن تهز قوادمها لتطير في الهواء عبر أفق الصباح الذي تضيئه تلك السحب المستنيرة. 
ولا شك أن المتلقي حين يتوخى تلمس العلاقات التي تربط الكلمات والصور يجدها هاربة 
في المخيلة من أثر بعد المسافة» إذ ما العلاقة المنطقية التي تقرب نفس الشاعر المريضة التي 
تنتظر الموت بتلك الحمامة الصادحة التي خرت منتحبة وقد أصابها القدر بسهم قائل. 
ويقول في قصيدة بلغ فيها منتهى الإحباط بعنوان: "المعول الحجري'":- 
[ رنين المعول الحجري في المرتج من نبضي 
يدمر في خيالي صورة الأرض 
ويهدم برج بابل» يقلع الأبواب» يخلع كل آجره 
ويحرق من جناتئنها المعلقة الذي فيها 
فلا ماء ولا ظل ولا زهرة...].! 
معول من حجر يرن حين يهوي على نبض الشاعر المرتجء إنه بعد كبير بين كنه النبض 
وحقيقة المعول. شتان بين معول من حجر ونبض لا يرى ولا يقبض عليه» حالة قصوى من 
المعاناة» ولكن ما الذي نقل للمتلقي أو كيف تصور المتلقي ذلك الإحساس الشديد بالمعاناة لولا 
تلك المسافة الشاسعة التي وضعها الشاعر بين المعول الحجري وبين النبضء ولا يزال ذلك 
الرنين القاصم يهدم في خيال الشاعر صورة الأرضء إنه إحساس يقرب الولوج إلى عالم آخر 
عالم الموت والفناء» والتساؤل المطروح هو كيف يمكن تصور رنين المعول الحجري وهو يزيل 
من مخيلة الشاعر معالم الأرض والشعور بالواقع من حوله» ويستمر الرنين في تدمير كل شيء 
حتى لا يبقى ماء ولا ظل ولا زهرة ترمز للأمل في الحياة. 
هذه الفجوات التي ترسم أبعادا خيالية ولا نهائية بين صورة وأخرى ولفظ وآخر هي نوع من 
الشعرية الحداثية التي تلبي حاجة الإنسان المعاصر الذي أدرك كل أصناف الدمار النفسي 
والواقعي ولم يبق له خيط من الواقع يتشبث به؛ لذلك كانت هذه التراكيب والمفردات مصاغة 
بهذا الشكل المتنافر والمتتاقضء ومن خلال هذه الأبعاد النفسية المتقابلة ضديا تتحقق فكرة 
الشعرية الناجمة عن الفجوة التي تتسع بمسافات لا تحصى عن اتساع الانزياحات التي دعا 
إليها كوهن» وبذلك يكون كمال أبو ديب قد فتج فعلا مجالا أوسع للشعرية. 


1 الديوان السابق نفسهء ص 701. 


- 200 - 


الفصل الثالث 
9-2 الإيقاع الداخلي: 
لما ضاقت أطر الخليل عن زخم الأفكار والرؤى والصور الحداثية» لجأ الشاعر إلى 

تحطيم تلك القاعدة الإيقاعية التي تحول بينه وبين حرية الابتكار إذ لم يعد بمقدوره أن يحصر 
خياله ضمن تواترات نغمية مكرورة أحادية» لذلك كان لابد للحداثة أن تصنع أرضيتها بنفسها 
خارج أسوار الخليل [..والملاحظ أن تحطيم القاعدة الإيقاعية قد تضاعف في الزمن المتأخر 
أكثر من تجربة البدايات وهذا يتوافق مع سير الشعر العربي نحو أرض الحداثة المشبعة 
بدلالات الحهذة والحموضن ]1 

ويحتاج المتلقي الذي اعتاد على الإيقاع الخليلي أن يتجاوز ذلك الحس والتذوق إلى أبعاد 
إيقاعية مختلفة لا يفهمها إلا الحدس والوعي لكي يستطيع أن يتفاعل مع الشعرية الجديدة 
[..لكن ما الإيقاع» إنه ليس مجرد الوزن بالمعنى الخليلي أو غيره من الأوزان» الإيقاع بالمعنى 
العميق لغة ثانية لا تفهمها الأذن وحدها وانما يفهمها قبل الأذن والحواس الوعي الحاضر 
والعاضيه: ]2 

إن الحدث التاريخي الذي صنعه بدر شاكر السياب ونازك الملائكة في تحديث الشعر 
العربي واخراجه من طقوس الخليل الروتينية جعل الشعر صادما بإيقاعاته الجديدة لا عهد 
للمزاج السائد وللقصيدة بذلك الإيقاع الصاخب [..لقد خرجت القصيدة العربية من خنادق الخليل 
حادة صاخبة لتدخل نهرا من موسيقا أكثر سعة وغنى وتنوعاء واستطاع شعراء الحداثة 
المتميزون أن يحدتوا من خلال نماذجهم الشعرية» صدمة إيقاعية لا عهد للمزاج السائد بها لا 
عهد للقصيدة بها وأخيرا لا عهد للفكر النقدي بها أيضا...].3 

من منطلق هذه الأقوال النقدية يمكن دراسة الجوانب الإيقاعية من شعر السياب بتجاوز 
تلك القصائد الأولى التي بناها على أوزان الخليل إلى قصائده الحداثية المبنية على الإيقاع 
الداخلي» يقول في قصيدة 'نسيم من القبر":- 

[ نسيم الليل كالآهات من جيكور يأتيني 
فيبكيني]* 


5 ابراهيم رماني: المرجع السابق نفسه. ص 209. 
- خالدة سعيد: المرجع السابق نفسه. ص111. 
- علي جعفر العلاق: المرجع السابق نفسه» ص 75. 
- الديوان السابق نفسه» ص 672. 


اسم يم يرا الكل 


- 201 - 


الفصل الثالث 
من سيميائية العنوان يبدو التراوح بين وجهين للوحة واحدة» وجه قاتم يشكل علامة الموت 
ووجه مشرق يشكل علامة الحياة» وينتشر إيحاء العنوان على السطرين بوجهيه المختلفين» 
فالنسيم له سمة الحياة وجيكور ذكرى مرتع الشاعرء ويتخلل هذا الإحساس حزن قوي تعبر عنه 
كلمة الآهات الممتدة الحروف: ألف المدء الهاء الممدودة بالألفء. والتاء المفتوحة» وحتى صيغة 
الجمع» وينم ذلك عن معاناة من الحزن الطويلء ثم امتداد أنة البكاء بورود كلمتين ينبعث منهما 
نغم واحد حزين 'يأتيني» يبكيني" وهناك حروف صامتة وجدت في كلمات السطرين لتوائم 
بموسيقاها ووقعها معانيهاء ومنها التاء» والنون في كلمة (يأتيني)» والباء والكاف والنون في 
كلمة (يبكيني)» وهي حروف لها رنين حزين يبعث على الأسىء ومن دلالة الكلمات وإيقاعها 
الموسيقي تصبح شعرية السطر أو المقطع ذات جرس داخلي ينقل بنغمه مشاعر حزينة أو 
مفرحة. 
ويقول السياب في مطلع قصيدة "حفار القبور":- 
[..ضوء الأصيل يغيم» كالحلم الكثتيب» على القبور 
واهء كما ابتسم اليتامى؛ أو كما بهتت شموع 
في غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموع 
والمدرج النائي تهب عليه أسراب الطيور 
كالعاصفات السودء كالأشباح في بيت قديم 
برزت لترعب ساكنيه 
من غرفة ظلماء فيه...].! 
صورة قاتمة تلف المقطع تشكلت من دلالة بعض المفردات والتراكيب 'ضوء الأصيل 
يغيم» كالحلم الكثيب؛ على القبورء كما ابتسم اليتامى» بهتت شموع...". والدارس لما يعزف 
أوتار جملة من الحروف يجدها تنسجم تماما مع الجو الحزين القاتم والكآبة النفسية الشديدة 
فامتداد الكلمات بحروف المد مع جرسها الصائت يثير دلالة الحزن مثل: الأصيلء يغيم: 
الكتيب» القبورء واهء كماء اليتامى» شموعء دموع...إلخ. 
فهذا الإيقاع الناجم من تراكم ألفاظ لها امتدادات ولها طول زمني في النغم والصوت 
يحمل لواعج نفس الشاعر الحزينة التي انعكست على شخصية حفار القبور وفي الأسطر 
الأخيرة من المقطع يكثف الشاعر من الكلمات التي تحتوي على المد بالواو» أو الألفء أو 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 543. 


- 202 - 


الفصل الثالث 
الياء»ء وقد ساعدت تلك الامتدادات الدلالة المعنوية» حيث توحي المعاني بالاغتراب والهدوء 
الباعث على الرعب والخوف مثل: العاصفاتء السودء الأشباح, قديم» ساكنيه» فيه» وبذلك 
الإيقاع الباعث على الوحشة والقَرّقء» تزداد الدلالات التركيبية قوة وامتلاء بما يهدف إليه 
الشاعر من مقاصد مؤثرة في شعره. 
ويقول السياب في قصيدة "خذيني". وهي قصيدة يتوخى فيها الشاعر الراحة والسعادة 
والفرح:- 
[..خذيني أطر في أعالي السماء 
صدى غنوة» كركرات» سحابة! 
خذيني فإن صخور الكابة 
تشد بروحي إلى قاع بحر بعيد القرار 
خذيني أكن في دجاك الضياء 
ولا تتركيني لليل القفار...].! 
في هذا المقطع الذي أتى في مطلع القصيدة كأنه مقدمة للنص امتزج فيه الفرح بالمعاناة 
ولذلك كانت بعض الكلمات معبرة عن الفرح والإشراق مثل: أطرء السماءء غنوة» الضياءء 
وأخرى توحي بالمعاناة مثل: صخورء الكآبة» تشدء قاع بحرء القرارء دجاك»....إلخ» فالمقطع 
تتناوشه نزعتان نزعة الفرح ونزعة الحزن» ومن موسيقا الحروف وايقاعها الداخلي تسمع 
أحاسيس الشاعر فرحا أو حزناء فمن امتداد كلمتي: أعالي؛ السماءء» يصدر إيقاع يمتد بعيدا 
إلى الأعلى معبرا عن أجواء الحرية والانطلاق» ومن أجراس حروف الكلمات التالية ينبعث 
إيقاع أليم حزين: خذيني» فالياء حرف صائت يترجم اللوعة» والنون بجرسها الصامت تثير في 
الإحساس الألم والحزن» وكذلك حرف الراء في جملة من الكلمات يحمل بإيقاعه تباريح الجوى 
والحزن: صخورء روحيء بحرء قرارء تتركينيء القفارء ومن هذه الإيقاعات للكلمات وعبر 
الأحرف التي تشكلها تنشأ موسيقا موازية للموسيقا الخارجية التي تحدتها التفعيلة» وبذلك فإن 
الدلالة الشعرية تتظاهر فيها مدلولات الكلمات وإيقاع الحروف. 
ومن ثمة فإن الشعرية لا تتوقف على الموسيقا الخارجية ولا على صياغة الدلالة وإنما 
تشترك في إنشائها أيضا أصوات الحروف وجرسيتها (ء/1ن7:0:6/1). 


1 الديوان السابق نفسه» ص 242. 


- 203 - 


الفصل الثالث 


10-2 الغياب والحضور: 
تثرى الشعرية بكثافة عناصر الغياب في النص التي يعمل القارئ على استحضارها 
بطريقة مجازية لذلك فإن ريفاتير يرى بأن الغياب هو الذي يطغى على النص ولا جود لحضور 
آخر غير القارئ والنصء» ومن مواطن الغياب في أشعار السياب قوله في قصيدة 'أهواء":- 
[..خلا الغاب ما فيه إلا النخيل 
والا العصافير» فهو ارتقاب...].! 

جعل الشاعر هذا البيت معلقا وهو يتوخى من القارئ أن يتجاوز المعنى الموجود ليبحث 
عن الغائب ولا يتأتى ذلك إلا بفهم المجازء فالغاب الذي يفترض أن تعج فيه الحياة هو خلو 
منها إلا ما فيه من نخيل وعصافيرء وكل شيء عدا ذلك ارتقاب» وهناك غياب لعنصر هام 
ومحرك يعطي معنى للحياة في الغاب إنه غياب الحبيبء أما الشاعر فهو وحيد يترقب لقاءً 
يعيد إليه النشاط والحيوية. 

فشعرية البيت لا تتمثل في القول الموجود بل في المعنى الغائب الذي يكمن وراء القول 
الظاهر ويتطلب استحضاره الفهم المجازي. 

ويقول في قصيدة 'ذكرى لقاء":- 

[..فأنت ترى مقلتيها هناك 
وذكرى من الليلة الماضية 
فتطوي على ركبتيك الكتاب 
وترنو إلى الأنجم النائية...].2 

إن الحضور في البيتين السابقين يجسده المعنى الظاهرء فالشاعر ينظر هناك ويستعيد 
ذكرى الليلة الماضية مع الحبيبة» بل ويطوي الكتاب ويضعه على ركبتيه» وتتسمّر عيناه وهي 
ترنو إلى النجوم النائية. 

ولا يريد الشاعر من المتلقي أن يتوقف عند هذا القول بل يريد منه النفاذ من وراء هذين 


البيتين المعلقين في الهواء إلى المعنى غير المرئي عن طريق المجاز. 


1 الديوان السابق نفسهء» ص 14. 
2 الديوان السابق نفسه.». ص 82. 


- 204 - 


الفصل الثالث 
فماذا وراءهما!؟ إنها دنيا الحبيبة الحافلة بالذكرى من الليلة الماضية» وأي ذكرى تجول 
في خاطر الشاعر يريد بثها إلى المتلقي؟ ذلك هو العنصر الغائب الذي ينبغي أن يستحضره 
القارئ. 
وفي البيت الثاني مشهد آخر للغياب فالشاعر يطوي الكتاب واضعا إياه على ركبتيه 
ويرمق عالما آخر غائباء ويتوخى من القارئ أن يستحضره عن طريق التأمل أو تلبّس رؤية 
الشاعر. 
إذا فهناك عالم غائب لا يتجلى للقارئ إلا حين يستعمل عنصر المجاز لفتح بوابات ذلك 
العالم اللامرئي. 
ويقول في قصيدة "حفار القبور":- 
[..كفان جامدتان» أبيرد من جباه الخاملين 
وكأن حولهما هواء كان في بعض اللحود...].! 
إن وصف يدي حفار القبور في هذين السطرين هو وصف شكلي فهما جامدتان 
وباردتان» وكأن هواء حولهما قد انبعث من بعض اللحود. 
فالبيتان معلقان في الهواء ولا ينتظر الشاعر من المتلقي أن يكتفي بهذا الوصف الظاهري 
لليدين» بل إن الدلالة الغائبة أعمق» وهي تضخيم معنى الموت فالكفان هما الوسيلتان اللتان 
يكون بهما الحفر والدفن وحثو التراب» وعلاقتهما بالموت أكثر من أي عضو آخرء وأثره فيهما 
أشدء ذلك هو القصد المختفي وراء التعبير. 
أما الأسطورة فقد فتحت فضاء آخر للغياب والحضور يقول السياب في قصيدة 'شباك 


[..من طوق النهر يهدهدنا ويغنينا 
عوليس مع الأمواج يسير 
والريح تذكره بجزائر منسية...].7 
غابت 'وفيقة" تلك الحبيبة التي ماتت في مقتبل عمرها الغض وقد تكبد في سبيلها مثلما 
تكبد "عوليس" من رحلته الشاقة. 
واللوحة الغائبة في المشهد من خلال المقطع: هي ذلك الماضي المليء بالحب والمعاناة: 
يريد الشاعر استحضاره من خلال قصة عوليس في الأوديسة. 


1 الديوان السابق نفسه.» ص 545. 
2 الديوان السابق نفسهء ص 119. 


- 205 - 


الفصل الثالث 
فالأسطورة برمزيتها تحيل إلى فضاء غائب لا يصرح به الشاعر وانما يوحي به إيحاء؛ 
ويرمز له من خلال الرمز الأسطوريء وهنا تتشكل الشعرية من توظيف الأسطورة: والقارئ 
يكشف الغائب من النص لكن ليس من المدلول الحرفي للنص الشعريء ولا من المعنى النصي 
للأسطورة؛ وإنما من فهمه للمجاز أو الرمزء فعوليس هو الشاعر الذي يسير مع الأمواج؛ 
والريح تذكره بالأحداث والجزائر التي مرّ بها. 
ومن قصيدة 'أفياء جيكور" قوله:- 
[..ردي أبا زيد» لم يصحب من الناس 
خلا على السفر 
إلا وما عاد. 
ردي السندباد وقد ألقته في بحرن 
يرتادها الرخ ريح ذات أمراس...].! 
حين يذكر الشاعر قصة السندباد الذي يرتاد جزرا مخيفة مهلكة يجول فيها طائر الرخ 
الأسطوري الكبيرء إنما يعني نفسه في رحلته الشاقة مع الموت الذي يطارده؛ فهذه الصورة 
المخفيّة عن الشاعر يتستر عنها ليكشفها القارئ بنفسه بفهمه للمجاز وتبقى الأسطر المكتوبة 
عنوانا ودليلا لذلك العالم المحجوب الذي يعاني فيه الشاعر أصناف المشاق والآلام المودية 
بالإنسان. 
بالإضافة إلى الأسطورة التي تسهم في تشكيل الغياب والحضور هناك التناص الذي 
يشكل هو الآخر فضاء رحبا لهذا العنصر الذي تنبثق عنه شعرية النص. 
ويكتفي البحث بورود تلك الشواهد السابقة للتناص في فهم معنى الغياب والحضور في 
ديوان السياب. 
واستحضار الغائب من النص يجعل القارئ منتجا آخر له» حيث يوظف معلوماته وثقافته 
وخياله لكي يتداعى إلى ذهنه ذلك الجزء الغائب من النصء ومن خلال البياضات التي يتركها 
الشاعر يستشف المتلقي أنواعا من الغياب» يقول السياب في قصيدة: "النهر والموت": 
[ بوتكمو ذا ويك : 
فيدلهم: فيج نمي حنين 
إليك يا بويب» 


1 الديوان السابق نفسهء ص 189. 


- 206 - 


الفصل الثالث 

يا نهري الحزين كالمطر...].! 
هذا الفراغ أو البياض الذي مله الشاعر بنقط هو فضاء يحمل الشوق والحنين ويحمل 
صور الذكريات مع هذا النهر الذي يجري في قرية الشاعرء ذكريات كثيرة يعجز الشاعر عن 
تصويرها لذلك يرمز إليها بالنقط أو البياضء ويجتهد المتلقي في استحضارها بالكيفية التي 
يشاءء وبذلك تتحقق عملية إنتاج النص من طرف المتلقي» ويشارك في صناعة شعريته أيضا. 


1 الديوان السابق نفسه» ص 453. 
- 207 - 


خاتمه: 
إن طقوس الشعرية» ذلك الفضاء السحري الخارق اللانهائي» يتطلب إعدادا شاملا 

من قوة الفكر والروح والفن» فأجواؤه البارقة العاصفة» وتياراته المبدعة الجارفة» تستنفر كل قوى 
النفس من أجل خوض غمار البحثء والكشف عن سر كل غامض ومجهول. إن الذي يجوب 
تلك الفضاءات واقفا بين الوهج والظل للقبض على اللمع المتألقة في سماوات الشعر سيكابد 
بشدة في سبيل تحقيق الهدف. 

إلا أن لذة البحث في ديوان بدر شاكر السياب 'شاعر المطر" أو 'شاعر الثورات" كما 
كان يحلو للأوساط الأدبية أن تلقبه» قد فتحت للباحث مناجم كنوز شعره فما أكبره حين قال 
وهو الرائد الأول للشعر الحداثي العربي! :- 'ومهما يكن فإن كوني أنا ونازك الملائكة أو علي 
باكثير أول من كتب الشعر أو آخر من كتبهء ليس بالأمر المهمء إنما الأمر المهم» هو أن 
يكتب الشاعر فيجيد فيما كتبه» ولن يشفع له -إن لم يجد- أنه أول من كتب على هذا الوزن أو 
تلك القافية". 

لقد كان ديوانه مزيجا رائعا بين الأصالة والمعاصرة» فشق بعبقريته سجوف الماضي 
الصفيقة» ضاربا بسيفه في تلك الأكلاس العتيقة المتحجرة لقرون» والا ما معنى أن تتلاشى 
على يده إمبراطورية الفن المكرس منذ أزمنة سحيقة؟ 

وقد انبجست عيون الشعر ثرة من جديد لتملاً الأرض نماء ورواء منذ أن كتب أولى 
قصائده "هل كان حبا" فتداعى الشعراء الرواد يمتحون من ركايا شعره العذبة» يترقبون الأشكال 
والنماذج الجديدة لينسجوا على منوالها. 

نبعت شعرية السياب من ذاته المبدعة ومن نظراته الثاقبة للتراث وللشعر الغربي الحداثي» 
واستطاع أن يشكل عالمه الشعري الخاصء وقد خاض البحث هذا العالم المليء بالدهشة 
والانبعاث» ويتجلى ذلك في الجانب التطبيقي حين كان القرب أكثر من شعره أو بالأحرى كان 
الاندماج والتوغل في أعماق قصائده أشد وأقوى. 

والنتيجة الأهم التي توصل إليها البحث هو أن السياب قد وظف في شعره كل أدوات 
الشدوية الحداقنة مما سواه :هوه ميد انا" تخضيدا لغلماة, 'الشتغرزات» «الذوق: “لذ وزالرق ‏ دلوت 
المجهودات لتحقيق الهدف دون الوصول إلى منهج متكامل أو معالم واضحة للتقنين لهذا النقد 
الجديد الذي يتوخون منه أن يكون علما. 


- 210 - 


5 


خاتمه 
وقد حاول البحث أن يجد المنهجية العلمية الملائمة لتطبيقها على مجموعة قصائد 
الديوان» وخاصة تلك المناهج المعروفة عند كبار النقاد (جاكبسون» تودوروفء كوهين؛» كمال 
أبو ديب)» إلا أنها لم تؤد - حقيقة- إلى استيعاب شعرية الديوان» مما جعل البحث يلجأ 
بالضرورة إلى الأخذ من كل منهج بطرف مع التركيز على المنهج المختار "الاستقرائي 
التحليلي"» من أجل البعد عن التفسير الجملي كما يتحتم في طريقة جاكبسون عند تطبيق 
الوظيفة الشعرية للغة في الدارة التواصلية» أو الانتقائية مثلما يحدث عند اتباع طريقة كوهين 
في الانزياح» أو الاستغراق في الحديث عن العوامل الخارجة عن اللغة التي أضافها كمال أبو 
ديبء العوامل النفسية والاجتماعية والإيديولوجية. 


- 211 - 


قائمة 


المصادر والمراجع 





قائمة المصادر والمراجع: 


القرآن الكريم» برواية ورش. 
التفسير التطبيقي للكتاب المقدس (الإنجيل). 


أ/ المصادر: 


بدر شاكر السياب: الديوان» دار العودة» بيروت» 1971. 


ب/ المراجع: 


"0 


إبراهيم خليل: مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث» دار المسيرة للنشر والتوزيع» ط1ء 
3 . 


. أبو بكر الصولي: أخبار أبي تمامء» تحقيق خليل محمود عساكر ومحمد عبدو عزام 


ونظير الإسلام الهندي. المكتب التجاري للطبياعة والنشرء بيروت» (د ت). 


3. أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين» دار الفكرء بيروت» ط 1» 1975» مج2»: ج5. 


٠.‏ إحسان عباس: بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره؛ دار الثقافة» بيروت» طث. 


.3 


. أحمد أبو سعد: الشعر والشعراء في العراق (1958-1900)» دار المعارف» بيروت» 


.5 


5 أ دوك الاثار الكاملة» دار العودة, بيروت» ط1ء 1 . 


7 أدونيس: الثابت والمتحول بحث في الإبداع والاتباع عند العرب» ج4» بيروت. ط9. 


06 


8. أمل دنقل: الأعمال الكاملة» دار العودة» بيروت؛. ط2؛ 1985م. 


.0 
.1 
.12 


. إيليا الحاوي: الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربي» نشر دار الثقافة» بيروت: 


0. 
إيليا الحاوي: بدر شاكر السياب, دار الكتاب اللبناني» ج4» (د ط)» (دا ت). 


عمو 6ه 


إيليا الحاوي: نزار قباني شاعر المرأة.ء ج1» دار الكتاب» بيروت» ط3» 1981م. 


عمو 6ه 


إيمان 'محمد أمين" خضر الكيلاني: بدر شاكر السياب دراسة أسلوبية لشعرهء دار وائل 


للنشرء عمانء ط1ء 2008. 


.13 


أيمن اللبدي: الشعرية والشاعرية» دار الشروق» عمان» 2006. 


235 


4. البحتري: ديوان البحتري» شرح يوسف الشيخ محمدء ج1» دار الكتب العلمية» بيروت» 
0. 

5.الطاهر بومزبر: أصول الشعرية العربية نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب 
الشعري؛ منشورات الاختلافء الدار العربية للعلوم» ناشرون» بيروت» ط1ء 2007. 

6.الطاهر بومزبر: التواصل اللساني والشعرية مقاربة تحليلية لنظرية رومان جاكسبونء» 
منشورات الاختلافء الدار العربية للعلوم» ناشرون» ط1ء 2007. 

7.بشير تاوريريت: أدو نيس في ميزان النقد أربع مسائل خلافية بين أدو نيس ومعارضيه. 
مطبعة مزوارء 2006. 

8.بشير تاوريريت: استراتيجية الشعرية والرؤيا الشعرية عند أدونيس دراسة في المنطقات 
والأصول والمفاهيم» دار الفجر للطباعة والنشرء قسنطينة» 2006. 

9.بشير تاوريريت: رحيق الشعرية في كتابات النقاد المحترفين والشعراء والنقاد المعاصرين» 
مطبعة مزوارء الجزائرء» 2006. 

0.جورج غريب: لحظات جمالية» دار الثقافة» بيروت» ط2» 1983. 

1.حسن البنا عز الدين: الشعرية والثقافة» المركز الثقافي العربي» المغرب. ط1ء 2003. 

2. حسن طبل: المعنى الشعري في التراث النقدي؛ دار الفكر العربي» القاهرة» ط2, 1998. 

3.حسن ناظم: مفاهيم الشعرية دراسة مقارنة في الأصول والمنهج» المؤسسة العربية 
للدراسات والنشرء بيروت؛: ط3؛: 2003. 

4.حيدر توفيق بيضون: بدر شاكر السياب رائد الشعر العربي الحديث» دار الكتب 
العلمية» بيروت؛ ط1ء 1991. 

5. خالدة سعيد: حركية الإبداع دراسات في الأدب العربي الحديث» دار العودة» بيروت» 
ط1ء 1979. 

6دزيرة سقال: بدر شاكر السياب شاعر الحداثة» دار الفكر العربي للطباعة والنشر 
والتوزيع» بيروت» (دت). 

7ابح بحوش: اللسانيات وتحليل النصوصء عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع» الأردن» 
ط]اء 2007. 

8.رشيد بن مالك: مقدمة في السيميائية السردية» دار القصبة للنشرء الجزائرء 2000. 


236 


9.روز غريب: النقد الجمالي وأثره في النقد العربي» دار العلم للملايين» ط1ء بيروت» 
02. 

0.ريمون طحان: الألسنية العربية» دار الكتاب اللبناني» بيروت» ط1ء 1972. 

1.سامح الرواشدة: فضاءات الشعرية دراسة في ديوان أمل دنقلء» المركز القومي للنشرء 
أربدء 1999. 

2.سعد البازغي: استقبال الآخر الغرب في النقد العربي الحديثء المركز الثقافي العربي» 
المغرب» ط1ء 2004. 

3. سعدي يُوسف» الأغمال الكاملة» (د ط)» (دات). 

4.سيمون جارجي: بدر شاكر السياب الرجل الشاعرء منشورات أضواءء بيروت» ط1ء 
6. 

5.ساندي سالم أبو سيف: قضايا النقد والحداثة دراسة في التجربة النقدية لمجلة 'شعر"". 
دار الفارس للنشر والتوزيع؛ الأردن» ط1ء 2005. 

6.شاهين عطية: شرح ديوات أي تمام» دار الكتب العلمية» بيروت» ط3» 2003. 

7صلاح فضل: أساليب الشعرية المعاصرة» دار الآداب» بيروت. ط1ء 1995. 

8.صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النصء المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون» 
الكويت. ط1ء 1992. 

9.صلاح فضل: مناهج النقد المعاصرء دار الآفاق العربية القاهرة» 1996. 

0. عبد الجبار عباس: السياب» دار الشؤون الثقافية العامة» وزارة الثقافة والإعلام» (دط)ء 
(دت). 

1. عبد الجليل مرتاض: اللغة والتواصل اقترابات لسانية للتواصلين الشفهي والكتابي» دار 
هومة للطباعة والنشرء الجزائر. 

2. عبد الرحمن تبرماسين: البنية الإيقاعية للقصيدة المعاصرة في الجزائرء دار الفجر للنشر 
والتوزيع» القاهرة» 2003. 

3. عبد السلام المسدي: اللسانيات من خلال النصوصء الدار التونسية للنشرء النشرة 
الأولى» 1984. 

4. عبد السلام المسدي: النقد والحداثة» دار الطليعة للطباعة والنشرء بيروت» ط1ء 1983. 

5. عبد العزيز عتيق: علم العروض والقافية» دار الآفاق العربية» القاهرةء 2004. 


237 


6. عبد الكريم حسن: الموضوعية البنيوية» دراسة في شعر السياب؛» المؤسسة الجامعية 
للدراسات والنشر والتوزيع» بيروت» ط1ء 1983. 

7. عبد الله إبراهيم وسعيد الغانمي وعواد علي: معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية 
الحديثة» المركز الثقافي العربي» المغرب؛ ط2, 1996. 

8. عبد الله محمد الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج 
معاصرء الهيئة المصرية العامة للكتاب. ط1ء 2006. 

9. عبد الله محمد الغذامي: تشريح النصء المركز الثقافي العربي» المغرب. ط1ء 2006. 

0. عبد المالك مرتاض: شعرية القصيدة قصيدة القراءة تحليل مركب لقصيدة أشجان يمانية» 
دار المنتخب العربي» بيروت؛ ط1ء 1994. 

1.عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية» دار 
العودة بيروت. ط2,» 1972. 

2.عز الدين المناصرة: تذوق النص الأدبيء» دار البركة للنشر والتوزيع» عمان» ط]ء 


006 . 
3 علي جعفر العلاق: الشعر والتلقي دراسات نقدية» دار الشروق للنشر والتوزيع» عمان؛ 
طل1ء 1997. 


4. علي جعفر العلاق: في حداثة النص الشعري دراسة نقدية» دار الشروق للنشر والتوزيع» 
الأردن» ط1ء 2003. 

5. علي عبد المعطي محمد وراوية عبد المنعم عباس: الحس الجمالي وتاريخ التذوق الفني 
عزو الفعبون:ذان القير كه العاكية للظم راون والتووي) مصان رايت ا 

6 كن حشري .زايد قراءاث في الشغو 'الكربئ ‏ المعاضن» دان الفكر العربي» مصن: 
8. 

7.غالي شكري: شعرنا الحديث إلى أين؟ دار الآفاق الجديدة» بيروت. ط2: 1978. 

8 ماك الجعرائر#-زسائل. الستياث»' المؤيسسة" العريية” للدراسات والنشو»: بيروت» 21 


4 . 
9. محمد التونجي: بدر شاكر السياب والمذاهب الشعرية المعاصرة» دار الأنوارء» بيروت: 
ط1لء 1968. 


238 


0.محمد العبطة المحامي: بدر شاكر السياب» دراسة في حياته وشعره. مطبعة المعارف» 
بغداد» 1965. 

1. محمد بدري عبد الجليل: المجاز وأثره في الدرس اللغويء دار النهضة العربية بيروت» 
0. 

2. محمد بن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء»ء ج3: مطبعة المدني» المؤسسة 
السعودية» مصرء (ددت). 

3.محمد بنيس: الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها في الشعر المعاصرء دار توبقال 
للنشرء المغرب» ط1ء 1990. 

4. محمد سالم سعد الله: ما وراء النص دراسات في النقد العربي المعاصرء جدارا للكتاب 
العالمي» عمان» ط1ء 2008. 

5.محمد سليمان ياقوت: علم الجمال اللغوي (المعاني والبيان والبديع)؛» دار المعرفة 
الجامعية» ج1. ط1ء 1995. 

.محمد صابر عبيد: جماليات القصيدة العربية الحديثة» منشورات وزارة الثقافة» سورياء 
5. 

7.محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديثء دار العودة» بيروت: 1986. 

8. محمد مصايف: النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي» المؤسسة الوطنية للكتاب» 
الجزائر» ط2, 1984. 

9. محمد مصطفى أبو شوارب وأحمد محمد المصري: جماليات الأداء الفني قراءات تحليلية 
في نصوص أدبية» دار الوفاءء مصرء. ط1ء 2006. 

0.محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)» المركز الثقافي العربي» 
المغرب» ط4؛ 2005. 

1.مشري بن خليفة: القصيدة الحديثة في النقد العربي المعاصرء منشورات الاختلاف». 
سلسلة كريتيكاء ط1ء 2006. 

2.مصطفى السعدني: البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث» منشأة المعارف». 
الإسكندرية,» 1987. 

3.موسى ربابعة: جماليات الأسلوب والتلقي دراسات تطبيقية» دار جرير للنشر والتوزيع» 
ط1اء 2008. 


239 


4 ميجان الرويلي وسعد البازغي: دليل الناقد الأدبي» المركز الثقافي العربي» المغرب» 
ط4؛ 2005. 

5نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصرء دار الآداب» بيروت: ط1ء 1962. 

6نزار قباني: الشعر قنديل أخضرء منشورات نزار قباني» بيروت؛ ط 16: 2000. 

7نصر أبو حامد: النص والسلطة والحقيقية» المركز الثقافي العربي» المغرب.» ط5»؛ 
6. 

8نعيم اليافي: تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث» منشورات اتحاد الكتاب 
العرب (دات). 

9نور الدين السد: الأسلوبية وتحليل الخطاب؛ ج2», دار هومة:» الجزائرء 1997. 

0. هاني الخير: بدر شاكر السياب ثورة الشعر ومرارة الموت» دار سلان للطباعة والنشر 
والتوزيع» سورياء ط1ء 2006. 

1.يوسف خليف: مواقف بين الشعر والنقدء دار غريبء القاهرةء» 2003. 

2 يوسف وغليسي: الشعريات والسرديات قراءة اصطلاحية في الحدود والمفاهيم» منشورات 
مخبر السرد العربي» جامعة منتوريء قسنطينة» 2007. 

ج/ الكتب المترجمة: 

3. أمبرتو إيكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية» ترجمة سعيد بن كرادء المركز الثقافي 
العربي, المغرب؛. ط1ء 2000. 

4. بيير جيرو: علم الإشارة السيمولوجياء ترجمة منذر عياشيء طلاس للدراسات والترجمة 
والنشرء دمشق» ط1ء 1988. 

5 نزفيتان تودوروف: الشعرية» ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة» دار توبقال 
للنشرء المغرب. ط2؛ 1990. 

6.جريجوري جوزدانيس: شعرية كفافي» ترجمة رفعت سلامء» طبعة الهيئة العامة لشؤون 
المطابع الأميرية» مصرء 2000. 

7.جيروم ستولنيتز: النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية» ترجمة فؤاد زكرياء دار الوفاء» 
مصرء ط]ء 2007. 

8.رومان جاكبسون: قضايا الشعرية» ترجمة محمد الولي ومبارك حنونء» دار توبقال 
للنشرء المغرب» ط1ء 1988. 


210 


9. هيغل: المدخل إلى علم الجمال» ترجمة جورج طرابيشيء» دار الطليعة» بيروت. ط2»: 
0. 

د/ الرسائل الجامعية: 

0 إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث» ديوان المطبوعات الجامعية؛ 
الجزائر. 

1.بسام قطوس: سيمياء العنوان» عمان» ط1ء 2002. 

2. جمال مباركي: التناص وجمالياته في الشعر الجزائري المعاصرء إصدارات رابطة إبداع 
الثقافية» دار هومة» الجزائرء» 2003. 

3. عثمان حشلاف: التراث والتجديد في شعر السياب.ديوان المطبوعات الجامعية» الجزائر» 
6. 

4 فريد سعدون: الصورة الشعرية عند بدر شاكر السياب» التصنيف: 811.9563009 
مكتبة الأسدء دمشق» 1996» رسالة ماجستير. 

5 اهز دربال: ذيوان أتشودة المطر ليكر “شاكر السياب» رسالة 'ماحستين» مكتية الأسدء 
دمشقء رقم التصنيف 811.9563009. 

6.يحي الشريف عبد الرزاق: الانسجام والاتساق في شعر عثمان لوصيفء؛ جامعة محمد 
خيضرء كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية» بسكرة؛ الجزائرء 22004 22005» ص 
7 28» رسالة ماجستير. 

ه/ المجلات والدوريات: 

7.أحمد زغب: الإيقاع في الشعر الشفاهي بين الداخل والخارج» الأثرء مجلة الآداب 
والعلوم الإنسانية» جامعة قاصدي مرباح؛ ورقلة» الجزائر» ع6: 2007. 

8 بلوهم محمد: سلطة القارئ» مجلة السيميائية والنص الأدبي» أعمال ملتقى معهد اللغة 
العربية وآدابهاء جامعة عنابة باجي مختار 17/12 ماي 1975. 

9. عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة» مجلة عالم المعرفة» العدد 232» أفريل 1998» 


0. عبد الوهاب شعلان: القراءة المحايثة للنص الأدبي» مجلة الموقف الأدبي» 
دمشق» العدد 383» مارس» 3 . 


241 


1. محمد بلقاسم: الأثرء مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية» جامعة قاصدي مرباح؛ ورقلة؛ 
الجزائر» ع6» 2007. 

2. محمد بلوحي: اللغة الشعرية للنص الجاهلي في ضوء الخطاب النقدي الغربي الحديث» 
مجلة الآداب والعلوم الإنسانية» جامعة سيدي بلعباسء الجزائرء ع2 2003/2002. 

3 نبيلة إبراهيم: القارئ في النص نظرية التأثير والاتصالء مجلة فصولء القاهرة» العدد 1» 
المجلد /. 


و/ المعاجم: 
4 . سلطاني الشريف: الهدى, دار الهدى للطبياعة والنشر والتوزيع» الجزائر» 1. 
5 . سهيل إدريس: المنهل» دار الآداب للنشر والتوزيع» بيروت» ط39. 07 


ز/ المراجع الأجنبية: 
,2001165 565 ,2211116 59 11161310116 12 0111م 0165 :لالع تمده ]ا ع0121010 .106 
1896 وتيو ,1988 ,ومطاعا ندل متتل ,عتأمأقتط مامد 
5 ©6526131#ع ع126011] 12 3 1210011611012 ,250610116 هآ :عمتقاصةظط 103510 .107 
1 ,2005 نل 2206 رع زنج 11161 ودع م101 
,1983 ,لتناء5 011 101105 ,ألع16 عل 01501115 للوء011577ل8 :عأاعمع0) 061310 .108 
011 


0 و1215 0165 56201010116 ع155[قمكظ :دعطكلء تامع" عم2011) .109 
0 عت 181350131101 هآ ع0 10171512116 ومعووع21 ,1311م -11م6طا 


12 19/79 ,030161 101115 أء ع0110110) ,12110 -موعء ل 


,2005 ,801100 22906 ,وعاعرع] وعل0 عناونا206 :3111197 مدعل .110 
,0 15نامطا عل عع1612م ع0 ,عطمع201دع ع1طد02) :01آ لمعستسقطهمكة .111 
4 ,23215 ,51111016320 

2 01181025 5ع ع15دجمة؟1 ع0651م 123 عل 0'01 م1191 عنآ :نتعطوع5 عتتعاط .112 
,1111715116 ]اتام ط 51323 ,1940 

ناك ,006610116 11111165) 11111101221101 ,2161 لك 531502 ع0نا :2110طممةخ] .113 
,162215531 ع0 5عو55ع1م ألوة86 


202 





نماذج من شعره 
هوى واحد 

على مقلتيك ارتشفت النجوم وعانقت آمالي الآيبة.. 
وسابقت حتى جناح الخيال بروحيء إلى روحك الواثبة 
أطلت فكانت سنا ذائبا بعينيك» في بسمة ذائبة ١‏ * 
* * أناشيد تحت ضياء القمر فتحلم 
أنت التي رددتها مناي أزهاره بالمطر ويغفو على 
تغني بها في ليالي الربيع الزورق المنتظر 3 
ويمضي صداها يهز الضياء بماارتج في قاعها من شراب 

2 
خذي الكأس بلي صداك العميق 
خذي الكأس لا ؛ جف ذاك الرحيق 

ولم يبق إلا جنون السراب 


والا صدى هامس في القرار: 2 ألا ليتني ما سقيت التراب ‏ * 


عا عا 
خذي الكأسء» إني زرعت الكروم 
على قبر ذاك الهوى الخاسر 


فأعراقها تستعيد الشراب خذي 
الكايت الزمان 

* 
وكان انتظارا لهذا الهوى وارسال 
طرفي يجوب العباب إلى أن 
أهل الشراعء الضحوك 


عا 


7 


وضللت في وهدة 


6 ها امى 34 3 


وتشتفه من يد العاصر فما في 
حياتي سوى حاضر 9 
جلوسي على الشاطئ المقفر 
ويرتد عن أفقه الأسمر وقالت 
لك الأمنيات: انظري 5 
وقلبي» وأشواقك العارمة؟ صداها 
.. فيا لك من ظالمة ذبولا على 
الزهرة النائمة ع 
خطانا وأنفاسنا الواجفة تغني به 
القبلة الراجفة ومازال في غيهب 


* * العاطفة 1 


213 


أتنسين تحت التماع النجوم 
وكيف احتضنا صدى في القلوب 
صدى لج قبل احتراق الشفاه 
* ورانت على الأعين الوامقات 
تنادي بها رغبة في الشفاه فترتج 
عن ضغطة في اليدين 
14 
«شقيقة روحي ألا تذكرين» 
وهمس من الأنجم الحالمات 
تسلل من فجوة في الستار 
5 
تعالي» فما مازال في مقلتي كما 
لاح في الجدول المطمئن فلا 
تزعمي أن هذا جليد 


214 


نماذج من شعره 


ظلال من القبلة النائية ويمنعها 
الشك .. والواشية جمعنا بها 
الدهر في ثانية 7 
نداء سيبقى يجوب السنين يهز 
التماعاتها بالرنين إليك وقال : 
ألا تذكرين ٠.‏ 
سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد خيال 


* اللظئن :والتجوم: البشاد. كلا 


تزعمي أن هذا رماد ؟ 


1|006 


عينان زرقاوان 

عينان زرقاوان .. ينعس فيهما لون الغدير أرنو 
«فننسات: “الخال ,ويتضت» "القلتن: الكسيق 
وأغيب في نغم يذوب .. وفي غمائم من عبير 
بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير ناء 
.. يموت وقد تثاءب كوكب الليل الأخير 
يمضي على مهلء وأسمع همستين .. وأستدير 
فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير 
© 

حسناء .. ياظل الربيع؛ مللت أشباح الشتاء 
بوذا فطل بهن التوافة: كلا عونى' السا عجحستاء 
.. ماجدوى شبابي إن تقضى بالشقاء عيناك .. 
يا للكوكبيقخ الحالمين بلآانتهاء ١‏ لولاهما ما 
كنت أعلم أن أضواء الرجاء زرقاء ساجية .. 
وأن النور من صنع النساء هي نظرة من 
مقلتيك؛ وبسمة تعد اللقاء ويممضي يومي عن 
غدي ؛ وتقفر أش باح الشتاء 
© 

عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال ؟ 
ساج تلثم بالسكون فلا حفيف ولا انثيال ‏ إلا 
صدى واه يسيل على قياثر في الخيال. إني 
أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال ... في 
مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال؛ وغفا 
الزمان..فلا صباحء ولامساءء ولازوال! 

إني أضيع مع الضباب..سوى بقايا من سؤال: 
عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال ! 


215 


نماذج من شعره 


0106|ظ1ط1 


هل تسمين الذي ألقى هياما؟ 
أم جنونا بالأماني ؟ أم غراما؟ 
ها يكوخ لحف ؟ توكا وانتسانا؟ 
أم خفوق الأضلع الحرىء إذا حان التلاقي 
بين عينيناء فأطرقتء فرارا باشتياقي 
عن سماء ليس تسقينيء إذا ما ؟ 
جئتها مستسقياء إلا أواما 

أو “يو جه 
العيون الحورء لو أصبحن ظلا في شرابي 
جفت الأقداح في أيدي صحابي 
دون أن يحظين حتى بالحباب. 
هيئي» ياكأسء من حافاتك السكرىء مكانا 
تتلاقي فيه يوماء شفتانا 
في خفوق والتهاب 
وابتعاد شاع في آفاقه ظل اقتراب 

و 3 له 
كم تمنى قلبي المكلوم لو لم تستجيبي 
من بعيد للهوى؛ أو من قريب؛ 
آه لو لم تعرفي» قبل التلاقي» من حبيب ! 
أي ثغر مس هاتيك الشفاها 
ساكبا شكواه آها .. ثم آها ؟ 
غير أني جاهل معنى سؤالي عن هواها ؟ 
أهو شيء من هواها يا هواها ؟ 

ا 2 
أحسيد الضنوء الطرويا 
موشكاء مما يلاقي» أن يذوبا 


216 


0 


1 


نماذج من شعره 


نماذج من شعره 
في رباط أوسع الشعر التثاماء 
السماء البكر من ألوانه آناء وآنا 
لاينيل الطرف إلا أرجوانا. 
ليت قلبي لمحة من ذلك الضوء السجين؛ 
أهو حب كل هذا ؟! خبريني. 
161019 


217 


ربيع الجزائر 


سلاما بلاد اللظى والخراب 
ومأوى اليتامى وأرض القبورء 
أتى الغيث وانحل عقد السحاب 
فروى ثرى جائعا للبذور. 
وذاب الجناح الحديد 
على مكدر انوع تفي فى كل ركن قاد بريد 
وتبحث عن ظامئات الجذور. 
وما عاد صبحك نارا تقعقع غضبى وتزرع ليلا 
ولام قطن 
وتنفث قابيل في كل نار يسف الصديد 
وأصبحت في هدأة تسمعين نافورة من هتاف 
لديك يبشر أن الدجى قد تولى 
وأصبحت تستقبلين الصباح المطلا 
بتكبيرة من ألوف المآذن كانت تخاف 
فتأوي إلى عاريات الجبال 
تبرقع أصداءها بالرمال . 
ا 3 
بماذا ستستقبيلن الربيع ؟ 
ببقيا من الأعظم البالية 
لبا شعلة رقت الذالية 
تعير العناقيد لون النجيع. 
وفي جانبي كل درب حزين 
عيون تحدق» تحت الثرى 
تحدق في عورة العاجزين. 
لو تستطيع الكلام 
لصبت على الظالمين 


218 


نماذج من شعره 


نماذج من شعره 
حميما من اللعنات» من العارء من كل غيظ دفين. 
بعلت يكح تبج الطدم : 
ود ك--2 

ييوظك تنقئ :طوال المسناء 
مفتحة فيك أبوابها 
لعل المجاهد بعد انطفاء اللهيب وبعد النوى والعناء 
يعود إلى الدار يدفن تحت الغطاء 
جراحاء يفر إليه الصغار ترفرف أثوابها 
يصيحون ١‏ بابا»» فيفطر قلب السماء 
- << وماذا حملت لنا من هدية ؟ » 
- << غدا ضاحكا أطلعته الدماء. » 
وكم دارة في أقاصي الدروب القصية 
مفتحة الباب» تقرعه الريح في آخر الليل قرعا 
فتخرج أم الصغار 
ومصباحها في يد أرعش الوجد منهاء 

يرود الدجىء ما أنار 
سوى الدرب قفر المدى» وهي تصغي وترهف سمعا 
وما تحمل الريح إلا نباح الكلاب البعيد؛ 
فتخفت مصباحها من جديد 

ا ني 

<< ولما استرحنا بكينا الرفاق ! ©» 


هماس لأنييس عبر القرون 
وها أنت تدمع فيك العيون 


وتبكين قتلاك. 
نامت وغى فاستفاق 


بك الحزن : عاد اليتامى يتامى» 
ردى عاد ما ظن يوما فراق. 


219 


نماذج من شعره 
سلاما بلاد الثكالى» بلاد الأيامى 
سلاما 
سلاما ٠.٠.‏ 
بيروت: 1962/06/07 


220 


نماذج من شعره 
جيكور والمدينة 
وتلتف حولي دروب المدينة 
حبالا من الطين يمضغ قلبي 
حبالا من النار يجلدن عري الحقول الحزينة 
ويحرقن جيكور في قاع روحي 
ويزعن فيها رماد الضغينة. 
دورب تقول الأساطير عنها 
على موقد نام : ما عاد منها 
ولا عاد من ضفة الموت سارء 
كأن الصدى والسكينة 
جناحا أبي الهول فيهاء جناحان من صخرة في ثراها دفينه. 
فمن يفجر الماء منها عيونا لتبني قرانا عليها؟ 


ومن يرجع الله يوما إليها؟ 


وفي الليل» فردوسها المستعاد» 

ذا عو الستكن :نه عصيويه 

ورص المصابيح تفاح نار 

ومد الحوانيت أوراق تينة: 

فمن يشعل الحب في كل. درب وفي كل مقهى وفي كل دار؟ 
وتخضل من لمسهاء من ألوهية القلب فيهاء عروق الحجار؟ 
إذا سبحت باسم رب المدينة 

- بصوت العصافير في سدرة يخلق الله منها قلوب الصغار - 
رحى معدن في أكف التجار 


221 


نماذج من شعره 

لها ما لأسماك جيكور من لمعة واسمها من معان كثارء 
فمن يسمع الروح ؟ من يبسط الظل في لافح من هجير النضار؟ 
ومن يهتدي في بحار الجليد إليها فل يستبيح السفينة؟ 
وجيكورء من غلق الدور فيها - وجاء ابنها يطرق 

الباب - دونه؟ 
ومن حول الدرب عنها .. فمن حيث دار اشرأبت إليه المدينة؟ 
وجيكور خضراء مس الأصيل ذرى النخل فيها 
يمد الكرى لي طريقا إليها : 
مق القلي بمقدة عبن الدقاليز .عين'التجن والفلاع: الحضيكة + 
وقد نام في بابل الراقصون 
وغشىء على أعين الخازنين» لهاث النضار الذي يحرسونه : 
خضاد المجاعات في .جننيها: 
رحى من لظى مر دربي عليهاء 
وكرم من عساليجه العاقرات شرايين تموز عبر المدينة» 
شرايين في كل دار وسجن ومقهى 
وسجن وبار وفي كل ملهى 
وفي كل مستشفيات المجنانين ... 
في كل مبغى لعشتار .. 
يطلعن أزهارهن الهجينة : 
وفي كل مقهى وسجن ومبغى ودار : 
)) دمي ذلك الماء» هل تشربونه؟ 
ولحمي هو الخبرء لو تأكلونه! » 
وتموز تبكيه لاة الحزينة. 
ترفع بالنواح صوتها مع السحر 


222 


نماذج من شعره 
ترفع بالدواج صوتها : كنا تيد الشسهن 
تقول : << ياقطارء يا قدر 
قتلت - إذ قتلته - الربيع والمطر 2». 
ولاة تستغيث بالمضمدء الحفر 
أن يرجع ابنها : يديه» مقلتيه» أيما أثر ! 
وترسل النواح : «< ياسنابل القمر 
وصكه الجدارء خضه» رماه لمحة البصر. 
أراد؛ أن يخير + أن يبدد الظلام .. فاندحر » 
ل 


ثم يضمت الوين» 


وجيكور خضراء مس الأصيل 
ذرى النخل فيها 
ودربي إليها كومض البروق» 
بدا واختفى ثم عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينة 
وعرى يدي من وراء الضماد كأن الجراحات فيها حروق. 
وجيكور من دونها قام سور 

وبوابة 

واحتوتها سكينة. 

فمن يخرق السور ؟ من يفتح الباب ؟ يدمي على كل قفل يمينه؟ 
ويمناي : لا مخلب للصراع فأسعى بها في دروب المدينة 
ولا قبضة لابتعاث الحياة من الطين 


223 


نماذج من شعره 





وجيكور من دونها قام سور 
وبوابة 
واحتوتها سكينة. 


224 


نماذج من شعره 


عيناك غابتا نخيل ساعة السحرء 
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر. 
عيناك حين تبسمان تورق الكروم 
وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهر 
يرجه المجذاف وهنا ساعة السحر 
كأنما تنبض في غوريهماء النجوم ... 


وتغرقان في ضباب من أسى شفيف 
كالبكو مرج اليديق فوقة المشناء: 
كاه الشتات فيه وا زتساقنة الحزيت»: 
والموتء والميلاد» والظلام» والضياء؛ 
الما مل روفي يعنية الكاء 
ونشوة وحشية تعانق السماء 

قنكيوة الطفل [ذا شاف من القن ! 
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم 
وقطرة فقطرة تذوب في المطر ... 
وكركر الأطفال في عرائش الكروم؛ 
ودغدغت صمت العصافير على الشجر 
أكشروقة الفظر + 

مطر . 

مطر . 

مطر . 

تكافنه قينا ده و فانرا 

تسح ما تسح من دموعها الثقال. 
كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام : 


225 


بأن أمه - التي أفاق منذ عام 

فلم يجدهاء ثم حين لج في السؤال 
قالوا له : << بعد غد تعود )» - 
ابد أن تعود 

وان تهامس الرفاق أنها هناك 

في جانب التل تنام نومة اللحود 
تسف من ترابها وتشرب المطر؛ 
كأن صيادا حزينا يجمع الشباك 
ويلعن المياه والقدر 

وينثر الغناء حيث يأفل القمر. 
ملو 

مطر . 

أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟ 
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟ 
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟ 
بلا انتهاء - كالدم المراق» كالجياع؛: 
كالحبء كالأطفال» كالموتى - هو المطر! 
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر 
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق 
ستواحل الغراق بالنجوم والمحان: 
كأنها تهم بالشروق 

فيسحب الليل عليها من دم دثار. 
أصيح بالخليج : << ياخليج 

ياواهب اللؤلؤ؛ والمحارء والردى! » 
فيرجع الصدى 

كأنه النشيج : 

« ياخليج 


226 


نماذج من شعره 


نماذج من شعره 


ياواهب المحار والردى .. » 


أكاد أسمع العراق يذخر الرعود 
ويخزن البروق في السهول والجبال» 
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال 
لم تترك الرياح من ثمود 

ع الواك.فن. امن 

أكاد أسمع النخيل يشرب المطر 
وأسمع القرى تئن» والمهاجرين 
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع, 


عواصف الخليجء والرعود» منشدين : 


« مطر ... 

لوطو 

فطر: 

وفي العراق جوع 

وينثر الغلال فيه موسم الحصاد 
لتشبع الغربان والجراد 

وتطحن الشوان والحجر 

وى طون فى الحقول وه رهواها بترن 
مط 

مطرم 

فظن 


وكم ذرفنا ليلة الرحيل» من دموع 

ثم اعتللنا - خوف أن نلام - بالمطر... 
مطر . 

مطر . 


22 


نماذج من شعره 
وَفنة أن كنا ضيعازا» كانت الشماء 
تغيم في الشتاء 
ويهطل المطرء 
وكل عام - حين يعشب الثرى - نجوع 
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع. 
مطر . 
مطر . 
مطر . 
في كل قطرة من المطر 
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر. 
وكل دمعة من الجياع والعراة 
وكل قطرة تراق من دم العبيد 
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد 
أو حلمة توردت على فم الوليد 
في عالم الغد الفتي» واهب الحياة! 


سيعشب العراق بالمطر... » 


أصيح بالخليج : < ياخليج ... 

يا واهب اللؤلؤء والمحارء والردى ! » 
فيرجع الصدى 

كأنه النشيج : 

ايا خليج 


يا واهب المحار والردى. » 


228 


وينثر الخليج من هباته الكثارء 

على الرمال : رغوه الأجاج؛ والمحار 
وما تبقى من عظام بائس غريق 

من المهاجرين ظل يشرب الردى 
من لجة الخليج والقرارء 

و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق 
من زهرة يربها الفرات بالندى. 

وأسمع الصدى 

يرن في الخليج 

« مطر ... 

مطر . 

مطر . 

في كل قطرة من المطر 

حمراء أو صفراء من أجنة الزهر. 
وكل دمعة من الجياع والعراة 

وكل قطرة تراق من دم العبيد 

فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد 
أو حلمة توردت على فم الوليد 

في عالم الغد الفتي» واهب الحياة! 


و لفطو بن 


229 


نماذج من شعره 


الكويت :1952 


نماذج من شعره 


غريب على الخليج 
الريح تلهث بالهجيرة» كالجثام» على الأصيل 
وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل 
زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار 
من كل حاف نصف عار. 
وعلى الرمال» على الخليج 
جلس الغريب»؛ يسرح البصر المحير في الخليج 
ويهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج 
< أعلى من العباب يهدر رغوه ومن الضجيج 
صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى : عراق» 
كالمد يصعدء كالسحابة» كالدموع إلى العيون 
الريح تصرخ بي : عراق» 
و الموج يعول بي : عراق» عراق» ليس سوى عراق! 
البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون 
والبحر دونك يا عراق. 
بالأمس حين مررت بالمقهى» سمعتك يا عراق ... 
وكنك قورة أسظوانة 
هي دورة الأفلاك من عمريء تكور لي زمانه 
في لحظتين من الزمان» وان تكن فقدت مكانه. 
هي وجه أمي في الظلام 
وصوتهاء يتزلقان مع الرؤى حتى أنام؛ 
وهي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب 
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لايؤوب 
من الدروب؛ 
وهي المفلية العجوز وما تشوش عن «< حزام » 
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء »» الجميلة 
فاككازها... اللابهدياف 


230 


نماذج من شعره 
زهراء» أنت .. أتذكرين 
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين؟ 
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين؟ 
ووراء الباب كالقضاء 
قد أوصدته على النساء 
أيد تطاع بما تشاءء لأنها أيدي رجال - 
كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال. 
أفتذكرين ؟5 أتذكرين؟ 
سعداء كنا قانعين 
بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء. 
حشد من الحيوانات والأزمان» كنا عنفوانه؛ 
كنا مداريه اللذين بينهما كيانه. 
أفليس ذاك سوى هباء؟ 
حلم ودورة اسطوانة؟ 
إن كان هذا كل ما يبقى فأين هو العزاء؟ 
أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه؛ 
ياأنتماء مصباح روحي أنتما - وأتى المساء 
و الليل أطبقء فلتشعا في دجاه فلا أتيه. 
لو جئت في البلد الغريب إلي ما كمل اللقاء! 
الملتقى بك والعراق على يدي .. هو اللقاء! 
شوق يخض دمي إليه» كأن كل دمي اشتهاء. 
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء. 
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة! 
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون! 
أيخون إنسان بلاده؟ 
إن خان معنى أن يكون» فكيف يمكن أن يكون؟ 
الشمس أجمل في بلادي من سواهاء والظلام 


231 


نماذج من شعره 
- حتى الظلام - هناك أجملء» فهو يحتضن العراق. 
واحسرتاه» متى أنام 
فأحين أن غلى الوننادة 
من ليلك الصيفي طلا فيه عطرك ياعراق؟ 
بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة 
غنيت تربتك الحبيبة» 
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه؛ 
فسمعت وقع خطى الجياع تسيرء تدمى من عثار 
فتذر في عيني» منك ومن مناسمهاء غبار. 
مازلت أضربء مترب القدمين أشعثء في الدروب 
كحك الكسوين الأحضدة 
متخافق الأطمارء أبسط بالسؤال يدا ندية 
كنكرا من ذلووهت دل تهاة عت 
ييخ الغنونة الأحتينة 
بين احتقار. وانتهار» وازورار .. أو<< خطية » 
والقوك: أقوة حنم ««ديخطية ): 
مق للف الإنقاق لضي لفون لكيه 
قطرات ماء .. معدنية! 
فلتنطفيء يا أنت» يا قطرات» يا دمء يا .. نقودء 
ياريح» يا إبرا تخيط لي الشراع - متى أعود 
إلى العراق ؟ متى أعود؟ 
يا لمعة الأمواج رنحهن مجذاف يرود 
بي الخليجء ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود! 


ليت السفائن لا تقاضي راكبيها عن سفار 
أو ليت أن الأرض كالأفق العريضء بلا بحار! 


232 


نماذج من شعره 
مازلت أحسب يا نقودء أعدكن وأستزيد» 
مازلت أنقصء يا نقودء بكن من مدد اغترابي» 
مازلت أوقد بالتماعتكن نافذتي وبابي 
في الضفة الأخرى هناك فحدثيني يانقود 
متى أعود ؟ متى أعود 
أتراه يأزف» قبل موتيء» ذلك اليوم السعيد؟ 
سأفيق في ذاك الصباحء وفي السماء من السحاب 
كسرء وفي النسمات برد مشبع بعطور آب؛ 
وأزيح بالثؤباء بقيا من نعاس كالحجاب 
من الحريرء يشف عما لا يبين وما يبين : 
عما نسيت وكدت لا أنسى» وشك في يقين. 
ويضيء لي - وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي - 
ما كنت أبحث عنه في عتمات نفسي من جواب 
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب؟ 
اليوم - واندفق السرور علي يفجأني - أعود! 


واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق! 

وهل يعود 
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدخر النقود 
وأنت تأكل إذ تجوع ؟ وأنت تنفق ما يجود 
به الكرام» على الطعام؟ 

لبكين على العراق 
فما لديك سوى الدموع 
وسوى انتظارك» دون جدوىء للرياح وللقلوع! 
الكويت - 1953 


2233 


فهرس 
الموضوعات 


مقدمة شإ و 
التمهيد: مفهوم الشعرية ا ااا ا 
1/ المفهوم العام للشعرية. 0 
2/ الشعرية والشاعرية. 01010101 0 
3 الشعرية والجمالية. 0 
4/ الشعرية في التراث العربي 1 
5/ تأثر الشعرية العربية بالشعرية الغربية الحداثية م 1 
الفصل الأول:- الشعرية الحدائية الغربية والعربية وفضاءاتها . 74-22 
1/ الشعرية الحداثية الغربية. 0 
1-1 الشعرية في المدارس النقدية الغربية الحداثية 0 
1 -2 الشعرية لدى النقاد والشعراء الغربين الحداثيين ز ز ز 0 00 000 
2/ الشعرية الحداثية العربية. 0 
1-2 الشعرية لدى النقاد والشعراء العرب المحدثين: 0 
3/ فضاءات الشعرية الحداثية. 0001002012121 0 
الفصل الثاني:- التجربة الشعرية والأسس الفنية للتركيب 

الشعري عند بدر شاكر السياب 1020-0 
1/ التجربة الشعرية عند بدر شاكر السياب. ا 0 
1-1 اللغة. 0[ 1 ا 0 
2-1 الخارج/الداخل. 0 
3-1 الموسيقا الخارجية والإيقاع الداخلي 02010111 0000 
4-1 المجاز. 1 
5-1 التقابل/ تنافر الأضداد. 1 
2/ الأسس الفنية للتركيب الشعري في قصائد بدر شاكر السياب 11 


- 245 - 


1-3 الصورة الشهرية. 001 0١-1‏ 


2-2 الأسطورة ©:11(:11/ ب 001012‏ 0001| 
3-2 الرمز الشعري. ا ا 11 
4-2 شعرية التناص 17116110111:01116. 1 
الفصل الثالث:- (الجانب التطبيقي). اممو و رو ج43 209712 
فضاءات الشعرية في ديوان بدر شاكر السياب. 00 
1/ عناصر الفضاء الخارجي:- ا 1 
1 -1 التكرار. ااا ااا ا د01 000 
521 الاين : 00 
3-1 التقابل/ تنافر الأضداد. 00 0 ااا :00 
4-1 التوازي. 000 
5-1 الأسطورة. 7ب1ب-000021 0000000 
1 -6 الرمز الشعري. 1 1 
7-1 المعجم اللغوي. 1 
8-1 الموسيقا الخارجية ام ام ا ا 1 
9-1 القافية/ الوقفة. 001312121212121 0 ا 0 
2/ عناصر الفضاء الداخلي:- ا ا ا ا 10 
1-2 الصورة الشعرية. 110 1[ 0ن 
5-3 التتاضن. 0011100 
3-2 المفارقة. 11111 ز[ز[ز[ [ز[ز[ [ [ 1 ا 00 
4-2 الانقطاع. 1 
5-2 الانزياح. 11[ 00000 
6-2 التأويل. 00 ا 00 
كه السوطن. 0 51 1[1زؤز[زة[ز[ز ز ز 000001 
8-2 الفجوة: مسافة التوتر 1 
9-2 الإيقاع الداخلي. و 2 
10-2 الغياب والحضور. 010010 0 ااا ا 


- 246 - 


0